المرحلة الثالثة و6 محافظات عراقية جديدة مطلع 2026.. انفوبلس تتتبع تطبيق قانون الضمان الصحي

انفوبلس/ تقرير
تواصل الحكومة العراقية إجراءات تنفيذ قانون الضمان الصحي في العراق، والذي أقره مجلس النواب في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، ليكون أول قانون بهذا الخصوص ينظم تقديم الخدمات الصحية للمواطنين أسوة بغالبية دول العالم، فأين وصلت مراحل التطبيق؟ وما وضع القطاع الصحي في العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 حتى اليوم؟
وكان البرلمان العراقي قد أقرّ قانون الضمان الصحي أكتوبر/تشرين الأول 2020، الذي يضم 12 فصلا و44 مادة، مع إلزامية تطبيقه في غضون 6 أشهر بعد المصادقة عليه في فبراير/شباط 2021 من قبل رئيس الجمهورية السابق برهم صالح.
ولم تُفلح البلاد في تطبيق القانون ضمن المدة القانونية، بسبب الأزمات التي شهدتها طوال تلك الفترة مع عدم إقرار الموازنة العامة (حال دون توفير التخصيصات المالية للخطة)، وتعطل تشكيل الحكومة لأكثر من عام بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكن في بداية العام 2023، كان وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي أعلن إطلاق استمارة الضمان الصحي في البلاد، قائلا "إن القطاع الصحي يُعد أحد أهم برامج الحكومة وأولوياتها، وإن هناك 5 برامج مهمة، على رأسها تطبيق قانون الضمان الصحي". مضيفا، إن القانون يهدف لحماية المواطن من الإنفاق غير المستطاع على الخدمات الصحية من خلال مساعدة الدولة ومشاركتها بجزء من قيمة وكلفة الخدمات التي يتلقاها المواطن في القطاع والأجنحة الخاصة التابعة لوزارة الصحة. وأكد وقتها أن الموظف الذي يشترك بنسبة 1% من راتبه الشهري سيكون مشمولاً بالضمان، إضافة إلى زوجته وأبنائه (دون 18 عاما) ووالديه من غير الموظفين، على حد قوله.
أين وصلت مراحل التطبيق؟
اليوم الأربعاء 21 مايو/ أيار 2025، حدّدت وزارة الصحة، مطلع العام المقبل موعداً لتطبيق الضمان الصحي في ستِّ محافظات، بعد نجاحه في العاصمة بغداد. إذ قال مدير عام صندوق الضمان الصحي، علي أحمد عبيد إنَّ "شمول المحافظات بمشروع الضمان الصحي سيتمّ بشكل تدريجي بعد توفير البنى التحتية".
وأضاف، إنَّ "مجلس إدارة هيئة الضمان برئاسة وزير الصحّة، وافقت على شمول ستّ محافظات حتى الآن، هي: البصرة، ميسان، ذي قار، النجف الأشرف، بابل وكربلاء المقدسة"، متوقعاً إضافة محافظتين أخريين خلال الأيام المقبلة تمهيداً لدخول الضمان الصحي فيها حيّز التنفيذ خلال العام المقبل".
وأشار عبيد إلى أنَّ الهيئة تعمل على توفير الأبنية والمقرات وإعداد الموظفين في المحافظات، لافتاً إلى أنه يمكن لأيِّ موظف مشمول بالضمان، مراجعة المؤسسات الصحية في المحافظات الأخرى على وفق دفتر الضمان. وبيَّن أنَّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أوعز بالتوجّه نحو الأتمتة والرقمنة، لذا عملت هيئة الضمان على إعداد نظام إلكتروني شامل يربط بين مقدمي الخدمة ومقر الهيئة والمضمونين إلكترونياً من خلال منح بطاقة بايومترية لمراجعتهم، ومن المؤمل إطلاقه خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بعد إحالته إلى إحدى الشركات، ووصوله إلى مراحل إنجاز متقدمة.
مدير عام صندوق الضمان الصحي، كشف أيضاً، عن الاستعانة بمنصَّة (أور) الحكومية التابعة إلى مركز البيانات الوطني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء عند إجراءات التسجيل، إذ تم ربط قاعدة بيانات التقاعد الوطنية مع قاعدة بيانات المنصَّة لضمان دقة الإجراءات الخاصة بالتسجيل، وعدم التلاعب بها، مع إمكانية الوصول إلى بيانات المتقاعدين عند تثبيت رقمهم التقاعدي في المنصَّة.
وذكر أنَّ خطط الهيئة تشمل الوصول إلى ضمان جميع المواطنين صحياً ودعمهم بالنفقات العلاجية وتقديم المؤسسات الصحية الخدمات لهم بجودة عالية، مع تقليل أجور علاج المرضى بدلاً عن سفرهم إلى الخارج، وكذلك الإفادة من الخبرات والطاقات في القطاع الخاص، إضافة إلى تحقيق التكافل الاجتماعي.
عبيد أوضح أنَّ قانون الضمان الصحي حدّد ثلاثة إجراءات، أولها التسجيل وتقديم الخدمات، والثاني تحويل المؤسسات الصحية للعمل بنظام التمويل الذاتي على وفق نظام المحاسبة الموحد وتفعيل دور أطباء الأسرة، أما الإجراء الأخير فهو شمول جميع المواطنين بالضمان.
وبشأن عدد المشمولين في المرحلتين الأولى والثانية حتى الآن، قال عبيد: "حققت هيئة الضمان الصحي إنجازاً كبيراً تمثل بشمول أكثر من مليون و(76) ألفاً و(12) مواطناً من مختلف شرائح المجتمع.
وفي شهر نيسان الماضي 2025، أعلن وزير الصحة صالح الحسناوي، إطلاق وتنفيذ المرحلة الثالثة من تطبيق قانون الضمان الصحي في بغداد، وتشمل 350 ألف مواطن من المسجلين في شبكة الرعاية الاجتماعية وأفراد عائلاتهم.
وفي الشهر ذاته، كشف رئيس هيئة الضمان الصحي علي الزيادي، عن خطة وزارة الصحة لشمول موظفي 28 مؤسسة حكومية بنظام الضمان الاجتماعي خلال العام الحالي 2025، مع استحصال بيانات 450 ألف أسرة تمهيداً لشمولها بالخدمات الصحية المقدمة، فيما استعرض إحصاءات العام الماضي التي بيّنت إجراء 1200 عملية جراحية إلى جانب أكثر من 52 ألف خدمة استشارية ومختبرية متنوعة.
الزيادي قال، إن خطة الضمان الصحي لعام 2025 تشمل موظفي 28 مؤسسة حكومية، بالإضافة إلى مفاتحة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتزويد الهيئة ببيانات 450 ألف أسرة من أجل شمولهم بالضمان الصحي، لافتا الى ان خطة الهيئة لعام 2024 تضمنت شمول موظفي أكثر من 48 مؤسسة ووزارة في برنامج الضمان الصحي في بغداد، بالإضافة إلى شمول 460 ألف متقاعد.
وتابع، إن موافقة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد وردت على شمولهم في الضمان الصحي، والهيئة بانتظار تزويدها بأسمائهم وتفاصيل بياناتهم لإدخالهم ضمن النظام، وذلك تمهيدًا لشمولهم في خطة الهيئة في مطلع عام 2026، مشيرا الى ان العمل جارٍ لفتح باب التسجيل للمتقاعدين في الأيام القليلة المقبلة، وذلك لتسهيل شمولهم، بعد عقد عدة اجتماعات مع مسؤولي هيئة التقاعد لتبسيط إجراءات تسديد استحقاقات البدلات الشهرية.
هيئة الضمان الصحي تعمل على تحديث إجراءاتها وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة، حيث سيتم التعاقد قريبًا مع مجمعات طبية للعيادات الاستشارية لتسهيل إجراءات المضمونين وضمان سرعة حصولهم على الخدمات الطبية، بحسب الزيادي الذي كشف ان عدد الخدمات المقدمة من هيئة الضمان الصحي في مجال العمليات الجراحية والفحوصات الطبية خلال عام 2024 بلغ 1200 عملية جراحية، و19 ألف خدمة استشارية، بالإضافة إلى أكثر من 32 ألف خدمة مختبرية وإشعاعية، وأكثر من 7000 خدمة لعلاج الفم والأسنان.
يشار إلى أن وزير الصحة الحالي صالح الحسناوي، وعندما كان نائبا في لجنة الصحة النيابية في الدورة السابقة، هاجم قانون الضمان الصحي، وأكد في حينها انه يحول القطاع الصحي التي ترعاه الدولة الى قطاع صحي تجاري ويدفع من جيب المواطن، خاصة وأن الصحة حق مكفول لكل مواطن في الدستور، وبهذا القانون فان تخلي الدولة عن مسؤولياتها يعد جريمة كبرى.
لكن ممثلة إعلام وزارة الصحة ربى فلاح تقول، إن "الضمان الصحي هو مشروع لتقليل العبء الملقى على عاتق المواطن العراقي المتأتي من مساهمة الدولة بجزء كبير في الخدمات الصحية، عبر مبادرة صندوق الضمان الصحي الذي يحقق مبدأ العدالة الاجتماعية، ويحسن من جودة الخدمات الصحية والطبية للمؤسسات الحكومية والخاصة".
وتضيف فلاح، إن "الضمان الصحي يستهدف جميع شرائح المجتمع، لكن الاستقطاعات الشهرية تختلف بحسب الحالة والعمر ومصدر الدخل، إذ يلزم قانون الضمان الصحي جميع الموظفين الحكوميين وموظفي الشركات المسجلة في الضمان الاجتماعي بدفع نسبة من المرتب الشهري قدرها 1 بالمئة على أن يكون حصول أسر الموظفين الحكوميين على الضمان اختيارياً، ويعفى من تلك الاستقطاعات الشرائح الآتية: المشمولون بالرعاية الاجتماعية، المصابون بالسرطان، المصابون بالأمراض النفسية أو العقلية، المصابون أمراض الدم الوراثية، المصابون بأمراض الكلى، المصابون بالعوق الجسدي أو الذهني، والمصابون بداء التوحد، معاقو القوات الأمنية، من تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، والأطفال دون سن الخامسة".
وتشير فلاح إلى أن "الضمان الصحي لن يقتصر على المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية، بل ستشترك المستشفيات الأهلية (الخاصة)، وتحصل على أجورها من صندوق الضمان الصحي، الذي تتحكم به الجهات الرسمية الحكومية، وبنسبة قدرها 75 بالمئة، فضلاً عن إسهام المواطن بنسبة قدرها 25 بالمئة".
وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة العراقية أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان وفقا لتقرير سابق.
بالعودة إلى التاريخ، يمكن وضع القطاع الصحي في العراق منذ تأسيس دولته عام 1921 حتى اليوم في 5 مراحل، جرى التطرق لعدة أشكال من الضمان الصحي في 3 مراحل منها.
المرحلة الأولى: من عام 1921 إلى 1951، وفيها تأسست وزارة الصحة وأُلغيت فوراً وأُدمجت كمديرية ضمن وزارة الداخلية ثم ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية، واقتصر دورها في تلك الفترة على تقديم رعاية صحية محدودة، في وقت تفاقم انتشار أمراض خطرة كالملاريا والبلهارزيا والسل والجدري وغيرها، دون وجود أيّ إجراءات أو علاجات تقدمها المؤسسة الصحية باستثناء عزل المرضى بانتظار الموت الحتمي.
المرحلة الثانية: من عام 1952 إلى 1963، وهي الفترة التي تأسست فيها وزارة الصحة وشهدت الانقلاب على الملكية وتأسيس الجمهورية، وشهد القطاع الصحي تطوراً ملحوظاً فوصل عدد المستشفيات العامة إلى نحو 131 مستشفى في عام 1963، وهو العام الذي شهد تشريع قانون التأمين الصحي في الأرياف" رقم 131 لتحسين الواقع الصحي وتشجيع الأطباء على الانتقال للأرياف والعمل فيها.
المرحلة الثالثة: من عام 1964 إلى 1990، وشهدت تلك الفترة -وفقاً لتقارير اليونيسف- ذروة التطور التصاعدي في القطاع الصحي، حيث وصلت نسبة تقديم الخدمات الصحية المجانية لـ97 بالمئة من سكان المدن و71 بالمئة من سكان الريف وكانت 2 بالمئة فقط من أسرّة المستشفيات العامة تدار بشكل خاص، وذلك في العام الذي سبق غزو العراق للكويت وتعرضه لعقوبات اقتصادية.
وشهدت هذه المرحلة تشريع قانونَين خاصَّين بالضمان الصحي، الأول قانون رقم 211 لعام 1975، وهو "قانون المؤسسة العامة للتأمين الصحي والصحة الريفية" الذي هدف إلى تأسيس مؤسسة باسم (المؤسسة العامة للتأمين الصحي والصحة الريفية)، ويكون مركزها ببغداد، وترتبط بوزارة الصحة، لتأمين تقديم الخدمات الصحية للمواطنين كافة دون الحاجة للاشتراك.
أما الثاني فقد كان قانون "صناديق الضمان الصحي لموظفي دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي" رقم (101) لسنة 1985، وكان هذا أول قانون يمنح خدماته للموظفين والمواطنين المشتركين فقط، لكنه منح حرية اختيار الاشتراك من عدمه للجميع دون استثناء.
المرحلة الرابعة: من عام 1991 إلى 2002، مع العقوبات الخانقة على العراق، بعد اجتياحه الكويت، انهار القطاع الصحي بشكل كبير، فانخفض تمويله الحكومي بنسبة 90 بالمئة حتى وصل إلى 50 مليون دولار فقط في عام 2002 (أقل من دولارين اثنين للفرد الواحد) بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.
المرحلة الخامسة: الفترة من عام 2003 حتى الآن، شهدت ارتفاعاً كبيراً بتخصيصات وزارة الصحة حيث بلغت عام 2004 -وفقاً للصحة العالمية- نحو مليار دولار (نحو 39 دولارا للفرد الواحد)، لكنها عاصرت في الوقت ذاته أعتى مستويات الفساد المالي والإداري في تاريخ الدولة.
كذلك شهدت إعادة العمل بنظام الضمان الصحي المبني على الاشتراك مع إضافة العديد من التعديلات، حيث صوّت مجلس النواب على قانون الضمان الصحي الذي يضم 12 فصلاً و44 مادةً في عام 2020، وأطلقت وزارة الصحة استمارة الانضمام للمواطنين في مطلع عام 2023 معلنةً دخوله حيّز التنفيذ.