edition
إنفوبلاس
  • الرئيسي
  • كل الأخبار
    • سياسة
    • أمن
    • اقتصاد
    • رياضة
    • صحة
    • محليات
    • دوليات
    • منوعات
  • اقرأ
  • شاهد
  • انظر
  • انفوغراف
  • كاريكاتور
  • بودكاست
  • بلغتنا
  • من نحن
  1. الرئيسية
  2. الأخبار
  3. محليات
  4. تاريخ من العطش المزمن.. احتفال بلا عقود وتمويل بلا تفويض.. البصرة رهينة تجبُّر المناخ وألاعيب...

تاريخ من العطش المزمن.. احتفال بلا عقود وتمويل بلا تفويض.. البصرة رهينة تجبُّر المناخ وألاعيب السياسة

  • 28 تموز
تاريخ من العطش المزمن.. احتفال بلا عقود وتمويل بلا تفويض.. البصرة رهينة تجبُّر المناخ وألاعيب السياسة

انفوبلس..

وسط سخط شعبي متفاقم في البصرة بسبب شح المياه الصالحة للشرب، يرافقها حالة من عدم اليقين بجميع الوعود الحكومية مع قرب الانتخابات، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إطلاق مشروع استراتيجي لتحلية مياه البحر. الإعلان جاء بعد عقود من المعاناة وفشل المشاريع السابقة، وفي وقت لا تزال فيه الأسئلة معلّقة بشأن الجدية والتمويل والتوقيع الرسمي للعقد.

 

جذور الأزمة

أزمة المياه في البصرة لم تكن وليدة الفترة القريبة كما يتصور البعض، فأهالي البصرة بدأوا يسمعون صفير صنابير الماء قبل أربعة عقود ونصف، وتحديدا منذ اندلاع حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران عام 1980.

 

شط العرب، مصب نهري دجلة والفرات، كان مصدر إطفاء عطش البصريين تاريخيا، حتى إن أغلب مشاريع مياه الإسالة في البصرة اعتمدت على مياهه، وعلى روافد دجلة والفرات عند دخولها الحدود الإدارية للمحافظة، فقد كانت خارطة مشاريع المياه تبدأ بمشروع الإنماء في القرنة شمالي البصرة وما بعدها و”المدَيْنة” و”الهوير” و”قضاء الصادق” التي تعتمد على الفرات، لكن أغلب المشاريع كانت تعتمد على مياه شط العرب قبل أن تتلوث وتركد ويتصاعد اللسان الملحي فيها.

 

كانت الحكومات السابقة، ما قبل الثمانينيات، حريصة على إجراء عمليات الكري طول السنة، للشط، بسبب وجود ثلاث موانئ فيه، وهي “أبو فلوس” و”أبو الخصيب” و”ميناء المعقل” في مركز المدينة، وهذه الموانئ كانت عاملة وتنشط فيها حركة السفن، لذا فإن عمليات الكري كانت ضرورية للمحافظة على الغاطس وتنظيف أعماق الشط لتسهيل حركة مرور السفن، وللمحافظة على جودة المياه في نفس الوقت.

 

وفي عام 1980 بدأت الحرب العراقية الإيرانية، التي فتحت أشد جبهاتها في البصرة، لتوقف عمليات الكري، وتصيب مشاريع الإسالة التي كانت مشيدة هناك بالضرر، وتعرّض السفن واللنجات والجنائب البحرية التي كانت راسية هناك إلى القصف الذي أدى لتسرب كميات من الزيوت والوقود، وإحداث تلوث في مياه الشط.

 

البداية

مع بدء الأزمة، أخذ التلوث يتفاقم في شط العرب، وحضرت المعاناة مذاك، لكن الإعلام لم يتناول ذلك، بسبب التكتم الإعلامي، وعدم وجود نوافذ للنشر وبث الشكاوى كالسوشيال ميديا المنتشرة الآن، لذا فإن البصريين اضطروا حينها إلى شرب المياه الملوثة لعدم توفر البديل، وحتى عندما ظهرت المياه المعبأة أواسط الثمانينيات لم تكن في متناول كثيرين، فقد كانت مصانع “باني خيلان” التابعة لوزارة الصناعة والمعادن تنتج مياه “فرات” و”زلال”، لكنها كانت تصل لميسوري الحال فقط، وكانت تقدم أيضا في المطاعم والأندية الليلية وفنادق الخمس نجوم وغيرها من الأماكن التي لا يصل إليها المواطنون البصريون.

 

وبعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 عاد الأمل ليتجدد في نفوس البصريين بحل أزمة العطش، ولكن العكس حدث، ففي الحملة الكبرى لإعادة إعمار البصرة، التي انطلقت فور وقف إطلاق النار بين العراق وإيران، فتحوا مذبات المجاري (أنابيب الصرف الصحي) في البصرة على الأنهار، ما أسفر عن تحول أغلبها، وخاصة تلك الواقعة في مركز المدينة إلى أنهار آسنة، بدل أن تكون هناك خطوط ناقلة تذهب إلى محطة المعالجة، لتسبب الحملة بأزمة تلوث كبيرة تعاني البصرة منها إلى الآن.

 

مع نهاية عقد الثمانينيات اشتدت أزمة العطش في البصرة، فقام أحد رجال الأعمال -بالشراكة مع ابن محافظ البصرة في ذلك الوقت-، بافتتاح محطة لبيع المياه العذبة المصفاة (RO) عبر نقل الماء من نهر الغراف في البدعة بالحوضيات وتصفيتها في المحطة، لكنها كانت تعمل على نطاق ضيق.

 

الدولة عمدت إلى حل آخر آنذاك، وهو إنشاء أحواض كونكريتية بطاقة استيعابية تتراوح بين 2000 إلى 2500 لتر، وتوزيع تلك الخزانات في أحياء منتخبة من البصرة، وخاصة الأحياء الشعبية والمناطق الريفية، وملء تلك الخزانات بواسطة السيارات الحوضية، التي تنقل المياه العذبة من محطتين، وهذه الأحواض تملأ بالحوضيات المملوكة لوزارة الحكم المحلي (البلديات حاليا) ليستمر الحال هكذا حتى أواسط تسعينيات القرن الماضي.

 

وفاء القائد – البدعة

في عام 1997 شرعت الدولة بتنفيذ مشروع ما يسمى بـ”وفاء القائد” المعروف اليوم بمشروع قناة البدعة، وكان هذا المشروع عبارة عن مدّ قناة مائية تزود البصرة بالمياه العذبة من نهر الغراف عند سدة البدعة، وكان من المخطط أن تكون القناة هذه أنبوبية (قناة مغلقة)، إلا أن المسؤولين آنذاك عجلوا بـ”زف البشرى للقائد بأسرع وقت”، وبدل أن تصبح القناة أنبوبية للمحافظة على المياه من التسرب والتبخر والتلوث، خصوصا وأنها تمر بأرض صحراوية، تزداد فيها الملوثات والتجاوزات من قبل أصحاب المزارع والمشاريع الخاصة، أصبحت القناة مفتوحة مبطنة كونكريتيا.

 

لم يكن مشروع قناة البدعة يغذي البصرة فحسب، فهو يتفرع إلى فرعين أحدهما يذهب باتجاه مركز الناصرية وسوق الشيوخ، والفرع الرئيسي منها ينحدر نحو البصرة، بطاقة لا تصل إلى الرقم المفترض وهو 8.5 أمتار مكعبة في الثانية، ومن هذا الفرع تتشعب فروع أخرى، أحدها يذهب إلى قضاء شط العرب، وأخرى تتوجه إلى مشاريع الإسالة في مركز المدينة، وآخر يذهب إلى قضاء الزبير وتوابعه بما فيها سفوان وناحية خور الزبير، وخط يذهب إلى قضاء أبي الخصيب وتوابعه، وخط آخر يصل إلى قضاء الفاو أقصى جنوب البصرة.

 

وبمجرد تدشين القناة عام 1997، أصدرت وزارة الري (الموارد المائية حاليا) إعماما بمنع استخدام مياه شط العرب لأغراض الإسالة، بسبب التلوث الكبير الذي طاله، على الرغم من أن مناسيب المياه كانت عالية جدا، فالإطلاقات من نهر الكارون في إيران كانت كبيرة، واللسان الملحي لم يصل بعد، ومع كل ذلك كانت نوعية المياه رديئة.

 

بقي الحال على ما هو عليه، يستفيد البعض من مياه الإسالة وآخرون من محطة (RO) التي أنشأها رجل الأعمال في مركز وجنوب البصرة، أما مناطق شمال المحافظة كالهارثة وقضاء القرنة والمدينة، فقد كانت نوعية المياه أفضل مما هي عليه في المركز وما دونه، في ظل تلوث أقل، وتجمعات سكانية أقل كثافة مما هي عليه اليوم.

 

أزمات الجوار

مع حلول عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، بدأت حرب المياه من دول الجوار تظهر، على الرغم من أنها كانت تمهد لها منذ عقود تسبق الثمانينات، فقد دشنت إيران العديد من السدود، والشيء نفسه فعلته تركيا التي بدأت بخفض مستوى الإطلاقات المائية عندما بدأت بملء السدود والخزانات كإليسو وغيره، وهنا انخفضت كمية الإيرادات المائية العراقية إلى ما دون النصف.

 

بدأت تشتد المعاناة في البصرة، خاصة مع زيادة الطلب على الماء، فمشاريع الإسالة بقيت كما هي من دون زيادة، في وقت كان مؤشر الكثافة السكانية يتصاعد، فقد كانت البصرة تشهد هجرة من المحافظات المجاورة والفرات الأوسط بأعداد كبيرة، إضافة إلى عوامل التصحر والتغير المناخي.

 

مشروع قناة البدعة الذي حل جزءا من الأزمة في وقت سابق كان مخصصا لمليون ونصف المليون نسمة، ولمدة 15 سنة، وعند تشغيله عام 1997 كان من المفترض أن ينتهي عمره الافتراضي عام 2013، أي قبل 12 عاما، لكنه بقي يعمل بالطاقة نفسها أو أقل مع تقادمه.

 

أصبحت هناك زيادة ملحة وكبيرة بالطلب على المياه مع قلة الكميات المطلقة وترديها، فصارت الحاجة إلى إنشاء محطات تحلية، بدأ التفكير في إنشائها عام 2010، لكن بدلا من التعاقد مع شركات استشارية عالمية لدراسة هذا الملف الشائك، أوكلت الحكومة برئاسة نوري المالكي آنذاك، الأمر إلى مجموعة من المهندسين المحليين قليلي الخبرة وغير المتخصصين في إنشاء هذه المشاريع، فخططوا لبناء ثلاث محطات في مناطق “سيحان” و”الفاو” و”الهارثة”، بالاعتماد على مياه شط العرب، بالرغم من أن مياه هذا الشط أصبحت ذات خواص كيميائية متغيرة من حيث نسب العكورة والأملاح والإطلاقات، في حين تعتمد محطات التحلية على نوعية مياه ثابتة أو نسبة التغير فيها طفيفة.

 

 ومضى المشروع بإنشاء محطتين للتحلية، الأولى في سيحان، بطاقة 400 متر مكعب بالساعة، والأخرى في الفاو بالطاقة نفسها، ومشروع الهارثة بطاقة 199 ألف متر مكعب باليوم، حيث قام المقاول علي سنافي (رئيس اتحاد المقاولين حاليا)، بتنفيذ مشروعي سيحان والفاو، وحضور رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لافتتاحهما، ولكن المشروعين توقفا بعد أربع ساعات من الافتتاح، لأن المعدات كانت غير مطابقة للمواصفات، وظهر أنها من الخردة التي أعيد تأهيلها.

 

بالوصول إلى عام 2015 اشتدت أزمة العطش في البصرة، وكانت الدولة العراقية حينها تعاني من أزمة اقتصادية وتعيش تقشفا إبان فترة الحرب على داعش في فترة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

 

وردا على التظاهرات التي اندلعت في البصرة، أكدت وزارة البلديات أن لديها خطة لـ22 مشروعا، ضمنها تحلية مياه البصرة، وأنها أعدت دراسات وتصاميم نصف تلك المشاريع، فتم توجيه دعوات لعدد من الشركات لتنفيذها بنظام الاستثمار، وذلك من قبل هيئة الاستثمار.

 

أغلب الشركات العالمية لم تتجاوب مع هذه الدعوات باستثناء شركة باي ووتر البريطانية التي حضرت وطلبت ثلاثة أشهر لدراسة العرض، وكان ردها بعد الدراسة أن بيئة الاستثمار العراقية غير مناسبة للعمل، كما أن العراق لا يملك ما يسدده للشركة، إلا إذا فرضت الأخيرة جباية على المواطن، وهذا خيار من الصعب أن يتحقق في العراق بسبب عدم الالتزام بدفع الفواتير كما في الدول الأخرى.

 

اقترحت الشركة البريطانية تنفيذ المشروع بالآجل بموافقة أولية من بنك جي بي مورغان، لتمويل المشاريع لكن بضمانة مؤسسة حماية الصادرات البريطانية UKEF، وحصلت باي ووتر على موافقة أولية من البنك والمؤسسة، واتجهت للعراق بإمكانية توفير قرض بقيمة ثلاثة مليارات باوند.

 

في العراق، أراد المسؤولون المزيد من الأموال بسبب هذه الفرصة التي وفرتها باي ووتر، فارتفع سقف القرض إلى 10 مليارات باوند، وكان الباوند يساوي حينها 16.25 دولارا، حتى أن السفير البريطاني أخذ جولة على المحافظات لمعرفة احتياجاتها من المشاريع.

 

في البصرة، حضرت شركة باي ووتر، للقاء محافظها السابق ماجد النصراوي، الذي طرح خططا لمشاريع أخرى تخص البنى التحتية، حيث تم توجيه الشركة إلى دائرة الماء، التي اقترحت إنشاء محطة واحدة تعتمد على مياه البحر، وانتخبت موقعا بمنطقة سيحان، وليس الفاو لاعتبارات تتعلق بطبيعة الأرض بهدف تخفيف كلف أعمال تهيئة الموقع.

 

وضعت الأفكار الأساسية والخطط للمشروع، وتم تحديد كلفته بأكثر من ملياري باوند، ويتضمن إنشاء أكاديمية تدريبية للكوادر بالاتفاق مع إحدى المؤسسات البريطانية الرصينة، لكن مساومات محلية من قبل مقربين من المحافظ بدأت مع الشركة، خاصة عندما رفضت رغباتهم، وبدأ التشهير بها، ومن ضمن من كان يساومهم أحد المقربين من النصراوي الذي أصبح فيما بعد مستشارا في وزارة الإعمار والإسكان، وعمل من هناك على إفشال الصفقة.

 

عام 2016 تم توقيع اتفاقية القرض، وأدرج المشروع دون توقيع العقد مع الشركة، وبقي المشروع يراوح في بغداد من 2015 إلى 2022 وفي كل سنة يتم تخصيص مبلغ مختلف، لكن أي خطوة لتوقيع العقد لم تحدث. وعند إقرار الموازنة الثلاثية عام 2023 أدرج المشروع تحت محور القروض الجديدة دون تسمية جهة الإقراض، ونصت الموازنة على الاقتراض من المصارف الدولية لتحصل البصرة على مبلغ 4.3 مليارات دولار، ثلاثة منها لمشاريع الماء والبقية لإزالة الألغام.

 

في عام 2024 أصدر مجلس الوزراء قرارا بإلغاء طلبات الاقتراض بمبلغ 5.8 مليارات دولار لمشروع تحلية مياه البحر في البصرة ومشروع القطار المعلق، على أن يمول المشروع الأول من تخصيصات تنمية الأقاليم، أي ينفذ من حصة البصرة في قانون الموازنة.

 

في 12 آذار مارس من العام 2024، صدر قرار بتخويل محافظ البصرة أسعد العيداني، بصلاحية التفاوض والتوقيع الاتفاقية الإطارية مع ائتلاف الشركات المنفذة لمشروع تحلية ماء البصرة على أن لا تترتب على هذه الاتفاقية أي تبعات مالية على محافظة البصرة، أي توقيع مذكرة تفاهم فقط، ومعلوم أن مذكرة التفاهم غير ملزمة لأي من الطرفين.

 

تم توقيع مذكرة التفاهم في 16 آذار مارس، أي بعد أربعة أيام من صدور القرار، باحتفالية كبيرة في فندق غراند ميلينيوم بالبصرة على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام روجت بأنه توقيع عقد، لكنه كان اتفاقية غير ملزمة فحسب.

 

وصولا إلى شهر أيار مايو 2024 تم تعديل كلفة المشروع على ضوء الاتفاقية من ثلاثة مليارات دولار إلى أكثر من أربعة، وأقر مجلس الوزراء الكلفة المعدلة للمشروع، ووجه وزارة المالية بإدراجه ضمن خطة مشاريع 2025 حتى يتم تمويله، لكن الغريب أن المجلس لم يخول المحافظ بصلاحية توقيع العقد لأن صلاحيات المحافظين قانونيا تنتهي بتوقيع العقود التي تصل إلى 100 مليون دولار كحد أعلى، لذا كان المحافظ بحاجة إلى تفويض من مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية الوزارية، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.

 

وكان المحافظ أسعد العيداني، ذكر في حزيران يونيو الماضي، في رسائل عبر واتساب لمجموعة من الصحفيين أن “المشروع أقر ولم يدرج ضمن خطة المشاريع، وأنا لا أمتلك صلاحية توقيع العقد”.

 

لكن الخميس الماضي، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من البصرة بشكل مفاجئ، إطلاق أعمال التنفيذية لمشروع تحلية مياه البحر الاستراتيجي قرب ميناء الفاو الكبير، حيث أشار خلال حفل الإطلاق إلى أن “المشروع يعد الأكبر والأحدث من نوعه في المنطقة، في ظل الشحّ الدائم في مياه الأمطار، وتراجع الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات، إذ سيكون اللجوء إلى مشاريع التحلية هو الحل الدائم لخدمة أهالي البصرة”.

 

وقال السوداني، أمام حجر أساس يحمل اسم المشروع، بحضور العيداني، إن “المشروع تناقل بين الوزارات والحكومات، وتأخر إلى أن جرى تهيئة مستلزمات نجاحه واستمراره، وتم نقله من وزارة الإعمار والإسكان إلى محافظة البصرة لينطلق انطلاقة حقيقية”، مشيرا إلى أن “حكومتنا وضعت مشروع تحلية مياه البحر في سلم الأولويات الخدمية، كونه يمثل حلا مستداما وجذريا”.

 

يذكر أن المشروع يتم تنفيذه من قبل مجموعة الرضا، وشركة باور تشاينا، وهي “شركة ذات خبرة تكنولوجية عالية ومتقدمة في هذا المجال” بحسب وصف السوداني، لافتا إلى أنه “خلال فترة تنفيذ المشروع، ستكون هناك محطات تحلية صغيرة في أنحاء المحافظة لتزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب”.

 

وتعقيبا على زيارة السوداني، علق مصدر مطلع بأن “الاحتفالية التي نظمت لإطلاق الأعمال التنفيذية لمشروع التحلية كانت من دون توقيع عقد، والمفاجأة الأخرى أن من تكفل بتنظيم الاحتفالية هي الشركة العامة للموانئ العراقية، وهي بعيدة عن الموضوع، فقد كان من المفترض أن ينظم الاحتفالية ائتلاف الشركات المنفذة كأي مشروع آخر”.

 

وعن الشركات المنفذة، يكشف أن “شركة باور تشاينا شركة حكومية صينية، لكنها كانت قد فشلت في مشروع الألف مدرسة الذي وقعه العراق معها سابقا، أما مجموعة الرضا فهي شركات مختصة بالزراعة والصناعة وليس لها خبرة في هذا المجال، وهناك شركة لم يعلن عنها السوداني ضمن الائتلاف وهي شركة جديدة تحمل اسم: الزوراء، التي تديرها موظفة حديثة العهد”.

 

كما يجد أن تصريحات السوداني، بشأن كون المشروع الأكبر على مستوى العالم، هي “تصريحات إعلامية لإخماد أزمة، فهناك مشاريع طاقتها الإنتاجية أكبر، لكن بسبب الضجة في البصرة نظموا هذه الاحتفالية لتهدئة روع الشارع، وكذلك أراد تقديم إنجاز معين مع قرب الانتخابات، لكن ليس هناك مشروع يمضي دون توقيع أي عقد أو تخصيص مالي”.

 

أزمة مزمنة... وإعلانات متكررة

مشروع تحلية مياه البحر الذي أُعلن عنه أخيراً في البصرة ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التصريحات والوعود التي بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنها لم تثمر حتى الآن عن حل فعلي ومستدام لأزمة العطش المزمنة في المحافظة.

البصرة، التي تطفو على ثروة نفطية هائلة، تقف عاجزة منذ أكثر من أربعة عقود أمام معضلة تزويد سكانها بالمياه الصالحة للشرب. إذ ما تزال معظم أحيائها تعتمد على خزانات متنقلة ومياه مشكوك في جودتها، رغم ملايين الدولارات التي رُصدت لمشاريع سابقة ذهبت أدراج الرياح بسبب الفساد والإهمال وسوء التخطيط.

 

الأزمة لم تكن وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى سنوات الحرب العراقية الإيرانية حين تعطلت مشاريع الإسالة وتوقف كري شط العرب، وتلوثت مياهه بفعل القصف والتسربات النفطية. ومع نهاية الحرب، تفاقمت الكارثة حين فُتحت شبكات الصرف الصحي على الأنهار، ما جعلها مصدرًا للتلوث لا للحياة.

 

مرّت الحكومات المتعاقبة بسيناريوهات متشابهة: بدء مشاريع كبيرة، تنظيم احتفاليات، ثم فشل في التنفيذ أو انسحاب الشركات. ولعلّ أبرز الأمثلة ما حصل عام 2010، حين أسند ملف التحلية لمهندسين بلا خبرة، وانتهى المشروع إلى معدّات خردة لم تصمد أكثر من ساعات.

أما محاولة التعاقد مع شركة “باي ووتر” البريطانية فكانت الأكثر قربًا من النجاح، لكنها تحطّمت أمام طمع بعض المسؤولين وفساد آخرين، لتُجهض واحدة من أكثر المبادرات جدية منذ عقود.

 

ما بين مذكرات تفاهم غير ملزمة، وغياب للتفويض القانوني، وعدم توقيع العقد حتى الآن، يبدو المشروع الجديد وكأنه أُطلق إعلاميًا لا فعليًا. فتصريحات السوداني عن “الانطلاقة التنفيذية” جاءت رغم غياب التخصيص المالي الكامل، وعدم امتلاك محافظ البصرة الصلاحيات القانونية لتوقيع عقد بهذا الحجم.

 

الجهة المنفذة تضم شركات غير متخصصة أو حديثة العهد، أبرزها مجموعة الرضا المختصة بالزراعة، وشركة الزوراء التي تدار من قبل موظفة لا تمتلك الخبرة اللازمة، فيما شركة “باور تشاينا” الحكومية الصينية التي سبق أن فشلت في مشروع الألف مدرسة، أُسند لها جانب من التنفيذ.

كما أن تولّي الشركة العامة للموانئ العراقية تنظيم حفل الإطلاق – وهي جهة غير ذات صلة بالمياه – يطرح تساؤلات حول الغرض من الاحتفال نفسه، وهل كان لأغراض إعلامية وسياسية فحسب.

 

يرى مراقبون أن الإعلان جاء في توقيت حساس قبيل الانتخابات المحلية، بهدف تهدئة الشارع البصري وتقديم ما يمكن اعتباره “إنجازاً حكومياً” حتى وإن لم يكتمل بعد. لكن التجربة العراقية مع مثل هذه المشاريع تحتم الحذر، فلا إنجاز يُعدّ فعليًا ما لم يتحقق على الأرض، ويشرب المواطن من مياهه.

 

السؤال الحقيقي الذي يشغل أذهان أهالي البصرة اليوم: هل سيشرب أبناؤهم من مياه هذا المشروع فعلياً؟ أم أن ما يجري لا يعدو كونه مشهداً جديداً في مسرحية طويلة عنوانها “تحلية مياه البصرة”؟

الإجابة تكمن لا في التصريحات ولا في الاحتفاليات، بل في الجداول التنفيذية الواقعية، والعقود الموقعة، والرقابة الشفافة، وفي الإرادة السياسية الصادقة التي تضع خدمة الإنسان قبل أي مكسب سياسي أو حزبي.

 

إن إعلان السوداني قد يبعث الأمل، لكنه يفتقر حتى الآن إلى العناصر التي تضمن تحققه. فالبصرة، التي دفعت ثمن الإهمال والفساد لعقود، لا تحتاج إلى مشروع جديد فقط، بل إلى عقلية جديدة في إدارة الملف، تحترم المواطن، وتحاسب الفاسد، وتحوّل الوعود إلى ماءٍ فعلي يُروى به العطش المتراكم.

 

أخبار مشابهة

جميع
حالة طوارئ غذائية في العراق: أطعمة ملوثة تصيب العشرات يومياً.. فمن يتحمل المسؤولية؟

حالة طوارئ غذائية في العراق: أطعمة ملوثة تصيب العشرات يومياً.. فمن يتحمل المسؤولية؟

  • اليوم
الخبز الأسمر: وصفة العراقيين للرشاقة وضبط السكري تتحول إلى ساحة صراع مع الغش التجاري والرقابة الحكومية المهزوزة

الخبز الأسمر: وصفة العراقيين للرشاقة وضبط السكري تتحول إلى ساحة صراع مع الغش التجاري...

  • اليوم
من شركتين استغلتا فرق الدولار.. القضاء يسترد ملياري دينار عن جريمة احتيال مالي

من شركتين استغلتا فرق الدولار.. القضاء يسترد ملياري دينار عن جريمة احتيال مالي

  • اليوم

شبكة عراقية اعلامية

  • الرئيسية
  • مقالات
  • فيديو
  • كاريكاتور
  • إنفوغراف
  • سياسة الخصوصية

جميع الحقوق محفوطة