"الكمأ" في العراق.. قصة نبات يفضله العراقيون على اللحم: هذه مواسمه وطريقة جمعه
انفوبلس/ تقرير
في مثل هذه الأيام يبدأ موسم جني "الكمأ" في مدن شمال وغرب العراق على وجه التحديد في فعالية تجمع بين المتعة والسفر، للتنقيب عن "لحم الفقراء"، كما يحلو للأهالي تسميته، رغم أنّ أسعاره بالعادة تكون أعلى من سعر اللحم والذي بدأ فعلياً بالانتشار في الأسواق المحلية العراقية حيث وصل سعره إلى أكثر من 50 دولاراً.
والكمأ.. نوع من الفطر ينمو تحت سطح الارض الى عمق 30 سم تقريبا في جماعات، حجمه كروي لحمي رخو منتظم وسطحه أملس أو خشن وله أنواع منها "الزبيدي والخلاسي" وهما الأجود، وهناك (الاوبر) وهو الأردأ، ويختلف لونه من الأبيض إلى الأسود، ويكون في احجام تتفاوت وقد يصغر بعضُها حتى يكونَ في حجم حبَّة البُندق، أو يكبُر ليصلَ حجم البرتقالة، وكان يسمى بـلحم الأرض.
وقد عرف العرب الكمأ وكانوا يسمونه "نبات الرعد" لأنه يكثر عند الرعد وتُنمّيه الأمطار، وهو مختلف عن النبات إذ لا جذور له ولا أوراق وينبت بلا تكلفة بذر ولا زراعة ولا سقاية وهو لا يُزرع وكل محاولات زراعته باءت بالفشل لأنه (مِنّة من الله إلى عباده)، كما يقول عنه المتاجرون به.
للكمأ أو "الجِمه" باللهجة العراقية المحلية، أنواع وألوان وأحجام مختلفة، ولكل منها سعره وزبائنه أيضاً، وبغرض البحث عنه يتوجه العراقيون إلى الصحراء والبوادي القريبة، على شكل مجموعات شبابية أو عائلات تتفق في ما بينها، ثم يشرعون في التنقيب عنه في الأماكن المرتفعة في الأرض لرفع التراب من فوقه واستخراجه.
وينمو الكمأ طبيعياً في المناطق الصحراوية خاصة في الصحراء الغربية بمحافظة الأنبار، وفي بادية السماوة، وغيرها من المناطق الجنوبية، إذا توفرت له الظروف المناخية المناسبة كالأمطار المصحوبة بالرعد والبرق دون تدخل الإنسان في زراعته، وقد لوحظ وفرته في عام 2019 داخل الأسواق نتيجة للظروف المناخية الَتي ساعدت على إنباته، حتى وصل سعره إلى 3000 دينار للكيلوغرام الواحد (أقل من 3 دولارات) أو أقل من ذلك حسب مناطق بيعه.
ويعدّ العراق واحدًا من أكثر بلدان العالم التي يتواجد فيها الكمأ، إذ يتوفر بكثرة في حقول الصحراء الغربية وبعض مناطق وسط وجنوب البلاد، مطلع موسم الربيع من كل عام، وفي حال كانت هناك أمطار غير مصحوبة بالبرق والرعد فلا تجدي نفعاً في نموه، أي إنّ السبب المهم في وجود الكمأ هو حدوث البرق الذي يعمل على إظهاره على شكل تشققات على سطح الأرض.
*أنواعه
هناك كثير من أنواع الكمأ، الأبيض والأسود والرمادي والبني وغيرها، لكن الكمأ الأبيض أكثر ندرة من الكمأ الأسود الذي يأتي معظمه من إيطاليا وفرنسا وكرواتيا، ويصل عدد الأنواع إلى 70 نوعاً، 32 منها في أوروبا وحدها، وتذكر الموسوعة الحرة من أنواعه العربية: الزبيدي الكبير الحجم المائل إلى البياض، والخلاسي (الخلاص) ذو اللون الأحمر وهو أصغر من الزبيدي، وفي بعض المناطق ألذ وأغلى في القيمة من الزبيدي، وهناك أيضاً نوع الجبي (الجبأة) ذو اللون الأسود - الأحمر الصغير الحجم. ومن أردأ أنواع الكمأ الهوبر الأسود اللون، فهو من الأنواع التي تظهر عادة قبل ظهور الكمأة الأصلية، وهو يدل على أن الكمأة ستظهر قريباً.
الزبيدي أشهر الأنواع
تزخر بادية العراق الجنوبية بأنواع عدّة من الكمأ، أشهرها "الزبيدي" الذي يتميز بكبر حجمه نسبياً ولونه المائل إلى البياض، إضافة إلى "الخلاصي" الأحمر اللون، وفي بعض المناطق يكون ألذّ وأغلى من "الزبيدي"، كما يوجد "الجبي" الأسود المحمَّر، أما "الهوبر" فهو أردأ أنواع الكمأ، ويكاد لا يُباع ولا يُشترى.
وتتركز تجارة الكمأ في الزبير الذي يُعدّ ثاني أكبر قضاء في العراق، حيث ينقل البدو إلى سوقه حصادهم اليومي، ومع توسع تجارته يُباع بالجملة في مزادات علنية ينظّمها وسطاء (سماسرة)، ويحددون أسعاره بناء على العرض والطلب، ويصل سعر الكيلوغرام من (الزبيدي) الكبير الحجم نسبياً إلى 75 ألف دينار عراقي (ما يعادل 50 دولاراً)، وهو أغلى بكثير من أي فاكهة محلية أو مستوردة.
تصدير إلى الخليج
خلال الأعوام الماضية، كانت كميات غير قليلة من الكمأ العراقي تُصدَّر يومياً إلى الكويت عن طريق منفذ سفوان الحدودي البري الوحيد بين البلدين، لكن جائحة كورونا تسببت بإغلاقه، فلجأ بعض التجار خلال العام الحالي إلى نقله براً الى إقليم كردستان في شمال العراق، ومن ثم جواً إلى بعض دول الخليج، خصوصاً قطر والإمارات، ويُعدّ "الزبيدي" الذي يتميز بمذاقه اللذيذ ورائحته المميزة، النوع المفضَّل في ذلك.
وبحسب بائع الكمأ في سوق الزبير، حاتم الجشعمي فإن "التصدير إلى بعض دول الخليج يؤدي إلى رفع أسعاره محلياً، ولولا الصعوبة حالياً بسبب إغلاق منفذ سفوان الحدودي لتضاعفت أسعاره أكثر".
وتعتمد وفرة الكمأ على غزارة الأمطار المصحوبة بالبرق والرعد، ورصد العرب هذه العلاقة التي كان يكتنفها الغموض منذ زمن بعيد، ومع التقدم أوجد العلماء تفسيراً دقيقاً لها، إذ أفادوا بأن البرق يُزيد من تركيز أوكسيد النيتروجين في الهواء، فيتّحد مع المطر ويتغلغل في التربة، ما يساعد على نمو هذا النبات، وبسبب العلاقة الوثيقة بين ظهوره وحدوث البرق يسمى أحياناً "بنت الرعد".
وعادةً ما تكون رحلات البحث عن الكمأ محفوفة بالمخاطر، فالعراق من أكثر الدول التي تنتشر فيها الألغام على مستوى العالم، ونسبة غير قليلة مخبّأة في أرض البادية الجنوبية وتهدد حياة الباحثين عن هذا النبات، وبعض رحلات البحث عن الكمأ تنتهي بمأساة، إذ قُتل 5 عراقيين خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في حوادث متفرقة بألغام ومقذوفات حربية غير منفجرة تتركز في مناطق نائية، بعضها متاخم للحدود مع السعودية والكويت، ومن المفارقات أن هذه المناطق تعد الأفضل للكمأ كمّاً ونوعاً، عدا وفرته في مناطق صحراوية نفطية يُمنع البحث فيها.
*لحم الارض
يقول الاطباء إن للكمأ فوائد جيدة لصحة الإنسان لكن الكثيرين لا يعرفون أهميته والغريب أن الجهات الصحية لا توضح للناس هذه الفوائد، ومنها شفاء أمراض العيون، وقد روى الطبري: كثرت الكمأة على عهد رسول الله فامتنع قوم عن أكلها وقالوا هي (جدريّ الأرض) فبلغ الرسول (ص) ذلك فقال: إن الكمأة ليست هي جدري الأرض، إلا إن الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين.
كما ذكر العالم ابن سينا (أن ماء الكمأ يُغلى ويُبرّد ثم يكتحل به كعلاج لأمراض العين).. فيما يؤكد أحد الأطباء العراقيين أن الكمأ له قيمة غذائية عالية لأنه يحتوي على البروتينات والدهون والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والنيتروجين والهيدروجين والفسفور وفيتامين ــ ب ــ والمواد النشوية وغيرها.
*فوائد الكمأة
بالإضافة إلى نكهتها القوية اللذيذة ورائحته النفّاذة، فإن الكمأة مُغذية للغاية وقد ارتبطت بالعديد من الآثار الصحيّة القويّة، وفيما يلي أبرز تلك الفوائد:
الكمأة مليئة بالمغذيات الهامة للجسم
وفقاً لما ذكره موقع Health Line الطبي الأمريكي، فإن الكمأة تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات والبروتينات والألياف وتحتوي على كل من الأحماض الدهنية المشبّعة وغير المشبّعة، وكذلك المغذّيات الدقيقة، مثل فيتامين سي والفوسفور والصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم والمنغنيز والحديد.
في حين يُشير الموقع الطبي إلى أن الكمأة قد تكون مصدراً كاملاً للبروتين، حيث توفّر جميع الأحماض الأمينية الأساسية الـ9 التي يحتاجها الجسم.
وخصائص المغذيات يمكن أن تختلف باختلاف الأنواع، على سبيل المثال، فإن الكمأة الصحراوية البيضاء تحتوي على نسبة أعلى من البروتين والدهون والألياف مقارنة بالأنواع الأخرى، مثل أنواع الصحراء السوداء.
تحتوي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة
الكمأ مصدر كبير لمضادات الأكسدة، وهي مركبات تساعد في محاربة الجذور الحرة وتمنع الضرر التأكسدي لخلاياك.
فيما تعد مضادات الأكسدة مهمة للعديد من جوانب صحتك وقد تكون مرتبطة أيضاً بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل السرطان وأمراض القلب والسكري.
لها خصائص مضادة للجراثيم
بالإضافة إلى خصائصها الغذائية، فإن الكمأة تحتوي أيضاً على خصائص مضادة للميكروبات يمكن أن تساعد في تقليل نمو سلالات معينة من البكتيريا.
أظهرت إحدى الدراسات المخبرية المنشورة في العام 2004 على موقع PubMed وهو قاعدة بيانات تابع للمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة، أن مستخلص الكمأ الصحراوي يثبّط نمو المكورات العنقودية الذهبية بنسبة تصل إلى 66%، وهذه المكورات البكتيرية بإمكانها أن تسبب مجموعة واسعة من الأمراض لدى البشر.
الكمأة قد تساعد في قتل الخلايا السرطانية
على الرغم من أن الأدلة تقتصر حالياً على الدراسات المخبرية، فإن بعض الأبحاث تشير إلى أن الكمأة قد تمتلك خصائص قوية مضادة للسرطان، فعلى سبيل المثال أظهرت دراسة أنبوبة اختبار منشورة على موقع PubMed في العام 2014، أن المركبات المستخلصة من أنواع مختلفة من الكمأة ساعدت في منع نمو خلايا أورام الكبد والرئة والقولون وسرطان الثدي، وأن المستخلصات من كلا النوعين من الكمأة، الأسود والأبيض أظهرت تأثيرات مضادة للسرطان على خلايا سرطان عنق الرحم والثدي والقولون، ومع ذلك، هناك حاجة لدراسات إضافية لتقييم كيفية تأثير الكمأة على نمو السرطان لدى البشر عند تناولها بدلاً من تناولها في شكل مستخلص مركز.
الكمأة تقلل الالتهاب
يُعد الالتهاب جزءاً حيوياً من وظائف المناعة التي تساعد في الدفاع عن جسمك ضد العدوى والمرض، ومع ذلك يُعتقد أن الحفاظ على مستويات عالية من الالتهاب على المدى الطويل يساهم في تطور مرض مزمن، وبالتالي تشير بعض الأبحاث إلى أن الكمأة قد تساعد في تخفيف الالتهاب وبالتالي تعزيز الصحة العامة والمناعة.
إحدى الدراسات التي أجرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب في العام 2014، على أنبوب الاختبار أظهرت أن بعض المركبات في الأنواع السوداء والبيضاء يمكن أن تمنع نشاط إنزيمات معينة تشارك في عملية الالتهاب.
إضافة إلى أن الكمأة تساعد في محاربة تكوين الجذور الحرة، والتي يمكن أن تقلل من خطر تلف الخلايا والالتهابات.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم كيف أن تناول كميات طبيعية من الكمأة قد يؤثر على مستويات الالتهاب لدى البشر.
فوائد الكمأة للعيون
وفقاً لما ذكره موقع GardenluxK فإن الخصائص المضادة للأكسدة في ماء الكمأة جعلت منه مفيداً جداً في علاج أمراض العيون والوقاية منها، فهو لا يساعد على تحسين الرؤية وحسب وإنما يعالجها من الأمراض المعدية والفيروسية.