تعنيف الرجال في العراق.. ظاهرة متفاقمة وأرقام مقلقة وأسباب عديدة
انفوبلس/..
في البداية كان الأمر غريبًا ودخيلًا بعض الشيء على المجتمع العراقي، إلى أن أصبح تداول الأخبار التي تتحدث عن ظاهرة تعنيف الرجال في العراق الآن أمرًأ طبيعيًا بالنسبة للعراقيين، وقد دفع ذلك إلى تزايد الأصوات التي تطالب بتشريع قانون العنف الأسري.
ارتفعت حالات التعنيف بحق الرجال في العراق بالتزامن مع إخفاق مجلس النواب بإقرار قانون خاص بالعنف الأسري
وتتزايد حالات العنف بحق الرجال في العراق بصورة مقلقة وملحوظة، وسط فشل مجلس النواب بإقرار قانون مناهضة العنف الأسري على مدار السنوات الماضية رغم وجود مسودة مشروع القانون جاهزة للقراءة والتصويت.
وكان مجلس الوزراء أقر في تشرين الأول/أكتوبر 2020، مشروع قانون "مناهضة العنف الأسري"، ومرّره إلى البرلمان، لكن القانون لم يشرّع حتى الآن نتيجة لمعارضة نشأت في ذلك الوقت.
الفكر الديني يعيق قانون العنف الأسري
يقول محمد جمعة، المحامي في شؤون الأسرة، إن "الفكر الديني المسيطر على الكتل السياسية وراء عدم تشريع قانون العنف الأسري، في مجلس النواب إلى غاية الآن".
وبحسب المحامي، فأن المحاكم في العراق تنظر إلى قضايا العنف الأسري والاعتداءات الجسدية سواء ضد الرجال أو النساء على فقرات الإيذاء ضمن قانون العقوبات، مؤكدًا أن "هذه الفقرة غير متخصصة بالعنف الأسري الذي شهد ارتفاعًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية".
ويضيف جمعة، أن "القضاء العراقي غير قادر على محاسبة الأشخاص المتسببين بالعنف الأسري، لافتقاره إلى قانون حقيقي قادر على المحاسبة ووضع الحلول لهذه الظاهرة".
قال محامٍ إن فكر الكتل السياسية الديني يقف وراء عدم تشريع قانون مناهضة العنف الأسري
وتلجأ الجهات الأمنية في العراق بالعادة إلى أخذ تعهدات خطية للمعتدي على زوجته، وتكتفي بإجراء توسطات بين الأزواج للتصالح فيما بينهما بغض النظر عن الضرر الذي لحق بالمرأة، في حين يفتقر العراق إلى وجود إجراءات تحاسب الزوجة على تعنيف زوجها.
طالب السوداني، وهو باحث في علم الاجتماع، يقول إن "العراق لا يملك دراسات ميدانية لتعنيف الرجال من قبل المرأة"، ويشير إلى "العديد من الأسباب وراء انتشار ظاهرة تعنيف الرجال في العراق".
وبحسب السوداني، فأن أبرز الأسباب وراء تعنيف الرجل هي:
أولًا: الحضور الواسع لوجود المرأة في المجتمع، بعد أن كانت محاصرة بالقيود خلال السنوات الماضية.
ثانيًا: لا يزال المجتمع العربي يعيش عقلية أن المرأة على حق دائم، وهو ما أتاح للمرأة إمكانية الاعتداء على الرجل.
ويقول الباحث الاجتماعي، إن "شخصية المرأة الآن، ترتكز على أخذ الثأر من الرجل، من خلال مظلوميتها التي كانت تعانيها في المجتمع".
ورغم مرور أكثر من 19 عامًا على سقوط النظام السابق، إلا أن العراق لا يمتلك إلى الآن قانونًا متخصصًا بـ"العنف الأسري"، في حين يعتمد على مواد قانونية تسمح للزوج والأب بتأديب الأبناء أو الزوجة ضربًا.
القانون يساوي بين الجنسين
يتحدث الخبير القانوني، أحمد العبادي، قائلًا إن "القانون العراقي لم يفرق بين ضرب الرجل عن ضرب المرأة، وتعامل مع الجنسين على حد سواء وعلى جميع الأصعدة سواءً الضرب أو الاعتداء اللفظي أو غيره".
يقول خبير قانوني إن القانون العراقي يساوي في مسألة ضرب الرجل والمرأة
ويوضح الخبير القانوني، أن "القانون العراقي تعامل مع قضية الاعتداء على الرجل وفقًا للقوانين التي حاسب عليها الرجل عند الاعتداء على زوجته أو ابنته أو غيرها، وبالتالي لا يوجد قانون متخصص يحاسب الرجل والمرأة كلًا على حد".
ودائمًا ما كانت الأمم المتحدة في العراق تحث البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار قانون مناهضة العنف الأسري وسط تقارير مثيرة للقلق عن ارتفاع في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري في جميع أنحاء البلاد.
أرقام مقلقة في كردستان
وفقًا للتقديرات الرسمية، فأن إقليم كردستان يتصدر العراق بأعداد المعنفين من الرجال، في حين سجلت المحاكم 14 ألف حالة تعنيف أسري خلال العام 2021 التي شهد ارتفاعًا في عدد الشكاوى التي قدمها الرجال ضد زوجاتهم.
وفي هذا الشأن، كشف رئيس منظمة اتحاد رجال كردستان برهان علي، حصيلة بعدد الرجال المعنفين خلال 2021، فيما أشار إلى تسجيل 521 حالة تعنيف أسري ضد الرجال أدت إلى انتحار 68 رجلًا بسببها.
يشهد إقليم كردستان تصاعدًا بأحداث العنف ضد الرجال
وبحسب علي، فأن محافظة السليمانية تصدرت حالات الانتحار بسبب تعنيف الرجال بـ 28 حالة، فيما جاءت أربيل في المرتبة الثانية بواقع 24 حالة، ودهوك ثالثة بواقع 9 حالات، ومحافظة كركوك بـ 5 حالات، ومدينة حلبجة بحالتين.
أسباب الانتشار
بدوره، يقول الباحث الاجتماعي، أحمد مهودر، إن "قضية الاعتداء على الرجال في العراق، ورغم ارتفاعها خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنها لا تعد ظاهرة كون أن المجتمع العراقي يتعامل بالأساس مع الرجال حصرًا أي بمعنى أن المجتمع يعزز دور الذكور بشكل كبير".
التأثر بالبلدان الأجنبية وما ينقل خلال مواقع التواصل الاجتماعي كان له الدور الأبرز وراء انتشار قضية تعنيف الرجال في المجتمع العربي عمومًا، والكلام لمهودر، الذي أشار إلى أن "القوانين والعادات والتقاليد الغربية تتيح للمرأة حرية كبيرة، وقد تصل إلى إمكانية الاعتداء ضربًا على الرجال".
العديد من الأسباب التي تقف وراء انتشار حالات الاعتداء بحق الرجال، أبرزها نفسية وشخصية الرجل ذاته، سواءً كانوا يعانون من أمراض نفسية أو من اهتزاز بالشخصية، وفقًا لمهودر.
يقول باحث اجتماعي إن شخصية الرجل من أبرز أسباب الاعتداءات عليه
وبحسب الباحث الاجتماعي،، فأن الأوضاع السياسية والأمنية التي لها آثار سلبية على الواقع الاجتماعي من خلال زيادة البطالة وتدهور الاقتصاد في البلاد، يدخلون ضمن أسباب انتشار تعنيف الرجال في العراق مما دفع المرأة نحو الإقدام على ضرب الرجل".
المال وضعف شخصية
بالمقابل، تقول إحدى النساء من سكنة العاصمة بغداد، إن "انتشار الظاهرة بسبب ضعف شخصية الرجل، وهو ما يتيح للمرأة السيطرة الكاملة على حياة الرجل وعائلتها بشكل كامل".
وتضيف، طالبةً عدم الكشف عن اسمها لأسباب اجتماعية، أن "الحالة المادية (الاقتصادية)، قد تكون أحد الأسباب التي تدفع الرجل لتقبل التعنيف من قبل زوجته"، مشيرة إلى أن "الحكومة والجهات المعنية هي من تتحمل ارتفاع وانتشار هذه الظاهرة السلبية التي باتت تهدد المجتمع العراقي".
وفي بيان رسمي، لوزارة الداخلية، فأنه منذ مطلع العام 2022، وإلى منتصف شهر آب/أغسطس الماضي، جرت معالجة 754 حالة تعنيف للنساء، و233 حالة تعنيف مماثلة لرجال، ومعالجة تعنيف 55 طفلًا، إضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة، ورصد ومتابعة 22 طفلًا هاربًا، فضلًا عن انتشال 22 من كبار السن نتيجة التعنيف.
الحالة المادية من ضمن أسباب تقبّل بعض الرجال للتعنيف من قبل الزوجة
مؤخرًا، ألقت القوات الأمنية في محافظة الديوانية القبض على امرأة قتلت زوجها بواسطة طابوقة (بلوكة).
وقالت الشرطة في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2022، إن المتهمة قتلت زوجها البالغ من العمر 35 عامًا أثناء نومه، وضربته بواسطة مطرقة من الخشب (طخماخ) 3 ضربات على رأسه، ثم أجهزت عليه بواسطة (بلوكة) على صدره حتى فارق الحياة.