بمناسبة عيد الأم العالمي.. انفوبلس تستعرض أبرز ما تعانيه الأمهات العراقيات بعد 4 عقود من الحروب والحصار
انفوبلس/ تقرير
بمناسبة عيد الأم العالمي اليوم الخميس 21 مارس/ آذار والذي ظهر في القرن العشرين تكريما لدور الأمهات في تربية الأبناء وتأثيرهن في مجتمعاتهن، حيث يحتفل الجميع وكُلٌّ على طريقته الخاصة، من خلال المواقف والهدايا، يسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على الإحصائيات التي تخص الأم العراقية وأبرز ما تعانيه الأمهات بعد 4 عقود من الحروب والحصار.
لنتعرف أولاً على عيد الأم
يصادف اليوم الـ21 من مارس/ آذار من كل عام في الدول العربية، احتفالهم بـ"عيد الأم"، بينما يختلف تاريخ هذه المناسبة والتي تحتفل فيها عموم دول العالم من بلد إلى آخر. ففي الولايات المتحدة وألمانيا يتم الاحتفال بـ"عيد الأم" في الأحد الثاني من شهر مايو/ أيار من كل عام، وفي النرويج يتم الاحتفال فيه في 2 فبراير/ شباط، وفي الأرجنتين 3 أكتوبر/ تشرين الأول، وفي جنوب أفريقيا في الأول من مايو/ أيار، بينما في إندونيسيا يحتفلون به في 22 ديسمبر/ كانون الأول.
ومنشأ فكرة هذا الاحتفال يعود إلى عام 1907 في الولايات المتحدة، عندما طالبت الناشطة الاجتماعية آنا غارفيس بتخصيص يوم معترف به للاحتفال بالأمهات الأمريكيات. ورغبت غارفيس من هذه الدعوة تحقيق حلم والدتها بعد وفاتها، والتي كانت تردد "في يوم ما، وفي مكان ما، سينادي شخص ما بفكرة الاحتفال بعيد الأم"، فأخذت آنا غارفيس عهدا على نفسها بتحقيق حلم والدتها.
وعربياً، أول مَن أطلق فكرة الاحتفال بعيد الأم الصحافي المصري الراحل علي أمين، مؤسس جريدة "أخبار اليوم" مع شقيقه مصطفى أمين، حيث طرح علي أمين في مقاله اليومي "فكرة" فكرة الاحتفال بعيد الأم قائلاً: "لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه "يوم الأم" ونجعله عيدًا قوميًا في بلادنا وبلاد الشرق؟".
وإثر دعوته، انهالت الخطابات المؤيدة للفكرة من غالبية القراء، وبعدها تقرر أن يكون يوم 21 مارس/ آذار عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع، ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.
*تحية إلى كل أم عراقية
عيد الأم، مناسبة مميّزة وعزيزة على قلوب الأمهات اللواتي يسهرن على تربية أبنائهن بحنان ومحبة لا مثيل لهما. كل أم في الدنيا تستحقّ أن تحظى بالتكريم في هذا النهار المميّز من السنة، كونها رمزاً للتضحية والعطاء لاسيّما الأم العربية التي تكرّس حياتها لتماسك أسرتها.
ولكن لا بدّ من انحناءة خاصة هنا أمام الأم العراقية بالذات. فهذه المرأة تتميّز عن بقية الأمهات في العالم، بسبب معاناتها وتمسّكها بالصبر جرّاء الحروب المتوالية والظروف المعيشية الصعبة لتؤدي دور الأم والأب في آن واحد.
وتُعتبر الأم العراقية نموذجاً مهمّاً عن الأم التي تتميّز بصفات التضحية والحنان والصبر. فبعد أن مرَّ العراق بحقبة يصعب على الإنسانية أن تمر بمثلها، عانت الأم العراقية سنوات حزن ودمار وسجون وقتل وفقر وحرمان أضافت إلى هوية الأم العراقية تسميات توجع القلب وتدمي العين كـ "أم الشهيد"، "أم المفقود"، "الأرملة"، "الثكلى"، "الضحية" فتجدها في أغلب الأحيان تقبّل صورة ابنها بدلاً من أن تعانقه بيديها.
وقالت سارة جاسم، عضو منظمة حقوق المرأة في كلمة لها بهذه المناسبة: "نُحيي نضال كل الأمهات العراقيات اللاتي واجهنَ قسوة الحياة بدءاً من الحروب وفقدان الأزواج والأبناء وليس انتهاءً ممن قاسين ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي تسوء كل يوم".
وأكدت "جاسم"، إنه "لا تزال تضحيات الأمهات كبيرة مقارنةً مع قرينها الرجل في تحدي كل هذه الصعوبات، فقد قدّمن العطاء بمختلف النواحي من تربية الأبناء ورعايتهم إلى سوق العمل". وأضافت: "أتمنى بهذا اليوم من كل الأمهات أن يكن ثائرات على التغيير إلى الأفضل لتحقيق جيل واعي مدني يرفض العبودية ويؤمن بالمساواة المدنية بين الجنسين دون تمييز".
*الحروب التي مرت بها الأم العراقية
الأمهات العراقيات يعشنَ حالات من الحزن والقلق والتوتر، وكثيراً ما يبكينَ على أبنائهنَّ الذين قُتلوا جراء الانفجارات والأحداث الطائفية السابقة في البلاد وكذلك الحروب التي خاضها العراق، كالحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وكذلك حرب الكويت (1991)، بالإضافة معارك تحرير العراق من عصابات تنظيم "داعش" الإرهابي.
وأسفرت الحرب العراقية - الإيرانية خلال القرن الماضي، عن خسائر فادحة، حيث قُتل فيها مليون شخص، فضلا عن خسائر مالية وصلت إلى 350 مليار دولار، وفي حرب الكويت تعرض العراق -خلال مدة الحرب البالغة 40 يوما- للقصف بأكثر من مائة ألف طن من المتفجرات، بما في ذلك مئات الأطنان من ذخائر اليورانيوم المنضّب، وهو ما أدى إلى سقوط ما بين سبعين ألفاً ومئة ألف قتيل في صفوف الجيش العراقي، وجرح قرابة 300 ألف جندي، وأسر ثلاثين ألفاً آخرين.
لكن أشد آثار الحرب تدميرا للعراق تجلَّت في مضاعفات الحصار الذي فُرض عليه بمجموعة من قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي (خاصة القرارات 661 و665 و670)، وحولت نظام العقوبات إلى حصار شامل وقاسٍ دام أكثر من 12 عاما.
وكان من نتائج هذا الحصار انخفاض الناتج المالي الإجمالي في العراق إلى ما يزيد على ثلث المستوى الذي بلغه قبل عام 1991، وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والصناعية للعراق بواسطة القصف الأميركي البريطاني المستمر حتى بعد انتهاء الحرب، وموت أكثر من مليون طفل عراقي دون سن الخامسة نتيجة لسوء التغذية وضعف الخدمات الصحية التي خلَّفها الهجوم العسكري والحصار المستمر.
وبحسب الشركة الألمانية "ستاتيستا" المختصة في الاحصائيات الدولية، فإن عدد القتلى المدنيين العراقيين الموثقين في العراق من عام 2003 إلى نهاية ديسمبر 2022 هو 209982، وهي الفترة التي عقبت الغزو الأمريكي.
*معاناة الأمهات العراقيات
إن الأمهات العراقيات ما زلنَ يعيشن في ظروف صعبة، ومعاناة مستمرة، بل ويمثلن أبرز ضحايا ما يشهده العراق من وضع سياسي مأساوي، ومما سبقه من حروب امتدت على مدى 4 عقود، وما تخللها من اقتتال داخلي.
تحملت الأم العراقية، ما لم يحتمله أحد، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، قدمت الأم فيها، أغلى ما تملك في الحياة، حيث خسرت آلاف الأمهات أبنائهن وأزواجهن في الحرب العراقية-الإيرانية، ومن ثم في الاحتجاجات الشعبية ضد نظام المقبور صدام حسين، ولتعود لتكون شريكا أساسيا مع الأب في تأمين لقمة العيش للعائلة إبان سنوات الحصار الذي فرضته أميركا على البلاد في التسعينيات، كما تقول أمل المدرس وهي معلمة تربوية، تبلغ من العمر 56 عاما.
وتضيف، إن "الأمهات اضطررن للنزول إلى الشارع، والعمل في أصعب المهن، ومنهن من تركن وظائفهن بسبب ضعف المرتب الشهري، ليذهبن للعمل في أعمال شاقة، بغية تأمين لقمة العيش لأبنائهن".
وما لبثت جروح الثمانينيات أن تندمل، حتى عادت الأم العراقية لتقدم من جديد فلذة كبدها وسندها، قربانا للحرب من جديد، حيث قُتل الآلاف من الأبناء والأزواج عام 2003، بحسب المدرس.
*الحروب الأكثر فتكا بالأمهات
التهمت الحرب الطائفية لاحقا في العراق، آلاف الشباب، وبالرغم من ذلك، عاد النظام السياسي ليعمق جراح الأمهات في الاعتقالات العشوائية والاستناد على الدعاوى الكيدية، التي زُجَّ على إثرها أيضا الآلاف في المعتقلات من دون تحقيقات عادلة، كما تقول العراقية انتصار الجاف.
وتضيف، إنه و"علاوة على ذلك، فإن الأمهات حتى ممن لم يتعرضن للفقدان جراء الحروب والاقتتال، فإنه حتى باقي من يملكن أطفالا وأزواجهن يعيشن في حياة صعبة، إذ تجدها منهمكة في معاناة البحث لأطفالها عن مستقبل يؤمن لهم حياة كريمة، أو تجدها غارقة في الخوف من أن تتعرض في أي لحظة لفقدان زوجها أو ابنها بسبب انعدام الأمن".
وبينت، إن "ظروف الأم في العراق صعبة جدا، فهي تقاتل على كل الجبهات، فهي تنهمك في تربية طفلها منذ الولادة، وإلى إكماله تعليمه، وفي خضم ذلك، تجدها تعمل في وظيفة ومعها واجبات المنزل، وإذا ما كبروا أطفالها تجدها كبرت معهم معاناتها في إيجاد عمل أو وظيفة، بسبب عدم تكافؤ الفرص والمحسوبية في التوظيف، وانعدامها بالغالب".
ووسط كل تلك الظروف، لا تجد الأم اهتماما من قبل السلطات والنظام، لا بتوفير التعويضات، ولا حتى في مسألة التخفيف عن التزاماتها، ولا حتى في الاهتمام في حقوقها، وفقا للجاف التي تعمل في منظمة حقوقية، لافتا إلى أن "الأمهات العراقيات لم يعيشن سوى الويلات، منذ نظام البعث وحتى الآن".
وبحسب منظمة العمل الدولية، فإن نسبة مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل تبلغ 10.6%، أي إنَّ من بين 13 مليون امرأة في سنّ العمل، هناك نحو مليون و400 ألف منهن مشاركات في سوق العمل، أي إنهن إما يعملنَ أو باحثات عن عمل، مشيرةً إلى أن "أقل من مليون امرأة يعملنَ في الوقت الحالي".