حجب المواقع الإباحية في العراق.. بين الحكم البات والملزم قانونياً والاستحالة التقنية واقعياً
انفوبلس/ تقرير
بناءً على الطلب المقدَّم من قبل النائب باسم خزعل خشان، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، اليوم الخميس 14 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أمراً ولائياً بإيقاف وحجب المواقع الإباحية كافة في العراق، الذي عملت عليه وزيرة الاتصالات هيام الياسري مؤخراً لكنها فشلت في ذلك، وسط تساؤلات عن مدى قدرة العراق على القيام بهذه الخطوة من الناحية التقنية.
*تفاصيل قرار المحكمة الاتحادية
المحكمة الاتحادية تقول في بيان ورد لـ"انفوبلس"، إنها "أصدرت يوم الخميس 14 /12 /2023 أمراً ولائياً بالعدد (325 / اتحادية / أمر ولائي / 2023) بناءً على الطلب المقدَّم من قبل النائب باسم خزعل خشان المدّعي في الدعوى المرقمة (325 / اتحادية /2023) المتضمنة طلبه إصدار أمر ولائي بحجب المواقع الإباحية لحين البت بالدعوى المذكورة".
وبحسب البيان، قررت المحكمة، استناداً الى أحكام المادة (39) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 الحُكم بإلزام كل من وزير الاتصالات ورئيس هيئة الإعلام والاتصالات إضافة لوظيفتيهما بإيقاف وحجب المواقع الإباحية كافة في جميع أنحاء جمهورية العراق، أمراً ولائياً ملزماً للسلطات كافة وصدر بالاتفاق.
وقد انتشرت المواقع الإباحية في الشبكة العنكبوتية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
مُغرّدون عراقيّون، يرون بأن حجب المواقع الإباحيّة، قد يدفع الشباب الفضولي لاستخدام برامج فك الحجب (VPN)، فكل ممنوع مرغوب، في المُقابل يرى بعض الآباء والأمهات العراقيين بأن حجب العُري والفسق والفجور من قبل الحكومة، قد يُزيل عنهم هم الرقابة على أبنائهم، وخاصَّةً الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً.
كما يرى الباحث حسن هاشم أن القرار بشكل عام "يصبّ في خدمة العائلة العراقية لأنه يحد من قدرة الفئات العمرية الصغيرة على الوصول إلى المحتوى غير المناسب لأعمارها"، خصوصاً أن تلك الفئة العمرية "يكون دافعها الأول حب الاستطلاع". ومن هنا تأتي خطورة الموضوع بالنسبة لهذه الفئات التي يمكن أن "تقلد هذه الممارسات دون وعي كامل في مجتمع محافظ مثل المجتمع العراقي".
ويبين الباحث الاجتماعي، أن هناك "نسبة غير قليلة من الشباب بشكل خاص أدمنت على مشاهدة المحتوى الإباحي". هذا الأمر تسبب بـ"مشاكل عائلية خصوصاً للمقبلين على الزواج، فتلك المواقع تقدم أشياء غير واقعية وتخلق خيالات من الصعب الوصول إليها في العالم الواقعي".
بينما يكشف الخبير القانوني علي التميمي، أن "من يعترض على هذا الحجب بحجة الحرية الشخصية الواردة في المادة ٣٨ دستور فإن ذلك مردود عليه لأن المادة ٣٨ اشترطت أن لا يتعارض ذلك، أي الحرية الشخصية، مع الآداب العامة والنظام العام والأخلاق وعدم التهتك هي من النظام العام وكذلك مبادئ الإسلام من النظام العام بديل قوله تعالى (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يبتغون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما)".
وفي العراق، غالباً ما تثير قضية حجب المواقع الإباحية نقاشاً محتدماً بين المؤيدين لهذا القرار كونه "يحد من قدرة الأطفال والمراهقين على الوصول إلى المواقع غير الأخلاقية من جهة"، والمحتجين عليه كونه قرارا يمكن تجاوزه بـ"ضغطة زر" كما يقول المستشار القانوني أحمد نجاح.
وأثار هذا التوجه لغطاً في الشارع العراقي، بشأن قدرة الأجهزة المعنية على حجب تلك المواقع، حيث يؤكد مختصون في المجال الإلكتروني "وجود الكثير من البرامج القادرة على إزالة الحجب بسهولة".
*محاولات وزيرة الاتصالات "الفاشلة"
وكانت وزيرة الاتصالات هيام الياسري قد وجهت نهاية العام 2022 بحجب المواقع الإباحية في العراق، القرار الذي لاقى ترحيباً من قبل الأوساط الشعبية، السياسية الإسلامية، والجهات الدينية، لكن لا تزال المواقع الإباحية ما زالت مفتوحة في العراق ولم يتم حجبها.
وقالت الوزارة في بيان مقتضب حينها، إن "وزيرة الاتصالات هيام الياسري وجهت بحجب المواقع الإباحية في العراق"، الذي جاء بعد أيام من قرار لوزارة المواصلات في حكومة إقليم كوردستان بحظر المواقع "الإباحية".
ورشة عمل مجانية لاستخدام "كاسر الحظر"
شَبَّه بحر جاسم، المتحدث الرسمي باسم فريق "التقنية من أجل السلام" وقتها، قرار الحجب الذي أصدرته وزارة الاتصالات العراقية بـ"ورشة عمل مجانية للتدريب على كيفية استخدام تقنيات كسر الحظر وإخفاء هويات المستخدم للعراقيين"، فالراغب بالتصفح لتلك المواقع "يمكنه بسهولة استخدام تقنيات متعددة ومتوفرة لكسر الحظر".
وبحسب رأيه، فإن هناك خيارات أخرى يمكن توفيرها بديلة عن الحجب، وهي "تقديم باقات عائلية لديها القدرة على عدم عرض تلك المواقع الإباحية، والتي تفضل العوائل توفيرها لحماية أبنائها من التأثير السلبي لهذه المواقع"، وهو أمر معمول به في دول عديدة كما أنه "يعطي المواطن حرية الاختيار بين باقة مفتوحة وأُخرى مقيدة".
أما الطرق المستخدمة في حجب المواقع "فتعتمد على الدولة نفسها، فالبعض يستخدم حجب عنوان البروتوكول الخاص لكل شخص، والبعض الآخر تقنيات حجب الروابط وأسماء النطاقات أو الفحص العميق لحزم البيانات". ولكن، بغض النظر عن الطرق المستخدمة للحجب، فإنها "لن تصمد أمام كاسر الحظر على الإطلاق".
يستند جاسم في رأيه على تجارب دول الجوار العراقي مثل تركيا في حجب المواقع. يقول: "هي دولة متطورة أكثر من العراق من الناحية التكنولوجية واستخدام الإنترنت فيها أكثر شيوعا.. ولكن من السهولة الولوج للمواقع الإباحية بطرق متعددة عبر برامج تحويل العناوين فيبدو الشخص كأنه يتصفح من دولة أخرى وليس الدولة التي قامت بحظر هذا الموقع"، كما أن هناك متصفحات "قادرة على فتح الصفحات المحظورة دون الحاجة حتى إلى كاسر للحظر".
*محاولات سابقة والاستحالة التقنية
طُرح ملف حظر المواقع الإباحية في البرلمان العراقي عام 2011، إلا أنه سرعان ما أُغلق بسبب معارضة التيار المدني وتسريب معلومات عن عدم إمكانية حجبها بشكل كامل مع تعدد الشركات التي تزوّد العراق بخدمة الإنترنت، وكونها منفصلة عن بعضها، إلا أن البرلمان برّر عزل الملف عن النقاش بسبب الانشغال بملفات الموازنة العامة وأخرى ترتبط بالأوضاع الخدمية.
لكنّ كتلاً سياسية أدخلت الملف مرة أخرى إلى أجندة أعمالها وطرحته في سبتمبر/ أيلول 2015 بواسطة النائب السابق عبد الهادي الحكيم، وبجلسة سريعة حضرها 190 نائباً، وبنقاش لم يطل صوّت البرلمان حينها على قرارٍ يُلزم وزارة الاتصالات بحجب المواقع الإباحية. وبرغم ذلك، لم تطبّق وزارة الاتصالات القانون البرلماني لأسباب ما زالت غير معروفة على وجه التحديد.
بينما يقول المدوّن مصطفى الصوفي، إنّ "عدم تنفيذ وزارة الاتصالات لقرار البرلمان الصادر عام 2015، يرجع إلى استحالته تقنياً، وقد جرّبت السعودية ودول أخرى كثيرة تقنيات مختلفة للحجب، إلا أنها فشلت لأن برامج كسر البروكسي وVPN عديدة، وهي قادرة على مواجهة الحجب".