جدل المادة ٢٦ من قانون البطاقة الموحدة يتواصل.. هل تهدف لأسلمة القاصرين؟ إليك رأي القاضي أحمد چاسب الساعدي فيها
انفوبلس/ تقارير
منذ حصول موافقة البرلمان على قانون البطاقة الوطنية الموحدة عام ٢٠١٥ وإلى الآن، لازال الجدل يحتدم حول المادة ٢٦ من هذا القانون. حيث انقسمت الآراء بين طرفين، الأول يرى فيها مادة قانونية ودستورية وإلغاؤها خطأ تاريخي، في حين يرى الثاني أن المادة مهمشة للأقليات وتضرب النسيج المجتمعي. فعلى ماذا تنص بالتحديد هذه المادة؟ وهل فعلا إنها تحدد ديانة الأبناء بدين الأب حصراً؟ اليك كامل التفاصيل وأبرز الآراء منها ما جاء على لسان القاضي المختص بالأحوال الشخصية أحمد چاسب الساعدي.
*ما القصة؟
في (الـ27 من تشرين الأول 2015) أقرَّ مجلس النواب مشروع قانون البطاقة الوطنية الموحدة، في حين علّق نواب الأقليات في (الـ31 من الشهر ذاته)، حضورهم جلسات البرلمان احتجاجا على تشريع القانون، خاصة ما يتعلق بتسجيل الولد القاصر بديانة الوالدين، عادين أن ذلك يشكل "تمييزاً وإجباراً على العقيدة".
وكان البرلمان، صوت في (الـ17 من تشرين الثاني 2015)، على قرار باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعديل المادة 26 في قانون البطاقة الوطنية الموحدة بما ينسجم مع الدستور وحقوق الأقليات في المجتمع العراقي.
وكانت أقليات قومية ودينية عدة طالبت بضرورة تعديل قانون البطاقة الموحدة، وهددت بالطعن بالقانون أو اللجوء للمحافل الدولية ضده، إذا لم يتم ذلك.
*على ماذا تنص المادة؟
بعد الجدل الكبير المستمر منذ سنوات واصلت شبكة انفوبلس تسليط الضوء على هذه المادة وستذكر أدناه أبرز ما تضمنته وكالآتي؛.
أولا : يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقآ للقانون.
ثانيا : يتبع الأولاد القاصرين في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين .
ثالثا : يقع تبديل الدين المنصوص عليه في البند (أولا) من هذه المادة و تبديل الاسم المجرد إذا اقترن ذلك تبديل الدين في محكمة المواد الشخصية ولايخضع في هذه الحالة للنشر .
*ردود الفعل.. ساكو يعترض بشدة
وعقب تشريع المادة، اعترض عليها البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو، في رسالة وجهها إلى مجلس النواب العراقي، بالقول إن "مجموعة من النواب علقوا على قانون البطاقة الوطنية الموحدة، المادة 26/2، بأن أسلمة الأولاد القاصرين مادة دستورية، لا إكراه فيها، وعدوا إبقاء الأطفال على دينهم الأصلي إكراهاً"، معتبراً أن تلك "المقارنة غير موفقة لا يقبلها المنطق، لأن أولئك الأطفال وُلدوا مسيحيون أو صابئة أو ايزيديون، ولا يريدون أسلمتهم بمجرد انتقال أحد والديهما إلى الإسلام".
كما عد بطريرك الكلدان في العراق والعالم، مار لويس روفائيل الأول ساكو في (التاسع من تشرين الثاني 2015)، أن قانون البطاقة الوطنية يشكل إجراءً "عنصريّاً بامتياز" كما أنه "يتناقض" مع الدستور العراقي ومبادئ الإسلام وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية، مناشداً رئيس الجمهورية إعادته للبرلمان لإعادة صياغته، وإلا اضطرت البطريركية الى مقاضاة البرلمان لدى المحكمة الدولية في حال تطبيقه.
*اعتراض المكونات والأقليات
يذكر أن المكونات، طالبت، بتاريخ 4 تشرين الثاني ٢٠١٥ الحكومة ومجلس النواب والمرجعيات الدينية بالتدخل لإلغاء المادة 26 في قانون البطاقة الوطنية، فيما هددت باللجوء الى القضاء للطعن بتلك المادة في حال عدم إلغائها.
كما أعلن الممثلون عن الأقليات في مجلس النواب بتاريخ (31 تشرين الاول عام ٢٠١٥)، تعليق حضورهم جلسات البرلمان احتجاجا على قانون البطاقة الوطنية، معتبرين أن المادة الثانية من القانون "مجحفة" بحق الأديان الأخرى.
كما عدَّت كتلة الوركاء الديمقراطية البرلمانية، القانون، بأنه "مجحف" بحق المكونات غير الإسلامية، مشيرة إلى أنه يتضمن فقرة تجبر القاصرين غير المسلمين على اعتناق الدين "إكراهاً".
في حين "استنكرت" بعثة الأمم المتحدة في العراق، المادة 26 من ذلك القانون كونها تشكل "تجاوزاً واضحاً" على حقوق المسيحيين وباقي الأقليات، داعيةً لإعادة صياغتها بنحو "يتناغم" مع تلك المكونات.
*مقترح تعديل المادة
وبعد اللغط الكثير، كشف عضو لجنة الأوقاف والشؤون الدينية النيابية النائب بدر الفحل، عن مقترح تعديل قانون البطاقة الوطنية، فيما أشار الى أن هذا المقترح أُرسل للمرجع الديني السيد علي السيستاني (دام ظله).
وقال الفحل في حديث له آنذاك عقب تشريع القانون، إن "لجنة الأوقاف والشؤون الدينية مع ممثلي الأقليات عقدت اجتماعات مع المكونات السياسية لمناقشة اعتراض الأقليات على المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية"، مبينا أنه "تمت كتابة مقترح لتعديل المادة المعترض عليها وأُرسلت الى المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد علي السيستاني".
*ما الذي يتضمنه مقترح التعديل الجديد؟
وتابع أن "المقترح يتضمن انه (بعد بلوغ الإنسانالسن القانوني اي 18 سنة، وكان أحد أبويه قد اعتنق الإسلام سواء كان الأبوان منفصلين او مستمرين بعلاقتهما، يكون مخيرا أمام القاضي على اختيار الدين المسيحي أو الاسلامي)".
وأكد الفحل، أن "جميع الأطراف وافقت على المقترح المرسل للمرجعية".
*رئاسة الجمهورية تطلب إعادة مشروع القانون للبرلمان
وفي خضم كل ذلك، طلب رئيس الجمهورية آنذاك - أي في عام ٢٠١٥ - فؤاد معصوم إعادة مشروع قانون البطاقة الوطنية الموحدة إلى مجلس النواب من اجل إعادة النظر في المادة (26) من القانون.
وأشار معصوم إلى أن "ذلك يأتي استجابةً منه إلى طلب عدد من أعضاء مجلس النواب، وممثلي عدد من الكتل السياسية والمكونات الدينية، والشخصيات الاجتماعية والمدنية".
وقال الناطق باسم رئاسة الجمهورية آنذاك خالد شواني، إن "هذا الطلب يأتي في إطار حرص رئاسة الجمهورية على ترسيخ مبدأ المواطنة وحماية حقوق الأقليات في المجتمع العراقي، وتأكيداً على مبادئ الدستور الأخرى في المساواة والعدالة واحترام حقوق الانسان".
*القاضي أحمد چاسب الساعدي والمادة
في تاريخ 13/2/ 2016 تم عقد ندوة حوارية في قاعة المركز الثقافي النفطي بالعاصمة بغداد، بحضور أكثر من خمسين شخصية أكاديمية و قادة منظمات و إعلاميين وشخصيات على معرفة بالقوانين العراقية حيث تولت هذه المبادرة وتمخضت الندوة عن سلسلة من التوصيات و المقررات التي تنص على اتخاذ خطوات ذات طبيعة سلمية للتنديد بوجود هذه المادة، وفق المجتمعين.
وعندئذ، أثارت مداخلتا القاضي احمد جاسب الساعدي المزيد من الاهتمام خلال الندوة التي عقدتها المبادرة الوطنية لمواجهة المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحدة ، وعزا الحاضرون الندوة ذلك الاهتمام لما احتوت المداخلة من حقائق قانونية و شرعية تفند هذه المادة وتؤكد أنها تمثل خرقا للدستور العراقي، و كذلك للاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي صادق عليها العراق، وفق قولهم.
وأكد متابعون، أن ما كشف عنه القاضي احمد جاسب الساعدي من حقائق يمكن الاستناد عليها بالتحرك لإسقاط هذه المادة المذكورة أو تعديلها بما يتلائم و القوانين العراقية السائدة، وتطرقا أيضا الى الآثار السلبية التي ترتبت على مواطنين عراقيين اسلم احد والديهما ، و بالتالي انسحبت هذه (الاسلمة) على الهويات الدينية لأبنائهم.
وعن رأيه وموقفه من هذه المادة، فيُعارض القاضي أحمد جاسب الساعدي المادة ٢٦ من قانون البطاقة الوطنية ويرى أنها تُخالف الدستور العراقي الذي يُضمن حرية الدين والمعتقد.
ويُطالب الساعدي بإلغاء هذه المادة أو تعديلها بما يتوافق مع الدستور.
ويُشير الساعدي إلى أن المادة ٢٦ تُقيد حرية الدين والمعتقد، حيث تمنع غير المسلم من تبديل دينه دون موافقة محكمة المواد الشخصية.
ويُؤكد أن هذه المادة تُميز ضد غير المسلمين، حيث تُخضعهم لإجراءات خاصة عند تبديل دينهم. كما يشير الى انها تُخالف المادة ٤١ من الدستور العراقي التي تُضمن حرية الدين والمعتقد.
*اليعقوبي: المادة موافقة للدستور وإلغاؤها خطأ تاريخي
وعقب الاعتراضات الكبيرة، قال المرجع الديني محمد اليعقوبي إن المادة (٢٦) من قانون البطاقة الوطنية الموحدة موافقة للدستور ولحقوق الانسان وإلغاؤها خطأ تاريخي.
وأكد في بيان، "منذ حصول موافقة البرلمان على قانون البطاقة الوطنية الموحدة يوم ٢٧/١٠ ٢٠١٥ والمادة (٢٦) منه تثير حفيظة الأخوة من أتباع الديانات الأخرى غير الاسلامية ، باعتبارها تنص على ان القاصر يتبع بديانته أبويه، فإذا اسلم أحدهما أُلحق بالمسلم فاعترض الأخوة على هذه الفقرة مطالبين بإبقاء القاصر على ديانة أحد أبويه غير المسلم، وقد قاموا بعرض مطلبهم على الرئاسات الثلاث وبعثة الامم المتحدة وقاطع ممثلوهم جلسات البرلمان لممارسة الضغط حتى تلغى هذه الفقرة، كما هددوا باللجوء الى المحكمة الدولية ومنظمات حقوق الانسان.
وقد نجحوا في تحصيل رفض رئيس الجمهورية المصادقة على القانون وإعادته الى البرلمان ورفض بعثة الامم المتحدة لهذه المادة في احتفالية اليوم العالمي للتسامح الاثنين (١٦/١١)".
وأكمل، "ونحن إذ نقدّر للقيادات الدينية والسياسية لأتباع تلك الديانات سعيهم الحثيث للحفاظ على هوية وثقافة وعقيدة أتباعهم فأننا نلفت نظر الجميع الى ان الغاء هذه الفقرة مخالفة صريحة للدستور الذي يشترط في صحة القوانين عدم مخالفتها لثوابت الاسلام ومن ثوابت الاسلام أن الصغير يتبع بالديانة أحد والديه اذا كان مسلماَ، فإذا بلغ سن الرشد فله ان يختار الديانة التي يقتنع بها إذ (لا إكراه في الدين) كما نطق القرآن الكريم".
*لا إكراه للصغير في المادة
وبين المرجع اليعقوبي، "هذا الحكم ليس فيه إكراه للصغير ولا فيه تعدٍّ على اتّباع الديانات الأخرى، وإلا كان مطلب الإخوة بإبقاء الصغير على دين أحد والديه الآخر غير المسلم إكراهاً ايضاً، كما أن هذا الحكم موافق لحقوق الانسان لذلك تعمل به الدول المتحضرة في الشؤون الشخصية الأخرى للصغير، مثلاً إذا كان أبوه من جنسية معينة وهاجر الى دولة أخرى وتزوج فيها وأنجب فإن الأطفال يُمنحون جنسية البلد الجديد تبعاً لأمه التي تحمل تلك الجنسية اللاحقة".
وعبّر عن أمله من "السادة زعماء أتباع الديانات الاخرى وممثليهم السياسيين الالتزام بالدستور ومراعاة كون العراق بلداً مسلماً ويتجاوز عدد المسلمين فيه ٩٥ ٪ من سكانه، ونلفت عنايتهم الى أن حفظ حقوقهم وهويتهم ووجودهم يتحقق بالتزامهم بالدستور الذي صوّت عليه أغلب العراقيين".
وختم، "ندعو أعضاء البرلمان الى عدم ارتكاب خطأ تاريخي بالخروج عن ثوابت الإسلام وأن لا ينساقوا وراء الضغوط السياسية والمصالح المتبادلة فيقرروا إلغاء هذه الفقرة، بعد أن أوضحنا موافقتها للدستور ولحقوق الانسان".