بين عقود الإطعام وتجارة المخدرات.. فضائح تضرب السجون العراقية
انفو بلس/..
تتوالى فضائح السجون العراقية بدءاً من سوء المعاملة والتعذيب وتجارة المخدرات وصولاً إلى ملف إطعام السجناء، الذي وُصِف بأنه أحد أخطر أبواب الفساد في العراق.
ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقارب المائة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي.
وتضاعف عدد السجون في البلاد منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 عدة مرات، إذ أنشأت سلطة الاحتلال المؤقتة ثلاثة سجون في السليمانية والبصرة وبغداد، قبل أن توسّع الحكومات المتعاقبة خطة السجون، ليرتفع العدد إلى 13 سجنا رئيسيا تنتشر في مدن وسط وجنوب البلاد، فضلا عن العاصمة بغداد، وإقليم كردستان، عدا عما يُعرف بالسجون المؤقتة التي تتبع وزارتي الداخلية والدفاع، وتُعرف في العراق بـ"التسفيرات".
*المخدرات
مقطع مصوّر تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، أحدث زلزالاً داخل العراق، عندما أظهر مجموعة سجناء في سجن التاجي يستغيثون جراء إجبارهم على شراء المخدرات، فيما شكوا تعرضهم إلى السّب والشتم والقذف بأعراضهم من قبل مسؤولين في السجن.
ذلك المقطع، دفع وزير العدل خالد شواني، إلى التحرك سريعاً، وقرر إعفاء مدير سجن التاجي ومعاونيه إضافة الى مسؤول شؤون الداخلية والأمن ومسؤول التصاريح الامنية، إذ تمت إحالتهم الى الجهات التحقيقية لغرض التحقيق معهم بشأن ما ورد من الاتهامات في الفيديو.
ما تم تداوله في هذا المقطع ربما لا يمثل نسبة 1% من معاناة القابعين داخل السجون العراقية، الذين يتعرضون وبشكل تعسفي لشتى أنواع المساوئ.
عضو مجلس النواب عبد الكريم عبطان، يؤكد دخول المخدرات للسجون العراقية.
تقول السلطات الأمنية المختصة بالمخدرات، إن بعض ممن أُدينوا وسُجنوا بتهمة حيازة المواد المخدرة خرجوا من السجون مروّجين لها.
*تعذيب وإهمال طبي
تسجل السجون العراقية انتهاكات كبيرة، وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، رصد وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة "عمليات التعذيب والإهمال الطبي"، وأضاف، أنّه في المدّة المتراوحة ما بين يناير/ كانون الثاني 2021 وأغسطس/ آب 2022 توفّي 49 معتقلًا؛ 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.
كذلك، كشف المركز عن "احتجاز عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات عدّة بدوافع انتقامية"، موضحاً أنّ "الظروف الصحية معدومة في معتقلاتهم، وأنّها ذات درجة حرارة ورطوبة عاليتَين، ممّا يؤثّر على صحتهم بشكل مباشر".
*فساد الإطعام
ما لا يخفى على أحد هو رداءة الطعام المقدّم إلى السجناء، رغم تعاقد وزارة العدل مع شركات مختصة بإعداد غذاء جيد للمساجين.
يكشف عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، سوران عمر، عن سرقة في السجون العراقية من خلال الفساد في طعام النزلاء، إذ يقول بحسب بيان له "يوجد في السجون العراقية 80 ألف سجين لو تمت سرقة 1000 دينار من الأطعمة التي تُقدّم إليهم فهذا يعني 240 مليون دينار لليوم الواحد ما يعادل 7 مليار و200 مليون في الشهر".
وأضاف: "في وقتٍ السجناء ممتعضون من الأكل لرداءة الوجبات، وإذا كان العقد المُبرم بين وزارة العدل والشركة المساومة فقد يكون هناك فساد كبير وأرباح غير معقولة في هذه العملية".
وأكد عمر، "نتعهد بمتابعة هذا الملف ومساءلة المقصرين وأن عدم الدخول في المناقصة مع شركة (الميقات للصناعات والتجهيزات الغذائية) وتكليف وزير العدل بهذا الشأن بعيداً عن الشروط المطلوبة لمدة 7 سنوات أمر غير مقبول البتّة".
وأشار إلى أن "هذه الشركة تم تأسيسها منذ 16/2/2021 برأس مال 5 مليار دينار. من المفترض إجراء تحقيقات مكثفة لأن المعتقلين ممتعضون جدا من هذه الأطعمة المقدّمة إليهم في السجون العراقية وعلى الجهات المعنية فسخ هذا العقد بأسرع وقت يمكن لما يحمله من فقرات غير قانونية وغير متوفرة الشروط".
واتهمت مصادر مطلعة، كُلاً من رئيس هيئة الحج والعمرة سامي المسعودي ومدير المخابرات السابق رائد جوحي ووكيل استخبارات الداخلية أحمد أبو رغيف، بالوقوف خلف هذا التعاقد المريب.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان كشفت عن تلقيها 15 ألف شكوى من منظمات وأهالي السجناء سنوياً، تتعلق برداءة الطعام وسوء المعاملة والتعذيب.
وقد وثقت في تقاريرها للأعوام 2018 و2019 و2020، تراجعاً على مستوى توفير طعام النزلاء والموقوفين والمودَعين، بالإضافة إلى سوئه.
وخلص تقريرها السنوي لعام 2020، إلى 14 استنتاجاً، منها رداءة الطعام وقلّته ورداءة الأواني التي يُقدّم ويُنقل فيها الطعام في معظم السجون ومرافق التوقيف الاحتياطي، وتستخدم أحيانا قناني المياه الفارغة أو الأكياس البلاستيكية لوضع الطعام والشاي، وعدم التزام متعهد الإطعام بالجدول الذي يتضمن أصناف الطعام.
من جانبه، مرصد أفاد (المعني برصد وتوثيق الانتهاكات الإنسانية والمخالفات القانونية في العراق)، أكد سابقاً أن شركات تقديم الطعام للسجناء لا توفر 10 بالمئة من مفردات الطعام التي وردت في العقود الموقعة مع وزارة العدل. مشيراً إلى وجود سجناء في سجن التاجي شمالي العاصمة العراقية بغداد، وسجن الحوت المركزي في مدينة الناصرية جنوب شرق العراق لا يتجاوز وزنهم 40 كغم، وهذا الوزن وفقاً للمعايير العالمية غير طبيعي.
وقبل 3 أسابيع، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، إحالة ملف إطعام السجناء إلى الهيئة العليا لمكافحة الفساد بعد رصد حالات فساد كبرى تتضمن خروقات مالية وإدارية وقانونية جسيمة.
*سر استدعاء شواني
في 4 كانون الثاني الجاري، أصدرت هيئة النزاهة الاتحادية، مذكرة استدعاء لوزير العدل خالد بشأن اتهامات بأنه عرقل تحقيقاً في قضية فساد.
واتهم القاضي الذي يرأس الهيئة، حيدر حنون، الوزير، خالد شواني، برفض تسليم وثائق مرتبطة بتحقيق في خدمات تموين السجون، متهماً إياه بـ"استخدام سلطته لعرقلة عمل المحققين". إذ قال حنون، إن الوثائق التي طلبها من شواني "تدين" المشتبه بهم.
وبدأت تحقيقات الشهر الماضي في "شبهات فساد" في عملية توصيل وجبات السجن، مع تقديم طعام محدود "رديء الجودة" مقارنة بالمدفوعات المقدمة، بحسب وكالة فرانس برس للأنباء.
وسبق أن اتهم شواني نفسه المورّدين بعدم تقديم جميع طلبات الطعام التي تم الدفع لهم مقابلها.