بصمة عراقية في أبحاث السرطان.. 11 براءة اختراع و3 أدوية في الأسواق العالمية.. رحلة النجاح العلمي للصيدلاني جبار فرج
انفوبلس/ تقرير
في عالم الأبحاث الدوائية، لا تُقاس الإنجازات العلمية بالعدد فقط، بل بالتأثير الفعلي على حياة المرضى. من داخل مختبرات البحث الدوائي في الولايات المتحدة، يضع الصيدلاني العراقي، جبار فرج، بصمة علمية بارزة، بعد أن نجح في تطوير تركيبة دوائية جديدة لعقار Fulvestrant، أحد أدوية علاج سرطان الثدي، بالتعاون مع إحدى الشركات الدوائية العالمية، وحصلت التركيبة على براءة اختراع وموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في تموز 2025، تحت عنوان FULVESTRANT FORMULATIONS.
تصف نقابة صيادلة العراق هذا الإنجاز بأنه إضافة نوعية لمسيرة الصيدلاني العراقي في مجال البحث والتطوير، مؤكدةً أن الباحث العراقي قادر على الإسهام الفعلي في صناعة الدواء، وليس الاكتفاء بالدور التقليدي في وصفه أو تداوله.
وشددت النقابة على أن هذا الانجاز يعكس المستوى المتقدم للبحث العلمي الذي يقدمه الصيادلة العراقيون، ودورهم المتنامي في تطوير الصناعات الدوائية عالمياً، معتبرة أنه يمثل إضافة نوعية تسهم في تعزيز حضور الكفاءات العراقية في المحافل العلمية الدولية وخدمة المرضى عبر حلول علاجية أكثر تطوراً.
ويشير فرج إلى أن الدواء المطوّر يُستخدم في علاج سرطان الثدي في مراحله المتقدمة، ويعتمد على نهج هرموني مشابه للهرمونات الأنثوية، إلا أن الصيغة الجديدة أعادت هندسة التركيبة الدوائية لتعزيز ثباتها، وجعلها أقل اعتمادًا على التبريد وأكثر مقاومة للحرارة والرطوبة، ما يسهل خزنها ونقلها واستخدامها.
تعزيز الثباتية وتقليل الأعراض الجانبية
واحدة من أبرز المميزات في تركيبة Fulvestrant المطوّرة هي الاعتماد على زيت الخروع كمذيب أساسي، إلى جانب مواد مساعدة خاصة، ساهمت في رفع مستوى الثباتية أثناء التصنيع والخزن. وبهذه الطريقة، اختفت إلى حد كبير المواد المتحللة التي كانت تسبب الأعراض الجانبية الشائعة مثل الغثيان، تساقط الشعر، والإرهاق. وأكد فرج أن السيطرة على التحللات الكيميائية للمواد المساعدة كان العامل الأهم لتقليل الأعراض وتحسين راحة المرضى.
كما شملت التطويرات تقليص عدد الجرعات وحجمها، بحيث أصبحت الجرعة تُعطى مرة واحدة شهريًا عبر الحقن العضلي، بدلاً من تقسيمها إلى جرعات أكثر تكرارًا، مع تصغير حجم الحقنة من 10 مل إلى 5 مل، ما يعكس تحسينًا مباشرًا لتجربة المريض ويزيد من مرونة الأطباء والصيادلة في إدارة بروتوكولات العلاج.
اختبارات متعددة ونتائج فعلية
وأكد الصيدلاني جبار، أنّ "إعطاء الحقنة بصيغتها المطوَّرة أصبح في الممارسة السريرية قريبًا من حقنة البنسلين، إذ تُحقن عضليًا من دون ألم يُذكر تقريبًا، ما زاد من قابليتها لدى المريضة والطبيب على حد سواء، وسهّل تطبيق بروتوكول العلاج الهرموني في الاستخدام اليومي، مستعرضاً مسار الوصول إلى هذه الصيغة".
وأشار إلى أنّ "المشروع البحثي انطلق عام 2009 داخل مختبرات شركة Fresenius Kabi، حيث جرى أولاً اختيار المادة الفعّالة، ثم تنفيذ سلسلة من التجارب لتحضير التركيبة وتحليلها، أعقبتها تجارب على الحيوان، ثم إعطاء المستحضر للمتطوعين بعد الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية".
وأضاف، أنّ "اختيار التركيبة النهائية تم عام 2019 بموافقة الـFDA، واستمر العمل على تطويرها وتحسينها حتى عامي 2024–2025، إلى أن حصلت على الموافقة النهائية في عام 2025 لتصنيعها لصالح شركة Fresenius Kabi الأميركية البريطانية، من مقرها في شيكاغو بولاية إلينوي، بوصفها تركيبة مسجَّلة لعلاج هرموني لسرطان الثدي بجرعة شهرية أكثر ثباتًا وسهولة في الاستخدام".
مبدأ تقبّل المريض
وأشار فرج إلى أن تطوير الدواء لم يقتصر على الفعالية الدوائية فقط، بل شمل أيضًا دراسة مدى تقبّل المريض للعلاج، إذ أظهرت الدراسات أن المرضى يفضلون الأدوية ذات الأعراض الجانبية الأقل، وعدد الجرعات الأقل، وسهولة طريقة الإعطاء. التركيبة الجديدة جمعت هذه العوامل معًا، مما أسهم في تعزيز التزام المريض بالخطة العلاجية، وزيادة كفاءة الطبيب في متابعة النتائج.
البيئة البحثية والدعم العلمي
ويرى فرج أن الوصول إلى مستوى عالي من البحث الدوائي يحتاج إلى بيئة علمية منظمة، تشمل تخصيص ميزانيات كبيرة للبحث، وتوفير ظروف عمل مناسبة للباحثين، مع ابتعاثهم إلى دول متقدمة للاطلاع على مناهج البحث وتحويل الأفكار إلى تطبيقات عملية. كما يشدد على أهمية وجود حوافز مادية ومعنوية حقيقية للباحثين، معتبرًا أن الإبداع في البحث الدوائي يحتاج إلى مناخ يشجع التجربة ويكافئ النجاح، وهو ما يفتقده الواقع البحثي في العراق حاليًا.
11 براءة اختراع و3 أدوية في الأسواق العالمية
وأشار فرج إلى أن لديه 11 براءة اختراع مسجلة في الولايات المتحدة وموافق عليها من FDA، ثلاثة منها دخلت الأسواق الأميركية والكندية والأوروبية، بما فيها ألمانيا والنمسا. ويعد هذا المسار دليلاً على قدرة الباحث العراقي على المنافسة عالميًا إذا توفرت له البيئة المناسبة. كما أعلن عن استعداده لدعم أي مصنع عراقي أو جامعة عراقية تعمل على مشاريع بحثية تطبيقية حقيقية، مؤكداً أن نقل الخبرة وبناء جسور التعاون مع المختبرات العالمية لا يقل أهمية عن تسجيل أي براءة اختراع جديدة.
فجوة البحث الأكاديمي والصناعة الدوائية في العراق
وأشار فرج إلى وجود فجوة واضحة بين كليات الصيدلة والمصانع الدوائية في العراق، لافتًا إلى أن العوائق متراكمة في بنية المصانع وواقع الكليات على حد سواء. وقال إن تجاوز هذه الفجوة يتطلب دعمًا ماليًا حقيقيًا للكليات والمصانع، مع إعادة توجيه الجهد العلمي نحو البحوث التطبيقية التي تنتج مستحضرات أو تقنيات قابلة للاستخدام الفعلي، بدل الاكتفاء بالأبحاث الأكاديمية.
وأكد أن كليات الصيدلة العراقية تضم عددًا كبيرًا من الباحثين المؤهلين والعلماء القادرين على تحقيق إنجازات نوعية إذا توفرت البيئة المناسبة والتمويل الكافي، مشدداً على أن الدعم المادي هو العامل الحاسم لاستثمار هذا الرصيد العلمي الهائل.
أثر الإنجاز على مستقبل البحث العراقي
يشكل نجاح فرج في تطوير تركيبة Fulvestrant نموذجًا يحتذى به للباحثين العراقيين، ويبرز أهمية الربط بين البحث الأكاديمي والصناعة الدوائية العالمية. ويؤكد أن المعرفة العلمية وحدها لا تكفي، بل يجب تحويلها إلى منتجات ملموسة تحسن حياة المرضى، وهو ما ينعكس على سمعة العراق في المجال البحثي العالمي.
كما يشير إلى أن دوره لا يقتصر على البحث، بل يشمل أيضًا نقل الخبرات، وبناء الجسور بين المختبرات العالمية والبيئة البحثية العراقية، وتوفير الدعم الفني والعلمي للمشاريع المحلية، معتبراً أن ذلك جزء لا يتجزأ من مسؤولية كل باحث ناجح تجاه وطنه والمجتمع العلمي العالمي.
وفي النهاية، يمكن القول إن قصة الصيدلاني العراقي جبار فرج تمثل نموذجًا ملهماً في الابتكار العلمي والصيدلاني، يظهر كيف يمكن للمواهب العراقية أن تترك بصمة عالمية في مجال الأدوية، إذا توفرت البيئة الداعمة، التمويل الكافي، والحوافز المادية والمعنوية. إن إنجازاته في تطوير دواء Fulvestrant لعلاج سرطان الثدي، وتحقيق براءات اختراع عالمية، ودخول الأدوية الثلاثة للأسواق العالمية، كلها دلائل على أن العراق يمتلك مخزونًا بشريًا قادرًا على المنافسة عالميًا، شرط توفير الظروف المناسبة.
كما أن المستقبل البحثي للعراق يمكن أن يشهد طفرة نوعية إذا تم استثمار هذه الخبرات وتطوير بيئة مناسبة للبحث العلمي، وربط الجامعات بالمصانع الدوائية، وتحفيز الباحثين على الابتكار، بما ينعكس إيجاباً على صحة المواطنين وسمعة العراق العلمية عالمياً.
