بين السيول والحقول.. متفجرات الحرب تتحرك وتعيد إنتاج الخطر من جديد.. معركة استنزاف تُدار بميزانيات شحيحة وخرائط مفقودة

انفوبلس..
في عراقٍ أنهكته الحروب، لا تزال الألغام والمخلفات الحربية تحصد الأرواح وتعيق التنمية. ورغم الجهود الوطنية لتطهير الأراضي الملوثة، تبقى المساحات الشاسعة المليئة بالخطر شاهداً دامغاً على تَرِكة دامية. ومع تصاعد التحديات المالية والتقنية، يتجدد الأمل بتكاتف الجهات لإنهاء هذا الكابوس.
الحروب المتفاقمة
يقول د. جمال العطا (مستشار وزارة البيئة): "إن مشكلة الألغام والمقذوفات الحربية تعد من أخطر التحديات التي تواجه العراق اليوم، لا سيما مع تأثيرها في الحياة اليومية والمشاريع الاستثمارية. هذه المشكلة لها جذور تمتد إلى سنوات الحرب العراقية– الإيرانية، واستمرت بالتفاقم عبر الحروب والصراعات اللاحقة".
ووفقًا للعطا: "فقد بدأت مشكلة الألغام خلال الحرب العراقية–الإيرانية في الثمانينيات (1980–1988)، حيث زُرعت حقول الألغام على طول الحدود بين العراق وإيران. كانت تلك الفترة مليئة بالمعارك، وانتشرت حقول الألغام بشكل واسع". مضيفًا: "ومع انتهاء الحرب، تركت هذه الحقول أثرًا بيئيًا وإنسانيًا كارثيًا، حيث أصبحت مساحات واسعة من البلاد ملوثة".
ويشير الدكتور إلى أن "حرب الخليج الأولى (1990–1991) أدت إلى نوع جديد من التلوث، ألا وهو القنابل العنقودية التي تسببت في تلوث مناطق واسعة مثل السماوة والبصرة وذي قار. وخلال هذه الفترة، شهدنا زيادة كبيرة في حقول الألغام والقنابل العنقودية، خاصة في المناطق التي دارت فيها معارك شرسة".
ويؤكد العطا أنه "مع دخول القوات الأميركية وسقوط النظام السابق، فقدنا جميع الخرائط التي كانت توضح مواقع حقول الألغام. هذه الخرائط احترقت أو اندثرت، ما جعل مهمة تحديد المناطق الملوثة أكثر تعقيدًا. وبعدها تم إنشاء دائرة شؤون الألغام في عام 2003 بقرار من الحاكم المدني بول بريمر، وكانت تابعة في البداية لوزارة التخطيط قبل أن تنتقل إلى وزارة البيئة".
لافتًا إلى أن "أولى الجهود الوطنية لتحديد المناطق الملوثة بدأت من محافظة ذي قار، حيث تم إجراء مسوحات غير تقنية استنادًا إلى المعلومات المتوفرة. وبدعم من وزارتي الدفاع والداخلية، بالإضافة إلى المنظمات المجتمعية، تمكنت الدائرة من إتمام مسوحات ناجحة في مناطق أخرى مثل العمارة والبصرة والسماوة".
المناطق المحررة
وفي إطار حديثه عن المناطق المحررة بعد دحر داعش، شدد على أن "التلوث في هذه المناطق كان خطيرًا للغاية، حيث خلفت العبوات الناسفة التي زرعها التنظيم تهديدًا دائمًا على حياة السكان". وأضاف أن "المناطق الجنوبية كانت أقل تلوثًا بالعبوات، ولكنها ما زالت تعاني من وجود مخازن الأسلحة والميادين التي تُعد مناطق خطرة".
كما بيّن العطا أن "العراق عضو في ثلاث اتفاقيات دولية رئيسة تتعلق بالألغام والقنابل العنقودية والأسلحة التقليدية، وهي: اتفاقية أوتاوا، واتفاقية أوسلو، واتفاقية الأسلحة التقليدية (CCW). وهذه الاتفاقيات توفر للعراق دعمًا دوليًا يساعد في جهود إزالة الألغام". مشيرًا إلى أن "قلة التخصيصات المالية تؤدي إلى تباطؤ في عمليات الإزالة"، معبرًا عن أمله في أن يتمكن العراق من التخلص من الألغام والمقذوفات بحلول عام 2028. واستدرك قائلًا: "قد نحتاج إلى طلب تمديد إضافي لاتفاقية أوتاوا لمدة عشر سنوات أخرى لضمان استمرارية الدعم الدولي".
وأكد أن "نسبة المناطق الملوثة قد انخفضت بشكل كبير من 6000 كيلومتر مربع إلى حوالي 2100 كيلومتر مربع، وأن الجهود مستمرة، ونأمل أن نصل إلى عراق خالٍ من الألغام في المستقبل القريب".
صدارة البصرة
مدير إعلام دائرة شؤون الألغام، مصطفى حميد مجيد، تحدث عن الدور الإشرافي والرقابي للدائرة في إزالة الألغام والمخلفات الحربية.
وأوضح أن "الدائرة تشرف على أعمال التنفيذ التي تقوم بها الجهات الوطنية والمنظمات الدولية والمحلية، وفق معايير محددة تمنح بموجبها تلك الجهات التفويض لتنفيذ الأعمال". مشيرًا إلى أن "دائرة شؤون الألغام تتابع الأنشطة التنفيذية في جميع المحافظات العراقية المتأثرة بمخاطر الألغام والمخلفات الحربية". مبينًا أن "أبرز التحديات التي تواجه الدائرة هي التحديات المالية والتأخير في إقرار الموازنة".
وفي ما يتعلق بأكثر المناطق تلوثًا، أكد أن "محافظة البصرة تتصدر القائمة عالميًا من حيث التلوث بالألغام والمخلفات الحربية نتيجة الحروب السابقة". وبخصوص الإحصائيات، ذكر أن "الدائرة تمتلك إحصائية شاملة لضحايا الألغام والمخلفات الحربية، حيث سجلت أكثر من 30 ألف ضحية منذ عام 2009 وحتى الآن". وختم حديثه مؤكدًا أن "الدائرة، التي تأسست عام 2003، تعتبر السلطة الوطنية العليا لبرنامج شؤون الألغام في العراق، وتعمل تحت مظلتها الجهات التنفيذية مثل وزارتي الدفاع والداخلية والحشد الشعبي، إضافة إلى المنظمات الإنسانية والشركات التجارية المختصة". كما أشار إلى أنه "منذ تأسيس الدائرة تم تحديد أكثر من 6000 كيلومتر مربع من الأراضي الملوثة، فيما تبقى حاليًا أقل من 2000 كيلومتر مربع، ما يمثل إنجازًا بنسبة حوالي 60%، رغم التحديات المستمرة مثل الحرب ضد داعش والتعثر المالي".
الداخلية والدفاع المدني
بدوره، أوضح نؤاس صباح، مدير إعلام مديرية الدفاع المدني، دور وزارة الداخلية والمديرية في التعامل مع المخلفات الحربية والمقذوفات غير المنفلقة، قائلًا: "إن مديرية الدفاع المدني، من خلال قسم معالجة القنابل غير المنفلقة والمتساقطات الجوية، تعمل على إزالة المخلفات الحربية والمتساقطات الجوية، خصوصًا في المناطق الحدودية التي شهدت عمليات عسكرية سابقة".
وأضاف أن "هذه الجهود تتم بالتنسيق مع وزارة البيئة ودائرة شؤون الألغام، حيث يتم جمع المخلفات في أماكن آمنة وتسليمها إلى الهندسة العسكرية لإتلافها وفقًا للسياقات المعتمدة".
وفي ما يتعلق بوجود قانون خاص بتنظيم إزالة المخلفات الحربية، أشار صباح إلى أن "القسم يعمل وفقاً لقانون الدفاع المدني رقم 44 لسنة 2013، الذي يحدد كيفية التعامل مع القنابل غير المنفلقة والمخلفات الحربية". وعن رأيه في دور وزارة الداخلية ومديرية الدفاع المدني في التصدي لهذا الملف، قال: "هذا الملف تابع بشكل رئيس لوزارة البيئة، بالتنسيق مع مديرية الدفاع المدني ووزارة الدفاع، حيث تعمل جميع الجهات المعنية على الحد من خطورته".
وأوضح أن "الدفاع المدني يصدر نشرة سنوية تتضمن إعداد المساحات التي تم مسحها ميدانيًا ورفع المخلفات الحربية منها. كما يعمل على مسح المناطق التي تتعرض للفيضانات والسيول، حيث تقوم السيول بنقل المخلفات من منطقة إلى أخرى، ما يستدعي إعادة مسح تلك المناطق". كما أن مديرية الدفاع المدني تقدم توصياتها للمواطنين، وتدعوهم فيها إلى "الابتعاد عن المناطق التي تحمل إشارات تحذيرية، خاصة في مناطق الرعي والمناطق السياحية في سفوح جبال حمرين والشريط الحدودي الشرقي". كما حذرت من العبث بالأجسام الغريبة وشددت على ضرورة الإبلاغ الفوري عنها.
الحشد الشعبي وجهود التطهير
وحول هذا الملف فإن للحشد الشعبي دورًا محوريًا في إزالة المخلفات الحربية منذ تأسيسه في عام 2014، هذا ما أكده مهند حسين، معاون مدير إعلام هيئة الحشد الشعبي، مضيفًا أن "الحشد قاد جهودًا كبيرة في تطهير المناطق المحررة من العبوات الناسفة والمخلفات الحربية، بما في ذلك تفكيك المنازل والعجلات المفخخة، وكذلك الأراضي الزراعية والمنشآت الحكومية والأهلية. شملت هذه الجهود مناطق جرف النصر، سامراء، آمرلي، مصفى بيجي، والطاقة الحرارية، بالإضافة إلى محافظات تكريت، الأنبار، ونينوى".
وأوضح أنه "في عام 2020، انضم الحشد الشعبي إلى (الجهد الوطني الخدمي المجاني) بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، وتم إعداد وثيقة تُحدد الأدوار والمسؤوليات الموكلة لكل جهة حسب القواطع وأهمية المواقع الملوثة. يواجه العراق تلوثًا كبيرًا بالمخلفات الحربية والألغام، يمتد من الحدود الجنوبية في البصرة، والعمارة، والكوت، وصولًا إلى المحافظات الشمالية وحقول الألغام المنتشرة في مناطق عدة".
وبيّن حسين أن "التلوث بالمخلفات الحربية في العراق واسع النطاق، خاصة في المناطق الممتدة من البصرة حتى صحراء الأنبار. ويتم تنفيذ عمليات التطهير بجهود وآليات الحشد الشعبي، إلا أن هناك شركات ومنظمات تقدم الخدمات نفسها مقابل تكلفة تتراوح بين 1 إلى 5 دولارات للمتر المربع الواحد، ما يشكل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة".
كما أكد حسين أن "الحشد الشعبي، بالتعاون مع وزارتي الداخلية والدفاع، وضع خطة طويلة الأمد لتطهير المناطق الملوثة بالمخلفات الحربية. تركز الخطة على المناطق السكنية، والمشاريع الحكومية التي تدعم الاقتصاد الوطني، والمناطق النائية التي يسكنها الرعاة والبدو. وبالرغم من التزام الجهد الوطني في التصدي لملف المخلفات الحربية"، أشار حسين إلى "ضعف الدعم الحكومي المقدم لهذه الجهود، حيث اعتمد الحشد الشعبي في أغلب عملياته على إمكانياته الذاتية دون الحصول على الدعم اللازم من الجهات المعنية أو المحافظات المتضررة".
معددًا في ختام حديثه إنجازات الحشد الشعبي في هذا المجال، قائلًا:
1. مشروع النبراس في البصرة: تم تطهير 3,000,000 متر مربع ورفع 280 مخلفًا حربيًا.
2. بادية السماوة في المثنى: تم تطهير 30 موقعًا ملوثًا بمساحة 14,351,323 مترًا مربعًا، ورفع 3,015 مخلفًا حربيًا.
3. بادية النجف الأشرف: تم تطهير 50 كيلومترًا، وإتلاف 290 قنبلة عنقودية و11 صاروخًا بوزن يتراوح بين 290 و500 كيلوغرام.
4. نهضة نينوى: تطهير المحافظة بالكامل ورفع 750 عبوة ناسفة ومخلفًا حربيًا، بالإضافة إلى تطهير 6 معامل للتفخيخ و30 منزلًا مفخخًا، و10 مواقع حكومية.
5. مدينة الجواهري السكنية في بغداد: العمل جارٍ على تطهير 18,000,000 متر مربع.
سفيرة ذوي الإعاقة
وفي قصة مأساوية وملهمة في الوقت ذاته حول خطر المخلفات الحربية، فهنالك فتاة تعرّضت في سن العاشرة لحادث مأساوي غيّر مجرى حياتها. أثناء نزهة عائلية في ضواحي بغداد عام 2005، انفجر لغم أرضي، ما أفقدها الوعي وغمرها في ظلامٍ عميق. تلك اللحظة كانت أشبه بالموت، لكنها لم تكن نهاية الطريق، بل بداية كفاح طويل. وتؤكد سفيرة ذوي الإعاقة ورود طالب أن "جهود الحكومة العراقية في إزالة الألغام جيدة، لكنها غير كافية"، مشيرةً إلى أن "العديد من الأراضي لا تزال تعاني من الألغام المدفونة، وأن تغير المناخ والسيول تؤدي إلى نقل هذه الألغام إلى مناطق جديدة، ما يزيد من خطورتها".
يقول المستشار موفق الخفاجي (رئيس تجمع ذوي الإعاقة وعضو التحالف الدولي للإعاقة): إن "التجمع تأسس في عام 2003 للدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، مع التركيز على الدمج المجتمعي والعدالة وفق التشريعات. ويسعى لضمان تكافؤ الفرص في التعليم والعمل، وتحسين البنية التحتية لتكون ميسرة، مع توفير الرعاية الصحية والمستلزمات الضرورية. كما يركز على إدماج الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء في البرامج التنموية، وضمان المشاركة السياسية". مضيفًا أن "أبرز التحديات تشمل البنية التحتية غير الملائمة، والتنمر الاجتماعي، والتقصير الحكومي في تنفيذ القوانين المتعلقة بحقوق ذوي الإعاقة". مؤكدًا "مواصلة العمل لضمان حياة كريمة وحقوق متساوية".
ورغم انقضاء عقود على اندلاع أولى الحروب الكبرى في العراق، فإن إرثها ما زال حاضرًا في حياة الناس، مدفونًا في الأرض على هيئة ألغام وقنابل لم تنفجر بعد، تترصد كل خطوة وتنسف كل محاولة آمنة للعيش والبناء. الملف لا يتعلق فقط بتقنيات إزالة المتفجرات، بل يعكس فصولًا من التاريخ الدموي الذي لم يُطوَ بعد، ويضع البلاد أمام مسؤوليات إنسانية وتنموية جسيمة.
الإرث الثقيل: من الحدود إلى المدن
الملف بدأ خلال الحرب العراقية–الإيرانية، حين حُفرت الأرض بالخوف وزُرعت بالشك، وأُنشئت حقول ألغام على طول الحدود الشرقية. لم تنتهِ القصة بسقوط النظام السابق أو بانتهاء المعارك، بل تراكمت طبقات جديدة من التلوث الحربي مع حرب الخليج، ثم الاحتلال الأميركي، وأخيرًا مع الحرب على داعش.
هذا التداخل الزمني للمخاطر أدى إلى توسّع نطاق التهديد، فبات يمتد من الحدود الإيرانية حتى الصحارى الغربية، ومن أطراف المدن إلى أعماق القرى والمزارع، مهددًا المشاريع الاستثمارية والزراعية، وحتى حياة الرعاة والأطفال.
مأساة إنسانية متواصلة
أكثر من 30 ألف ضحية سُجلت رسميًا منذ عام 2009 فقط، عدا الآلاف الذين سقطوا في العقود السابقة. قصص المأساة لا تنتهي، من فتاةٍ انفجر بها لغم أثناء نزهة عائلية، إلى مُزارع فقد أطرافه في أرضه، إلى أطفال شردهم الخوف من اللعب في قُراهم. هذه الخسائر لا تقاس فقط بالأرواح أو الأطراف المبتورة، بل بسنوات من الرعب المزمن والحرمان.
ومع كل ضحية، تتكسر الثقة بين المواطن وأرضه، ويتحول الحقل إلى فخ، والمنزل إلى قنبلة موقوتة، والمستقبل إلى ظلال من القلق.
جهود الدولة: ما تحقق وما تبقى
لا يمكن إنكار حجم الجهود المبذولة، خاصة منذ تأسيس دائرة شؤون الألغام عام 2003، وما تبعها من حملات وطنية ومساهمات من وزارات الدفاع والداخلية والحشد الشعبي. أكثر من 60% من المناطق الملوثة تم تطهيرها، وانخفضت المساحات الخطرة من 6000 كم² إلى قرابة 2000 كم²، ما يعد إنجازًا نسبيًا في ظل الظروف السياسية والأمنية والمالية المعقدة.
كما أن انخراط العراق في اتفاقيات دولية مثل أوتاوا وأوسلو وفّر دعمًا معنويًا وفنيًا، لكنه لم يكن كافيًا لتجاوز العجز في التمويل والخرائط الدقيقة والبنى التحتية المناسبة.
معظم المؤسسات المختصة تعاني من ضعف التخصيصات، ومماطلات في إقرار الموازنات، ما يؤخر عمليات المسح والإزالة ويزيد من فترة الخطر. ويُضاف إلى ذلك تأثير السيول والمناخ المتغير، الذي يعيد توزيع الألغام ويغيّر أماكنها، لتتحول من قضية أمنية إلى معضلة بيئية واجتماعية متجددة.
الحشد والجهد المجتمعي
حضور الحشد الشعبي في هذا الملف كان لافتاً، لا كمقاتل فقط بل كجهة فاعلة في إزالة الخطر وإعادة الحياة. مشاريع كبرى مثل "نهضة نينوى" و"بادية المثنى" و"مدينة الجواهري" تمثل نماذج ناجحة في العمل الميداني رغم غياب الدعم الحكومي الكافي، وتعكس أهمية توسيع الشراكة بين الجهات الرسمية وغير الرسمية لتجاوز البيروقراطية وإنجاز المهام الملحة.
المدنيون أيضًا أدوا أدوارًا مهمة، من خلال التبليغ والتوعية والمشاركة في المسوحات، في ظل غياب قانون خاص متكامل ينظم التعامل مع الألغام والمخلفات الحربية، ويضمن حقوق الضحايا بشكل مؤسسي.
الإعاقة.. الوجه المنسي للمأساة
الضحايا لا ينتهون بالموت، بل يبدؤون مع الإعاقة رحلة أشد تعقيدًا. فضعف البنية التحتية، والتنمر الاجتماعي، وقلة الرعاية، وغياب الدمج، تجعل من الناجين سجناءً لإصاباتهم. شهادة ورود طالب وسعي موفق الخفاجي لإنصاف ذوي الإعاقة، تسلط الضوء على جانب إنساني بالغ الحساسية: فالمعاق ليس رقمًا في الإحصاءات، بل مواطن يطالب بالحياة الكريمة، والعدالة، والمساواة.
الطريق إلى عراق آمن
لا شك أن الطموح بتطهير العراق من الألغام بحلول 2028 هو هدف طموح، وربما غير واقعي دون مضاعفة الجهد والدعم الدولي والتمويل. والحل يكمن في:
-إقرار قانون خاص بإزالة المخلفات الحربية وتوحيد المرجعيات التنفيذية.
-رصد ميزانيات مستقلة ومحمية لهذا الملف.
-توسيع الشراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الإنسانية.
-تعزيز برامج التوعية في المناطق الريفية والنائية.
-اعتماد التكنولوجيا الحديثة في المسح والإزالة.
-توثيق حقوق الضحايا وتأهيلهم ماديًا ونفسيًا.
ملف الألغام في العراق ليس قضية تقنية ولا فقط أمنية، بل هو جرح في الذاكرة الوطنية، يجب تطهيره بالتخطيط والإرادة والمصارحة. فبدون أرضٍ آمنة، لا إعمار حقيقياً، ولا استثمار ناجحاً، ولا عودة مطمئنة للنازحين، ولا كرامة للإنسان. وكل مترٍ يُطهَّر، هو خطوة نحو العراق الذي يستحقه شعبه: عراق خالٍ من الخوف، ممتلئ بالحياة.