"دكة" البصرة تُجابه بتشكيل مجلس للعشائر.. هل تَخضع الأولى لإجراءات الثاني؟
انفوبلس/ تقارير
بعد تحضيرات كبيرة وتحركات على قدم وساق، تم الإعلان عن تشكيل مجلس للعشائر مرتبط باللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة، هدفه الحد من النزاعات، وفق القائمين عليه، ووضع حد لتفاقم الدكة العشائرية، لكن تجربة العراق مع هذه المجالس ليست بالجيدة وهذا ما يبرر الانتقادات التي طالت التشكيل هذا والتأكيد بعدم فاعلية مثل هكذا لجان وفشلها في استيعاب الصراعات، فما تاريخ المجالس العشائرية في العراق؟ وكيف جاءت ردود الفعل إزاء المجلس المشكل في البصرة؟.
إعلان التشكيل
في تاريخ 11 تموز الجاري، كشفت اللجنة الامنية في مجلس محافظة البصرة، عن قرب تشكيل مجلس لشؤون العشائر في المحافظة .
وقال رئيس اللجنة عقيل الفريجي في تصريح تابعته شبكة انفوبلس، إنه سيتم تشكيل مجلس لشؤون العشائر يكون مرتبطا باللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة، مبينا أنه سيشمل عموم المحافظة، وسيتم الإعلان عنه في الأيام المقبلة.
وأضاف الفريجي، إن "المجلس العشائري سيعمل على حل ما تبقى من الخلافات العشائرية العالقة منذ سنوات طويلة مما سيُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المحافظة".
التشكيل
بعد "برومو" الإعلان أعلاه بعشرة أيام، وبالتحديد في تاريخ 25 تموز الجاري أي قبل ثلاثة أيام، عقد رئيس اللجنة الأمنية والمنافذ الحدودية وشؤون العشائر في مجلس محافظة البصرة عقيل الفريجي اجتماعا مع عدد من شيوخ عشائر المحافظة لتأسيس مجلس عشائري يختص بشؤون العشائر بالتنسيق مع الحكومة المحلية واللجان الفرعية بجميع الأقضية والنواحي.
وقال الفريجي في تصريح صحفي تابعته شبكة انفوبلس، إن "اجتماعهم استضاف رؤساء اللجان الفرعية لمجلس العشائر التي تشكلت من قبل مكتب اللجنة الأمنية لشؤون العشائر ومستشارية مكتب اللجنة الأمنية الذي عمل على طول الأشهر السابقة على تأسيس لجان فرعية تشمل كل أقضية ونواحي مناطق البصرة وقد اكتملت هذه اللجان وتمت دعوة رؤسائها وتم الاتفاق على أن تكون هذه النخبة من الحاضرين هم اللجنة التحضيرية للمجلس المؤسس للمشروع القادم وهو المجلس العشائري العام لكل البصرة".
وأضاف، إن "هذا المجلس سيشمل كل عشائر البصرة من مختلف مناطقها، وإن تلك اللجنة التحضيرية ستبدأ أعمالها بوضع أجندة وخطة مستقبلية وتوقيتات معينة لانبثاق المؤتمر العام لتأسيس المجلس العشائري العام، كما وستعيد كتابة النظام الداخلي السابق أو تكتب نظاما داخليا جديدا".
هدف المجلس
أما عن أسباب تشكيل المجلس، والهدف من وراء ذلك، فقال الشيخ عدنان سامي البهادلي رئيس عشيرة البهادل في البصرة، إن الهدف الرئيس من تشكيل ذلك المجلس جاء للحد من النزاعات العشائرية كونه سيكون تحت غطاء الدولة متمثلة باللجنة الأمنية وشؤون العشائر في مجلس محافظة البصرة وسيكون العمل متواصل مع الحكومة المحلية ورؤساء العشائر المنضوين تحت ذلك التشكيل.
بدوره، قال الشيخ كاظم العصاد العبادي، إنه بطبيعة الحال العشائر قائمة بدورها في حل النزاعات العشائرية لكن عندما يكون هناك تعاون ما بينها وبين الجهات الأمنية والحكومة المحلية بالنتيجة يتم الوصول إلى الأمن والاستقرار لأن العشائر تسند القانون والعكس صحيح.
من جانبه، وصف الشيخ باسم بداي الشداوي اللقاء بالمهم كونه كان تعريفيا بين ممثلي العشائر الحاضرين ورئيس اللجنة الأمنية، وهذه خطوة موفقة ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وفق قوله، فيما أشار إلى أن العشائر تمارس دورها بشكل طبيعي وتنظيم العمل الدؤوب لحل النزاعات يسري في عروق العشائر لكن التنظيم والدعم الحكومي ينضج مشروعهم في حقن الدماء على حد تعبيره.
برنامج خاص
أمس الأول السبت، ناقش الفريجي مع عدد من شيوخ عشائر المحافظة تأسيس المجلس آنف الذكر، وعبَّر عن أمله من هذا المجلس خيراً وعوناً في استقرار السلم المجتمعي كونه الذي يضم عددا كبيرا من وجهاء البصرة اكتملت لجانه الفرعية في الأقضية والنواحي ومركز المدينة.
وأضاف، إن اجتماع الـ25 من تموز مع بعض شيوخ العشائر كان مثمراً وظهر بنتائج جيدة بخصوص انعقاد المؤتمر التأسيسي بعد زيارة الأربعين .
وتابع، "وضعنا برنامجا خاصا في المجلس العشائري أهدافه خدمة أبناء البصرة في عموم المناطق كونه يضم أغلب الأطياف من أبناء المحافظة وأملنا كبير بزعماء القبائل وشيوخ العشائر بأن يكونوا سنداً حقيقياً للحفاظ على السلم المجتمعي".
وختم الفريجي، إن "المجلس العشائري يحظى بدعم وإسناد الحكومتين التنفيذية والتشريعية وهو خير ظهير للأجهزة الأمنية في المحافظة".
تاريخ مجالس العشائر.. مَن أنشأها؟ ومَن يسعى لإعادتها؟
عقب غزو العراق عام 2003، أنشأت القوات الأمريكية عدداً من مجالس العشائر في بعض المحافظات، لاسيما غرب وشمال وشرق العراق، للعمل إلى جانب قوات الاحتلال بذريعة محاربة الإرهاب، إلا أن بعضها سرعان ما تحول إلى هيئة "استخباراتية" تعمل لتحقيق أهداف ومصالح الجيش الأمريكي في المناطق التي تسيطر عليها المقاومة العراقية الذين يستهدفون القوات الأمريكية على الغالب.
وبعد رحيل القوات الأمريكية من العراق عام 2011، احتفظت غالبية مجالس العشائر منذ ذلك الوقت بسمعة "سيئة" في أذهان البعض، ولا تعترف بها جميع العشائر العراقية الأصيلة، بسبب تعاملها غير المهني، والبعيد في الوقت نفسه عن طبائع المجتمع العراقي وعاداته وتقاليده، ذلك أن قوات الاحتلال هي من قام بتدريب أفرادها؛ للمساندة في عمليات تفتيش ومداهمة البيوت، واعتقال المطلوبين للجيش الأمريكي حينها.
ويبرر القائمون والداعمون لتلك المجالس أفعالهم تجاه كثير من العوائل، بأنها تهدف إلى تعزيز دور الحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب والقضاء على المتمردين في مناطقهم، لكونهم يعرفون من ينتسب إلى المجاميع المسلحة أكثر من القوات الأمريكية حينها والعراقية حالياً، وأن جهودهم لخدمة العراق بعيداً عن المصالح الإقليمية والدولية.
وطيلة العقود الماضية دعمت العشائر العراقية بناء الدولة وترسيخ قيم القانون، إلا أنها بعد عام 2003 ظهرت العديد من السلبيات في بعض العوائل، وأخذت مجموعات تعمل تحت ظل الأعراف والتقاليد العشائرية، بحجة دعمها للحكومة ومحاربة الإرهاب، لكن أعمالها على أرض الواقع تنافي ما تصرح به تلك المجموعات.
ورغم انهيارها بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق في العام 2011، رجعت تشكيلات تلك المجالس للواجهة مجدداً مع دخول تنظيم "الدولة" محافظة الأنبار عام 2014، وغالبيتها غير معترف بها من قبل حكومة ومجلس الأنبار، ولا حتى من شيوخ المحافظات، بحسب صباح كرحوت، رئيس مجلس محافظة الأنبار، الذي أكد أن "تلك المجالس أصبحت فتنة تريد تخريب النسيج الاجتماعي".
انتقادات لمجلس عشائر البصرة
في النهاية، وجّه مراقبون انتقادات عديدة لتشكيل هذا المجلس، ورغم أن بعضهم وصفه بالشيء الجيد، إلا أن غالبيتهم قدموا جملة تساؤلات كانت أبرزها "هل فشلت مديرية شؤون العشائر التابعه الى وزارة الداخلية بحيث أدى إلى تشكيل هذا المجلس؟".
وأضافوا، "هل فشل مستشار المحافظ لشؤون العشائر في احتواء النزاعات العشائرية مما أدى إلى تشكيل هذا المجلس؟ وهل فشل مجلس العشائر التابع الى هيئة الحشد الشعبي؟".
كما تساءل المراقبون، "ما هو اختلاف هذا المجلس عن مديرية شؤون العشائر التابعة الى وزارة الداخلية ومستشار أسعد العيداني لشؤون العشائر والذي هو أيضا مرتبط برئيس اللجنة الأمنية؟".
وتابعوا، "بما أن رؤساء اللجان الأمنية أصبحوا اثنين، الله يزيد ويبارك يعني بعد ما نسمع أي مشكلة عشائرية!" وفق تعبيرهم.
وأكملوا، "هل تلك الشخصيات العشائرية الموكل إليها المهام فشلت في حل المشاكل؟ أم تم تسجيل ملاحظات عليهم؟ لماذا لم يتم حلهم؟ وفي حال حدوث مشكلة عشائرية الناس وين تروح؟ المن هذه الجهات؟ هل إلى مديرية شؤون العشائر؟ أو إلى مستشار المحافظ لشؤون العشائر ؟ أو إلى مجلس العشائر التابع الى هيئة الحشد الشعبي؟ أم سيلجأون للمجلس المتأسس حديثا؟ أم للجان العشائرية التابعة لمكاتب بعض النواب؟ ياترى هل هذا التعدد هو أحدث ما توصل له العلم في خدمة المجتمع؟".