"تهديد" صوتي يُشعل جدلاً أكاديميًا في البصرة.. تضارب في الروايات بين عميد كلية ومكتب أحد النواب

انفوبلس/ تقارير
أثار تسجيل صوتي منسوب إلى مدير مكتب نائب في مجلس النواب، جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية، بعد أن تضمن ما وُصف بـ"تهديد مباشر" لعميد كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة البصرة. الحادثة، التي تعود جذورها إلى طلب إداري قدّمته موظفة لإكمال دراستها العليا في إحدى الجامعات الإيرانية، حملت ثلاث روايات؛ الأولى على لسان العميد "المُهدَّد"، والثانية على لسان "مَن قام بالتهديد"، والثالثة على لسان نقابة الأكاديميين. ووسط هذا التعدد تقصّت انفوبلس عن الحقيقة لتضعها بين أيديكم عبر التقرير الآتي.
ما الذي حدث؟
وفقًا لمصادر داخل جامعة البصرة، فقد تعرّض الدكتور عبد الحسين توفيق، عميد كلية الإدارة والاقتصاد، إلى تهديد صريح من قبل حسين الحيدري، نجل ومدير مكتب النائب علاء الحيدري.
ويأتي ذلك على خلفية رفض العميد تمرير طلب خاص بموظفة في الكلية تسعى لإكمال دراستها في الخارج.
المصادر أوضحت أن الموقف بلغ حد التهديد المباشر، والذي جرى توثيقه عبر رسالة صوتية نُسبت لمدير المكتب، سُمِع فيها وهو يقول باللهجة العامية: "الظاهر أنت مستهدفنا، ما تريد تمشي المعاملة، ما تريد تتعامل، بس خليك على وضعك، أقسم بالحسين إذا أبقيتك بمنصبك أنا وياك والزمن طويل".
العميد يوضح الموقف: الضوابط لا تسمح بالموافقة
الدكتور عبد الحسين توفيق، وفي حديث تابعته شبكة انفوبلس، كشف أن الموظفة التي تقدّمت بالطلب تخضع لضوابط وتعليمات وزارة التعليم العالي، والتي لا تسمح بالموافقة على حالتها لأسباب متعددة، من بينها تجاوز السن القانوني، وعدم توفر الموافقات المطلوبة من الأقسام المعنية، فضلًا عن عدم تحقيقها للمعدل المؤهل.
وقال توفيق في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إن الوزارة كانت قد أرسلت كتاباً بعنوان "بيان رأي" إلى جامعة البصرة، وقد تم التعامل معه وفق السياقات الإدارية، نافياً وجود أي توجيه ملزم أو قرار وزاري صريح بقبول الطلب.
وأشار إلى أنه "تقدم بدعوى رسمية إلى القضاء العراقي ضد ما تعرّض له من تهديد، داعيًا إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق من يقف وراء الحادثة، حمايةً لاستقلالية الجامعة وهيبتها الأكاديمية".
مكتب النائب يرد: لم يكن تهديداً بل استياء
من جانبه، نفى حسين الحيدري، نجل ومدير مكتب النائب علاء الحيدري، أن يكون حديثه مع العميد قد انطوى على تهديد.
وقال الحيدري في تصريح تابعته شبكة انفوبلس، إن ما صدر عنه كان تعبيراً عن "استياء مشروع" تجاه ما وصفه بـ"تعقيد الإجراءات وتأخر تنفيذ كتاب الوزارة".
وأضاف، أن القضية تتعلق بموظفة تجاوزت الخمسين من العمر، جاءت إلى مكتبه في وقت مبكر من الفجر، تطلب المساعدة في متابعة طلبها، مضيفاً أن المكتب سبق وتلقى موافقة من الوزير المعني، "لكن العميد لم يستجب".
وأكد الحيدري أن تعامله مع القضية لم يكن شخصياً أو استثنائيًا، قائلاً: "لو كان العميد نفسه قد جاءنا بطلب مشابه، لكنتُ دافعت عن حقه بنفس الحماسة". وشدد على أن المسؤولية الأخلاقية تدفعهم لمتابعة شؤون المواطنين في البصرة.
كما أشار إلى أن الجدل حول القضية أخذ أبعاداً أكبر من حجمها الحقيقي، مضيفًا أن "الخطأ وارد، ونحن مستمرون في خدمة المواطنين وسنضاعف جهودنا في المرحلة المقبلة".
وبهذا السياق، حصلت شبكة انفوبلس، على وثيقة رسمية صادرة عن مكتب النائب علاء الحيدري، تتضمن مخاطبة موجهة إلى الجهات المعنية بشأن طلب متابعة ملف قبول إحدى المواطنات لإكمال دراسة الماجستير خارج العراق، وذلك في إطار السعي لتسهيل الإجراءات المرتبطة بالموضوع.
نقابة الأكاديميين تُحذّر من "تدخلات سافرة"
وفي تطور لافت، أصدر مجلس نقابة الأكاديميين العراقيين – فرع البصرة، بياناً عبّر فيه عن قلقه إزاء "تصاعد التدخلات والضغوط" التي يتعرض لها الأساتذة الجامعيون.
وجاء في البيان أن الحادثة الأخيرة تمثل "تهديداً صريحاً لاستقلال المؤسسة الأكاديمية"، معرباً عن رفضه التام لتلك الممارسات، التي وصفها بأنها "تنتقص من مكانة الجامعة وتضعف من هيبتها أمام المجتمع".
وحذر المجلس من أن تكرار مثل هذه الحوادث قد يؤدي إلى تآكل الثقة بالجامعات، داعياً الجهات العليا إلى توفير الحماية القانونية والمعنوية للكادر الأكاديمي.
العميد يجدد التأكيد: الكتاب غير ملزم والطلب غير مستوفٍ
في تصريح لاحق، عاد عميد الكلية عبد الحسين توفيق ليؤكد أن "الكتاب الذي وصله من مكتب النائب لا يحمل صفة التوجيه الإداري الملزم، وإنما يُعدّ رأيًا يمكن التعامل معه ضمن السياقات القانونية فقط".
وأضاف، أن المعاملة لا تستوفي الشروط الرسمية، سواء من حيث المعدل المطلوب أو شرط العمر أو حتى الحصول على موافقات الأقسام المعنية، مشيراً إلى أن "وزارة التعليم العالي هي الجهة الوحيدة المخوّلة بإصدار الموافقات النهائية، ولم يرد من جانبها أي توجيه ملزم بهذا الخصوص".
كما انتقد ما اعتبره "محاولات للضغط على المؤسسة الأكاديمية لتجاوز الأنظمة"، مجددًا تأكيده على "التزام العمادة بالقانون والتعليمات الوزارية المعتمدة".
واختتم تصريحه بالقول: "لا يمكن لأي مؤسسة أكاديمية محترمة أن تعمل خارج الأطر الرسمية. المسؤولية الأخلاقية والمهنية تفرض علينا الالتزام بالتعليمات وحماية الجامعة من أي تدخل سياسي أو شخصي".
في النهاية، تُبرز هذه الحادثة التحديات المعقدة التي تواجه العلاقة بين المؤسسات الأكاديمية والجهات السياسية، خاصة عندما تتقاطع القضايا الإدارية مع اعتبارات شخصية أو اجتماعية. وبينما يتمسك عميد الكلية بتطبيق التعليمات والضوابط الوزارية، يرى الطرف الآخر أنه يسعى للدفاع عن حق مواطنة تسعى لإكمال دراستها. وفي ظل تباين الروايات وتعدد وجهات النظر، يبقى الاحتكام إلى القانون والمؤسسات القضائية هو السبيل الأمثل لحسم الخلافات، بما يضمن احترام استقلال الجامعات من جهة، وحماية حقوق الأفراد من جهة أخرى.