تفصيخ السيارات القديمة في العراق: خطوة ضرورية أم عبء إضافي على المواطنين؟
انفوبلس/ تقرير
يشهد العراق في السنوات الأخيرة ارتفاعًا مستمرًا في أعداد السيارات، وهو ما يضع ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية للطرق ويزيد من مخاطر الحوادث المرورية والتلوث البيئي. وفي هذا السياق، شرعت وزارة التجارة، بالتنسيق مع وزارات أخرى وهيئات حكومية، في وضع ضوابط جديدة لاستيراد السيارات، تتضمن تفضيح السيارات القديمة أو تفكيكها من أجل الحد من دخول المركبات غير المطابقة لمواصفات السلامة والمعايير البيئية الحديثة.
تفصيخ السيارات القديمة يعني إخراج المركبات غير الصالحة من السوق العراقي، عبر تفكيكها وتحويل مكوناتها إلى أجزاء يمكن إعادة استخدامها أو التخلص منها بطريقة آمنة بيئيًا، بدل السماح لها بالبقاء في السوق وزيادة المخاطر المرورية.
ويشير المسؤولون الحكوميون إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة شاملة لتنظيم سوق السيارات وضمان التزامها بالمواصفات الفنية والبيئية، مع تحسين السلامة العامة على الطرقات العراقية.
من المؤمل ان تبدأ الجهات المختصة بتطبيق الضوابط الجديدة لاستيراد السيارات مطلع الشهر المقبل ومع بدء العام الجديد، حيث سيتم تفكيك العجلات القديمة التي لم تعد تتوافق مع متطلبات السلامة.
أسباب إطلاق عملية التفصيخ
تعود الحاجة لتفصيخ السيارات القديمة إلى مجموعة من العوامل: أولها الزيادة الهائلة في أعداد السيارات المستوردة بعد عام 2003، والتي تجاوزت الطاقة الاستيعابية للشوارع العراقية، خاصة في بغداد والمحافظات الكبرى. ثانيها، عدم مطابقة كثير من المركبات القديمة لمواصفات السلامة الحديثة، سواء من حيث الفرامل، الإطارات، أو الهيكل العام للسيارة، ما يزيد من مخاطر الحوادث. وثالثها، ارتفاع الانبعاثات الضارة التي تنتج عن السيارات القديمة، والتي تسهم في تدهور جودة الهواء وتفاقم المشكلات الصحية للمواطنين.
وأكد المتحدث باسم وزارة التجارة، محمد حنون، أن الضوابط الجديدة تهدف إلى الحد من الفوضى الناتجة عن الاستيراد العشوائي، وتنظيم دخول السيارات بما يتوافق مع القدرة الاستيعابية للشوارع والبنية التحتية، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من السلامة المرورية. وأشار إلى أن التفكيك لن يشمل السيارات المستعملة ذات المواصفات المقبولة، وإنما يركز على المركبات القديمة التي لم تعد صالحة للاستخدام أو تضر بصحة البيئة والمواطنين.
آلية تطبيق التفصيخ
وفق ما أعلنته جهات حكومية التجارة، تتمثل آلية التفصيخ في عدة خطوات عملية:
تحديد السيارات غير المطابقة: يتم فحص المركبات المستوردة أو الموجودة في السوق المحلي للتأكد من مدى توافقها مع المعايير الفنية والبيئية الحديثة.
إخطار مالكي السيارات: يتم إبلاغ أصحاب السيارات غير المطابقة بضرورة إخراج مركباتهم من السوق، وتوضيح الإجراءات القانونية المتعلقة بالتفصيخ.
إرسال السيارات لمراكز التفصيخ: يتم توجيه المركبات إلى مراكز تفكيك معتمدة، حيث يتم فصل المكونات القابلة للاستخدام من تلك التالفة.
إعادة تدوير الأجزاء الصالحة: يمكن استخدام المعادن والأجزاء الصالحة في تصنيع مركبات جديدة أو في مشاريع صناعية أخرى، بما يحقق استفادة اقتصادية وبيئية.
التخلص من الأجزاء غير الصالحة بيئيًا: تُعالَج الأجزاء التالفة بطريقة تحافظ على البيئة وتقلل من التلوث الناتج عن التخلص من المركبات القديمة.
وأشار حنون إلى أن التفضيح سيتم بشكل تدريجي ووفق خطة زمنية محددة، مع متابعة دقيقة لضمان الالتزام من قبل أصحاب السيارات والمستوردين.
الفوائد المتوقعة من التفضيح
تتوقع وزارة التجارة والجهات المعنية أن تؤدي عملية تفكيك السيارات القديمة إلى عدة فوائد على الصعيدين المروري والبيئي: "تحسين السلامة المرورية" حيث إن إزالة السيارات غير المطابقة يقلل من الأعطال المفاجئة ويحد من الحوادث الناتجة عن سوء الحالة الفنية للمركبة. و"الحد من التلوث البيئي"، إذ إن السيارات القديمة غالبًا ما تكون ذات انبعاثات عالية، ما يؤدي إلى تلوث الهواء وتفاقم الأمراض التنفسية بين السكان.
و"تنظيم السوق"، حيث إن التفصيخ يقلل من الفوضى الناتجة عن الاستيراد العشوائي ويشجع على إدخال سيارات حديثة مطابقة للمواصفات. و"تحفيز الاقتصاد المحلي"، حيث إن إعادة استخدام الأجزاء الصالحة تخلق فرصًا اقتصادية جديدة، وتدعم الصناعات المحلية المتعلقة بالسيارات. وكذلك "تخفيف الازدحام المروري"، إذ إن الحد من دخول السيارات غير المطابقة يساهم في تقليل أعداد المركبات على الطرقات، ما يسهم في تحسين انسيابية الحركة المرورية.
تشير البيانات الرسمية إلى أن عدد السيارات في العراق وصل إلى نحو 9 ملايين مركبة، منها أكثر من 4 ملايين في بغداد وحدها، فيما لا تتسع شوارع العاصمة إلا لحوالي 250 ألف مركبة فقط، وهو ما يخلق ازدحامًا يوميًا يهدد السلامة العامة ويؤثر على جودة الحياة في المدينة. ويؤكد الخبراء أن غياب سياسات النقل الجماعي، مثل الحافلات والمترو، يزيد من الاعتماد على السيارات الخاصة، ما يفاقم مشكلة الازدحام ويجعل الضوابط الجديدة ضرورية وملحة.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، يستورد العراق سنويا نحو 200 ألف سيارة جديدة، بينما بلغ عدد السيارات المسجلة في البلاد 9 ملايين مركبة حتى عام 2025.
إضافة للأبعاد التنظيمية والسلامة المرورية، تُثير خطوة تفصيخ السيارات القديمة مخاوف لدى العديد من المواطنين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود الذين يعتمدون على سياراتهم القديمة للتنقل اليومي. بالنسبة لهؤلاء، يُشكّل استبدال السيارة أو الالتزام بالضوابط الجديدة عبئًا ماليًا إضافيًا، إذ غالبًا ما تكون السيارات المستعملة البديلة أو المستوردة حديثًا بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع قدراتهم الشرائية.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن هذا الإجراء قد يزيد من الضغط على الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا، ويجبر بعض الأسر على تقليص استخدام سياراتهم أو البحث عن وسائل نقل بديلة أقل تكلفة، والتي قد تكون غير متوفرة بشكل كافٍ في كثير من المناطق. ويؤكد المتابعون أن نجاح خطوة التفصيخ في تحسين السلامة المرورية يتوقف على موازنتها مع سياسات اجتماعية تراعي القدرة المالية للمواطنين، مثل برامج دعم استبدال السيارات القديمة أو تسهيلات للتمويل والقروض الميسرة.
وبالرغم من أن الهدف الأساسي للخطوة هو تحسين جودة الأسطول المروري ورفع معايير السلامة على الطرق، إلا أن الواقع الاقتصادي لعدد كبير من العراقيين يستلزم دراسة متأنية لتجنب تحميل المواطنين عبئًا إضافيًا قد يؤدي إلى توترات اجتماعية أو تداعيات اقتصادية غير مرغوبة، خصوصًا في العاصمة بغداد والمحافظات الكبرى حيث الازدحامات المرورية كبيرة والتكاليف المعيشية مرتفعة بالفعل.
التنسيق بين الجهات الحكومية
تتم عملية التفصيخ بالتنسيق بين عدة جهات حكومية، منها: وزارة التجارة، وزارة التخطيط، وزارة البيئة، مديرية المرور العامة، والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية. وتشمل هذه الجهود إنشاء لجان مشتركة لمراقبة المنافذ الحدودية والتأكد من مطابقة السيارات المستوردة للمواصفات، إلى جانب متابعة عملية التفكيك وإعادة التدوير.
وأكد حنون أن هذه الإجراءات تأتي لتنظيم السوق وليس لإيقاف الاستيراد، ولضمان منافسة عادلة بين المستوردين، مع رفع مستوى السلامة والكفاءة في استخدام السيارات. كما أشار إلى أن العملية ستشمل منصات إلكترونية لتسجيل ومتابعة السيارات المستوردة، بما يسهل الرقابة ويزيد من الشفافية في السوق.
في المقابل، يسعى العراق إلى تطوير صناعة سيارات محلية عبر تجميع مركبات عالمية، بهدف تشغيل الأيدي العاملة وتوفير سيارات صديقة للبيئة (تعمل بالغاز أو الكهرباء) بأسعار مناسبة لذوي الدخل المحدود من خلال تسهيلات في التقسيط.
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة التجارة العراقية في 3 سبتمبر/أيلول الحالي عن اتفاق مع شركات من ألمانيا والصين والبرازيل لفتح خطوط إنتاج للسيارات التي تعمل بالغاز مع توفيرها بالأقساط.
تهدف هذه الخطوة إلى تحديث الصناعة الوطنية وتحقيق شعار "صُنع في العراق"، مع إمكانية تصدير الفائض في المستقبل.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
يرى الخبراء أن عملية التفصيخ ستخلق فرصًا اقتصادية جديدة، سواء في إعادة تدوير المعادن والأجزاء الصالحة، أو في تطوير مراكز صيانة وتجميع السيارات. كما ستسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين من خلال تقليل الحوادث، وخفض الانبعاثات الضارة، وتحسين انسيابية الحركة المرورية، خاصة في المدن الكبرى مثل بغداد والموصل والبصرة.
ويشير الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي إلى أن استمرار الاعتماد على السيارات الخاصة دون تطوير النقل الجماعي يزيد من الازدحام ويضاعف الحاجة لتطبيق ضوابط صارمة، بما في ذلك التفصيخ، كجزء من استراتيجية شاملة لتحسين الوضع المروري وتقليل الضرر البيئي.
وفي المحصلة، تعتبر عملية تفكيك السيارات القديمة في العراق خطوة استراتيجية نحو تنظيم السوق وضمان سلامة المركبات على الطرق. ومع تطبيق الضوابط الجديدة للسيارات المستوردة، من المتوقع أن تشهد المدن الكبرى انخفاضًا في الحوادث الناتجة عن المركبات القديمة، وتحسنًا في جودة الهواء، وتنظيمًا أفضل للمرور، مع فتح فرص اقتصادية جديدة من خلال إعادة تدوير الأجزاء الصالحة.
إن نجاح هذه الإجراءات يعتمد بشكل كبير على التنسيق بين الجهات الحكومية والمستوردين، ووعي المواطنين بأهمية الالتزام بالمواصفات الحديثة، ما يجعل التفصيخ أداة فعالة لتحقيق السلامة المرورية والتنظيم البيئي والاقتصادي في آن واحد.

