تربية الحيوانات المفترسة "تتسع" في العراق.. هذه قصة الدب "الهارب" بطائرة دبي القادمة لبغداد
انفوبلس/ تقرير
قد يبدو المشهد غريبًا عند رؤية الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور، وهي تتجول في حدائق المنزل، إلا أن ظاهرة تربية الحيوانات المفترسة في العراق أصبحت مألوفة، وتحديدًا في العاصمة بغداد، خلال الفترة القليلة الماضية، إذ بدأ بعض الناس باقتناء هذا النوع من الحيوانات وتربيتهم على غرار الكلاب والقطط.
دبٌّ قام بتعطيل رحلة طيران الخطوط الجوية العراقية التي كانت متجهة من دبي إلى العاصمة بغداد
ووصلت ظاهرة تربية الحيوانات المفترسة، إلى المطارات الدولية، حيث ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بمقطع فيديو "مثير" يوثق قيام دُب بتعطيل رحلة طيران الخطوط الجوية العراقية التي كانت متجهة من دبي إلى العاصمة بغداد.
وأظهر مقطع فيديو محاولة أفراد أمن ومتخصصين بتهدئة الدب ومحاولة إرجاعه للقفص على متن الطائرة بعد تمكنه من الإفلات، ما أثار هلع وفزع المسافرين.
وتداول الناشطون أيضا مقطع فيديو من داخل الطائرة يظهر حالة الضجر والاستياء الكبيرين بين الركاب على متن رحلة متجهة من دبي إلى بغداد بسبب خروج دب من قفصه المخصص لشحنه، وانتظارهم وقتاً حتى تمت السيطرة على الوضع.
وبعد ذلك، أصدرت الخطوط الجوية العراقية، أمس الجمعة 4 أب/ أغسطس2023، اعتذارًا إثر تأخر رحلة عودة من مطار دبي نتيجة إفلات دب من قفص داخل غرفة الشحن في الطائرة.
ونشرت الخطوط الجوية بيانًا أقرّت فيه بوقوع حادثة "خارجة عن إرادتها"، على متن الرحلة من دبي إلى بغداد، والتي أقلّت دُباً أيضاً. وقالت الشركة، إنّ إجراءات شحن الدب "جرت بطريقة أصولية، بإجراءات معتمدة عالميًا، عبر تخصيص قفص وفق شروط الاتفاقية الخاصة بنقل الحيوانات المعتمدة لدى (IATA)".
وبيّنت أنّ الدب "خرج من الصندوق المخصص لنقله عند وصول الطائرة إلى مطار دبي، ما استدعى الطاقم إلى التنسيق مع السلطات الإماراتية، التي أرسلت على الفور فريقا متخصصا لتخدير الحيوان ونقله إلى خارج الطائرة". وأكّدت الشركة، استئناف الرحلة "بعد التأكد من عدم وجود ما يؤثر على سلامة المسافرين، دون أضرار".
وتشير المعلومات الاولية إلى أن الدب كان برفقة قردين وملكيّته تعود لسياسي عراقي بارز، فيما لم تعلن الخطوط الجوية معلومات عن مصير الدب، وما إذا كان قد تم شحنه إلى بغداد بعد الحادثة، أم بقي في دبي.
وبعدها علّق المقرب من مقتدى الصدر، صالح محمد العراقي على الحادثة، ونشر هاشتاك نصه "#سولفه_علدُبة"، ليثير الكثير من التكهنات حول الحادثة.
القسم الأول من المادة (2) في قانون حماية الحيوانات البرية في العراق (رقم 17 لسنة 2010)، ينص على أن "الحيوانات البرية ثروة وطنية وعلى المواطنين والجهات الرسمية حمايتها وتجنب إيذائها أو الاعتداء عليها".
وكانت قيادة الشرطة في العاصمة بغداد قد دعت مؤخرا، إلى مساعدتها في إجراءات لمنع ظاهرة الاستعراض بالحيوانات المفترسة في الشوارع والمطاعم، عبر "التعاون والإبلاغ عن هذه الحالات"، بعد رصد "فيديوات حول تواجد هذه الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور في بعض المناطق العامة في الآونة الأخيرة، من قبل من يجهل خطورة تواجدها والتجوال بها، مما يضع حياة المواطنين في خطر وربما يتعرض من يقتنيها إلى ذات الخطر".
*مزاد بيع الأسود في بغداد
وأكد أحد بائعي الأسود، أن "هناك إقبالًا كبيرًا على شراء الأسود في بغداد وأغلبهم من قبل رجال الأعمال".
وذكر بائع الأسود، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "أسعار هذا النوع من الحيوانات تختلف حسب العمر والنوع، لكن أغلبها تتراوح ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف دولار أمريكي إذا كان عمر الشبل يتراوح ما بين الشهر و3 أشهر".
الأسد الذي يتميز باللون الأبيض يصل سعره إلى 20 ألف دولار أميركي، والكلام للبائع، الذي أشار إلى أن "أكثر الأنواع بيعًا هو الأسد الأفريقي التنزاني".
ويمتاز الأسد الأفريقي بطوله الذي يتراوح ما بين 4.5 إلى 6.5 أقدام، أي حوالي من 1.4 إلى 3 أمتار، وعادةً ما يزن الأسد الأفريقي ما بين 120 إلى 191 كيلو غرامًا، وتكون كفوفه ضخمة مقارنةً بالأنواع الأخرى وهو ما يجعل سعره مرتفعًا، وفقًا لبائع الأسود.
وبحسب كلامه، فإن الأسود التي يتجاوز عمرها 3 أشهر تكون رخيصة الثمن كونها تكون صعبة الترويض والتربية، وتشكل خطرًا كبيرًا على مربيها، محذرًا من تربية الأسود دون معرفة كاملة عن كيفية معاملتها خصوصًا وهي من الحيوانات التي تحقد على الإنسان بالعادة.
ومن المعروف أن الأسود تصنّف على أنها من الأنواع المهددة بالانقراض بدرجة دُنيا، حيث ارتفعت حدّة تراجع أعدادها من 30 إلى 50% في إفريقيا خلال العقدين الماضيين.
*قانونية تربيتها
في هذا الصدد، بين الخبير القانوني علي التميمي، إن "قانون حماية الحيوانات البرية 17 لسنة 2010 في المادة 9 منه عاقب بالحبس 3 سنوات مع غرامة 3 ملايين دينار على اقتناء الحيوانات المفترسة وتركها في الشوارع".
وأشار التميمي، إلى "أهمية مصادرة الحيوان واعتقال مقتنيها وفق هذا القانون ومنع الاستيراد لما تشكله من خطر على حياة المدنيين في بغداد والمحافظات". وأضاف، "من حق أهالي المناطق التي يقتني أحد أفرادها حيوانًا مفترسًا إقامة دعوى في المحكمة والمطالبة بنقله منها".
ووفقًا لمقتني هذا النوع من الحيوانات، فإن عمليات بيع الأسود والنمور والحيوانات المفترسة الأخرى، لا تتم في الأماكن المخصصة لبيع الحيوانات مثل الكلاب والقطط، وإنما يتم بأماكن أكثر سرية خوفًا من الملاحقة القانونية، حسب قولهم.
*حياة المدنيين في خطر
ديار التميمي، وهي متخصصة بتربية الكلاب في بغداد، قالت إن "تربية الحيوانات المفترسة تكون صعبة جدًا خصوصًا إذا تواجدت في المنازل التي تكون في الأحياء المدنية لما تشكله من خطر على حياة أصحابها بالدرجة الأساس".
وتابعت التميمي، بالقول إن "هناك توجهًا من مربّي الحيوانات المفترسة لإجراء عملية للأسود والنمور من أجل قلع الأظافر وبعض الأسنان خوفًا على حياتهم وحياة عائلاتهم"، لافتة الى أن "اقتناء هكذا نوع من الحيوانات يُعد خطرًا خصوصًا وأن تصنيفها لا يدخل ضمن الحيوانات التي يمكن أن تعتاش في المنازل ومع الأشخاص على عكس الكلاب والقطط وغيرها من الحيوانات الأخرى".
من جانبه يقول مهدي ليث، وهو ناشط بيئي، ومدير الإعلام والعلاقات العامة لمنظمة المناخ الأخضر العراقية، إن القوانين العالمية تتيح لتربية الحيوانات من خلال تقسيمها لقسمين:
*النوع الأول: الحيوانات المنزلية pets والتي يُسمح المتاجرة بها قانونيًا وتربيتها في كثير من دول العالم.
*النوع الثاني: الحيوانات المنزلية الخاصة Exotic pets وهي حيوانات يتم تربيتها بكثير من بلدان العالم، لكن بشروط خاصة تُفرض على المستورد والمربّي.
لكن العديد من الحيوانات المفترسة مثل (الأسود والنمور والفهود)، هي حيوانات لا يُسمح بتربيتها أو متاجرتها في العالم إلا في الحدائق الخاصة بالحيوانات، والكلام للناشط البيئي، مستطرداً بالقول إن "هذه الحيوانات تُباع للناس العاديين بصورة غير قانونية وغير شرعية حتى بطريقة دخولها إلى البلاد".
وختم ليث حديثه بالقول، إن "هذه الحيوانات بعيدًا عن الأمور القانونية تحتاج إلى مساحات واسعة لتربيتها، فضلًا عن وجود خبرة كبيرة للتعامل معها فهي خطيرة على المربّين والأهالي الموجودين في المنطقة التي يتم تربيتها فيها ولذلك فقد صدر قانون مؤخرًا من الحكومة العراقية لملاحقة وإيقاف كل من يربّي هذه الأنواع من الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور والدببة في المنازل أو التباهي بها في المناطق السكنية والشوارع".
وينتقد الأهالي، ضعف الإجراءات الأمنية لمحاسبة المخالفين، وقال المواطن علي الغزي (40 عاماً) وهو من أهالي بغداد، إنّ "ظاهرة الكلاب والحيوانات المفترسة داخل المنازل والسيارات ووضعها في أقفاص داخل المحال التجارية، أو اصطحابها داخل السيارات باتت محطَّ رعب للمواطنين"، مؤكداً أنّ "دوريات الشرطة المتجولة في الشوارع ترى ذلك بأعينها، ولا تتخذ إجراءات إلا في حال تلقّيها بلاغاً من مواطنين".
عملية استعراض حيوانات مفترسة كالأسد والنمر وغيرها في المناطق السكنية هي ظاهرة خطيرة ومخالفة للقانون
وتتلقى وزارة الداخلية دعاوى من قبل المواطنين في المناطق السكنية، لوضع حد لهذه الظاهرة التي باتت تؤثر على أمنهم، ووفقاً للمتحدث باسم الوزارة، اللواء خالد المحنا، فإنّ "الظاهرة دخيلة على المجتمع العراقي، ولم تكن بهذا المستوى سابقاً"، مبيّناً، أنّ "عملية استعراض حيوانات مفترسة كالأسد والنمر وغيرها في المناطق السكنية هي ظاهرة خطيرة ومخالفة للقانون"، مشدداً على أنّ "رجال الشرطة يحاسبون مرتكبي هذه الأعمال، ويتم تنفيذ القانون بحقهم".
وشدد على "ضرورة متابعة الملف عبر جولات تفتيشية على المحال والمنازل والمحاسبة القانونية من دون الحاجة إلى بلاغات رسمية"، مشيراً إلى أن بعض الشوارع باتت محرّمة علينا كون المنازل فيها تضم حيوانات مفترسة".
وسُجلت في الفترة الأخيرة عمليات اقتناء حيوانات مفترسة كالأسد والنمر والكلاب البوليسية داخل أقفاص من قبل أصحاب المحال التجارية والمطاعم، فضلاً عن حالات اصطحاب تلك الحيوانات داخل السيارات من قبل أصحابها، وأحياناً التجول معها مشياً في الأسواق، وهو ما يسبب ذعر المواطنين.
كما أن صلاح فاضل عباس، المدير السابق لدائرة البيطرة العامة التابعة لوزارة الصحة، كشف أن "ظاهرة تربية الحيوانات سواء كانت مفترسة أو أليفة هي مصدر للأمراض المعدية". وأشار الى "وجود مخاطر كبيرة يتعرض لها المدنيون بسبب الحيوانات المفترسة كونها تمتاز بتغير مزاجها وبالتالي قد تهاجم حتى مدربها أو مربيها، فضلًا عن الناس المارين أو المتفرجين على هذا الحيوانات".
وأوضح عباس، أن "الفترة القليلة الماضية شهدت هجومًا تعرّض له طبيب بيطري، من قبل حيوان مفترس عند محاولة الطبيب إجراء معالجة طبية له".
ويعاقب قانون حماية الحيوانات البرية العراقي، بالسجن لمدة 3 سنوات، مع فرض غرامة 3 ملايين دينار عراقي (الدولار يساوي 1480 ديناراً)، كل من يقتني حيواناً مفترساً ويتسبب في أذى الناس، كما أن قانون العقوبات يجرّم ذلك.
وبحسب تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وبيانات معاهدة التجارة العالميّة لأصناف الحيوان والنبات البرّي المُهدّد بالانقراض (CITES)، فإن انتشار صيد الحيوانات البرّية في العراق له تأثير كبير على التنوّع الحيوي في البلاد، وأن الحيوانات التي يتمّ صيدها تُباع حيّة أو ميتة أو كأجزاء كالجلود.