"تيك توك" الأكثر استخداما بين البرامج.. لماذا يهتم ملايين العراقيين بعالم الفيديوهات القصيرة؟

تساؤلات تجيب عنها "انفوبلس"
"تيك توك" الأكثر استخداما بين البرامج.. لماذا يهتم ملايين العراقيين بعالم الفيديوهات القصيرة؟
انفوبلس/ تقرير
أظهرت الإحصائيات الحديثة التي صدرت خلال العام الجاري 2025، بأن العراقيين يُفضّلون تطبيق "تيك توك"على بقية البرامج بعدد يصل إلى 2.35 مليون مستخدم، وسط تساؤلات كثيرة عن أسباب تواجد الكبار والصغار والنساء فيما يسمى بـ"عالم الفيديوهات القصيرة"، فما الذي كشفته الإحصائيات؟ وماذا يقول الخبراء عن هذا التحول؟
تشهد منصة "تيك توك"، تفاعلًا لافتًا في العراق، يقوده نجوم ومشاهير يحظون بمتابعة الملايين، على الرغم من صدور قرار رسمي مؤخراً بوقف التحويلات المالية لوكلاء "تيك توك" في البلاد.
ويعتبر البث المباشر على منصة "تيك توك" من الطرق الفعّالة لكسب المال والتفاعل مع الجمهور بشكل مباشر في العراق، إذ تبرز العديد من الطرق لتحقيق الدخل المالي عبر هذه البوابة وهي "الهدايا الافتراضية" التي يتم تحويلها لاحقاً إلى أموال حقيقية عبر شراء عملات المنصة الخاصة حيث تُعرف محلياً بـ "التكبيس".
34 مليون مستخدم في العراق عام 2025
أعلن مركز الإعلام الرقمي (DMC) ، تسجيل أكثر من 34 مليون مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي في العراق عام 2025، اذ أكد المشرف العام لمركز الإعلام الرقمي مهند حبيب السماوي في بيان تلقته شبكة "انفوبلس" الأسبوع الماضي، "وجود زيادة واضحة في عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العراق لهذا العام".
وأوضح أن "عدد المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي بلغ 34.3 مليوناً، وفقًا لإحصائية أجريت في 3 آذار 2025، ما يمثل 73.8% من عدد السكان، مقارنةً بـ 31.95 مليوناً في العام الماضي، بحسب بيانات We Are Social وMeltwater، التي تعد من أبرز المؤسسات العالمية المتخصصة في تحليل البيانات الرقمية".
البيانات تكشف عن تغيرات في أنماط استخدام بعض مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، حيث شهدت بعض المنصات نموًا سريعًا، بينما تراجعت أخرى، مما يعكس وجود تحولات في المشهد الرقمي وتغيّراً في سلوك مستخدمي المنصات في داخل فضاءاته، بحسب السماوي.
وأشار السماوي الى "حدوث زيادة كبيرة في عدد مستخدمي (تيك توك) بلغت نحو 2.35 مليون مستخدم إضافي، حيث أصبح العدد 34.3 مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 31.95 مليون مستخدم، وتشير الزيادة إلى أن هذه المنصة أصبحت الوجهة المفضلة لشريحة واسعة من المستخدمين العراقيين، خصوصًا الشباب والعديد من المؤثرين وصناع المحتوى الذين يستقطبون الملايين.
وفي مقابل تلك الزيادة، بين أن "منصة يوتيوب قد شهدت انخفاضًا طفيفًا، ما يعكس تحولاً لدى بعض المستخدمين نحو مشاهدة المحتوى القصير التفاعلي والسريع الذي يقدمه تيك توك، وعدم الاهتمام بالفيديوات الطويلة".
وتابع أن "المسار الايجابي في هذه الاحصائية يتجسد في منصة (لينكد ـ إن) التي شهدت نموًا جيدًا، حيث ارتفع عدد المستخدمين إلى 2.3 مليون مقارنة بـ 1.9 مليون العام الماضي، وهو تجسيد واضح للاهتمام المتزايد بالتواصل المهني والبحث عن فرص العمل، الذي توفره هذه المنصة، والذي قد يقف وراءه وجود عدد من الشركات والمؤسسات العراقية وغير العراقية التي تستخدم (لينكد ـ إن) كمنصة للتوظيف وبناء الشبكات والعلاقات المهنية".
وكشف مركز الإعلام الرقمي DMC أدناه عدد متابعي كل منصة هذا العام، ومقارنتها بالعام الماضي:
تيك توك: أصبح العدد 34.3 مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 31.95
فيسبوك: أصبح العدد 20.1 مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 19.30
يوتيوب: أصبح العدد 22.3 مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 22.80
انستغرام: أصبح العدد 19.0مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 18.25
فيسبوك ماسنجر: أصبح العدد 15مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 15.70
سناب شات: أصبح العدد 18.5مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 17.74
أكس: أصبح العدد 2.65 مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 2.55
لينكد ـ إن: أصبح العدد 2.30 مليون مستخدم بعد أن كان العام الماضي 1.90.
*أسباب التفاصيل
سهولة الاستخدام وتجربة المستخدم الجذابة، أحد الدوافع التي تجعل العراقيين يفضلون "تيك توك" بالإضافة إلى أن "واجهة المستخدم لتيك توك بسيطة وسهلة الاستخدام، مما يجعلها مفضلة للمستخدمين من جميع الأعمار"، بحسب المدرب في مجال الأمن الرقمي آسو وهاب الذي رأى أن "الخوارزمية الذكية تقدم محتوى مخصصاً بسرعة، مما يعزز التفاعل ويجعل المستخدمين يشعرون بأن المحتوى موجه لهم شخصياً.
كما ان مراقبين يرون أن ميزة الفيديوهات السريعة تجعلهم مندمجين ولا يودون مغادرة التطبيق، وهو ما يؤكده الخبير آسو وهاب الذي كشف أن "تطبيق تيك توك يعتمد على خوارزميات متطورة لتحليل سلوك المستخدمين وتفضيلاتهم بدقة، وذلك بهدف جذبهم وإبقائهم على المنصة لأطول فترة ممكنة".
وتعتمد الخوارزمية ـ حديث الخبير ـ على "مجموعة متنوعة من البيانات، بما في ذلك التفاعلات والإعجاب والمشاركات، بالإضافة إلى التعليقات، ومدة المشاهدة". ويوضح وهاب أنه "بفضل هذه البيانات، يقدم تيك توك محتوى مخصصاً لكل مستخدم بشكل فوري، مما يعزز تجربة المستخدم ويجعلها أكثر جاذبية"، كما "تعطي الخوارزمية الأولوية للمحتوى الجديد والفريد، مما يشجع المستخدمين على استكشاف المزيد من الفيديوهات".
ويقول وهاب إن "الخوارزمية تعمل على ترويج المحتوى الذي يحقق تفاعلًا عالياً، مما يخلق حلقة من الإدمان الرقمي"، مضيفاً أنه "ولا ننسى أن تيك توك يستخدم الذكاء الاصطناعي لفهم اهتمامات المستخدمين وتقديم محتوى يلبيها، مما يضمن بقاؤهم على المنصة لفترات أطول".
بينما الباحث في علم النفس السياسي والاجتماعي، حيدر الجوراني، يحذر من التأثيرات السلبية لتطبيق "تيك توك"، مشيراً إلى أن "طبيعة محتوى الفيديو القصير تجعله سهل الترسيب في اللاوعي".
وأكد أن "الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى أن 83.7% من محتوى تيك توك يؤدي إلى معتقدات خاطئة نتيجة إغراق الفضاء الرقمي بالتضليل المعلوماتي دون رقابة تخصصية"، كما أثبتت "البحوث العلمية النفسية أن التشخيص الذاتي من قبل المتابعين، واعتقادهم السريع بالمعلومات الخاطئة، يؤدي إلى اضطراب توهم المرض السيبراني"، بحسب الجوراني الذي يكشف أيضاً عن "استخدامات التطبيق مخابراتياً في العمليات النفسية"، مشيراً إلى "ما فعلته روسيا في حربها مع أوكرانيا من خلال التأثيرات السلبية على عمليات التجنيد الأوكرانية".
وسبق وأن أطلقت وزارة الداخلية خلال السنوات الماضية حملة ضد ما وصفتها بـ"ظاهرة المحتوى الهابط"، عبر إجراءات تضمنت السجن لأشهر بحق شخصيات اشتهرت بنشر موضوعات مسيئة، حسب قولها.
*تحذيرات نفسية
ويحذر مختصون في الصحة النفسية من أن الإدمان المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي ينذر بتفاقم حالات الاكتئاب والقلق النفسي، بالإضافة إلى "مشاكل النوم وزيادة مخاطر الانتحار"، كما يشيرون إلى أن "هذه الأمراض ستشهد ارتفاعاً ملحوظاً في المستقبل القريب".
اذ يؤكد الباحث النفسي أحمد مهودر أن "منصات مثل تيك توك والفيديوهات القصيرة قد أحدثت تحولاً ملحوظاً في كيفية معالجة الدماغ للمعلومات، مما أدى إلى آثار نفسية متعددة، منها ضعف الانتباه والتركيز، وتغيير في طرق التعلم"، لافتا الى أن "التعرض لمحتوى سريع ومكثف في فترات قصيرة يؤدي إلى ما يُعرف بالتعزيز الفوري، حيث يحصل الدماغ على دفعات متتالية من الدوبامين، وهو الناقل العصبي المسؤول عن الشعور بالمتعة".
وهذا النمط من الاستثارة المتكررة ـ والحديث لمهودر ـ "يمكن أن يضعف الانتباه والتركيز على المدى الطويل، حيث يتكيف الدماغ مع هذه التدفقات السريعة، مما يقلل من قدرته على معالجة المعلومات المعقدة".
ومع كل ما ذُكر، فإن الإدمان على الفيديوهات القصيرة قد يخلق ما يُعرف بـ"عقلية التصفح"، حيث يعتاد الفرد على القفز السريع بين المعلومات، مما يقلل من قدرته على التعمق أو الاستيعاب العميق، وفق مهودر الذي رأى أن "البعض قد يجد صعوبة في التعامل مع المحاضرات الطويلة أو المناهج الدراسية التي تتطلب تركيزاً لفترات ممتدة، ويميلون إلى البحث عن ملخصات سريعة بدلاً من قراءة النصوص الأصلية".
وحذر مهودر بأن "ذلك قد يؤدي إلى فقدان القدرة على التحليل النقدي والتفكير العميق"، مستدركاً بالقول: لكن "الحل ليس في رفض التكنولوجيا، بل في التوازن، وذلك من خلال تدريب الطلاب على مهارات التركيز العميق بجانب الاستفادة من الأدوات الرقمية لضمان أن التكنولوجيا تعزز التعلم بدلاً من أن تقوضه".
التحول الرقمي في العراق واقع جديد
بحسب حديث رئيس خلية الإعلام الأمني، اللواء سعد معن، فان الساحة الرقمية العراقية تشهد تحولًا متسارعًا، حيث بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي 34.3 مليون، ما يعادل 73.8% من إجمالي السكان، وفقًا لمركز الإعلام الرقمي (DMC) لهذا العام يعكس هذا النمو زيادة ملحوظة مقارنة بالعام الماضي (31.95 مليون)، ما يكشف عن تغيّر واضح في أنماط استهلاك المحتوى الرقمي.
أبرز هذه التحولات – بحسب معن - تتمثل في صعود تيك توك، الذي استقطب 2.35 مليون مستخدم إضافي خلال عام واحد، ليصل إلى 34.3 مليون، في مقابل تراجع يوتيوب إلى 22.3 مليون بعد أن كان 22.8 مليون. فيسبوك شهد زيادة إلى 20.1 مليون، وكذلك إنستغرام (19 مليون)، بينما نما لينكدإن بشكل ملحوظ من 1.9 مليون إلى 2.3 مليون، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا بالتواصل المهني.
فحين يصبح المحتوى القصير أكثر جذبًا من الفيديوهات المطولة، فذلك ليس مجرد تفضيل شخصي، بل تحول ثقافي يعكس تسارع العصر، وانجذاب الأفراد نحو المعلومة السريعة والسياقات البصرية المشوقة.
ويؤكد، أن هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات عابرة، بل تعكس ديناميكية جديدة تفرض تساؤلات جوهرية حول طبيعة الاستهلاك الرقمي في العراق، ومدى تأثيره على وعي الأفراد وتوجهاتهم الفكرية. لم يعد الفضاء الرقمي مجرد ساحة للترفيه والتفاعل السريع، بل بات يمتلك سلطة ناعمة قادرة على تشكيل الإدراك الجمعي وإعادة توجيه بوصلة المعرفة. فحين يصبح المحتوى القصير أكثر جذبًا من الفيديوهات المطولة، وعندما يتراجع يوتيوب أمام تيك توك، فذلك ليس مجرد تفضيل شخصي، بل تحول ثقافي يعكس تسارع العصر، وانجذاب الأفراد نحو المعلومة السريعة والسياقات البصرية المشوقة.
لكن هذا التحول لا يعني بالضرورة انحدارًا في مستوى الوعي، بقدر ما هو فرصة لإعادة صياغة مفهوم المعرفة الرقمية. فبدلًا من ترك تيك توك مساحة للمحتوى العابر، يمكن استثماره في تقديم شروحات علمية سريعة، دروس في البرمجة، أو حتى تأملات فلسفية تلائم عقلية المستخدم الرقمي. التجربة العالمية أثبتت أن التعليم عبر الفيديوهات القصيرة قادر على جذب الملايين، فلماذا لا يكون العراق رائدًا في هذا المجال؟.
على الجانب الآخر، يشير النمو الملحوظ لمنصة لينكدإن إلى وعي جديد يتشكل – حديث معن - حيث بات الشباب العراقي أكثر إدراكًا لأهمية بناء العلاقات المهنية واستغلال الفضاء الرقمي في البحث عن فرص العمل وتطوير المهارات. هذه الطفرة الرقمية تضعنا أمام مفترق طرق؛ فإما أن نبقى مستهلكين سلبيين لهذه المنصات، أو نحولها إلى أدوات لبناء جيل أكثر وعيًا ومسؤولية. إن التحدي الحقيقي لا يكمن في متابعة الأرقام، بل في تحويل هذه الطفرة الرقمية إلى نهضة فكرية ومعرفية تعيد تشكيل الواقع العراقي بما يواكب متطلبات العصر.