حقوق العراق المائية ضائعة.. فشل الاتفاقية التركية يدفع بغداد نحو "مقررات المنامة"
حرب المياه تستعر
حقوق العراق المائية ضائعة.. فشل الاتفاقية التركية يدفع بغداد نحو "مقررات المنامة"
انفوبلس/..
لم تُبدِ الدولة التركية أي بوادر تدل على تعديل سياساتها المائية تجاه العراق، فحرمان بلاد الرافدين من حقوقه المائية لا يزال قائماً، وربما نعمة الأمطار هي مَن تُغيث هذه البلاد مع النظر إلى السياسات المتبعة من دول المنبع وبالخصوص تركيا، فحتى الاتفاق الذي وُقِّع مؤخراً بين بغداد وأنقرة كان مجرد حبرٍ على ورق، ما يدفع بغداد إلى التوجه إلى نحو "مقررات المنامة".
*دعوة برلمانية
ودعت لجنة المياه والأهوار البرلمانية، أمس الاثنين (20 أيار 2024)، الى استغلال العراق لمقررات القمة العربية التي عُقدت في المنامة لضمان حصوله على حقوقه المائية من تركيا.
وقال عضو اللجنة حسين علي مردان، إنه "بكل تأكيد العراق يستطيع الاستفادة من مقررات القمة العربية فيما يخص الأمن المائي وحقوق العراق بنهري دجلة والفرات للضغط على تركيا"، مشددا على "ضرورة استغلال العراق تلك المقررات لصالحه، وتفعليها بشكل حقيقي والتحرك دبلوماسيا في ظل الدعم الدولي له".
وبيّن مردان، إن "تركيا لغاية الآن لم تُعطِ العراق حصته المائية العادلة رغم زيارة رئيسها رجب طيب اردوغان الى بغداد وتوقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم مختلفة"، مشيرا إلى، أننا "مقبلين على الصيف، وخلال هذا الفصل سوف ترتفع أزمة الجفاف، خاصة بمدن الوسط والجنوب، وهذا الأمر ستكون له تأثيرات سلبية على الواقع الزراعي وكذلك البيئي".
وأكد على، "أهمية استغلال العراق لمقررات القمة العربية والضغط على تركيا لضمان حصته العادلة من المياه".
ويوفر العراق نسبة 70 بالمئة من إيراداته المائية من خارج الحدود، حيث تسعى الحكومة إلى التنسيق مع دول أعالي الأنهار بشأن الإيرادات.
*مقررات المنامة
وكان البيان الختامي للقمة العربية التي عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة، الخميس، (16 أيار 2024)، شدد على أن الأمن المائي العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، خاصة لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، والتشديد على رفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل، وكذلك بالنسبة للجمهورية العربية السورية، وجمهورية العراق فيما يخص نهري دجلة والفرات، والتضامن معهم في اتخاذ ما يرونه من إجراءات لحماية أمنهم ومصالحهم المائية.
وعبّر البيان أيضا، عن القلق البالغ من الاستمرار في الإجراءات الأحادية التي من شأنها إلحاق الضرر بمصالحهم المائية.
*اتفاق عراقي - تركي
في شهر نيسان المنصرم، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العراق، وعقد جملة اتفاقات بينها تخص المياه، وهذه أبرز نقاط اتفاق إطار التعاون في مجال المياه، بين العراق وتركيا:
يهدف الاتفاق إلى:
● تطوير سبل التفاهم والتعاون في قطاع المياه، على مبدأ المساواة والنوايا الحسنة وحسن الجوار.
● وضع رؤية جديدة لتنفيذ مشاريع البنى التحتية والاستثمارية للموارد المائية في العراق.
● اعتماد رؤية تهدف إلى تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود.
●وضع رؤية لاستخدام المياه بطريقة رشيدة وفعالة.
ويتضمن الاتفاق ما يأتي:
● التعاون عبر مشاريع مشتركة لتحسين إدارة المياه في حوضي دجلة والفرات.
● دعوة شركات تركية للتعاون في البنى التحتية لمشاريع الري مثل؛ أنظمة وسدود حصاد المياه، وتبطين القنوات، ونصب محطات التصفية والتحلية، ومشاريع معالجة المياه.
● تنفيذ مشاريع تبادل الخبرات واستخدام أنظمة وتقنيات الرّي الحديثة والمغلفة.
● يستمر تنفيذ الاتفاق لـ 10 سنوات، ويمدد تلقائياً لسنة واحدة في كل مرة بعد اتفاق الطرفين.
لكن الحكومة التركية، لم تُبدِ أي جدّية في إنهاء تعاملها التعسفي مع العراق فيما يخص حقوقه المائية رغم توقيع هذه الاتفاقية وما سبقها من اتفاقات عديدة تخص هذا الملف.
*حرب مياه
وأثارت الاتفاقية، غضب خبراء المياه، لعدم إنهائها الخلاف حول “محلية” أم “دولية” نهري دجلة والفرات، وعدم الوضوح في تحديد كميات المياه التي سيتم إطلاقها إلى العراق، حيث تعتبر أنقرة نهري دجلة والفرات نهرين محليين تركيين، وليسا نهرين دوليين.
وحذر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، في 1 إبريل نيسان الماضي، بأن يكون العراق مقبل على حرب مياه بحلول العام 2050.
يشار إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في العراق ادى إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
*إدارة ملف المياه
وفي هذا السياق يرى الصحفي العراقي المتخصص بالشؤون المناخية والقضايا البيئية، خالد سليمان، أن العراق لديه بالفعل مشكلة في الإدارة القديمة والتقليدية للمياه ومصادره وبناه التحتية والتلوث الناجم عن النشاط البشري، في حين أن التزايد السكاني الكبير في العراق يتسبب بمشكلة أيضاً في هذا الجانب مع تضاؤل الموارد الطبيعية.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن الطلب على المياه العذبة ينمو بمعدل 1% سنوياً منذ ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي تسبّب بزيادة مستمرة في عدد الأقاليم المعرّضة للضغط والفقر المائيين، حيث يعيش في الوقت الراهن، نحو مليارَي إنسان في مناطق تعاني ضغطاً مائياً كبيراً، بينما يعيش نحو 4 مليارات إنسان في أقاليم تعاني ندرة مائية حادة خلال ما لا يقل عن 30 يوماً في السنة.
من جهته يلفت الناشط والخبير البيئي العراقي، جاسم الأسدي، إلى أن العراق يصرف ما بين 75 إلى 85% من مياهه على الزراعة، نتيجة اعتماده قنوات الري المفتوحة المعروفة بـ"الطريقة السومرية" للري، ما يجعل من استهلاكه للمياه "غير موزون". وعليه يجب على العراق أن يحل مشكلة الذهنية التبذيرية في المياه على الصعيد الحكومي وعلى الصعيد الفردي.
إلا أن ذلك لا يعني أن "المطالب التركية منطقية"، بحسب الخبراء، بالأخص فيما يتعلق من بناء سدود تمنع تدفق المياه إلى الخليج، الذي سيشكل مشكلة بيئية كبيرة مع امتداد "اللسان الملحي" من الخليج إلى الداخل العراقي في حال قطع جريان المياه العذبة، ما يهدد الجنوب العراقي وتربته.
ورغم التأثيرات الواضحة للتغير المناخي، يرى الأسدي أنه ليس المسؤول الوحيد عن مشكلة العراق، مؤكداً أن العوامل الجيوسياسية في الدول المجاورة تلعب الدور الأكبر.