جريمة "بشعة" في النجف وغضب شعبي حاصر الجاني وعنّفه.. مُدمن ينحر فتى بسوق الأنصار
انفوبلس/ تقرير
شهدت محافظة النجف الأشرف، اليوم الأحد 17 أيلول/ سبتمبر 2023، جريمة "بشعة"، حيث أقدم رجل يُقال إنه مُدمن للمواد المخدرة على نحر الفتى مسلم يوسف البالغ من العمر 14 عاماً بآلة حادة في سوق الأنصار، وسط صدمة "شديدة" هزت أهالي المدينة.
رجل ينحر الفتى مسلم يوسف البالغ من العمر 14 عاماً بآلة حادة في سوق الأنصار بالنجف
وتقول مصادر أمنية لـ"انفوبلس"، أن "رجلاً في العقد الرابع من عمره، أقدم على نحر فتى يبلغ من العمر 14 عاماً في سوق الانصار وسط محافظة النجف الأشرف، دون معرفة الأسباب"، موضحة أن "الفتى مسلم من مواليد 2009 يعمل في السوق ولديه (عربانة)".
وتؤكد المصادر، أن "القاتل مُدمن للمواد المخدرة وقام الأهالي وأصحاب المحال التجارية بمطاردته وضربه وإلقاء القبض عليه وتسليمه الى الأجهزة الامنية التي وصلت إلى مكان الحادث بعد دقائق من ارتكاب الجريمة"، مردفة أن "الأجهزة الأمنية طوقت مكان الحادث وقامت بنقل الفتى الى المستشفى".
وأظهرت لقطات "متداولة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حشداً من الأهالي حول عجلة الشرطة، التي تقل القاتل إلى أحد مراكز الشرطة، فيما تُسمع صرخات "غاضبة" في المكان، قبل أن تغادر العجلة مكان الحادث بصعوبة بالغة.
القاتل لا يعمل في السوق، لكنه خال الضحية وارتكب الجريمة بسبب خلافات مالية عائلية
كما أن ضابط في شرطة النجف طلب عدم الكشف عن هويته، سرّب لـ"انفوبلس" نتائج التحقيقات الأولية في الجريمة، فقد بين أن "القاتل لا يعمل في السوق، لكنه خال الضحية وارتكب الجريمة بسبب خلافات مالية عائلية (يطلب والد الفتى مسلم أموالا ولم يسدده)"، مشيرا الى أن "الشرطة كانت تشك بأن القاتل مُدمن على المخدرات، ولاحقا تبين أن حالته غير المستقرة جاءت بسبب الضرب الذي تعرض له من الأهالي قبل اعتقاله".
وبعد تواصل "انفوبلس" مع دائرة صحة النجف، كشفت أن "الفتى مسلم نُقل إلى المستشفى بحالة خطرة، نتيجة إصابته الشديدة عند الرقبة"، لافتة الى أن "الكوادر الطبية سابقت الزمن لإنقاذ الفتى، لكنه توفي متأثراً بجرح غائر في الرقبة، إذ قطعت سكين القاتل وريد الضحية".
هذا يأتي بعد يوم واحد من كشف الأجهزة الأمنية في محافظة النجف الأشرف، ملابسات جريمة قتل امرأة تبلغ من العمر 30 عاماً على يد زوجها المنتسب في أحد الأجهزة الأمنية بعد اختفائها لمدة 3 أشهر، وذلك أن بعد طلبت والدتها التحقيق في الأمر.
ويتصاعد العنف المنزلي في العراق، على نحو متسارع، إذ أصبحت جرائم القتل العائلية تتكرّر أسبوعياً، حتى باتت مثار قلق حقيقي في المجتمع العراقي. وبينما يؤكّد مختصون أنّ دوافع اقتصادية ونفسية تقف وراء تلك الجرائم، فإنهم حمّلوا الحكومة والجهات المختصّة مسؤولية إيجاد الحلول لتلك الأزمات، والبرلمان لتشريع قانون العنف الأسري المعلّق منذ سنوات.
وتسجّل المحافظات العراقية، بشكل عام، ولا سيما الجنوبية، جرائم شبه يومية، داخل العائلة الواحدة، إذ يمكن أن تتطوّر الخلافات البسيطة حول قضايا الإرث أو أموال أو فسخ خطوبة أو انفصال بين زوج وزوجته مثلاً، إلى استعمال السلاح الناري أو غيره.
كما لا تتوقف أجهزة الأمن العراقية عن نشر أخبار تؤكد مقتل زوجة على يد زوجها أو العكس، أو امرأة على يد شقيقها، وابنة على يد أبيها، وارتكاب جرائم مروعة أخرى. وقد ارتفع عدد هذه الجرائم في الأعوام القليلة الماضية، في ظل توافر "الأرضية الخصبة" لارتكابها والمتمثلة في التأثيرات السلبية لحال الاحتقان اليومي الأمني والسياسي، وتردي الوضع الاقتصادي الذي يُدخل الأُسر في معاناة كبيرة، وتراجع مستوى التعليم، إضافة إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في شكل غير مسبوق.
يقول ضابط في الشرطة العراقية برتبة مقدم طلب عدم الكشف عن هويته: "زادت جرائم القتل منذ أعوام، وبينها تلك العائلية التي يمكن وصفها اليوم بأنها باتت مرعبة، لأنها تهدد بناء المجتمع وأخلاقه وسلوكه".
ويضيف: "تظهر التحقيقات الخاصة بهذه الجرائم والتي اطلعتُ على عدد منها، أن ارتكابها يرتبط بتعاطي المخدرات والكحول والخلافات العائلية. وبعض منفذيها يبدأون بعد فترة من ارتكاب أفعالهم بالبكاء وإيذاء أنفسهم عبر ضرب رؤوسهم وصدورهم بأيديهم، ويؤكدون أنهم لم يكونوا في حالة وعي حين ارتكبوا فعلتهم كونهم تحت تأثير المخدرات. أما الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات فترتبط أساساً بالبطالة الناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي في بلدنا".
ويوضح متخصصون في الطب النفسي أن "تعاطي المخدرات والظروف التي تدفع الى ارتكاب جرائم قتل، خصوصاً تلك العائلية، ناتجة من الضغوط التي يعاني منها القاتل، والتي تدفعه إلى ارتكاب أبشع الجرائم وأكثرها قسوة بلا دراية كاملة بما يفعله".
ويقول الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور محمد الزبيدي: "وراء كل جريمة قتل هناك حالة نفسية معينة وفّرت أسباب ارتكابها. وليس ضرورياً أن يكون الفقر والعامل الاقتصادي والانتقام وراء جرائم القتل، إذ قد تلعب عوامل أخرى دوراً، مثل العقد النفسية التي تبرر لصاحبها مسبقاً ارتكابها".
وفي حال الجرائم العائلية، يقول الزبيدي: "تفيد التحقيقات بأن غالبية الجرائم وقعت تحت تأثير المخدرات أو بسبب خلافات عائلية أو ظروف اقتصادية. والخلافات العائلية تنتج دائما غالباً من تردي الظروف الاقتصادية، لكننا نرى أيضاً أن المخدرات تنتشر بين أفراد المجتمع من مختلف المستويات".
ويتابع: "لا أنكر أن المخدرات تدفع المتعاطين إلى ارتكاب الجرائم، لكن جرائم عائلية عدة ارتبطت بأشخاص لم يكونوا تحت تأثيرها، ونفذوا أفعالهم غير القانونية بهدف غسل العار والانتقام والثأر. ومن يرتكب هذه الجرائم يفقد الشعور بالذنب والندم، ما يعني أنهم يعانون من اضطرابات نفسية. ودور الأُسرة مهم جداً في رصد هذه الحالات، ومحاولة علاجها عبر عرضها على أطباء اختصاصيين".
واللافت أنّ عراقيين كُثراً يعتقدون بأن القانون المطبق يضع حداً صارماً لهذه الجرائم، باستثناء تلك التي يثبت ارتباطها بالحفاظ على الشرف التي تخفف الأحكام القضائية فيها. لكنهم يرون أيضاً أن من الضروري إيجاد حل لهذه الجرائم التي تصفها الباحثة الاجتماعية أنوار طه بأنها "كارثة حلّت بالعراق".
وتبين الباحثة الاجتماعية: "يهدد التفكك المنظومة الاجتماعية التي عرفت بترابطها وقوتها خلال كل الأزمنة والظروف الصعبة الكثيرة التي مرّ بها العراق. وما يحدث اليوم لم نراه في تاريخ البلاد". وتضيف: "يجب أن تتخذ السلطات تدابير لوقف التدهور المجتمعي. ويمكن وضع خطط تتبناها كل الوزارات وتتعاون في تنفيذها مع المنظمات المدنية والأجهزة الأمنية تبدأ من الحدود العراقية عبر ضبط المنافذ البرية والبحرية لمنع دخول المخدرات، مروراً بإنشاء بنى تحتية كافية ومؤهلة وحديثة للتأهيل النفسي، وهو أمر يصعب تحقيقه إذا لم يترافق مع تحسين مستوى الخدمات والمعيشة، والقضاء على الفقر والبطالة".
وفي سابقة تاريخية، سجّل العراق أعلى معدل ارتفاع لجرائم القتل خلال عام 2022، بنسبة سنوية تصل إلى أكثر من 11.5 لكل 100 ألف نسمة، وهي الأكبر على مستوى الوطن العربي وإيران وتركيا، كما يؤكّد مختصون.
الإحصائية تستند إلى بيانات جمعتها وزارة الداخلية، بتسجيل أكثر من 5300 جريمة قتل، وفق المفتش العام السابق للوزارة والخبير القانوني جمال الأسدي.
يُشار إلى أن العراق احتلّ المرتبة الـ 72 عالمياً والعاشرة عربياً على مؤشر الدول الآمنة لعام 2023 (معدل الجريمة) وفقا لقاعدة البيانات "نامبيو" (Numbeo).
وتهتم "نامبيو" بتقييم درجة الأمان في دول العالم، وتُصدِر تقاريرها سنويا منذ عام 2009، اعتمادا على رصد معدلات الجريمة وفقا لقوانين كل دولة.