بغداد 2060: مخطط إنمائي شامل يعيد رسم مستقبل العاصمة إلى ما بعد منتصف القرن!
انفوبلس/ تقارير
تتجه العاصمة العراقية بغداد نحو محطة مفصلية في تاريخها العمراني، مع شروع أمانة بغداد بإعداد مخطط إنمائي شامل يمتد حتى عام 2060، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى تجاوز الحلول المرحلية، ووضع رؤية تخطيطية طويلة الأمد تستجيب للتحولات السكانية والاقتصادية والبيئية المتسارعة. هذا المخطط لا يكتفي بمعالجة اختناقات الحاضر، بل يسعى إلى إعادة بناء صورة بغداد كمدينة كبرى قادرة على استيعاب المستقبل وتحقيق تنمية حضرية مستدامة.
رؤية تتجاوز 2030.. تخطيط استراتيجي لعقود مقبلة
في خطوة استراتيجية بعيدة المدى، أعلنت أمانة بغداد البدء بالتحضيرات الأولية لإعداد المخطط الإنمائي الشامل للعاصمة حتى عام 2060، متجاوزة بذلك سقف المخطط الحالي الذي ينتهي في 2030.
ويأتي هذا التوجه انسجاماً مع الرؤية الحكومية الهادفة إلى الانتقال من التخطيط المرحلي إلى التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، بما يواكب المتغيرات المستقبلية التي ستفرضها الزيادة السكانية، والضغط على البنى التحتية، وتحديات التوسع الحضري.
ويركز المخطط الجديد على إعادة رسم خارطة بغداد الكبرى وفق أسس علمية حديثة، تأخذ بنظر الاعتبار التوسع العمراني المتوقع، وتحديث شبكات البنى التحتية، وتطوير منظومات السكن والنقل والخدمات العامة، بما يتلاءم مع المعايير الدولية المعتمدة في تخطيط المدن الكبرى.
وفي هذا السياق، كان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قد شدد في أكثر من مناسبة على أهمية حملات “بغداد أجمل”، ورفع التجاوزات، والمضي بمشاريع الكراجات متعددة الطبقات، وتأهيل الطرق السريعة، وتطوير البنية التحتية، باعتبارها خطوات مكمّلة لأي رؤية تخطيطية مستقبلية.
وتأتي هذه الجهود كجزء من أرضية تنفيذية تمهّد لتطبيق المخطط الإنمائي الشامل عند إقراره.
من جانبه، أوضح أمين بغداد عمار موسى كاظم أن المشروع يجري تنفيذه تحت إشراف دائرة التصاميم في الأمانة، ويهدف إلى وضع رؤية عمرانية وتنموية تمتد لعقود قادمة، في ظل الزيادة السكانية السريعة التي تشهدها العاصمة، وما يرافقها من تحديات خدمية وبيئية وتنظيمية.
إعادة رسم خارطة بغداد الكبرى
ضمن إطار ضمان جودة التخطيط ودقته، أقرت اللجنة العليا للتصميم الأساسي، برئاسة أمين بغداد، فتح باب التعاقد مع كبرى الشركات الاستشارية العالمية المتخصصة في التخطيط الحضري.
وتهدف هذه الخطوة إلى الاستفادة من الخبرات الدولية المتراكمة، واعتماد أحدث المعايير والنماذج العالمية الناجحة في إدارة المدن الكبرى، بما يضمن إعداد مخطط واقعي وقابل للتنفيذ.
ويركز المخطط الإنمائي الجديد على إعادة رسم خارطة بغداد الكبرى، مع الأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السكانية المتوقعة التي قد ترفع عدد سكان العاصمة من نحو 9 ملايين نسمة حالياً إلى أرقام أعلى بكثير بحلول منتصف القرن الحالي.
هذا النمو السكاني يتطلب توسعة مدروسة للنطاق العمراني، وتوزيعاً متوازناً للأنشطة السكنية والاقتصادية والخدمية، لتفادي تكرار مشكلات الاكتظاظ والزخم التي تعاني منها المناطق المركزية اليوم.
وفي المرحلة الحالية، تعمل أمانة بغداد على إعداد المتطلبات الفنية والقانونية اللازمة لاستقطاب عروض الشركات الاستشارية العالمية، بالتوازي مع إشراك كوادر تخصصية محلية، لضمان مواءمة الرؤى العالمية مع الخصوصية الاجتماعية والعمرانية للعاصمة.
ويهدف هذا التكامل إلى تلبية احتياجات بغداد في قطاعات السكن، والنقل، والخدمات العامة، والبنى التحتية، وفق رؤية شاملة ومتوازنة.
هذا التوجه لاقى صدى إيجابياً لدى شريحة من المواطنين، الذين عبّروا عن تفاؤلهم بإمكانية إحداث نقلة نوعية في واقع العاصمة.
وقال الناشط علي عمران عبر منصة فيسبوك: “أخيراً تخطيط ينظر إلى المستقبل البعيد، بغداد تستحق عاصمة حديثة تليق بتاريخها”.
فيما كتب آخر عبر منصة إكس: “مشروع طموح يعالج الازدحام والفوضى العمرانية، لكن التنفيذ هو المفتاح”، في إشارة إلى أن التحدي الأكبر يبقى في تحويل الخطط إلى واقع ملموس.
أقطاب نمو متعددة وحلول للنقل والبيئة
من جانبها، أكدت مدير عام دائرة التصاميم في أمانة بغداد، هدى الحسني، أن المخطط الإنمائي الشامل يعمل على دراسة واقع مدينة بغداد بشكل شامل، من خلال تشخيص المشكلات التخطيطية والبيئية والاجتماعية التي تعاني منها المدينة، ووضع معالجات جذرية لها، إلى جانب استيعاب التوسع العمراني المتوقع خلال العقود المقبلة.
وأشارت الحسني إلى أن المخطط يعتمد مبدأ “أقطاب النمو المتعددة”، وهو نهج يهدف إلى تقليل الضغط والزخم عن المناطق المركزية، وتحقيق توزيع أكثر توازناً للأنشطة السكنية والخدمية والاقتصادية داخل المدينة.
ويُعد هذا المبدأ من الركائز الأساسية في تخطيط المدن الحديثة، لما له من دور في الحد من التركز السكاني، وتقليل الاختناقات المرورية، وتحسين كفاءة الخدمات.
كما يتضمن المخطط حلولاً شاملة لمشكلات النقل والتنقل داخل العاصمة، وما يرافقها من زخم مروري، وتأخير في الوصول، وارتفاع مستويات التلوث.
وتسعى هذه الحلول إلى تطوير منظومات نقل أكثر كفاءة واستدامة، بما يسهم في تحسين نوعية الحياة اليومية للمواطنين، وتقليل الأثر البيئي للأنشطة الحضرية، بحسب ما نقلته صحيفة الصباح الحكومية.
وفي إطار المعالجة البيئية والعمرانية، أوضحت الحسني أن المخطط سيتضمن إعادة تقييم المناطق الصناعية والفعاليات القائمة داخل المدينة التي لا تنسجم مع المشهد الحضري لبغداد، والعمل على نقلها إلى خارج حدود المدينة.
ويهدف هذا الإجراء إلى تحسين البيئة الحضرية، وتقليل مصادر التلوث، وإعادة توظيف المساحات داخل العاصمة بما يخدم الاستخدامات السكنية والخدمية.
كذلك، يشجع المخطط على التوسع في السكن العمودي، كخيار استراتيجي للحفاظ على أكبر مساحة ممكنة من المناطق الخضراء، والحد من الزحف العمراني الأفقي، والمساهمة في تقليل التلوث.
ويُفترض أن تقدم الشركة الاستشارية حلولاً عملية في هذا المجال، استناداً إلى التجارب العالمية الناجحة في إدارة الكثافة السكانية وتحقيق التوازن بين العمران والبيئة.
واختتمت الحسني بالتأكيد على أن “المخطط الإنمائي الشامل لمدينة بغداد 2060، عند إعداده، سيكون بمثابة خطة عمل ملزمة للتنفيذ، يتم الالتزام بها حتى سنة الهدف”، بما يضمن استدامة التنمية الحضرية وتحسين نوعية الحياة في المدينة.
ويعكس هذا الالتزام الرسمي توجهاً واضحاً نحو جعل التخطيط أداة تنفيذية فاعلة، لا مجرد وثيقة نظرية، في مسار إعادة بناء بغداد كعاصمة عصرية تستجيب لتحديات المستقبل.
