انفوبلس تفتح ملف الجوازات الدبلوماسية في العراق.. 45 ألف "محصّن" غالبيتهم من الخارجية و"الفيسبوك"!.. إليك أبرز انتهاكات هذه الوسيلة التنفيذية
انفوبلس/ تقارير
في الأعوام التي أعقبت عام 2003 زاد عدد حاملي الجواز الدبلوماسي في البلاد بصورة لافتة، واحتدم الجدل داخل مجلس النواب حول الاستثناءات التي مُنحت لبعض الشخصيات لحمل هذا النوع من الجواز رغم عدم استحقاقها مع وجود تأكيدات بمنح 10 آلاف جواز دبلوماسي لغير مستحقيه، وإحصائيات أيضا تفيد بأن العراق أصدر 45 ألف جواز دبلوماسي كان لـ"الموديلز" ومشاهير السوشيال ميديا الحصة الأكبر منها. فما هي امتيازات جوازات السفر الدبلوماسية؟ وكم العدد الحقيقي الصادر منها في العراق؟ وما هي أبرز الانتهاكات التي سُجّلت لهذه الوسيلة التنفيذية، مجموعة كبيرة من الاستفهامات أجابت عنها شبكة انفوبلس بأرقام وإحصاءات رسمية في سياق التقرير.
*ما هو جواز السفر الدبلوماسي؟
يمكن تعريف جواز السفر الدبلوماسي بأنه الجواز الذي يُستخدم من قبل كبار المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين للسفر إلى خارج دولهم بسهولة أكبر، ويمكن لحامله عبور الحدود الدولية وتجاوز الكثير من لوائح السفر النموذجية التي تنطبق على حاملي جوازات السفر العادية وعليهم اتباعها، وعادة ما يعني استخدام جواز السفر الدبلوماسي أن حامله ينتقل من دولة إلى أخرى في مهمة حكومية رسمية؛ كحضور المؤتمرات وغيرها.
*امتيازات الجواز الدبلوماسي
يطلق العراقيون على الجواز الدبلوماسي اسم (الجواز الأحمر) بسبب لون غلافه الخارجي، ويرمز عادة إلى السطوة والنفوذ. يمُنح هذا الجواز بحسب نواب بالبرلمان العراقي لعشرات آلاف الأشخاص في السنوات القليلة الماضية، وتعدُّه نخب أكاديمية وثقافية، فضيحة تهدد هيبة الدولة، هو واحد من بين أربعة أنواع من الجوازات تُمنح في العراق بموجب نظام جوازات السفر رقم (2) لسنة 2011، وقانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015، والثلاثة الأخرى هي (خاص، خدمة، عادي).
وتستعرض انفوبلس أدناه امتيازات الجواز الدبلوماسي لحامله بالتفصيل وكما الآتي:
- حصانة شاملة لمنزله ومكتبه.
- يتميز بمسار خاص في المطارات وأماكن خاصة للدبلوماسيين.
ـ الإعفاء من الضرائب وأي رسوم شخصية أو عينية.
ـ حصانة لحقائب الدبلوماسي وعدم التفتيش لها خاصة في المطارات المعتمدة.
ـ يمكنه الحصول على التأشيرة سريعا بدون رسوم بجميع الدول.
ـ التميز في المعاملة مع موظفي المطار في أي دولة وسهولة تنقله.
ـ ينال لوحات السيارة الخاصة بالدبلوماسي حتى لا يتعرض لأي تعسفات من رجال المرور.
ـ السماح له بدخول صالات كبار الزوار في المطارات لمعاملة مميزة.
ـ ينال حامل جواز السفر الدبلوماسي ترقية خاصة ومجانية في جميع الخطوط الجوية والفنادق أيضا.
ـ ينال خصومات تصل إلى 40% لدى وكلاء السيارات الآتية BMW و MERCEDESS و VELVO.
*45 ألف جواز دبلوماسي
وطبقا لما جاء في طلب الادعاء، فإن معلومات لجنة النزاهة تؤكد وجود 45 ألف جواز دبلوماسي صادر، وقد عدّت اللجنة الرقم هائلا.
وكانت وزارة الداخلية العراقية التي تصدر الجوازات أقرّت بمنح ما بين 4 آلاف إلى 4200 جواز سفر دبلوماسي خلال عام منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفقا لما نقلته الوكالة الرسمية عن مدير شؤون الجوازات العامة في الوزارة العميد الحقوقي ماجد أحمد.
وأوضح العميد أحمد، أن محصلة الجوازات الدبلوماسية الصادرة هي ما مُنِح لنواب الدورات السابقة والدورات الحالية والاستثناءات الممنوحة حصرا من جانب وزير الخارجية وفقًا للقانون.
*4 آلاف جواز دبلوماسي في عام واحد!
وفي تفاصيل ذلك، كشفت وزارة الداخلية بعام 2022 عن إصدار أكثر من 4000 جواز سفر دبلوماسي خلال عامٍ واحد، يتيح لحامله الدخول إلى 13 دولة.
وقال مدير شؤون الجوازات العامة في الوزارة آنذاك العميد الحقوقي ماجد أحمد، "بلغ عدد الجوازات الدبلوماسية منذ تأريخ 1/10/2021 ولغاية 1/10/2022، أكثر من 4000 - 4200 جواز".
وأضاف، "محصلة الجوازات الدبلوماسية الصادرة، هي ما مُنِح لنواب الدورات السابقة والدورات الحالية والاستثناءات الممنوحة حصراً من جانب وزير الخارجية وفقاً للقانون".
ولفت أحمد إلى، أن "الجواز الدبلوماسي العراقي يتيح لحامله الدخول إلى 13 دولة، هي الكويت، تركيا، إيران، سوريا، الأردن، تونس، كوالالمبور، أذربيجان، الصين، فنزويلا، صربيا وفيتنام".
*10 آلاف جواز سفر دبلوماسي لغير مستحقيها
وفي أيار من العام الماضي، كشفت لجنة النزاهة النيابية عن إصدار 32 ألف جواز دبلوماسي بينها 10 آلاف جواز لأشخاص ليسوا من السلك الدبلوماسي ولا موظفين بوزارة الخارجية.
وقالت عضو اللجنة سروة عبد الواحد آنذاك، إنها "رفعت دعوى في محكمة الكرخ بهذا الشأن، فيما أكدت أن أعداد حائزي جواز السفر الدبلوماسي في العراق تفوق حاملي هذه الفئة من الجوازات في دول العالم بأسرها".
*انتهاكات الجواز الدبلوماسي.. "موديلز" ومشاهير السوشيال ميديا انموذجا!
أُثير الجدل خلال السنوات الماضية في مجلس النواب حول الاستثناءات التي مُنحت لبعض الشخصيات من ضمنهم فنانون وعارضات أزياء وبعض الشخصيات الأخرى التي لم يحددها القانون العراقي، وأكدت لجنة العلاقات الخارجية النيابية أنها ستتابع موضوع الجوازات الدبلوماسية الممنوحة، مشددة على "ضرورة سحبها من غير المستحقين باعتبار ذلك وجهاً من أوجه الفساد".
وبهذا الصدد، قال الدبلوماسي العراقي السابق غازي فيصل إن ما أُعلن من وجود نحو 45 ألف جواز دبلوماسي صحيح، إلا أنه استغرب منح هذا النوع من الوثائق لفنانين أو مشاهير وعدّ ذلك خروجا عن المنطق.
وأكد فيصل، إن "هناك من يحمل جواز سفر دبلوماسياً ويعمل بائع سجاد في إسطنبول كما نشرت إحدى التقارير، موضحاً أن جواز السفر الدبلوماسي لا يمنح لهذه الفئات ومنحه لغير مستحقه غير مقبول وانتهاك للقانون الدولي والعراقي".
إلى ذلك، نقلت وسائل إعلام عن النائب سروة عبد الواحد، توضيحها بشأن من تعني بهم غير المستحقين للجواز الدبلوماسي وحصلوا عليه: “بعض من هذه الجوازات الدبلوماسية تُمنح لـموديلات في برنامج تيك توك أو لعارضات الأزياء وغيرهم”. أي إنهم لا يملكون سنداً قانونياً لمنحهم هذا الجواز وما يتضمنه من امتيازات.
زادت الانتهاكات لهذه الوسيلة التنفيذية كثيرا، حيث أثار تصريح مدير شؤون الجوازات العام الماضي ردود فعل غاضبة على المستوى الشعبي، خصوصاً بعد تداول معلومات أفادت بحصول بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي على الجواز الدبلوماسي، فضلاً عن شيوخ عشائر وشخصيات لا ينص القانون على منح هكذا نوع من الجوازات لهم.
يحدث ذلك فيما يجد الفرد العراقي الذي لا يحمل صفة معنوية، صعوبة كبيرة في الحصول على الجواز العادي، الذي يحتل وفقاً لمؤشر Guide لسنة 2023 المرتبة 105 على مستوى العالم، إذ يسمح لحامله بالدخول فقط إلى 30 دولة دون تأشيرة سفر (فيزا)، ويتعين عليه الحصول على تأشيرة من 161 دولة.
ويقول الأكاديمي محمد علي إنه يُحرم أحياناً من المشاركة في مؤتمرات علمية دولية لصعوبة حصوله على تأشيرة السفر، بسبب ما يصفها المكانة المتدنية للجواز العراقي، في حين يحصل آلاف من غير المؤهلين ولمجرد كونهم أقارب مسؤولين على جوازات دبلوماسية.
ويتابع: “إنه مظهر آخر للفساد، الفساد الذي بات يشمل كل موضع سياسي، واداري، ومالي، وحتى علمي”. يصمت للحظات ثم يكمل “هؤلاء يتسببون أحياناً بفضائح للبلد بسبب سوء تصرفهم… ثم يسأل البعض لماذا مكانة الجواز العراقي وبالتالي الفرد العراقي وصلت الى هذا الوضع المزري؟”.
بدوره، يعتقد الحقوقي محمد يونس حسان، بأن القانون العراقي فتح مجالاً واسعاً لمنح الجواز الدبلوماسي، وتفاءل بإثارة الموضوع على الرأي العام، لأنه قد يفضي إلى تعديلات تشريعية لتحديد منحه بنطاق ضيق، وفقاً لما ذكر. ويقول: “الجواز الدبلوماسي هو لتسهيل حركة حامله الذي يفترض أن يكون في رحلة عمل ومهمة حكومية رسمية وليس في رحلة ترفيهية، يرافقه فيها أفراد أسرته والمقيمون معه وكلهم يحملون الجواز ذاته؟!”.
ولا يستبعد محمد أن يستغل البعض من حاملي الجواز الدبلوماسي كل هذه الامتيازات “لتهريب العملة أو البضائع الثمينة أو أي شيء آخر للمصلحة الشخصية، وليس للمصلحة العامة”.
*فؤاد حسين واستغلال الجوازات الدبلوماسية
بعد أسابيع قليلة من إعلان وزارة الداخلية إصدارها أكثر من 4 آلاف جواز سفر دبلوماسي خلال عام واحد، قدم نائبان في لجنة النزاهة، هما: سروة عبد الواحد وهادي السلامي، طلبا للادعاء العام في عام 2022 لتحريك شكوى قضائية ضد وزير الخارجية فؤاد حسين، بسبب عدم تزويده اللجنة بكشف عن القائمة التي تتضمن حاملي الجوازات الدبلوماسية.
وقالت النائبة متسائلةً: “لمن تمنح وزارة الخارجية هذا الجواز، وعلى أي أساس؟ أنا عضوة مجلس نواب، ورئيسة حزب يمثله تسعة نواب وليس لدي جواز دبلوماسي، ولن أطالب به”.
*لمن يُمنح الجواز الدبلوماسي؟ وما الهدف منه؟
كما قال فيصل إن الجواز الدبلوماسي يمنح لمسؤولي الدولة وأعضاء السلك الدبلوماسي ليوفر لهم الحصانة أثناء عملهم، مشيراً إلى أن منح الجواز لغير هذه الفئات "مخالفة" للقوانين الدولية والعراقية.
وأضاف الذي كان يشغل منصب سفير سابق، أن "جواز السفر الدبلوماسي يمنح للدبلوماسيين في وزارة الخارجية والوزراء ومسؤولي الدولة ولأعضاء مجلس النواب ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس الاقليم".
ولفت إلى أن الهدف من منح الجواز الدبلوماسي هو توفير الحماية الدبلوماسية وفق اتفاقية فيينا عام 1961 التي تضمن الحصانة للدبلوماسيين حاملي الجوازات ويتمتع بالحصانات المالية والحق بشراء أجهزة ومعدات وأي حاجات أساسية من الأسواق الخاصة والعامة، حيث تحذف الضريبة كونه يحمل الجواز الدبلوماسي، وهناك أسواق خاصة يشتري منها الدبلوماسي مباشرة من دون أن يدفع ضريبة.
وأوضح فيصل أن الجواز الدبلوماسي يوفر لحامله الحصانة أمام القضاء في تلك الدولة ولا يخضع للعقوبات وتوفر للدبلوماسي عدم إحالته للعدالة إلا بنزع الحصانة عنه من قبل البلد الذي ينتمي إليه وبعد تقديم البلد الوثائق التي تثبت جرمه.
*أنواع الجوازات
وجوازات السفر في العراق على 4 أنواع وفق القانون، وهي: دبلوماسي وخاص وجواز خدمة وعادي. يمنح الأول من قبل رئيس الحكومة أو وزير الخارجية للوزراء والنواب والعاملين في السلك الدبلوماسي، بقصد تسهيل أدائهم لمجموعة من الأعمال المهمة التي تخدم مصالح الدولة.
وللمهمات الرسمية يمنح جواز السفر الخاص، ويشمل رجال السلك الإداري في وزارة الخارجية، بناءً على طلب كتابي من الوزير المختص لموظفي المرتبة السابعة فما فوق، الذين ينتدبون إلى الخارج في مهمات رسمية مؤقتة لا تزيد على 6 أشهر.
ويمنح جواز سفر الخدمة لكبار ضباط الجيش والشرطة والشخصيات العسكرية والأمنية، ممن يُرسلون ضمن وفود إلى دول أخرى بهدف التدريب أو للمشاركة في دورات أو مؤتمرات أو ورشات.
أما جواز السفر العادي فيمنح للمواطنين العاديين، ويكون نافذا لمدة 8 سنوات، وقابلا للتجديد وفق الشروط والضوابط المعمول بها.
*ماذا يقول خبراء القانون؟
وتعليقا على الموضوع، أوضح الخبير القانوني أمير الدعمي أن جواز السفر الدبلوماسي يفترض ألا يمنح إلا بموجب القانون، وأن منحه حسب القانون يكون حصرا من قبل رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وفق السياقات المعمول بها.
ورأى الدعمي، أن المخالف للقانون هو منح هذا النوع من الجوازات لأسر النواب أو أقربائهم بمن في ذلك أطفالهم، معتبرا أن ذلك مخالف للقانون والأعراف الدولية.
وينص القانون العراقي على منح الجواز الدبلوماسي لرؤساء الجمهورية والحكومة وأعضاء البرلمان، إضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى ورؤساء إقليم كردستان ومجلس وزراء الإقليم، وأصحاب الدرجات الخاصة العاملين في الدولة، مع وجود استثناءات يقرّها حصرًا وزير الخارجية أو رئيس الوزراء.
*شروط منح الجواز الدبلوماسي
"من يحمل جواز سفر دبلوماسياً وليس في بعثة وإنما يزور بلداً ما زيارة شخصية لا يضمن له هذا الجواز الحصانة أثناء تنقله السياحي كما هو في حال عمله في البعثة الدبلوماسية"، بحسب فيصل، الذي أوضح أن شروط منح جواز السفر الدبلوماسي يكون فقط للدبلوماسيين والموظفين الكبار بالدولة، ويمنح من قبل رئيس الوزراء ووزير الخارجية بناء على إجراءات رسمية ومفاتحات من قبل رئيس الوزراء يقوم بها وزير الخارجية من جانبه بمفاتحة دائرة الجوازات لإصدار جواز السفر.
وأشار إلى أن السلطات أصدرت أخيراً نحو 45 ألف جواز دبلوماسي وهذا الحجم الكبير لا يتناسب مع عدد موظفي وزارة الخارجية أو أعضاء مجلس النواب خلال الدورات الأربع السابقة وعوائلهم.
*قانون الجوازات بحاجة لتعديل
من جهته، أوضح المختص القانوني علي اللامي أن قانون الجوازات في العراق بحاجة إلى "مراجعة". وقال إن "قانون الجوازات العراقي رقم 32 لعام 2015 يتكون من 23 مادة نصت على وجود أربعة أنواع من الجوازات هي الجواز الدبلوماسي والخاص وجواز الخدمة والعادي وهناك تعليمات صدرت عام 2011 حددت جوازات الخدمة لأصحاب الدرجات الخاصة وموظفي السلك الدبلوماسي والمتقاعدين من رتبة عميد فما فوق".
ووفق اللامي، سمحت هذه التعليمات للمتقاعدين من الخدمة وأزواجهم وأولادهم ومن يعيلهم قانونياً الاحتفاظ بالجواز، وأعطت الصلاحية لوزير الداخلية منح الجواز الدبلوماسي لرئيس الجمهورية ومستشاريه وموظفي السلك الدبلوماسي والمحافظين بما يتماشى مع المصلحة العامة".