تحليل رسومات المتهم والعائلة تتكتم: "انفوبلس" تتتبع خيوط حادثة وفاة الطبيبة بان زياد في البصرة

انفوبلس/ تقرير
تتواصل تداعيات حادثة وفاة الطبيبة النفسية بان زياد في البصرة، وسط جدل واسع وغموض يكتنف تفاصيلها، حيث تتضارب الروايات بين اتهامات بالقتل وإصرار الأسرة على رواية الانتحار. ومع الأنباء عن اعتقال شقيقها وعدد من أقاربها، تصاعدت أسئلة الشارع البصري والعراقي عمومًا حول حقيقة ما جرى، في قضية تحولت إلى رأي عام وأثارت مطالب بالكشف عن ملابساتها بالكامل.
تُعد الطبيبة الراحلة "بان زياد طارق" من الوجوه الشابة البارزة في مجال الطب النفسي، وكانت قد شاركت مؤخراً في مؤتمر علمي قدّمت خلاله محاضرة نالت استحسان الحاضرين، غير أن وفاتها المفاجئة، وظروف العثور على جثمانها، خلّفت صدمة واسعة وسط زملائها والرأي العام، في ظل تضارب الروايات بشأن الحادثة.
رواية العائلة: ضغوط العمل وراء الانتحار
عائلة الطبيبة بان، أكدت مرارًا أن الوفاة جاءت نتيجة ضغوطات نفسية كبيرة كانت تعاني منها الضحية في بيئة عملها. والدتها، التربوية جنان غازي، قالت إن ابنتها كانت طبيبة متميزة ومرموقة، لكنها كانت إنسانة حساسة، وتتأثر بالأجواء السلبية في المؤسسات والدوائر. وأوضحت أن بان لم تكن مريضة نفسيًا، لكنها تعرضت لضغوط لم تستطع مواجهتها.
وتضيف الأم: "سر ابنتي عندي، وكانت تشكو لي باستمرار من بيئة العمل. قالت لي ذات مرة إنها تريد مغادرة العراق لأنها لم تعد تحتمل الأوضاع هنا. وفي مناسبة أخرى، أخبرتني أنها تشعر أن لا أحد يحبها، فأكدت لها أننا جميعًا نحبها". كما شددت على أن فرضية استهدافها بالقتل داخل المنزل غير منطقية، مؤكدة أن "من يريد قتلها كان بإمكانه فعل ذلك في الشارع أثناء ذهابها أو عودتها من العمل". ودعت إلى وقف الجدل الإعلامي احترامًا لكرامة المتوفية.
والدها، زياد طارق، ذهب في الاتجاه نفسه، نافياً صحة ما يُشاع عن تعرض ابنته للتعذيب أو القتل، وقال: "الحقيقة أنها أقدمت على الانتحار بسبب الضغوط النفسية. كتبت بدمها على باب الحمام عبارة (أريد الله)، وهي الآن بين يدي رب العالمين".
الرواية المقابلة: علامات تعذيب وشبهات قتل
على الجانب الآخر، عبّر عدد من زملاء الطبيبة وبعض المقربين منها عن شكوكهم الكبيرة بشأن صحة رواية الانتحار. وأشار هؤلاء إلى أن جثمان بان كان يحمل علامات كدمات وإصابات توحي بتعرضها لأذى جسدي قبل وفاتها، ما يعزز فرضية أنها كانت ضحية جريمة قتل مُحكمة الإخراج.
وبحسب هؤلاء، فإن بان لم تكن تعاني من أي اضطرابات أو اكتئاب، بل كانت في أوج نشاطها المهني، وتسعى للدخول في تخصص علمي دقيق في مجال الطب النفسي. وأكدوا أنها كانت محبوبة في الوسط الطبي، ولا يوجد ما يشير إلى نيتها إنهاء حياتها.
تدخل السلطات وإعادة التحقيق
بسبب الجدل المتصاعد، أعلنت السلطات الأمنية في البصرة إعادة التحقيق في القضية، مع توسيع نطاق الإجراءات لتشمل فحص كاميرات المراقبة في محيط منزل الطبيبة ومكان عملها، بالإضافة إلى استجواب جميع الأشخاص الذين كانت على صلة بهم في الأيام الأخيرة.
كما أوعزت دائرة صحة البصرة بتشكيل لجنة طبية ثلاثية من أطباء مختصين، لكتابة تقرير شامل حول نتائج تشريح الجثمان، لتوضيح أسباب الوفاة بشكل علمي، وبيان ما إذا كانت الإصابات الظاهرة على الجثة ناتجة عن عنف خارجي أو لأسباب أخرى.
اعتقالات جديدة في مسار التحقيق
تطور الملف بشكل لافت بعد أن كشف مصدر أمني عن قيام قوة من مكافحة إجرام البصرة باعتقال شقيق الطبيبة الراحلة، وذلك بعد أن أُطلق سراحه في وقت سابق من قبل القضاء.
الاعتقال جاء بناءً على أوامر قضائية تقضي بإعادة التحقيق مع بعض المشتبه بهم. كما تم اعتقال ابن خال الطبيبة على ذمة التحقيق، دون الإفصاح عن طبيعة الشبهات أو الأدلة التي دفعت إلى هذه الخطوة.
هذه الاعتقالات فتحت الباب أمام تكهنات جديدة، حيث اعتبرها البعض مؤشرًا على وجود خيوط جنائية في القضية، بينما يراها آخرون إجراءً احترازيًا ضمن مسار التحقيق الموسع.
*لغة الجسد والتحليل النفسي يكشفان الحقيقة
في ظل الجدل المستمر حول قضية وفاة الطبيبة النفسية بان زياد في البصرة، برز دور التحليل النفسي ولغة الجسد كأدوات هامة لفك غموض الأحداث التي قد لا تتجلى بوضوح من خلال الكلمات وحدها. الطبيب النفسي والمختص في لغة الجسد، مصطفى مسلم، قدم خلال حلقات متتالية شرحًا معمقًا عن كيفية قراءة الإشارات غير اللفظية التي تكشف ما هو أعمق من الكلام الظاهر، ما قد يساعد في فهم الدوافع الحقيقية وراء تصرفات الأشخاص وتفاعلاتهم في مواقف مشابهة.
في قضية بان زياد، التي تتناقض فيها الروايات بين انتحار تحت وطأة الضغوط النفسية وبين شبهات تعرضها لأذى جسدي، يصبح تحليل لغة الجسد وسلوكيات الضحية والأشخاص المحيطين بها أداة ذات أهمية قصوى. ففهم التعبيرات الجسدية للضحية، وملاحظة التغيرات النفسية والسلوكية التي سبقت الحادث، بالإضافة إلى تقييم ردود فعل الأسرة والمقربين، يمكن أن يسلط الضوء على أبعاد خفية قد تساعد في الوصول إلى حقيقة ما حدث.
ويقول مسلم، إنه من خلال قراءتي للسلوك الظاهر والتفاعل الجسدي والانفعالي، وبيّن لي أن الأم تمارس نمطًا من السيطرة القسرية (Coercive Control)، وهي سلوكيات تُرصد عادةً في أنماط الشخصية النرجسية المرضية (Pathological Narcissism). ويتجلى ذلك من خلال النبرة العالية، الحركات اليدوية الحادة الموجّهة، والمبالغة في إظهار الانفعال، لا سيما أمام الكاميرات أو المحاورين، في محاولة لتوجيه السرد العام والسيطرة على الصورة الخارجية للأسرة.
هذه الأم تُظهر مؤشرات تتقاطع مع سمات اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder)، خصوصًا في ثلاثة أبعاد رئيسية: أولًا، انعدام القدرة على إظهار تعاطف حقيقي أو عفوي مع الآخرين (Lack of Empathy)، حيث تأتي مشاعرها مؤطرة دراميًا، لا تلقائية. ثانيًا، التمحور حول الذات (Egocentrism)، ويتجلّى في أن الحزن في خطابها يبدو منحصرًا في كيفية تأثير الحدث على صورتها، لا على ما فعليًا حدث للابنة. ثالثًا، رغبتها الدائمة في السيطرة السردية (Narrative Dominance)، أي الاستحواذ على الحق في رواية القصة، مع رفض أي سرد بديل أو معارض.
في المقابل، يظهر الأب كشخص منسحب نفسيًا، فاقد للمبادرة، وربما خاضع لنمط طويل من الإلغاء داخل الأسرة. وهو ما يمكن تفسيره بما يُعرف في علم النفس بمفهوم العجز المُتعلَّم (Learned Helplessness)، وهو ما يحدث عندما يتعرض الفرد مرارًا إلى التجاهل أو التسلط فيفقد الإحساس بالجدوى من الفعل أو التغيير. يبدو الأب كمجرد حضور رمزي، لا فاعلية له، وكأن دوره الأُسري تمت مصادرته بالكامل، ووفقًا لنظرية التعلق (Attachment Theory)، من المحتمل أن الأبناء نشأوا في بيئة تولد نمطًا من التعلق القلق المضطرب (Anxious-Preoccupied Attachment). حيث يكون الطفل في علاقة غير متوازنة مع طرف يوفّر الحب بشكل مشروط أو قاسٍ، مما يؤدي إلى ترسيخ الشعور بعدم الأمان، والخوف المستمر من الفقد أو العقاب العاطفي.
هذا النمط العائلي يخلق ما يُعرف في علم النفس الأسري بالنظام السام (Toxic Family System)، وهو نوع من البنية الأسرية التي تعيق النمو النفسي السليم وتُنتج اضطرابات على المدى الطويل مثل الاكتئاب الحاد (Major Depressive Disorder)، السلوك الانعزالي (Suicidal Ideation & Behavior)، وتشوه صورة الذات (Distorted Self-Image)، كما يمكن رصد سلوكيات تُقارب ما يسمى بالتشكيك النفسي العاطفي أو التلاعب الإدراكي (Emotional Gaslighting)، وهو نمط يجعل الضحية تشك في مشاعرها وحدسها وقراءاتها للواقع، مما يؤدي إلى تفكك الهوية الشعورية والنفسية (Disintegration of Self).
أخيرًا، فإن الأب والأم – بحسب مسلم - يظهران من منظور علم النفس الإكلينيكي، كعوامل مساهمة في صناعة بيئة عاطفية خانقة وضاغطة، تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر في تكوّن مأساة الفقد. وبهذا، تصبح مسؤوليتهما المعنوية والنفسية مسألة مفتوحة أمام التقييم المهني والبحث العميق.
منشور جديد: تحليل رسومات شقيق الدكتورة يكشف الكثير عن ما بداخله
الصورة الأولى – Guts تحت الثلج:
تعبر – بحسب الدكتور مسلم - عن كبت انفعالي عميق وعزلة داخلية. الشخصية تظهر تماسُكًا ظاهريًا يخفي وجعًا نفسيًا غير معالَج. وضعية الرأس المرتفعة في صمت الثلج توحي بمحاولة النجاة عبر التجلّد العاطفي.
الصورة الثانية – رجل في حالة ذعر شديد:
يُظهر انهيارًا نفسيًا حادًا وتفككًا في السيطرة العقلية، يتجلّى من خلال تعبيرات الوجه المشوّهة والتوتر العضلي. اليد المطبقة على الرأس تعكس حالة من الصراع الداخلي بين التماسك والانفجار.
الصورة الثالثة – وجهان متداخلان بشكل مشوّش:
تعبّر عن علاقة فيها تشوّه في الهوية النفسية، حيث تنمحي الحدود بين الذات والآخر. الصورة توحي بتداخل مرضي في العلاقات العاطفية واحتياج مبالغ فيه للشعور بالاندماج.
الصورة الرابعة – رأس يحتوي شخصيات عنيفة:
تمثيل رمزي لصراع داخلي مزمن، حيث تتعايش عناصر الخير والشر، العقل والغرائز، داخل النفس الواحدة. الشخصيات المجسدة تشير إلى تشظي الأنا وتعدد الأصوات الداخلية.
الصورة الخامسة – رجل بلا رأس يُنكر البكاء:
تعكس الانفصال بين الفكر والإحساس، واللجوء إلى التخدير النفسي (كالسخرية أو الإدمان) للتعامل مع المشاعر المؤلمة. الرأس المقطوع يرمز لفقدان التماسك النفسي.
الصورة السادسة – ثنائي في تواصل بصري دافئ:
تمثل علاقة عاطفية مستقرة قائمة على التفاهم والاحتواء. التواصل البصري والخلفية الهادئة يشيران إلى سلام داخلي وارتباط آمن.
الصورة السابعة – قطتان متعانقتان وسط عيون كثيرة:
ترمز لتوازن داخلي بين الأضداد (النور والظلام)، مع شعور دائم بأن الخصوصية معرضة للمراقبة أو الحكم الخارجي. هذا التوتر الصامت يعكس صراعًا بين الأمان الداخلي والقلق الاجتماعي.
تكشف الرسومات – بحسب الدكتور مسلم - عن وجود اضطراب ما بعد الصدمة يظهر في شكل جمود عاطفي وتصلب داخلي، إلى جانب نوبات هلع مصحوبة بانفصال عن الواقع نتيجة ضغط نفسي مرتفع. كما تظهر سمات اضطراب التعلّق الحدّي أو الاعتمادي في العلاقات المشوشة، مع ملامح اضطراب الهوية التفارقي من خلال تعدد الشخصيات والصراعات النفسية الداخلية. يضاف إلى ذلك مؤشرات على اكتئاب مقنّع مصحوب بإنكار للمشاعر، وقلق اجتماعي كامن يظهر في الإحساس الدائم بالمراقبة والتقييم من الخارج.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لا توجد نتائج رسمية نهائية تحسم الجدل بشأن طبيعة وفاة الطبيبة بان زياد.، إذ ان العائلة تتمسك برواية الانتحار، بينما يصر آخرون على وجود شبهة جنائية. كما التحقيقات لا تزال جارية، والتقارير الطبية المنتظرة قد تكون الفيصل في كشف الحقيقة، سواء كانت وفاة نتيجة ضغوط نفسية وانتحار، أو جريمة مخطط لها بعناية.
والخلاصة، فإنه إلى أن تصدر النتائج الرسمية النهائية، ستبقى وفاة الطبيبة بان زياد طارق واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في العراق خلال العام الحالي، ومحل متابعة حثيثة من الرأي العام ووسائل الإعلام.