تجارة البحوث العلمية.. الأمن العراقي يطارد وانفوبلس تتقصى: كيف تحوّلت الأطاريح إلى وجبات سريعة يسهل على من يشاء قضمها؟
انفوبلس/ تقارير
جولة سريعة على عدد من المكتبات التي تنتشر في محيط مقر الجامعات، كفيلة بأن تكشف لك عن حجم تدفق الطلبة نحو شراء الأبحاث العلمية، في ما بات يُعرف "بتجارة الأبحاث العلمية".
أسلوب جديد، يسلكه طلاب الجامعات، ويشد على يدهم فيه، مَن باتوا معروفين بأنهم تجّار الأبحاث العلمية، والهدف هو إجراء بحوث علمية للطلاب الخريجين، وأولئك المسجَّلين في برامج الدراسات العليا "الماجستير"، وبشكل يحقق أرباحاً خيالية للقائمين على هذه المهنة الجديدة كما تبينَ لنا لاحقاً، في ظل غياب واضح لدور الجهات المختصة.
السلطات الأمنية العراقية بدأت ولو متأخرا بمطاردة بيع الأطاريح والبحوث العلمية، فماذا تعرف عن هذه التجارة؟ وما هو موقف مجلس النواب منها رقابيا وتشريعيا؟.
*أوامر قبض بحق باعة البحوث العلمية
وبهذا الصدد، أعلنت لجنة التعليم العالي في مجلس النواب، اليوم الأربعاء، عن تنفيذ أوامر قبض من قبل جهاز الأمن الوطني بحق كل جهة تعمل على بيع البحوث والأطاريح العلمية، موجهة تحذيراً لطلبة الدراسات العليا بسلوك هذا الطريق، فيما حددت شرطاً لتعيينهم خلال الفترة المقبلة.
وقال عضو اللجنة، فراس المسلماوي للوكالة الرسمية، إن "هنالك مكاتب تجارية تعمل على بيع أطاريح وبحوث للطلبة، وهذه الظاهرة تقوم بإضعاف العملية التعليمية وضرب لرصانة التعليم في العراق".
*دور مجلس النواب
وعن دور مجلس النواب الرقابي والتشريعي أوضح المسلماوي ، أن "اللجنة استضافت قبل مدة وكيل وزير التعليم العالي، بشأن بيع الأطاريح والبحوث، وتم رفع شكوى لدى الأجهزة الأمنية حول هكذا محالّ تجارية"، مؤكداً أن "الجهد الأمني وبالتحديد جهاز الأمن الوطني يعمل على ملاحقة المتورطين".
وأشار إلى أنه "تم إلقاء القبض على مجموعة ممن عملوا على بيع الأطاريح والبحوث العلمية"، داعياً "طلبة الدراسات العليا، إلى الابتعاد عن سلوك هكذا طريق، لأن التعيينات المقبلة، ستعرّضهم للاختبار، ومن لا يمتلك المعلومات الكافية سيُستبعد من حق التعيين في دوائر الدولة".
وعن الخطوات المتخذة، لتحسين منح الشهادات العليا، أوضح أن "وزارة التعليم العالي عادت إلى التعليمات الأساسية في الامتحان التنافسي خلال العام الجاري، وهو تحقيق النجاح شرطاً لقبول الطالب في الدراسات العليا".
وبيّن، أن "لجنة التعليم تعتزم على زيارة سلسلة من الجامعات العالمية في ألمانيا وأمريكا وفرنسا للاطلاع على الأنظمة، ومناهج الجامعات التي تخدم العراق في الاختصاصات النادرة التي يحتاجها سوق العمل وتحتاجها الوزارات بالتحديد"، مشيراً إلى أن "اللجنة تتابع بشكل دقيق برنامج الدراسات العليا في العراق وتمت دعوة وزارة التعليم العالي إلى إعطاء رسائل الأطاريح لما يحتاجه سوق العمل".
وأكد المسلماوي، أن "اللجنة تعمل على اتجاهين: الأول تحقيق رصانة التعليم في العراق، وثانياً ربط مخرجات التعليم العالي سواء كان بالدراسات الأولية أو العليا لسوق العمل".
*بيع الأبحاث إلكترونياً
التعاطي مع الأبحاث العلمية على أنها وجبات سريعة، يُسهِّل على من شاء قضمها عبر المكتبات ومراكز الأبحاث السريعة، يشكل حالة خطيرة، تستوجب تشديد العقوبات من الجامعات، ووزارتي التربية والتعليم، وعدم التهاون مع المخالفين، وإحالتهم للقضاء لمعاقبتهم على الاعتداء على الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين.
فالحال ببعضهم وصل إلى حد الإعلان صراحةً عن اتجاره بالأبحاث العلمية، ليس فقط بملصقات وإعلانات تنتشر على جدران المكتبات، بل تجاوز ذلك للإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك)، عن صفحات متخصصة لبيع وتجارة الأبحاث العلمية، ولكن بثوب مختلف.
*أسعار البحوث والأطاريح
أبو رواء (35) عاما صاحب محل للاستنساخ، يخبر أنه يلجأ إلى "أشخاص متمرّسين في كتابة البحوث يحصلون على نسبة من مبيعاتها، أو راتب شهري بحسب الاتفاق بيننا. ونحن نقوم ببعض التعديلات ونغيّر العنوان وبعض التفاصيل". ويضيف، أنه لا يمكن غضّ النظر عما للإنترنت من فائدة في هذا المجال، إذ يمكن العثور على آلاف البحوث والدراسات والمقالات المنشورة على الشبكة.
ويشير أبو رواء إلى أنه من الأسباب التي تدفع الطالب إلى ذلك، "عدم متابعتهم شرح الأساتذة المحاضرين بشكل صحيح، بالإضافة إلى المستوى العلمي المتدني". أما أسعار هذه البحوث، فما بين 75 و 100 ألف دينار عراقي لبحث شهادة البكالوريوس، وما بين 5 و7 ملايين دينار لرسالة الماجستير.
*أسباب لجوء الطلبة لشراء البحوث والأطاريح
باسل ياسين أو "البروفسور" واحد من معدّي تلك الأبحاث. في غرفته يغرق بين مئات الكتب والمراجع من مختلف التخصصات، في حين تتناثر أوراقه على أرض غرفته. يقول: "كتبتُ بنفسي عشرات بحوث التخرّج وقد شاركت آخرين بكتابة عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه. وقد حصل هؤلاء الذين قصدوني على تقديرات عالية". يضيف: "أنا أستحق بالفعل لقب البروفسور"، على الرغم من أنه لا يملك سوى شهادة بكالوريوس في الآداب.
وعن أسباب لجوء الطلبة إليه لكتابة بحوثهم، يقول ياسين، إنّ "نحو 70% من الطلبة لا يملكون ثقافة عامة، ولا يعرفون معنى البحث العلمي أساساً نتيجة عدم متابعتهم شرح الأساتذة المحاضرين بشكل صحيح، بالإضافة إلى المستوى العلمي المتدني.
ويوضح، أنه يتقاضى ما بين مليون ومليون ونصف مليون دينار في مقابل كتابة بحث تخرّج، وما بين 3 و5 ملايين دينار في مقابل مشاركته في إنجاز رسالة الماجستير والدكتوراه في الاختصاصات الإنسانية فقط، كالتاريخ والجغرافيا وعلوم الفلسفة والنفس والمنطق واللغة العربية.