بغداد تختنق بالروائح الكريهة.. انفوبلس تتقصى الأسباب وفق منظورَين اثنين
انفوبلس/ تقارير
منذ أشهر، تعاني أجواء العاصمة بغداد من انتشار روائح كريهة أشبه برائحة الكبريت، إلا أنها ازدادت بشكل ملحوض خلال الأسابيع الماضية، إذ تشتد في الليل وتبدأ بالتلاشي صباحاً، ووسط تعدد روايات الأسباب، تقصت انفوبلس عن المصدر الأساسي لهذه الروائح وفق منظورَين، الأول منظور المسؤولين والثاني منظور الخبراء، فكيف كانت النتيجة؟
رائحة في ساعات الليل المتأخرة وعند الصباح
كما ذكرنا، بدأت الروائح الكريهة بالانتشار في سماء بغداد قبل أشهر عدة، لكنها استفحلت خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ تشتد في ساعات الليل المتأخرة، وتبدأ بالتلاشي صباحا.
وبهذا الصدد، أكد المُنبّئ الجوي رياض القريشي، أن ظاهرة "الانقلاب الحراري" هي السبب الرئيسي وراء زيادة رائحة الكبريت في ساعات الليل المتأخرة وساعات الصباح الأولى.
وقال القريشي في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن "هذه الظاهرة تحدث عندما تكون الطبقة السفلى من الهواء باردة نوعاً ما، بينما تكون الطبقة الهوائية التي تعلوها أكثر حرارة، مما يؤدي إلى تباين كثافة الهواء بين الطبقتين".
وأضاف القريشي، إن "هذا التباين يتسبب في حبس الملوثات الجوية مثل ثاني أكسيد الكبريت (SO2) وثاني أكسيد الكربون (CO2) وأحادي أكسيد النيتروجين (NO) بالقرب من سطح الأرض، مما يزيد من تركيز الروائح الكريهة".
وأشار إلى، أن "هذه الظاهرة تتكرر في آخر الليل والصباح الباكر، حيث يبدأ سطح الأرض بفقدان حرارته بسرعة، مما يبرّد الطبقة الهوائية الملامسة له، بينما تحتفظ الطبقة الهوائية العليا بالحرارة".
وبيّن، إن" هذه الحالة تنتهي مع شروق الشمس وارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، مما يؤدي إلى تلاشي الانقلاب الحراري وتبدد الملوثات والروائح الكبريتية، لتعود الأمور إلى طبيعتها".
أسباب التلوث وفق منظور المسؤولين
كما ذكرنا، ستشرح شبكة انفوبلس، أسباب انتشار رائحة الكبريت وفق منظورين اثنين، هما المسؤولين والخبراء، وستبدأ بشرح الأسباب وفق المنظور الأول.
وبهذا الصدد، أعلنت وزارة البيئة أن الانبعاثات الغازية الضارة والروائح الكريهة التي يستنشقها سكان بغداد، خصوصاً في أوقات متأخرة من الليل، سببها "احتراق النفط الأسود في محطات توليد الطاقة، ومعامل الأسفلت، والطابوق (طوب البناء)، إضافة إلى إضرام النيران في مطامر النفايات غير الصحية بأطراف العاصمة".
وقال الوكيل الفني في الوزارة لشؤون البيئة، جاسم الفلاحي، خلال مؤتمر صحافي، إن "ارتفاع مؤشرات تلوث الهواء في مدينة بغداد له مسببات".
وأوضح الفلاحي، أن "بؤر التلوث تتمثل في محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تستخدم الوقود الثقيل (النفط الأسود) مثل: محطة توليد الكهرباء في الدورة، ومعامل الأسفلت المؤكسد وغير المؤكسد، ومعامل الطابوق المنتشرة في حزام وضواحي بغداد".
وأضاف، إن الأسباب المشار إليها هي "مواقع تراكم النفايات، والطمر غير الصحي، خصوصاً مواقع: معسكر الرشيد، والنهروان، والنباعي، والتاجي، بالإضافة إلى ما تتعرض له من حرق عشوائي، خصوصاً خلال الليل".
وتحدث الفلاحي أيضاً عن أسباب أخرى للتلوث، مثل "كور الصهر غير القانونية التي تنتشر بين الأحياء السكنية، والتي تنتج انبعاثات غازية ضارة. مع الأخذ في الحسبان وجود ظواهر طقسية في هذه الأثناء، تتمثل في تغير درجات الحرارة، وتغير اتجاهات الرياح، مع ازدياد معدلات الرطوبة".
وتابع، إن "الانبعاثات الضارة التي تظهر على شكل ضباب أو غيوم تحتوي تركيزات مرتفعة من الغازات الضارة؛ منها ثاني أكسيد الكبريت، وغاز الميثان... وغيرهما، مع تداعياتها الصحية المتوقعة".
بدوره، قال مستشار وزارة البيئة، نظير عبود، إن "الحكومة عملت منذ أكثر من سنة ونصف على تحسين البيئة؛ حيث تم تأسيس (الشركة العامة لاقتصادات الكربون)؛ هذه الشركة معنية بعملية الخفض (للانبعاثات الضارة) ونقل التكنولوجيا، ووُضعت لها ميزانية بـ10 مليارات دينار".
من جانبه، قال المتحدث الرسمي لوزارة البيئة لؤي المختار، "خلال الأيام الماضية لوحظ انتشار رائحة مشابهة لرائحة الكبريت وارتفاع في مستويات بعض الملوثات خلال فترات الليل والفجر، هذه الظاهرة قد تكون ناتجة عن تغيرات في جودة الهواء المحيط بسبب الاحتراق غير التام للوقود عالي المحتوى الكبريتي لعدد من الأنشطة وحرق النفايات في المطامر غير النظامية".
وأضاف، إن "هذه الحالة زادت مع بدء انخفاض درجات الحرارة وزيادة التفاوت بين درجات الحرارة في الليل والنهار، حيث تندفع غازات الاحتراق الى الأسفل بدلاً من ارتفاعها الى الأعلى وتخفيفها، موصياً المواطنين بتقليل التواجد في الهواء الطلق إذا كانت الروائح مزعجة، وإغلاق النوافذ لضمان جودة الهواء داخل المنازل".
وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسيي، قال المختار إن عليهم "أخذ استراحة داخلية أو ارتداء الكمامات عند الاضطرار للخروج كإجراء احترازي".
إلى ذلك، كشف مجلس محافظة بغداد، أسباب رائحة الكبريت التي تنتشر بين حين وآخر في سماء العاصمة، فيما حذر من خطورة تلك الحالة.
وقال عضو المجلس علي المشهداني في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن "مجلس محافظة بغداد ناقش قضية انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة التي تتكرر بين حين وآخر، والتي هي سببها معامل الطابوق وغيرها تتواجد داخل الاحياء السكنية وقريبة على تلك الاحياء في مناطق مختلفة من بغداد".
وأضاف المشهداني، إنه "تم رفع توصيات بضرورة اخراج تلك المعامل الى خارج العاصمة بغداد وتكون بمناطق بعيدة جدا عن الاحياء السكنية، كذلك الطلب من وزارتي الصحة والبيئة، بوضع فلاتر وعوامل اخرى تحددها هذه الوزارتين على أصحاب المعامل، لمنع انتشار مثل تلك الروائح، التي فيها مخاطر صحية كبيرة وخطيرة على صحة المواطنين، فهي تسبب الكثير من الامراض".
أسباب التلوث وفق منظور الخبراء
بعد بيان الأسباب بمنظور المسؤولين، نستعرض هنا أسباب تلك الروائح بمنظور الخبراء، إذ كشف المتنبئ الجوي صادق عطية، بتاريخ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أسباب انتشار رائحة الكبريت في سماء العاصمة بغداد وبعض المدن.
وقال عطية في منشور عبر فيسبوك تابعته شبكة انفوبلس، إنه مع تحول الرياح جنوبية شرقية وسكونها، تنتشر على فترات رائحة كبريت كريهة في أجواء العاصمة وسببها الرئيسي هو:
أولا: تواجد معامل الطابوق جنوب وشرق بغداد وتلك المنتشرة في مناطق عشوائية في مدن الفرات الاوسط والجنوب.. تستخدم الوسائل البدائية الضارة للبيئة في صناعاتها.
ثانيا: حرق النفايات بصورة عشوائية.
ثالثا: تواجد مصفى الدورة جنوب بغداد.
رابعا: يحدث أحيانا هبوط الدخان البركاني الناتج عن نشاط أحد البراكين جنوب أوروبا مثلا، وهذا لا يحدث دائما ويشمل عموم منطقتنا.
من جهته، كتب الأكاديمي غالب الدعمي على منصة "إكس": "أين كانت هذه الرائحة قبل شهر من الآن؟ ولماذا ازدادت الدعوات بنقل مصفى الدورة ومحطة الكهرباء بالتزامن مع الرائحة؟" غير مستبعد أنها "مفتعلة" وفق تعبيره.
الآثار السلبية لانتشار هذه الروائح
بعد شرح أسباب هذه الروائح ومسبباتها ومصدرها، لابد من الكشف عن آثارها السلبية، إذ كشفت شبكة ذا نيو اراب في تقرير نشرته بتاريخ (13 تشرين الأول 2024)، قالت فيه إن التعرض المستمر لرائحة الكبريت التي انتشرت بصورة شديدة مؤخرا في العاصمة بغداد، سيؤدي إلى "خلل صحي كبير".ظظ
وقالت الشبكة في تقرير لها ترجمته شبكة انفوبلس، إن التعرض بشكل مستمر لغاز الكبريت سيؤدي الى "أمراض رئوية مزمنة" للمواطنين المتأثرين بالغاز، مشددة على أن العراق بات يتعرض لــ "خطر ايكولوجي".
ورجحت وزارة البيئة بحسب الشبكة، أن يكون سبب انتشار رائحة الكبريت هو "حرق الغاز الثقيل في معامل الطاقة بالإضافة الى حرق المخلفات بشكل غير منظم"، مؤكدة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ستظهر بنتائجها خلال يومين.
وأشارت الشبكة الى أن محاولاتها للحصول على تصريح من وزارة الصحة باءت بالفشل نتيجة لعدم إصدار الوزارة أي رد على أسئلة الشبكة، بحسب وصفها.
بدوره، يقول المهندس البيئي حسام الربيعي، إن الدخان الكبريتي الذي لوحظ الأيام الماضية في العاصمة العراقية بغداد "ليس قاتلاً"، لكنه يؤثر سلبياً على جودة الهواء و"تراكيزه العالية تسبب الاختناق".
ويضيف الربيعي، إن استمرار هذه الحالة من تصاعد دخان الكبريت واستنشاقه من قبل المواطنين سيتسبب لهم بـ"مشكلات في الرؤية، وأخرى في الجهاز التنفسي".
ويتابع، إن الدخان الكبريتي ناتج عن عمليات تصنيعية وتكريرية للنفط وحرق مواد نفايات يدخل النفط ضمن تركيبتها وأغلب مكوناتها هي ثاني أوكسيد الكبريت.
لجنة متخصصة للدراسة
في النهاية، دفعت الشكاوى المتكررة؛ التي يعلنها سكان العاصمة بغداد منذ أشهر، من استنشاقهم خلال فترات المساء والليل روائح كريهة أشبه بـ"روائح الكبريت"، برئاسة الوزراء إلى تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الموضوع.
وطبقاً لبيان حكومي، فإن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وجه بـ"تشكيل لجنة متخصصة برئاسة مستشار وزارة البيئة، وعضوية: مستشار وزارة النفط، وممثلين عن وزارة الكهرباء، إلى جانب الوكيل الفني لـ(أمانة بغداد)، ومدير عام دائرة حماية وتحسين البيئة في المنطقة الوسطى".
والهدف من اللجنة "دراسة حالة التلوث وتكرار انبعاث رائحة الكبريت المنتشرة في بغداد والمحافظات المجاورة، وبيان أسبابها ومعالجتها".
وشدد رئيس الوزراء على "وجوب وضع حلول جذرية للمشكلة، ودراسة الأمر من جميع جوانبه، على أن تقدم اللجنة تقريرها الخاص بالموضوع خلال يومين اثنين".