توجيهات رسمية لحمايتهم.. قانون معطل وملاحقات قانونية وعشائرية.. متى ينتهي خوف المسعفين في العراق؟

انفوبلس/ تقرير
رغم صدور توجيهات رسمية لحمايتهم، إلا أن المواطنين والمسعفين في العراق يترددون قبل تقديم المساعدة لضحايا الحوادث خوفًا من الملاحقات القانونية والعشائرية التي قد تترتب على تدخلهم، فلماذا لم يصل قانون حماية المسعف بعد إلى مجلس النواب للمناقشة؟ وكيف يعالج القانون العراقي هذه المُساءلة؟
وكان مجلس القضاء الأعلى قد أصدر في حزيران العام 2021 قراراً ألزم بموجبه المحاكم كافة بـ"التعامل مع المسعف بطريقة تُجنبه المساءلة القانونية أو الاتهام بارتكابه الحادث حفاظاً على أرواح المصابين، وتشجيعاً للمسعفين".
وبرغم أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق قراراً يقضي بعدم المساءلة القانونية التي تطال المسعفين خلال حوادث السير، إلا أن تلك الظاهرة بقيت في المجتمع العراقي، وتسببت بحوادث وفيات، كما أنها تعارض النخوة العشائرية أو الشهامة التي يُعرف بها العراقيون بشكل عام.
*الخوف يمنع
المواطن جعفر محمد يستذكر حادثة شهدها قبل أيام في أحد شوارع بغداد، حيث كان يسير في وقت متأخر من الليل، ليصادف حادث سير يتضمن شخصًا مصابًا. وعلى الرغم من شعوره القوي برغبة في المساعدة، إلا أن خوفه من التورط في الحادث أو الوقوع في مشكلات مع عشيرة المصاب أو الشرطة جعله يتردد في التدخل. يقول : "كان الخوف أكبر من رغبتي في المساعدة. هذا الشعور بالعجز مؤلم، لكنه واقع يعيشه الكثيرون هنا بسبب العادات والتقاليد السائدة".
وفي إطار هذه التجربة، يطالب المواطن، الحكومةَ بضرورة تشريع قوانين واضحة لحماية المسعفين من الملاحقة القانونية والعشائرية أثناء تقديمهم المساعدة، مشددًا على ضرورة محاسبة العشائر التي تتهم المسعفين دون وجود دلائل أو أسباب منطقية.
ويؤكد جعفر على أهمية نشر الوعي المجتمعي وتثقيف الناس عبر وسائل الإعلام والمدارس والجامعات حول كيفية تقديم المساعدة بشكل آمن، ما سيسهم في تشجيع المواطنين على اتخاذ الخطوة الصحيحة لإنقاذ الأرواح دون الخوف من العواقب.
وبحسب مسؤولين في وزارة الصحة، فإن معظم الحالات التي تصل إلى المستشفى؛ نتيجة حوادث السير تكون عبارة عن كسور أو جروح، وكدمات، حيث يفقد المصابون كميات كبيرة من الدم، ما يفاقم حالتهم الصحية. ويؤدي تأخير الإسعاف إلى أن يفقد المصاب الكثير من الدم أو يتعرض لتدهور سريع في حالته الصحية. في بعض الحالات، يلقى المصابون حتفهم قبل أن يتمكن الأطباء من تقديم العلاج اللازم.
وأحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى تأخير نقل المصابين في حوادث السير هو الخوف من المساءلة القانونية والفصل العشائري، وفقا للمسؤولين الذين يؤكدون أن هذه الظاهرة ازدادت بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، حيث يتردد الكثير من المواطنين حتى في الاتصال بالإسعاف أو طلب المساعدة من الأشخاص القريبين؛ خوفاً من أن يتم إدراجهم ضمن التحقيقات في ملابسات الحادثة أو التورط في القضية بشكل عام. هذه المخاوف تجعل الكثيرين يتجنبون التدخل في الوقت الذي يكون فيه المصاب بحاجة ماسة إلى الإسعاف الفوري.
وفي ضوء هذه الأزمة، يدعو المسؤولون إلى اتخاذ إجراءات فعالة للحد من الظاهرة، أبرزها تعزيز الوعي العام بأهمية الإسعافات الأولية، والتشجيع على التدخل السريع لإنقاذ المصابين. كما يطالبون بسن قوانين تحمي المسعفين من المساءلة القانونية عندما يقدمون المساعدة في مثل هذه الحالات، إضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة في الشوارع؛ لتوثيق الحوادث وضمان عدم تعرض المسعفين لأي اتهامات أو ملاحقات غير مبررة.
إلى ذلك يؤكد الشيخ وميض سلمان المحمداوي أن الجدل القائم حول عزوف بعض المواطنين عن إسعاف المصابين في الحوادث بسبب الخوف من الفصل العشائري أو الملاحقة الأمنية هو تصور غير دقيق. حيث يوضح أن الأعراف العشائرية تشدد على أن التدخل لإنقاذ حياة إنسان يعد موقفًا مشرفًا، ويجب أن يُعتبر من قبل العشيرة مسؤولية أخلاقية، تستحق الدعم والتقدير، لا العقاب أو الملاحقة.
ويضيف المحمداوي، أن العشيرة عليها أن تقف بجانب الشخص الذي يهرع لإنقاذ المصاب وتحميه من أي تبعات قد يتعرض لها، وأن دورها لا يقتصر فقط على دعم المنقذ، بل يمتد إلى تحمّل المسؤولية أمام العشائر الأخرى، وذلك لتعزيز ثقافة الإيثار والتكافل التي يجب أن تسود في المجتمع.
ويشدد المحمداوي على ضرورة وجود تشريعات رسمية أو تفاهمات عشائرية تحمي أولئك الذين يقدمون المساعدة للمصابين، مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات سيكون لها تأثير كبير في تشجيع المبادرات الإنسانية بدون خوف من العواقب. ويؤكد أن تقديم المساعدة للمصابين هو واجب شرعي وإنساني لا ينبغي التردد فيه، فالتدخل السريع لإنقاذ حياة شخص يجب أن يُشجع ويُحترم من قبل جميع أطياف المجتمع.
*القانون معطل
أوضح النائب رائد المالكي، عضو اللجنة القانونية البرلمانية، أن قانون حماية المسعف لم يصل بعد إلى مجلس النواب للمناقشة، لكن عندما يصل، سيحظى باهتمام كبير من قبل الأعضاء. ويؤكد المالكي أن القانون سيُعرض للتصويت أو القراءة الأولى قريبًا، ولا توجد اعتراضات دستورية أو قانونية عليه. بالعكس، هناك دعم نيابي أكبر لمعالجة القضايا المتعلقة بتوفير الحماية القانونية للمسعفين، وهي خطوة ضرورية في ضمان ممارسة العمل الإنساني بأمان ودون مخاوف.
ويشير المالكي إلى أن عمل المسعف يقع ضمن نطاق مهام الدفاع المدني، ولذلك يمكن الاستغناء عن تقديم قانون مستقل لحماية المسعف من خلال تضمين النصوص القانونية اللازمة في قانون تعديل قانون الدفاع المدني. ويقول أن اللجنة القانونية تقوم بمتابعة القوانين المحالة إليها، إلا أن بعض القوانين تتوزع بين لجان أخرى، وبالتالي تكون من مسؤولية تلك اللجان، بينما تقتصر مهمة اللجنة القانونية على تقديم المشورة. ويضيف أن أولويات إدراج القوانين على جدول الأعمال هي من مسؤولية رئاسة مجلس النواب، التي تتحكم في تحديد مواعيد مناقشة القوانين.
وتشير المسودة الأولى للقانون، إلى أنه يُسجن لمدة تصل ٧ سنوات كل من هدّد مسعفاً أو مُنقذاً ومن ضِمن التهديدات (الگوامة العشائرية)، كما منع القانون توقيف المسعف أو المنقذ أو المخبر، وإنما اقرّ تدوين أقواله فقط، فضلاً عن مكافأة المسعف أو المنقذ إذا كان موظفا بإضافة له قدم يصل إلى أشهر، وإذا لم يكن موظفاً تُقدَّم له تسهيلات في وسائل النقل والسفر تصدر بتعليمات.
أما الخبير القانوني جمال الأسدي يوضح أن القانون العراقي لا يحتوي على نص قانوني صريح يسمح باحتجاز المسعف لمجرد قيامه بنقل المصاب إلى المستشفى. بل على العكس، تشير القوانين العراقية إلى أن تقديم المساعدة الطبية العاجلة وإنقاذ الأرواح هو أمر مشجع. ومع ذلك، قد تحتجز الشرطة المسعف في حالات معينة، مثل إذا كان الحادث جنائيًا أو مشبوهًا، حيث يحتاج المحققون إلى استجواب المسعف كشاهد للتأكد من عدم تورطه في الحادث.
ويقول الأسدي، إن الهدف الأساسي من هذه الإجراءات، وفقًا لتفسير الجهات الأمنية، هو ضمان سير التحقيقات وعدم إخفاء أي معلومات قد تساعد في كشف ملابسات الحادث. ومع ذلك، إذا لم يكن هناك سبب قانوني واضح، فإن احتجاز المسعف قد يُعد انتهاكًا لحقوقه، خصوصًا إذا كان يقوم بواجبه الإنساني دون مخالفة قانونية.
ويبيّن الأسدي بعض الإجراءات التي يمكن أن يتبعها المسعف لتجنب المساءلة القانونية، مثل الاتصال بالجهات المختصة فورًا لضمان تدخلها الرسمي. كما يشدد على ضرورة أن يتجنب أي شخص تحريك المصاب إذا لم يكن لديه الخبرة الطبية الكافية، وإذا كان المصاب في وضع خطر، يجب أن يتم التحرك بحسن نية ودون تجاوز حدود المساعدة المشروعة.
ويلفت الأسدي أيضًا إلى أن القانون العراقي لا يتضمن نصًا صريحًا يعالج الفصل العشائري بشكل مباشر. لكن لحماية المسعف من الملاحقة العشائرية، يوفر القانون حماية عبر المادة 135 من قانون العقوبات، التي تنص على إعفاء من المسؤولية الجزائية، لكل من يقدم المساعدة في حالة الضرورة لإنقاذ حياة شخص، ما لم يكن هناك إهمال أو خطأ جسيم. كما تنص المادة 368 من قانون العقوبات على تجريم من يمتنع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، ما يعني أن المسعف ملزم قانونًا بتقديم المساعدة دون أن يتحمل مسؤولية غير عادلة.