المنصات الوهمية تبتلع مدخرات العراقيين.. ربح يبدأ بـ30 ألفا وينتهي بضحايا وأزمة صحية

انفوبلس/ تقارير
احتيال لكنه منظَّم، وفخ مصادره مجهولة، إيهام في البداية بتحقيق الأرباح لكن النهاية غالبا ما تنتهي بخيبات آمل كبيرة، إذ إن المنصات والتطبيقات والحسابات والشركات الوهمية باتت تشكل خطرا كبيرا على الشباب لا سيما أولئك الذين يفتقدون إلى مصادر الدخل الثابت، انفوبلس تابعت هذا الملف واستطلعت آراء الضحايا والمختصين وأعدَّت تقريرا مفصّلا عن منصات النصب هذه تقرأونه عبر الرابط أدناه.
كيف يبدأ الاحتيال؟
يبدأ الاحتيال بمبالغ بسيطة غالباً لا تتجاوز 30 ألف دينار، يُزعم أنها "أرباح أولية" يمكن سحبها بسهولة، في محاولة لكسب ثقة الضحية، بعدها تُطلب "رسوم ضمان" لسحب الأرباح التي يُقال إنها ارتفعت إلى 100 دولار أو أكثر.
ويستمر هذا النمط في تصعيد تدريجي يستنزف أموال الضحية، وصولاً إلى دعوته لجلب مشاركين جدد.
بعض الضحايا خسروا ملايين الدنانير، حيث تشير التقديرات إلى أن إجمالي الخسائر في بعض المناطق تجاوز مئات الملايين من الدنانير، وسط غياب أي جهة قانونية يمكن الرجوع إليها بعد إغلاق هذه المنصات المفاجئ واختفاء القائمين عليها.
وتعيد هذه الظاهرة إلى الأذهان تجارب سابقة مثل شركة يونمارت في كركوك التي استغلت ظروف التهجير بشعارات خادعة ليتبين لاحقا أنها كانت عملية نصب خسر خلالها العشرات مدخراتهم.
فخ احتيالي
وبهذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي يوسف محمود، إن "التداول الإلكتروني الحقيقي يتطلب ترخيصاً من جهات رقابية دولية معترف بها، وأي منصة لا تملك عنواناً معروفاً أو سنداً قانونياً، فهي غالباً مجرد فخ احتيالي".
ينبّه محمود في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، الشباب إلى ضرورة الحذر من الإغراءات الربحية السريعة، قائلاً: "الاستثمار الحقيقي لا يُعرض عبر رسائل مجهولة، ولا يُطلب فيه دفع أموال مقدماً دون ضمانات".
من جانبه، يشير الخبير الأمني، عبد الستار العلي، إلى أن المنصات الاحتيالية تنشط غالباً في بيئات تفتقر إلى الوعي الرقمي، محذراً من مشاركة البيانات الشخصية أو الانخراط في دعوات استثمارية مشبوهة.
ويضيف العلي، أن "الوعي هو خط الدفاع الأول ضد الجرائم الإلكترونية، وينبغي استشارة متخصصين قبل اتخاذ أي خطوة استثمارية عبر الإنترنت".
أما الخبير المالي سامي الربيعي، فقال إن "غياب رقابة البنك المركزي على هذا النوع من الأنشطة سمح للشبكات المشبوهة بالتغلغل في الأوساط الشعبية، حيث لا توجد آلية واضحة لمتابعة الأموال أو حماية الضحايا"، داعياً إلى إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمراقبة الاستثمارات الرقمية وضبط السوق الإلكتروني.
احتيال قديم بثوب جديد
الناشط والمراقب المجتمعي عباس حسين، يرى، أن هذه الظواهر ليست جديدة على المجتمع العراقي، إذ تشبه ممارسات مجموعات ظهرت في التسعينيات مثل "علاءكو" و"سامكو"، التي مارست التهديد والنصب العلني في ظل غياب الرقابة.
"اليوم، تتكرر الصورة نفسها لكن بأساليب رقمية ناعمة، نفس العقلية، نفس الطمع، ولكن خلف شاشات الهواتف الذكية"، وفقاً لحديث حسين، الذي يتابعه بالقول "من المهم التعلم من تجارب الماضي لتفادي الوقوع مجدداً في مصائد الاحتيال".
وتستنزف المنصات الإلكترونية الوهمية مدخرات الشباب العراقي، مخلفة آثاراً نفسية وصحية خطيرة، ويشكل الوعي الرقمي والتحقق من التراخيص واستشارة الخبراء، الوسائل الأهم للوقاية من هذه الظواهر التي تتوسع يوماً بعد آخر، وفقاً للمراقبين.
ضحايا يعانون أزمات صحية
يقول أحد ضحايا ما يُعرف بمنصة "التداول"، تحدث لوسائل إعلام قائلاً: "في البداية، أقنعوني بأرباح يومية مغرية، وفعلاً حصلت على مبالغ بسيطة شجعتني على زيادة الاستثمار، لكن بعدها بدأت الأعذار (السوق، الشروط، مشاكل تقنية…) حتى اختفوا تماماً. لا رد على الرسائل ولا أثر للأموال".
ويضيف، إن "العديد من المشاركين أصيبوا بأزمات قلبية نتيجة الصدمة النفسية التي تعرضوا لها"، مشيراً إلى أن "إجمالي الأموال التي أودعت في المنصة تجاوزت مليار دينار عراقي".
شركات بلا تراخيص
إلى ذلك، أوضح الخبير المالي والاقتصادي الدكتور محمد سمير، أن "العشرات من شركات الوساطة العاملة الآن في العراق وهمية، وليست لديها رخصة التداول من قبل البنك المركزي العراقي، ويمكنها بسهولة جداً التحايل على المواطن وسرقة أمواله".
وقال سمير في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "سياسة البنك المركزي تذهب باتجاه عدم السماح للتداول بالمنصات الرقمية، خاصة أن عملية ضبط حركة الدينار العراقي ومعرفة جنس هذا الدينار، تتطلب التتبع قبل القيام بمنح إجازات تخصص لمواقع إلكترونية تسمح بالمتاجرة بالأموال".
تحايل وغسيل أموال
سمير أضاف، إن "البيئة العراقية حالياً، لا تمنح مثل هذه الرخص، والذين يتداولون بمثل هذه المبالغ يتحملون مخاطر عالية نتيجة إغلاق هذا الموقع أو ذاك، لوجود فاسدين يقومون بعملية التحايل على بعض الشباب الذين يندفعون باتجاه الأرباح الوهمية".
ولفت إلى أن "هذه المواقع يمكن أن تكون أداة لغسيل الأموال، لذلك فقانون البنك المركزي لا يسمح بإنشاء مثل هذه المنصات للتداول الرقمي، ريثما تكون هناك شرعنة لهذا الموضوع"، مشدداً على أن "الجميع ينبغي أن يكونوا حذرين من أي تعاملات مالية مع مثل هذه المنصات، التي قد تخدع الجمهور بوجود أرباح وهمية لفترات قصيرة، ثم يتم غلق الموقع وبالتالي يتعرض المتداول لخسائر كبيرة".
مصادر مجهولة
أما الخبير التقني سليمان كامل، فيقول "معظم هذه البرامج والتطبيقات غير معروفة المصدر، وهي تغلق أبوابها بشكلٍ مفاجئ ومن دون سابق إنذار، تاركة المستخدمين حيارى وغير قادرين على الوصول إلى حساباتهم، وبالتالي يفقدون أموالهم التي أودعوها أو استثمروها في هذا البرنامج أو ذاك".
ويشدد كامل على ضرورة الانتباه إلى تلك البرامج الغامضة والتنبيه على مخاطرها وتجريم الجهات التي تقف خلفها، بالرغم من أنها غالباً من خارج الحدود، ولا يعرف لها مقر أو ترخيص.
دعوة لتشكيل فريق تحقيق مختص
في النهاية، دعت النائب السابق منار عبد المطلب، إلى تشكيل فريق تحقيق مختص للنظر في نشاط منصات التداول والاستثمار المالي الوهمية داخل العراق، والتي تسببت بخسائر كبيرة لمواطنين في عدد من المحافظات.
وقالت عبد المطلب، إن "السنوات الأخيرة شهدت تصاعد ظاهرة الاستثمار المالي الإلكتروني عبر منصات تديرها شبكات وهمية، تقوم بخداع البسطاء وإقناعهم باستثمار أموالهم، ثم تختفي بعد فترة، ما يؤدي إلى ضياع عشرات الملايين من الدنانير".
وأضافت، أن "العديد من الحوادث سُجلت في محافظات مختلفة نتيجة هذا النوع من الاحتيال"، مشددة على "أهمية تشكيل فريق تحقيق للكشف عن الجهات التي تقف وراء تلك الشبكات الإلكترونية، وتتبع مسارات الأموال التي تم الاستيلاء عليها".
وأكدت، أن "ملف منصات الاستثمار المالي الإلكتروني يتطلب إعادة نظر جدية، خاصة مع حجم الأموال الكبير الذي تحصده تلك الشبكات"، داعية إلى "إطلاق حملات توعية شاملة لتحصين المدنيين من الوقوع في شباك الخداع الإلكتروني".
ويرى مختصون، أن هذا الانتشار العشوائي وغير المنظم للمنصات الوهمية لا يشكل تهديدًا مباشرًا لأموال الأفراد فقط، بل ينعكس أيضًا على الثقة العامة بالقطاع المالي، ويزيد من تعقيد جهود الدولة في بناء بيئة استثمارية آمنة وجاذبة.