القضاء يحسم قضية الطبيبة بان بالانتحار.. "انفوبلس" تفصّل غرائب رافقت القضية المثيرة للجدل
انفوبلس/ تقرير
في الرابع من آب/أغسطس 2024، استيقظ العراقيون على خبر صادم: وفاة الطبيبة البصرية الشابة بان زياد طارق، اختصاصية الطب النفسي، في ظروف غامضة داخل منزلها. الخبر سرعان ما تحوّل إلى قضية رأي عام شغلت المنصات الرقمية ووسائل الإعلام، ليتجاوز الأمر حدود الفقد الإنساني نحو مشهد مرتبك، تداخل فيه العاطفي بالسياسي، والقانوني بالإعلامي، حتى بدا وكأن الفضاء الرقمي أقام محكمته الخاصة، وأصدر أحكامه، بينما كان القضاء الرسمي لم يقل كلمته بعد.
لكن مع إعلان مجلس القضاء الأعلى في العراق، في منتصف أغسطس، أن ما جرى هو "انتحار" وأن القضية أُغلقت بشكل نهائي، انقسم الرأي العام مجددًا بين من يثق بالقرار القضائي، ومن يرى أن الحادثة تخفي وراءها جريمة قتل جرى التستر عليها. وبين هذين الموقفين، تكشّفت غرائب عديدة في الفضاء الرقمي العراقي، جعلت من قضية بان مثالًا صارخًا على هشاشة المشهد الإعلامي والاجتماعي في البلاد.
وتحولت قضية وفاة الدكتورة بان من مجرد حدث طبيعي إلى ظاهرة رقمية معقدة، كشفت عن تداخل خطير بين العاطفي والسياسي والقضائي. ووفقاً لتحليل المشرف العام لمركز الإعلام الرقمي مهند حبيب السماوي، أثبتت هذه القضية أن الفضاء الرقمي في العراق قادر على خلق "محكمة" افتراضية وإصدار أحكامها قبل أن يقول القضاء الرسمي كلمته.
فما هي أبرز الغرائب التي رافقت القضية؟
رافق القضية عدد من الممارسات الغريبة التي أثارت جدلاً واسعاً، أبرزها:
انتهاك خصوصية الضحية: تم تداول فيديو للضحية من داخل المشرحة، في انتهاك صارخ لكرامة الميت وخصوصيته، مما أثار استياءً واسعاً.
ظهور "المحققين الرقميين": برزت مجموعة من المستخدمين الذين نصّبوا أنفسهم "محققين"، حيث أخذوا يحللون الصور والفيديوهات ويفككون علامات الجروح، وكأن منصات التواصل الاجتماعي تحولت إلى محكمة جنائية.
إصدار أحكام مسبقة: سارع آلاف المستخدمين إلى إصدار أحكام نهائية وتحديد الجاني قبل صدور أي قرار قضائي رسمي، مما شكل ضغطاً على مجريات التحقيق.
التنمّر والاتهامات: تعرض شقيق الضحية للتنمّر بسبب مظهره، واعتُبر ذلك "دليلاً" على ارتكابه للجريمة أو مشاركته فيها، في اتهام لا يستند إلى أي أساس قانوني أو منطقي.
*استغلال القضية لأجندات شخصية
لم يقتصر الأمر على المحاكمة الافتراضية، بل تحولت القضية إلى أداة لاستغلالها من قبل جهات مختلفة:
صعود إعلامي: استثمر بعض الشخصيات غير المعروفة القضية للعودة إلى الساحة الإعلامية.
تدخل سياسي: أدلى سياسيون بتصريحات مختلفة وأصدروا أحكاماً مسبقة دون انتظار نتائج التحقيق، مما أضاف تعقيداً على المشهد.
أجندات خاصة: استغلت بعض المنظمات القضية لربطها بقانون الأحوال الشخصية، كما تم ربط الحادث بملفات فساد أو جرائم سابقة أو توجيهات معينة مرتبطة بالحكومة المحلية.
وبحسب المشرف العام لمركز الإعلام الرقمي مهند حبيب السماوي، فإن ما حدث في قضية الدكتورة بان يُعد اختباراً حقيقياً لهشاشة المشهد الرقمي العراقي، حيث يمكن أن تتحول الحقائق إلى مادة للاستعراض السياسي والإعلامي، بينما تضيع الحقيقة وسط الضجيج وتُشوش عليها.
وفي سياق منفصل، يرى السماوي، أن وفاة الدكتورة بان تمثل مفارقة كبيرة ودرسًا عميقًا عن واقع العالم الرقمي. فالراحلة التي كانت طبيبة نفسية مختصة في علاج الاكتئاب، انتهى بها الأمر إلى الانتحار، في حدث يثير التساؤلات حول مدى فهمنا الحقيقي للناس من خلال صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويوضح السماوي أن ما نراه على هذه المنصات هو مجرد "قشرة" لواقع أكثر تعقيداً وتشابكاً. فالأشخاص يخفون خلف شاشاتهم عوالم مليئة بالتناقضات والصراعات الداخلية التي لا تظهر في منشوراتهم وصورهم.
وخلص إلى أن هذه الحادثة تذكير مؤلم للجميع بأن الإنسان أعمق بكثير مما تُظهره مواقع التواصل، وأن حقيقة شخصيته تبقى مخفية، ولا تشبه الصورة التي يقدّمها عن نفسه في عالم رقمي صدّقنا أنه حقيقي ويمثل الواقع.
تقرير مجلس القضاء الأعلى
أعلن مجلس القضاء الأعلى، الاثنين، استلام القرار الخاص بقضية الطبيبة بان زياد، من رئاسة محكمة استئناف البصرة، والتي اكدت ثبوت الانتحار واغلاق التحقيق.
وأظهرت وثائق التقرير الخاص، والتي اطلعت عليها "انفوبلس"، وجود مطابقة خط العبارة "أريد الله" مع خط الطبيبة الأصلي في العديد من الكتابات والوصفات، بالإضافة الى الشهود من أقاربها وعائلتها وأصدقائها بمعاناتها من ضغط نفسي، بل إن أحد زملائها أخبر بأنه تلقى اتصالا هاتفيا منها، قبل انتحارها، وأبلغته بعبارة أن "جسمي يريد مني قطع يدي".
بالإضافة الى الشعر الموجود على جسد الطبيبة يتطابق مع شعرها، كما أن الكاميرات أثبتت عدم دخول أي شخص الى منزل الضحية، كما أن الكدمات على جسد الضحية بعضها حدث بعد الوفاة نتيجة نقلها، وبعضها قديمة تعود الى 5 أيام قبل الحادثة، فيما قرر القضاء الإفراج عن عمر ضاحي وتبرئته عن تهمة التحريض على الانتحار، بعد أن كان هو آخر شخص أرسلت الضحية له رسائل يطغو عليها صيغة العتاب.
وتنشر "انفوبلس" نص القرار القضائي الذي حكم بإغلاق القضية، وتبرئة المتهم بقتل الطبيبة البصرية بان زياد طارق.
وتحولت وفاة الطبيبة العراقية الشابة والمعروفة، بان زياد طارق، لقضية رأي عام في مدينتها البصرة، إذ سرعان ما انضم إليها عراقيون من مختلف أنحاء البلاد، للتشكيك في رواية انتحارها والمطالبة بتحقيق مستقل في تهمة قتل.
وقال النائب مصطفى سند افي حوار متلفز، الأحد، إن "تسجيلات كاميرات بيت الدكتورة موجودة بالكامل لشهر كامل والدكتورة حاولت الانـتحار سابقا باستخدام الأدوية، وتم إجراء عملية غسل معدة لها، والأطباء كتبوا بالتقرير (جرثومة معدة) حتى يغطون عليها".
وفي تفاصيل الجريمة، ذكر أن "الشعر الموجود بين إيديها هو شعرها، لأنها كانت تمشط قبل الحادث، وكتابة عبارة “أريد الله” هي بخطها، وطابقوها مع كتاباتها، كما وأخوها تم الإفراج عنه، وليس هناك أي دليل على تعرضها لاغتصاب، وآخر رسالة منها قبل الحادث كانت إلى دكتور زميل لها".
وتابع سند، أن "الشقة التي تسكنها عائلة الدكتورة من 2018، وليس لها أي علاقة بما يُدار الحديث من أن محافظ البصرة له علاقة بالقضية"، معلناً، "إذا ثبت أن الدكتورة بان قُتلت سأقدم استقالتي من البرلمان ولن أترشح مجددا".
ومنذ الساعات الأولى لإعلان وفاة الدكتورة بان، في 4 آب أغسطس الجاري، انقسم الرأي العام في العراق وعلى منصات التواصل الاجتماعي بين من يصدّق الرواية العائلية التي تقول: إن بان أقدمت على إنهاء حياتها، ومن يرى أن القضية تحمل أبعادا أكثر تعقيدا، وأن وراءها جريمة مكتملة الأركان جرى التستر عليها. حيث إن المؤيدين للفرضية الثانية استندوا إلى شهادات عدد من زملاء الطبيبة، أكدوا فيها مشاهدتهم آثار كدمات وتعذيب على جسدها، وهي مؤشرات (برأيهم) تنفي احتمال الانتحار وتدعم فرضية القتل.
وتصدرت قضية الدكتورة بان اهتمامات وسائل الإعلام المحلية، حيث ظهر زملاء للطبيبة بان، متعاطفين مع الراحلة، في محطات التلفزة العراقية للرد على رواية العائلة التي تتمسك بكون ابنهم ماتت منتحرة. كما تصدر وسم #بان_لم_تنتحر_بان_قُتلت على منصة (أكس)، فيما علق مدونون على قرار القضاء بـ"وعند الله تجتمع الخصوم".
ملاحظات "مهمة"
قضية الدكتورة بان ليست الأولى التي تتحول إلى محاكمة علنية في الفضاء الرقمي العراقي، لكنها الأبرز من حيث حجم التفاعل وتشابك العوامل. ويمكن استخلاص عدة ملاحظات:
هشاشة الثقة بالقضاء: رغم إغلاق الملف رسميًا، بقيت الشكوك قائمة، ما يعكس فجوة كبيرة بين المؤسسات القضائية والرأي العام.
الاستعراض الرقمي: مواقع التواصل تحولت إلى ساحة سباق لكسب المتابعين عبر استغلال المآسي.
التسييس السريع: أي قضية فردية قابلة لأن تُستثمر سياسيًا وربطها بملفات فساد أو نزاعات محلية.
الأثر النفسي والاجتماعي: إدمان العراقيين على استهلاك المآسي الرقمية جعل من قصة بان مادة للاستقطاب، بدل أن تكون مناسبة لمراجعة واقعية لأسباب الانتحار وضغط العمل في بيئات غير آمنة.
والخلاصة، فإن رحيل الدكتورة بان زياد طارق كشف عن أكثر من مأساة شخصية. لقد كشف عن مجتمع يبحث عن الحقيقة وسط الضجيج، وعن فضاء رقمي هش يمكن أن ينتهك خصوصية الموتى ويحوّل المآسي إلى مسرح للاستعراض السياسي والشخصي. وبينما أقفل القضاء الملف باعتباره "انتحارًا"، تبقى الحقيقة بنظر كثيرين ضائعة وسط التناقضات.
القضية كانت وما زالت تذكيرًا مؤلمًا بأن الإنسان ليس ما يظهر على الشاشة، وأن العراق بحاجة ماسّة إلى فضاء رقمي أكثر وعيًا، وإلى قضاء قادر على إقناع جمهوره قبل خصومه.





