تجسيد شخصية الإمام علي في الدراما العربية.. مسلسل معاوية يفتح الجرح مجدداً
انفوبلس/تقرير
لطالما كانت شخصية الإمام علي (ع) تاريخية ومُلهمة لكل الشعوب، حتى باتت تطغى على تاريخ الأمم وحضاراتها، وتُضرب بها الأمثال والعِبر، وبات الجميع يحاول تجسيد تلك الشخصية بشتّى الطرق.. لكن؟ لكل عمل شروط، وتجسيد شخصية كشخصية الإمام علي في الدراما العربية، تخضع لضوابط ومحددات.. فما هي؟
*مسلسل معاوية بن أبي سفيان
أُثير مؤخراً الجدل بشأن المسلسل المرتقب "معاوية بن أبي سفيان" والذي ستعرضه مجموعة الـ"أم بي سي" السعودية على شاشاتها في شهر رمضان المقبل، حيث تسعى السعودية عبر هذا المسلسل وفقاً لمتابعين بهذا الشأن إلى تلميع صورة معاوية (الذي قاتل الإمام علي في معركة صفين) وخصّصت ميزانية له تتجاوز 75 مليون دولار أميركي في رقم غير مسبوق عربياً.
مراقبون عدّو هذه المسلسل بالحدث الذي يفتح الجرح مجدداً، وتساءلوا هل سيقدم القائمون عليه على كشف وجه الشخصية التي ستجسّد دور الإمام علي لاسيما وأنه محرّم لدى كبار العلماء والمراجع أمثال السيد السيستاني (دام ظله) والسيد الروحاني.
تغطّي أحداث المسلسل، فترة ما بعد وفاة عثمان بن عفان، وتولّي الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ثم بعد ذلك وفاة الإمام علي بن أبي طالب وتولي الإمام الحسن (ع)، ثم تنازل الإمام الحسن وتولّي معاوية، وتولّي يزيد، إلى استشهاد الإمام الحسين (ع) في كربلاء، كما يتناول المسلسل أحداث معركتي الجمل وصفين.
يلعب أدوار مسلسل "معاوية" مجموعة من الفنانين السوريين والتونسيين والمصريين والخليجيين. وبعد أن تم الإعلان عن اسم الفنان الفلسطيني علي سليمان لأداء شخصية معاوية قبل انسحابه ليتم تعويضه بالممثل السوري لجين إسماعيل ليكون بطل المسلسل.
يقع تصوير حلقات المسلسل منذ شهر تموز/ يوليو 2022 في استديوهات "كارتاغو فيلم" بمدينة الحمامات السياحية في تونس، كما يتم تصوير بعض المشاهد في مناطق أخرى في شمال وجنوب البلاد على غرار مدن المهدية والمنستير الساحليتين والنفيضة في الجنوب وغيرها.
*موقف الحوزة الشيعية
المرجع الأعلى السيد علي السيستاني (دام ظله) حرّم تجسيد دور المعصومين بوجوه مكشوفة، وألزم إتمام العمل بتغطية وجوه المعصومين بوضع نور عليها.
بدوره أكد السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، أنه لا يُجيز أي عمل يؤدي إلى توهين مقام الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والنيل من مكانتهم السامية، حيث أكد أنه في حال إظهار الأئمة الأطهار مكشوفي الوجه، فإن العمل يُحرم إنتاجه وشراؤه ومشاهدته.
*فتاوى دينية
وكان لمراجع دينية تحفّظ على إنتاج مسلسلات تجسّد شخصيات دينية كالحسين (عليه السلام) رغم عدم وجود مانع شرعي، ولكن بحسب مفتي حلب الدكتور محمود عكام فإن "المانع وجداني، لأن شخصية الحسين (ع) لها قداسة نريدها أن تبقى مطلقة وألا ترتبط بشخصية الممثل الذي سيقوم بتجسيدها، لأنه بتمثيلها سيخفّف من قداستها".
وأضاف عكام، أنه "كما لا يجوز تصوير شخص الرسول الكريم (عليه السلام)، لا يجوز تصوير شخصية حفيده، فالرسول يقول: حسين مني وأنا من حسين، وما يسري على النبي يسري تقريبا على حفيده".
وفيما يتعلق بهدف مسلسل "الأسباط" في التقريب بين المذاهب الإسلامية، فلا يجوز بحسب رأيه "التقرّب من الأخ على حساب الأب"، ويفضّل عكام الأخذ بمقولة "دع خيراً عليه الشر ينمو"، وسد باب الذرائع "حتى لا يُقال سمحتم بتصوير الحسين فلماذا لا نصور الرسول؟".
ورغم اعتراض مراجع شيعية على تمثيل شخصيات دينية وإظهارها، وكذا دعوة بعضهم إلى منع إنتاج مسلسل الأسباط، فإن رضا خباز أكد وجود فتاوى شرعية تجيز ذلك.
وبدوره يقول الشيخ ناجي حمادة من لبنان "بالنسبة للشيعة لم تثبت حرمة تمثيل المعصوم، ونرحب بأي مسلسل يحمل قيماً أو مضامين أخلاقية ويكون مُنجزاً بعناية، ولكن نفضّل عدم ظهور الوجوه ووضع نور عليها".
*المرجع السيستاني.. وتجسيد المعصومين في الدراما
لم يغفل وحاشاه، المرجع السيستاني (دام ظله) عن قضية تجسيد المعصومين في الدراما، حيث حدد الحكم الشرعي والضوابط بشأن تقمّص شخصيات الانبياء والأئمة، في الأفلام والمسرحيات.
حيث أصدر السيد السيساتي (دام ظله) مجموعة من الاستفتاءات، رداً على أسئلة بشأن مزاولة مهنة التمثيل وتقمص شخصيات الأنبياء والأئمة، وكالآتي:
* هل يجوز تصوير أو إخراج مشهد يظهر فيه النبي محمد (ص)، أو أحد الأنبياء، أو الأئمة المعصومين (ع)، أو الرموز التاريخية المقدسة على شاشة السينما أو التلفزيون، أو على المسرح؟
- إذا روعي فيه مستلزمات التعظيم والتبجيل، ولم يشتمل على ما يُسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس، فلا مانع.
*هل يجوز تمثيل شخصية الإمام المعصوم (عليه السلام) في الأفلام والمسلسلات؟
- يجوز تمثيل شخصياتهم (عليهم الصلاة والسلام) ولكن بشرط أن لا يُسيء ذلك ولو في الزمان المستقبل إلى مقاماتهم الشريفة وصورهم المقدسة في النفوس ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم (عليهم السلام) وخصوصياته بعض الدخل في ذلك.
* إذا أردتُ التمثيل في إحدى المسلسلات، فما هي الأمور التي تخالف الدين في التمثيل؟
- هناك أمور كثيرة تدخل في هذا النطاق وهي محرّمة ولا يمكننا التحديد، فمنها ما يتعلق باختلاط الرجال والنساء ومنها ما يتعلق بالموسيقى المستخدمة ومنها ما يتعلق بالمضمون، فلا يجوز أن يكون مخالفاً للعقائد الحقّة ولا مثيراً للشهوة ولا محرِّضاً على إثم ولا مروّجاً للباطل ولا مدحاً للطُّغاة وغير ذلك.
* قام بعض الإخوة المؤمنين بإنتاج فيلم سينمائي يوثق حياة وسيرة نبي الله إبراهيم(ع) وابنه النبي إسماعيل(ع)، هل يجوز عرض تشخيص وجه الأنبياء من دون وضع هالة نورية تخفي معالم وملامح الوجه؟
- سماحة السيد (دام ظله) لا يرخّص ذلك.
* يُخرج بعض المخرجين فلماً تاريخياً عن النبي (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة (عليهم السلام):
أ ـ هل يجوز أن يتقمّص شخصيّة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) ممثّل يظهر أمام الجمهور على أنّه النبي (ص) وهكذا الحال بالنسبة إلى الأئمّة (ع)؟
ب ـ وإذا كانت الاِجابة بالجواز، فهل يُشترط أن يكون ذلك الممثّل مؤمناً؟
- يجوز تمثيل شخصيّاتهم (عليهم الصلاة والسلام) ولكن بشرط أن لا يسيء ذلك ولو في الزمان المستقبل إلى مقاماتهم الشريفة وصورهم المقدّسة في النفوس ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم (عليهم السلام) وخصوصياته بعض الدخل في ذلك.
وقد تم إنتاج فلم سينمائي باسم "محمد رسول الله" في إيران عام 2015، وكان من إخراج المخرج الإيراني (مجيد مجيدي) يتحدث عن نبي الإسلام (محمد بن عبد الله) منذ ولادته مروراً بطفولته، كما يتضمن مشاهد لوفاة والدة النبي بقرية الأبواء وفترة طفولته بقرية السعدية، وتنتهي أحداث الفيلم عند رحلة النبي محمد إلى الشام، والوصول إلى صومعة الراهب بحيرا الذي بشّر عم النبي أبو طالب بظهور خاتم الأنبياء.
*الخلاصة
لقد أجمع المراجع وعلماء الحوزة على حرمة تجسيد المعصوم في الدراما دون مراعاة شروط ذلك، وأبرزها عدم كشف وجه الشخصية التي تُمثل الدور ولزوم وضع نور عليه، وبخلاف ذلك لا يجوز شرعاً مشاهدة أو إنتاج العمل، وهذا ما أكده السيد السيستاني بشأن مسلسل "إمام الفقهاء" عندما قال إنه لم يُعرض نصّ المسلسل على سماحته ولا صحة لإعطاء ترخيص بإظهار وجه مَن يؤدي أدوار المعصومين.