تراجع كمية الإطلاقات المائية من بحيرة سد الموصل يفاقم أزمة شح المياه.. ما خطط العراق؟
انفوبلس/ تقرير
تفاقمت أزمة شح المياه في العراق خلال السنوات الماضية لعدة أسباب، وسط تحذيرات جديدة من توقف العمل في مشروع رَيّ الجزيرة والذي يُعد من المشاريع الإروائية الاستراتيجية في البلاد بسبب تراجع كمية الإطلاقات المائية من بحيرة سد الموصل، فما خطط العراق لمعالجة الأزمة؟
ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
بحيرة سد الموصل
حذر عضو مجلس محافظة نينوى محمد أهريس، من توقف العمل في مشروع ريّ الجزيرة والذي يُعد من المشاريع الإروائية الاستراتيجية في البلاد بسبب تراجع كمية الإطلاقات المائية من بحيرة سد الموصل.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وغيرها، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويُعد سد الموصل الذي بُني في العام 1950، من أكبر السدود التي أُنشئت في العراق، ويأتي في المرتبة الرابعة بكونه من أكبر السدود في منطقة الشرق الأوسط، ويُوفر هذا السد المياه، والكهرباء لما يزيد عن مليون عراقي.
وقال أهريس، إن “بحيرة سد الموصل تُعد الخزين الاستراتيجي المائي لمحافظة نينوى وعموم العراق وهي تغذي مشروع ريّ الجزيرة الذي بدوره يروي أكثر من 240 ألف دونم من الأراضي الزراعية التي تُزرع بمحاصيل الحنطة والشعير والبطاطا والطماطم وحبوب عباد الشمس وغيرها من المحاصيل".
وأضاف، إن “مشروع ريّ الجزيرة الذي يُعد من أهم المشاريع الإروائية في العراق سيتوقف العمل به قريبا بسبب الجفاف وقلة الأمطار وقلة كمية الواردات من المياه من الجانب التركي والأهم من ذلك زيادة كميات الإطلاقات المائية من بحيرة سد الموصل”. مبينا، إن “الكميات الواردة من المياه من الجانب التركي تقدر بـ 170 متر مكعب في الثانية، بينما كميات المياه التي تصرف من بحيرة سد الموصل تزيد عن 500 متر مكعب في الثانية".
كما أشار عضو مجلس نينوى إلى أن “تراجع كميات المياه في بحيرة السد يهدد بتوقف العمل في مشروع ريّ الجزيرة وبالتالي تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وإلحاق الضرر بعدد كبير من العائلات التي تعيش على الزراعة في تلك المنطقة".
ودعا أهريس، السلطات المعنية إلى “اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استمرار العمل في مشروع ريّ الجزيرة وعدم تراجع مناسيب المياه في بحيرة السد لضمان استمرارية العمل في المشروع الإروائي الأهم في العراق".
ولوّح العراق، في 24 ديسمبر كانون الأول 2024، بتدويل قضية أزمة المياه مع تركيا عبر المحاكم الدولية.
ولا تزال الأمطار في العراق دون المستوى رغم انتهاء شهر كانون الأول الذي من المفترض تساقط أمطار غزيرة فيه، وهو ما يهدد الموسم الزراعي في العراق، في ظل الخزين المائي المنخفض بشكل كبير واستمرار تناقص حصة البلاد المائية العادلة من دول الجوار.
وكان السياسي البارز والناشط الحقوقي بختيار أمين، أكد أن “العراق بإمكانه تدويل ملف المياه، لكنه لغاية الآن يستخدم الطرق الحوارية مع الدول المجاورة”، مبينا أن “دول الجوار باتت تستعمل المياه كسلاح، فهي أخذت تزرع وتصدّر المحاصيل الزراعية للعراق، بدلا من تزويده بحصته من المياه".
ودعا لى إعمال الضغط الدولي على دول المنبع، قائلا “تطرقت في وقت سابق لملف المياه مع محكمة العدل الدولية في لاهاي، خاصة وأن العراق أحد مؤسسي المحكمة، حيث كانت آنذاك هناك قضية مشابهة مفتوحة أمامها وهي الملف المائي بين هنغاريا وسلوفاكيا، حيث تم التحكيم من قبل المحكمة لصالح الدولة المتضررة، وقد قمتُ باستثمار الفرصة حينها وطرحتُ قضية العراق فأبدت المحكمة استعدادها بعد أن شرحتُ الوضع بالتفصيل، كما تلمست الاستعداد الكامل من قبل رئيس المحكمة لحلّها وإنصاف العراق، لكن عندما خاطبتُ المسؤولين في بغداد لم أرَ أيَّ تفاعل أو تعامل جدّي مع قضية التدويل".
وعادةً ما تبدأ الحالة المطرية في العراق، من شهر تشرين الثاني وتكون خفيفة إلى متوسطة الشدة، وتزداد شدتها في شهر كانون الأول، لكن في الموسم الماضي تأخرت الأمطار الغزيرة إلى شهر شباط.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر. ويخلُص تقرير، الذي صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
وتثير احتمالية مرور شتاء جاف على العراق قلق ومخاوف الكثير من المراقبين، ويُعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة ولطالما عانى منها العراق في سنوات سابقة لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.
وكان زعيم تحالف مستقبل العراق باقر جبر الزبيدي، قد حذر في 18 كانون الأول ديسمبر 2024، من مؤشرات موسم الشتاء الحالي وانعكاساتها على السنوات الخمس القادمة، مبينا أن هذه الأزمة ستفرض على المزارعين في العراق اللجوء إلى الريّ بالتنقيط وتبطين الأنهر للمحافظة على نسبة المياه المهدورة أثناء السقي أو الريّ، فيما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن زيادة الحصص المائية للعراق من قبل دول المنابع والاستعانة بكل الطرق الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية من أجل زيادة حصتنا من المياه.
وكانت عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية ابتسام الهلالي أكدت، في 16 كانون الأول ديسمبر 2024، أن تركيا لم تلتزم بجميع الاتفاقات وكذلك المعاهدات التي وقعت بشأن إعطاء حصة العراق العادلة من المياه، داعية الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة مع الجانب التركي لاستحصال حقوق العراق المائية.
و يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ووفقا لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي” فإن العراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي. وتضيف الدراسة، إنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
وأصبحت تربية الجاموس “عبئاً” على عاتق المربّين، فغياب المراعي الخضراء أدى إلى ارتفاع “العلف النباتي” من 300 الف دينار للطن الواحد إلى 800 ألف.
ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، فمن الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى استراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ريّ جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدّية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.
وفي آذار/مارس 2024، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحفية، إن “سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية”، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثراً بتغير المناخ في العالم.
يشار إلى أن العراق منذ سنتين وهو يقوم باستخدام المياه الجوفية بسبب الجفاف وهو أمر يحدث لأول مرة تاريخيا، كما أن الفضاء الخزني الخالي من المياه يقدر بنحو 140 مليار متر مكعب، أما السدود الثلاثة الرئيسية وهي الموصل ودوكان والثرثار فهي تعاني مع مرور الوقت وهذا ينذر بكارثة بيئية جديدة تضاف للبلاد، بحسب مختصين
يشار إلى أن غالبية مناطق الأهوار حالياً شبه خالية من السكان، بينما كانت الحياة فيها قبل سنوات قليلة مزدهرة، سواء القطاع السياحي، أو صيد الأسماك والطيور، أو تربية المواشي، حيث تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى أراض قاحلة.
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.
ومع حلول كل فصل صيف تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار وتقليص الخطط الزراعية بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها وتحولها إلى ضحلة يصعب تنقيتها.