بعد فاجعة الكوت.. إغلاق 610 مشروع مخالف لشروط السلامة وفرض 3 عقوبات صارمة

رصد مخالفات جسيمة
انفوبلس..
في أعقاب فاجعة الحريق المروّع الذي التهم مركزاً تجارياً في مدينة الكوت وأسفر عن مصرع أكثر من 80 شخصاً، أطلقت وزارة الداخلية العراقية حملة ميدانية واسعة لتفتيش المشاريع والمنشآت في عموم البلاد، كشفت عن وجود مخالفات جسيمة لشروط السلامة العامة.
وأسفرت الحملة، وفقاً لما أعلنه العميد مقداد ميري، عن غلق 610 مشاريع ومنشآت مخالفة، في خطوة تهدف إلى كبح جماح الإهمال المتكرر. وفيما تواجه السلطات ضغوطاً متزايدة لضمان شروط الوقاية، تبرز تحديات متراكمة تتراوح بين ضعف الرقابة، وتغاضي المسؤولين، وتراخيص تُمنح لمبانٍ تفتقر إلى أدنى معايير الأمان.
وبينما تتسابق الجهات لتدارك الخلل، يحذّر مختصون من أن غياب الإصلاح الجذري قد يُبقي البلاد رهينة لكوارث قابلة للتكرار.
غلق (610) مشاريع ومنشآت مخالفة
وأعلن رئيس دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية، العميد مقداد ميري، أن مديريات الدفاع المدني في عموم محافظات البلاد واصلت حملاتها الميدانية للتفتيش على المشاريع والمنشآت، وأسفرت النتائج عن غلق (610) مشاريع ومنشآت مخالفة لاشتراطات السلامة، وذلك وفقاً لقانون الدفاع المدني، ولمدة عشرة أيام.
يأتي ذك في إطار حملة تنفذها الداخلية، عقب اندلاع حريق ضخم في مركز تجاري بمدينة الكوت في محافظة واسط، ليل الأربعاء الماضي، وأسفر عن مصرع أكثر من 80 شخصاً بين رجال ونساء وأطفال.
وأوضح العميد ميري في بيان، أن أبرز المحافظات التي شهدت نسب مخالفات مرتفعة كانت النجف بـ(150) مشروعاً، تلتها كربلاء بـ(128) مشروعاً، ثم بابل بـ(103) مشاريع، فالأنبار بـ(68) مشروعاً، في حين التزمت محافظات أخرى بمستويات منخفضة نسبياً أو بدون مخالفات تُذكر، مثل بغداد/الرصافة التي لم تسجل أي مخالفة.
الالتزام الكامل بإجراءات الدفاع المدني
وأكد العميد ميري، أن هذه الإجراءات "تأتي تنفيذاً لتوجيهات وزير الداخلية، وضمن جهود الوزارة في فرض معايير السلامة المهنية والوقاية من الحوادث، لاسيما بعد الحوادث الأليمة التي شهدتها بعض المدن مؤخراً".
ودعا العميد أصحاب المشاريع والمراكز التجارية والخدمية إلى "الالتزام الكامل بإجراءات الدفاع المدني، وتسهيل عمل الفرق التفتيشية"، حفاظًا على الأرواح والممتلكات، ومنعاً لوقوع كوارث يمكن تجنبها بالإجراءات الوقائية البسيطة.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، النتائج الأولية للتحقيق في الحريق الكبير الذي التهم المركز التجاري في الكوت، مشيراً أنه "تبيّن للجنة وجود تقصير واضح من قبل عدد من المسؤولين والموظفين في عدة دوائر معنية، ما أدى إلى تفاقم حجم الكارثة والخسائر الناتجة عنها".
وعلى إثر ذلك قرّرت الجهات المسؤولة سحب يد 17 موظفاً من الخدمة "مؤقتاً" لحين استكمال الإجراءات التحقيقية والإدارية بحقهم.
3 عقوبات صارمة للمخالفين
مديرية الدفاع المدني: ثلاث عقوبات صارمة بحق المخالفين، تشمل الغرامات المالية، الإغلاق المؤقت أو الدائم للمنشآت، والإحالة إلى القضاء.
وأعلنت مديرية الدفاع المدني، في 14 تموز 2025، عن تبنّي ثلاث عقوبات صارمة بحق المخالفين، تشمل الغرامات المالية، الإغلاق المؤقت أو الدائم للمنشآت، والإحالة إلى القضاء عند تعذّر الالتزام بالإجراءات التصحيحية.
وأوضح مدير إعلام المديرية، نؤاس صباح شاكر، أن عدد المباني المخالفة في العراق ليس رقماً ثابتاً، بل يتغير تبعاً لحالة البنية التحتية داخل المنشآت، حيث يمكن أن تتحول بناية مطابقة سابقاً إلى منشأة مخالفة بسبب تعطل أنظمة الإطفاء أو تقادم التجهيزات.
وأشار إلى أن فرق الدفاع المدني شرعت بإغلاق عدد كبير من المحال والمراكز التجارية المخالفة، أبرزها في منطقة الشورجة ببغداد، إضافة إلى معامل ومخازن ومصانع في محافظات عدة.
وأكد شاكر أن المديرية لا تكتفي بفرض الغرامات، بل تتابع مدى التزام أصحاب المنشآت بإعادة تأهيل مواقعهم وفق المعايير المطلوبة، محذراً من أن تجاهل هذه التعليمات سيؤدي إلى إحالة المخالفين إلى السلطات القضائية دون تهاون.
إهمال ممنهج يقوّض شروط السلامة
ورغم وضوح القوانين والتعليمات التي تنظّم شروط السلامة في المشاريع والمنشآت العامة والخاصة، إلا أن الواقع يشير إلى فجوة خطيرة بين النصوص القانونية والتطبيق الفعلي على الأرض، فالجهات الرقابية، وعلى رأسها الدفاع المدني، تشكو من ضعف الاستجابة الحكومية، وانعدام المساءلة بحق المخالفين، بل وتغاضي بعض الجهات عن مخالفات جسيمة تحت غطاء "المحسوبية" أو "تسهيل الأمور"، كما يُطلق عليها محلياً.
وفي كثير من الأحيان، تُمنح التراخيص لمبانٍ لا تستوفي الحد الأدنى من متطلبات الأمان، سواء من حيث نوع المواد المستخدمة في البناء أو توافر مخارج الطوارئ ومنظومات الإطفاء.
وتكشف معلومات من داخل شركة التأمين الوطنية أن الأبنية المخالفة مثل "قاعة الهيثم" التي شهدت الكارثة في الحمدانية، لا يمكن التأمين عليها أساساً بسبب افتقارها لشروط السلامة، وهذا ما يؤكد وجود خلل مزدوج: الأول في منح التراخيص، والثاني في ضعف الوعي المجتمعي بأهمية التأمين الوقائي، وهو ما تفاقم بعد تحويل التأمين من إلزامي إلى اختياري بقرار من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2005.
وبحسب خبراء، فإن استمرار تجاهل ملف السلامة، سواء بالتقصير أو بالفساد، يعني بقاء العراق في دائرة الخطر، وسط مؤشرات مقلقة تُظهر أن عدد ضحايا الحرائق بات يخلف ضحايا بالعشرات والمئات.
وبينما تدق التقارير ناقوس الخطر، لا تزال الإجراءات الوقائية غائبة، والمعالجات الحقيقية مؤجلة، وهو ما ينذر بتكرار الكوارث مستقبلاً، ما لم تُفعّل الرقابة والمحاسبة وتُغلّب سلامة الناس على المصالح الضيقة.