جامعة سامراء تمنع طالباتها من "التبرج".. لماذا هجوم القرار وهدفه الحفاظ على الأخلاق ومحاربة الانحلال؟
انفوبلس/ تقرير
استجابةً لمناشدات متعددة وردت من المجتمع الجامعي بهدف وضع البيئة الجامعية في سياقها الصحيح، وبما يتماشى مع التقاليد السائدة في البلد، وجّهت جامعة سامراء، بمنع التبرج داخل الحرم الجامعي، لكن هذا القرار قوبل بردود فعل "واسعة" في مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تباين في الموقف منه، بين مؤيدين ومعارضين، فهل هناك حملة شعواء على المؤسسة التعليمية لأنها تحافظ على الأخلاق العامة وتحارب الانحلال؟
تقع مدينة سامراء الأثرية على ضفاف نهر دجلة وتبعد عن العاصمة العراقية بغداد 130 كيلومترًا شمالًا، وتحتل مكانة أثرية وتاريخية عالية منذ أن اتخذها العباسيون عاصمة لهم قبل مئات السنين، وكذلك وجود مقام الإمامين العسكريين (عليهما السلام) فيها.
*تفاصيل قرار الجامعة
وجّه رئيس جامعة سامراء، صباح علاوي خلف، أمس الأحد، بمنع التبرج داخل الحرم الجامعي، عازياً ذلك إلى مكانة وقدسية مدينة سامراء ووجود مقام الإمامين العسكريين فيها، وأكد خلف أن هذا يأتي في إطار الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية التي تمثلها المدينة، وتعزيز مكانتها التاريخية.
وجاء في وثيقة متداولة منسوبة لقسم المتابعة الجامعية لجامعة سامراء صادرة بتاريخ 31 كانون الأول 2024، والتي حصلت "انفوبلس" على نسخة منها، أنه "بناءً على توجيهات رئيس الجامعة، تنسب منع التبرج داخل الحرم الجامعي وذلك لقدسية الحرم الجامعي ومدينة سامراء لقدسية ومكانة الإمامين العسكريين في نفوس أهل المدينة والمسلمين عامة وحفاظاً على الأعراف الجامعية والعادات والتقاليد الاجتماعية للمدينة".
وثيقة جامعة سامراء أدناه:
ولم يتضمن التوجيه، ضوابط محددة لملابس الطالبات ومستحضرات التجميل والزينة التي يُسمح بها، كما لم يتضمن أي إشارة لفرض عقوبات على المخالفات. ومع ذلك، قوبل القرار الجامعي بردود فعل واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تباين في الموقف منه، بين مؤيدين غالبيتهم من الرجال، ومعارضين غالبيتهم من النساء.
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي أيضاً، انتقد مدونون وناشطون القرار، معتبرين أنه انتهاك للحريات، وقال المدون زيد مصطفى، في تدوينة له على "إكس": "في انتهاك دستوري لحرية الأفراد، جامعة سامراء تمنع التبرج داخل الحرم الجامعي ... لكن الرئيس لم يوضح ما هي العلاقة بين المكياج والمكانة التاريخية التي يريد تعزيزها؟!".
ودفع ذلك الجدل، جامعة سامراء، لإصدار بيان توضيحي حول قرارها بمنع التبرج داخل الحرم الجامعي، عازيةً خلفية القرار استجابةً لمناشدات متعددة وردت من المجتمع الجامعي بهدف وضع البيئة الجامعية في سياقها الصحيح، وبما يتماشى مع التقاليد السائدة في البلد، مشددة على أن الجامعة لا تتلقى أية إملاءات من جهات خارجية، وتعمل وفق رؤية وطنية قائمة على تقديم المعرفة والعلم بما يتناسب مع مكانة العراق التاريخية كمنبع للتاريخ والعلم والمعرفة.
وذكرت الجامعة في بيان، "تؤكد جامعة سامراء التزامها الكامل باحترام التقاليد والأعراف الجامعية، بما يعكس بيئة تعليمية سليمة تعزز من القيم الأكاديمية والأخلاقية، حيث وجهت الجامعة بضرورة الالتزام بالحشمة وعدم المبالغة في التبرج، استجابةً لمناشدات متعددة وردت من المجتمع الجامعي بهدف وضع البيئة الجامعية في سياقها الصحيح، وبما يتماشى مع التقاليد السائدة في بلدنا العزيز".
وأضافت الجامعة، "تأتي توجيهات الجامعة هذه في إطار حرصها على تعزيز السلوكيات الإيجابية بين الطلبة والطالبات، وذلك بما يتماشى مع تعليمات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي تسعى إلى ترصين العملية التعليمية وبناء مجتمع جامعي يتمتع بالقيم والأخلاق السليمة، كما وتهدف هذه التعليمات إلى توجيه الطلبة نحو احترام الأعراف والتقاليد، والابتعاد عن مظاهر اللباس غير المحتشم التي لا تنسجم مع بيئتنا الثقافية والاجتماعية".
وتؤكد الجامعة – بحسب البيان - أن ارتباطها الإداري والعلمي حصري بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والتي تسعى بدورها جاهدة إلى تطوير العملية التعليمية وتحقيق أهدافها النبيلة، وإن الجامعة لا تتلقى أية إملاءات من جهات خارجية، وتعمل وفق رؤية وطنية قائمة على تقديم المعرفة والعلم بما يتناسب مع مكانة العراق التاريخية كمنبع للتاريخ والعلم والمعرفة.
وتستمر ردود الأفعال من طلبة الجامعات العراقية، تجاه قرارات منع "التبرج وارتداء الإكسسوارات"، التي تصدر بين الحين والآخر، من بعض الجامعات والكليات، مع التشديد على الالتزام بالزي الموحد، المرفوض من قبل غالبية طلبة العراق.
وبحسب أولياء أمور تحدثوا لشبكة "انفوبلس" أنه لعقود مضت تصدرت الجامعات العراقية بإنجازها العلمي وعطائها الأدبي، وأدى خريجوها أدوارا هامة تجاوزت حدود بلدهم ومحيطهم الإقليمي، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجع المستوى العلمي لهذه المؤسسات وتحول الكثير منها إلى ما يشبه الأندية، التي تتناقل أخبارها وصورها مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن من هاجم قرار جامعة سامراء فهو يريد انتشار الانحلال والعادات غير الأخلاقية في الجامعات العراقية.
كما يقول طالب دراسات عليا بجامعة بغداد، إن الطلبة أصبحوا يتسابقون مع بداية كل عام إلى محال الأزياء واختيار قصات شعر حديثة وإكسسوارات غريبة يعتقدون أنها تضيف إليهم تفرداً، لذا تصاعدت حركة الاحتجاج على قرار وزارة التعليم العالي بفرض زيّ موحد لجميع الطلبة، مطالبين بإلغائه.
وترجع الباحثة الاجتماعية ماجدة السعدي تدهور المستوى العلمي للطلبة إلى عدة عوامل، منها دخول مواقع التواصل الاجتماعي إلى حياتهم بشكل غير منضبط بعد فترة عزلة شبه تامة لعقد من الزمن عن العالم. وأضافت، أن هذا الانفتاح أدى إلى إقحام عادات غير مألوفة في مجتمع شرقي كالعراق، من أزياء وممارسات، إضافة الى الدور الضعيف للأسرة التي تتحمل جزءا كبيرا من تردي وضع الطالب التعليمي.
ويُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر مقاطع فيديو لحفلات التخرج الجامعية لطلبة المراحل الأخيرة التي يحييها طلبة الجامعات وهم يرقصون تعبيراً عن سعادتهم بالتخرج، لكن لقيت تلك الحفلات انتقادات واسعة على صفحات مواقع التواصل خصوصاً أولئك الذين يتمسكون بالتقاليد الاجتماعية.
*العمل بالزيّ الموحد في العراق
بدأ تفعيل العمل بالزيّ الموحد في العراق أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي كما يقول الأكاديمي خطاب الضامن، وهو تدريسي في إحدى الجامعات الحكومية. ويضيف، إن الهدف منه كان "إزالة الفوارق الطبقية والشكلية بين الطلاب، وتمييز طلاب الجامعات العراقية عن غيرهم ليتم التعرف إليهم داخل الحرم أو خلال تجوالهم في الأقسام".
برأي الضامن "يرفع الزيّ الموحد الحرج عن الطلبة محدودي الدخل ويسهم برفع العبء المادي عن عوائلهم، كما يضيف هيبة للنظام التعليمي من خلال منع بعض أنواع الأزياء مثل الجينز الممزق والملابس الضيقة للشبّان والشابات". ويتابع: "في الوقت الحالي لا يتم إجبار الطلبة على ارتداء الزيّ الموحد، لكن مع ذلك نجد الكثير منهم يلتزمون بتطبيقه، لكن هناك عدداً كبيراً آخر يرفض تطبيقه رغم تعرضه للعقوبة".
كانت الجامعات العراقية، في السابق تواجه العديد من التحديات التي تؤثر على أدائها، ومنها ضعف التمويل الحكومي، لاسيما في زمن الحكومة السابقة، فضلا عن الفساد والمحسوبية اللذين كانا يؤثران بشكل كبير على العدالة والشفافية في العملية التعليمية، إضافة إلى ضعف البنية التحتية، حيث كانت العديد من الجامعات العراقية تعاني من ضعف البنية التحتية مما يؤثر على جودتها، ولكن هذه التحديات والمصاعب بدأت بالتلاشي بعد أن أَولَت الحكومة اهتماماً خاصة بالتعليم في الوقت الحالي تبرهن بدخول العديد من الجامعات العراقية إلى التصنيف العالمي.