دمج بطاقة السكن بالبطاقة الوطنية يفجر الجدل وتحذيرات من "تسليم البيانات"
انفوبلس/..
في وقت ترفع فيه الحكومة العراقية شعار التحول الرقمي وحوكمة الخدمات، فجّر مشروع دمج بطاقة السكن مع البطاقة الوطنية الموحدة جدلًا سياسياً وشعبياً واسعاً، بعدما انتقل من كونه خطوة إجرائية لتخفيف الأعباء عن المواطن، إلى ملف تتقاطع فيه الهواجس الأمنية والاتهامات السياسية ومخاوف الخصوصية والسيادة الرقمية.
مشروع حكومي بعنوان التبسيط والحوكمة
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه، خلال اجتماع رسمي خُصص لمتابعة مشروع حوكمة البطاقة الوطنية الموحدة، باعتماد البطاقة كنظام مركزي لإدارة البيانات الشخصية للمواطنين، مع دمج بطاقة السكن ضمنها، بما يلغي الحاجة إلى إصدار بطاقة سكن منفصلة مستقبلًا.
وبحسب بيان مجلس الوزراء، فإن المشروع يتضمن تطوير النظام الإلكتروني للبطاقة الوطنية لتقديم خدمات إضافية تشمل تغيير معلومات السكن، وطلب صورة القيد، وتحديث الحالة الاجتماعية، فضلًا عن بقية الخدمات المرتبطة بالبطاقة، في إطار إنشاء مرجع وطني إلكتروني موحد تعتمد عليه جميع دوائر الدولة.
الحكومة ترى في هذه الخطوة نقلة نوعية في إدارة البيانات، واختصارًا للمستمسكات الرسمية، وتقليلًا لمراجعات المواطنين، وتخفيفًا للضغط على المؤسسات الحكومية، ضمن مسار أوسع لرقمنة الدولة والحد من البيروقراطية والفساد الإداري. كما يشمل المشروع دعم النظام بتطبيقات إلكترونية حديثة، وتأهيل مكاتب البطاقة الوطنية في المدن، وتحديث البنى التحتية والأجهزة والبرمجيات وفق أحدث المعايير التكنولوجية.
من ملف إداري إلى أزمة ثقة
غير أن هذا المسار لم يمر بهدوء، فسرعان ما تحول المشروع إلى مادة سجالية بعد تصريح عضو مجلس النواب مصطفى سند، الذي اتهم حكومة تصريف الأعمال بالسعي لإحالة مشروع دمج البطاقة الوطنية ببطاقة السكن إلى “شركة سورية لأحد أصدقاء الجولاني”، على حد تعبيره، مؤكدًا أن القرار مدرج على جدول أعمال يوم الثلاثاء، وأن قاعدة البيانات ستكون لدى الشركة المنفذة، فيما تُحمّل كلفة المشروع للمواطن.
تصريحات سند، التي انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، أعادت إلى الواجهة مخاوف قديمة تتعلق بإدارة البيانات السيادية، وفتحت باب التساؤلات حول شفافية الإحالات، وطبيعة الشركات المنفذة، وحدود الاطمئنان إلى مصير المعلومات الشخصية لملايين العراقيين.
ورغم أن الحكومة لم تصدر حتى الآن ردًا تفصيليًا مباشرًا على هذه الاتهامات، فإن الصمت الرسمي زاد من حالة الشك، خصوصًا في ظل حساسية الملف، وارتباطه بأمن المواطنين وخصوصيتهم، وليس مجرد عقد خدمي أو مشروع تقني عابر.
مخاوف سيادية وخصوصية رقمية
الخبراء في مجال الحوكمة الرقمية يشيرون إلى أن أي مشروع وطني لإدارة البيانات يجب أن يقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية: السيادة الكاملة على قواعد البيانات، والشفافية في اختيار الشركات المنفذة، وضمان عدم تحميل المواطن أعباء مالية إضافية دون مبرر قانوني واضح.
دمج بطاقة السكن مع البطاقة الوطنية يعني عمليًا توحيد قاعدة بيانات شديدة الحساسية، تتضمن معلومات الإقامة، والعائلة، والحالة الاجتماعية، وربما لاحقًا بيانات خدمية وأمنية أخرى. وهنا يكمن جوهر القلق: مَن يدير هذه البيانات؟ أين تُخزّن؟ ومن يملك حق الوصول إليها؟
تجارب سابقة في العراق مع مشاريع الأتمتة والرقمنة لم تكن مشجعة بالكامل، إذ فشلت بعض المشاريع أو تحوّلت إلى بوابات جديدة للهدر المالي، أو بقيت حبيسة التصريحات دون تطبيق فعلي، ما عمّق فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات.
بين الاتهام والنفي… فراغ الرواية الرسمية
وفي هذا الصدد، وضحت وزارة الداخلية أن ما جرى تداوله عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي بشأن إحالة مشروع دمج البطاقة الوطنية مع بطاقة السكن إلى شركة سورية، هو عارٍ عن الصحة ولا يمت للحقيقة بصلة.
وأكدت الوزارة أن إدارة نظام المعلومات المدني هي إدارة وطنية خالصة، تُدار بالكامل من قبل كوادر مديرية الأحوال المدنية والجوازات والإقامة، ووفقاً لأحكام قانون البطاقة الوطنية رقم (3) لسنة 2016.
كما بينت الوزارة أن الشركة الفنية المنفذة للمشروع هي شركة (فريدوس الألمانية)، وهي شركة عالمية متخصصة، حاصلة على جميع الموافقات الأمنية من الجهات المختصة العليا، وقد رافقت تنفيذ المشروع منذ انطلاقه ولغاية الوقت الحاضر، خلافاً لما تم تداوله من معلومات غير دقيقة.
وفيما يخص موضوع دمج بطاقة السكن مع البطاقة الوطنية، فإن هذا الإجراء يُعد مشروعاً قائماً بذاته، استناداً إلى نص المادة (35/أولاً) من قانون البطاقة الوطنية، والتي تنص على اعتماد البطاقة الوطنية لدى الجهات الحكومية وغير الحكومية لإثبات شخصية المواطن والتعريف بجنسيته العراقية، وكونها بديلاً عن شهادة الجنسية وهوية الأحوال المدنية وبطاقة السكن، مع اعتماد الرقم التعريفي في سجلات الدولة لضمان حقوق المواطن المدنية والقانونية والإنسانية.
وأوضحت الوزارة أن معلومات السكن تُعتمد ضمن نظام المعلومات المدني في البطاقة الوطنية بأسلوب تقني مبسط، انسجاماً مع التطور الحاصل في أنظمة التوثيق الحديثة.
لكن النائب مصطفى سند سبق بيان الداخلية بمنشور في فيسبوك قال فيه: "الحكومة راح تنزل بيانات تنفي صحة روايتي بخصوص الشركة السورية الخاصة بتوحيد البطاقة الوطنية والسكن، وراح يطلعون أوراق الشركة على أساس ألمانية وعراقية وموزمبيقية والخ، وراح أتحمل أذية وتكذيب مو مشكلة فدوة، وانا اعرف مصارين الموضوع و دور النسوان والنسابة وتأثيرهن على مصير البلد، بس راح اكتفي بهذا القدر، والمهم ينلغي العقد غداً، وهي حكومة تصريف أعمال يومية ما إلهم حق إحالة اي عقد هيچ، مثل ما سواها السوداني ولغى كل قرارات الكاظمي بحكومة تصريف الأعمال. سكتوا نسكت، تلعبون ويانا نطلع هويات النسابة".

