تزايد ظاهرة عمالة النساء بالقطاعين العام والخاص.. الأسباب والتداعيات
انفوبلس/..
رغم أن المجتمع العراقي يفرض قيوداً كثيرة على النساء لأسباب عدة، بينها الأمن غير المستقر، والعادات والتقاليد الاجتماعية، شهدت البلاد في الآونة الأخيرة انتشاراً كبيراً لظاهرة عمالة النساء بالقطاعين العام والخاص.
وكان تقرير أصدره البنك الدولي عام 2020 أشار إلى أن نسبة انخراط المرأة العراقية في سوق العمل ضعيفة جداً، ولا تتجاوز 15 في المائة. وعلّق حينها بالقول إن "هذه النسبة بين أدنى المعدلات لمشاركة المرأة في العمل على مستوى العالم". أما اليوم فيؤكد مراقبون ومتابعون للشأن العراقي ارتفاع نسبة عمالة النساء إلى أكثر من 30 في المائة خلال العامين الماضيين.
تقول رئيسة منظمة "نسائم الخير" التي تهتم بشؤون المرأة حسنة الجنابي: "يعاني العراق من انهيار كبير في أوضاعه الاقتصادية، ما انعكس سلباً على حياة عائلاته وظروف عيشها، وأساليب تعاملها مع المشاكل الكثيرة التي تواجهها. وقد دفع تدهور هذه الأوضاع المعيشية نساء كثيرات في الأسر إلى الانخراط في سوق العمل لمساندة الأهل في تأمين متطلبات الحياة المادية من أكل ولباس وعلاجات واحتياجات أخرى لا تقل أهمية، وتواجه جميعها مشاكل الغلاء وارتفاع الأسعار".
وترى أن "ملايين من النساء الأرامل والمطلقات والأيتام أجبرتهن الظروف الاقتصادية الصعبة على الانخراط في سوق العمل، لكنهن يواجهن في المقابل تحديات وانتقادات كبيرة من المجتمع ذي التكوين العشائري، والذي يفرض قيوداً كبيرة على المرأة لإجبارها على المكوث في المنزل، والاهتمام به حصراً وبالعائلة. ورغم كل القيود المفروضة على المرأة والتحديات التي تواجهها، إلا أنها استطاعت أن تفرض نفسها في سوق العمل بالقطاعين العام والخاص، وأن تتسلم مناصب عليا وتفرض وجودها، وتنافس الكثير من الرجال في مجالات مختلفة".
وتشير حسنة إلى أن "الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003 لم تقم بأي دور في تأمين وضع النساء ضمن بيئات العمل، وتركتهن عرضة لمختلف أشكال الاستغلال، ما خلق عامل خوف لدى عائلات كثيرة من الوضع الذي تعمل فيه بناتهن".
من جهتها، تقول المواطنة إسراء ثامر، البالغة من العمر 37 عاماً: "توفي زوجي قبل ثلاث سنوات وترك ثلاثة أبناء جميعهم في سن الدراسة الابتدائية. وقد دفعني تدهور أوضاعي المعيشية إلى العمل في شركة للسياحة والسفر براتب شهري قدره 500 دولار".
وتضيف: "بات معظم أصحاب الشركات والمصانع في القطاع الخاص يفضلن تشغيل النساء على حساب الرجال كونهن يوافقن على العمل بأجور منخفضة. لكن النساء العاملات يشتكين في الوقت نفسه من تعرضهن لمضايقات كثيرة من أرباب العمل. ولا شك في أن أكثر من نصف النساء العاملات يفضلن الحياة المنزلية على العمل، لكن الظروف تجبرهن على سلوك هذا الدرب غير المناسب لهن على صعيد البيئة المحيطة وشروط تقبل أدائهن مهمات، أو منحهن الثقة الكاملة".
أيضاً تقول إيمان فاضل: "أنا امرأة مطلقة لا أملك أي معيل في الحياة، وأتقاضى راتب رعاية اجتماعية لا يكفيني لتلبية مصاريفي مع بناتي، لذا قررت أن أدخل سوق العمل الشاق في مصنع حلويات كي أعيل نفسي وبناتي براتب شهري لا يتجاوز 300 دولار مع بعض الحوافز، علماً أنني لا أملك شهادة جامعية".
وتضيف: "أنفذ غالباً أعمالاً شاقة، مثل حمل وتفريغ بضائع داخل المصنع، وأعمل ساعات طويلة وصولاً إلى 12 ساعة في اليوم".
إلى ذلك، تقول الدكتورة سناء الراوي، المتخصصة في شؤون الأسرة،: "غالبية النساء العراقيات بدأن في السعي إلى الاعتماد على أنفسهن في جوانب الحياة المختلفة، بخاصة في قطاع العمل كي يساعدن عائلاتهن في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد. ونحن ندعو إلى تمكينهن في كل جوانب الحياة".
وتطالب الراوي الحكومة العراقية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني بالتعامل جدياً مع شريحة النساء، وتوفير حياة كريمة لهن، خصوصاً أن دخولهن سوق العمل بات ضرورة ملحة ومهمة لدعم عائلاتهن مادياً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وكلما كان الوضع الاقتصادي جيداً كان المجتمع آمناً، لكن ذلك ليس الحال في العراق حالياً، فهو يمر بظروف استثنائية في غاية الخطورة، بينها كثرة الأرامل والمطلقات في المجتمع، إذ يسجل شهرياً أكثر من 5000 حالة طلاق، ما زاد نسبة النساء في سوق العمل ومنافستهن الرجال".