ديالى بين مستشفى معلّق منذ 2009 ومشاريع مجارٍ لا تنتهي… أين اختفت المليارات؟
انفوبلس/..
بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على وضع حجر الأساس، لا يزال “المستشفى الأسترالي” في ديالى واقفًا ككتلة إسمنتية صامتة، شاهدة على مشروع عملاق لم يكتمل، ووعد حكومي لم يتحقق، وحاجة صحية باتت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فعلى الرغم من تجاوز نسبة الإنجاز حاجز 80%، إلا أن أبواب المستشفى لا تزال موصدة، بينما تستمر حالات الاكتظاظ في المستشفيات العامّة التي لم تعد قادرة على استيعاب أعداد المراجعين والمرضى.
وبين زيارات المسؤولين وتصريحاتهم، يبقى السؤال الذي يطرحه الأهالي بمرارة: لماذا بقي هذا المشروع عالقًا، وما الذي يمنع افتتاحه حتى الآن؟
من مدينة بعقوبة إلى الخالص، تمتد سلسلة مشاريع البنى التحتية المتعثرة، وعلى رأسها مشاريع المجاري التي تحولت من وعود خدمية إلى حلقات من المعاناة اليومية. فالوزارة تؤكد استمرار العمل وتقدّم نسب الإنجاز، لكن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة: شوارع محفورة، شبكات لم تكتمل، وطفوحات متكررة في موسم الأمطار. وبين هذه وتلك، يتصاعد الغضب الشعبي في محافظة ديالى، ليعكس جزءًا من أزمة وطنية تتكرر تفاصيلها في معظم المحافظات العراقية من الشمال إلى الجنوب.
المستشفى الأسترالي… مشروع ضخم تحوّل إلى رمز للانتظار الطويل
يرى صالح المصرفي، وهو مراقب محلي يتابع تفاصيل الخدمات منذ سنوات، أن مشروع المستشفى الأسترالي يشكل أحد أبرز نماذج الفشل الإداري والهدر المالي في ديالى. فالمشروع الذي انطلق العمل به عام 2009 بآمال كبيرة، توقفت أعماله مرارًا بسبب انسحاب الشركة المنفذة، وتبدل الإدارات الحكومية، وغياب الرقابة الجادة على تنفيذ المشاريع.
المصرفي يؤكد أن الهيكل الإنشائي للمستشفى أُنجز بنسبة تقارب 83%، لكن الأعمال الحيوية — من الضيافات إلى أنظمة الخدمات الأرضية — ما تزال متروكة دون إكمال، ما يجعل تشغيل المستشفى شبه مستحيل في الوقت الحالي. وعلى الرغم من الزيارات العديدة التي قام بها رئيس الوزراء ومحافظ ديالى ورئيس مجلس المحافظة، إلا أن واقع المشروع لم يتغير بشكل ملموس، وبقيت الوتيرة متدنية، فيما استمرت المواعيد النهائية بالابتعاد أكثر فأكثر، حتى أصبح موعد التشغيل المفترض في 2028 نفسه موضع شك كبير.
ويلفت المصرفي إلى أن أهالي ديالى يعيشون ضغوطًا كبيرة بسبب محدودية الخدمات الصحية، حيث ترتفع تكاليف العمليات والعلاج في المستشفيات الخاصة، مقابل تراجع واضح في قدرة المستشفيات الحكومية على استيعاب الطلب، ما يدفع المواطنين إلى التساؤل: كيف يمكن لمحافظة بحجم ديالى، وبموازنة العراق الضخمة، أن تنتظر عقدين لافتتاح مشروع صحي من هذا النوع؟
ويخلص المصرفي إلى أن المشهد الصحي في ديالى لا يمكن عزله عن واقع الإدارات المتعاقبة التي — حسب قوله — “لم تقدّم سوى مزيد من الوعود التي لا تنفذ، وسط فشل واضح وفساد وهدر للأموال”.
وزارة الإعمار: مشاريع مستمرة وخطط لا تتوقف… ولكن!
من جانبها، تؤكد وزارة الإعمار والإسكان أن العمل في مشاريع المجاري داخل محافظة ديالى مستمر، وأن نسب الإنجاز في بعض المراحل متقدمة، خصوصًا في مشاريع بعقوبة والخالص. المتحدث باسم الوزارة، نبيل الصفار، يشير إلى أن المشروع الأول يركز على شبكات مياه الأمطار والمياه الثقيلة ومحطات الرفع ومحطة المعالجة في بعقوبة، ضمن المرحلة الثالثة التي تعدّ من أكبر المشاريع الخدمية بالمحافظة.
أما المشروع الثاني، فيشمل تنفيذ الأعمال التكميلية لشبكات الأمطار وشبكات المياه الثقيلة في الخالص، إلى جانب محطات الرفع ومحطة المعالجة. ويؤكد الصفار أن الفرق الهندسية تعمل بوتيرة جيدة بهدف إكمال المشروعين خلال المدد الزمنية المحددة.
ويشدد الصفار على أن مشاريع المجاري تعدّ من أولويات الوزارة لما لها من أثر مباشر على البيئة والمجتمع، معتبرًا أن إنجازها سيسهم في إنهاء مشاكل الطفوحات وتحسين نوعية مياه الصرف الصحي، وبالتالي رفع مستوى الخدمات داخل المدن.
لكن على الرغم من هذه التصريحات الرسمية، لا تزال الشوارع في بعض مناطق ديالى مملوءة بالحفر، ولا تزال المشاريع تستغرق سنوات طويلة قبل اكتمالها، ما يثير تساؤلات الرأي العام حول أسباب التأخير وطبيعة الخطط التي تتحدث عنها الوزارة كل عام.
الناشطة إلهام قدروي، وهي رئيسة منظمة تعمل في ديالى، ترى أن تدهور الخدمات في المحافظة ليس سوى نموذج مصغر لأزمة أشمل تمتد عبر معظم المحافظات العراقية.
قدروي تقول إن ما يُنجز من مشاريع تبليط وجسور لا يتجاوز 1% من حجم الموارد المالية الهائلة التي تدخل خزينة العراق، مؤكدة أن البلاد تمتلك من الثروات ما يكفي لتطوير خدماتها بالكامل لو وُضعت في مكانها الصحيح. لكنها ترى أن المشكلة الأساسية تكمن في الهدر وسوء الإدارة، وفي غياب مبدأ “الشخص المناسب في المكان المناسب”، إذ يشغل العديد من المسؤولين مناصب لا يمتلكون الخبرة الكافية لإدارتها.
وتقدم مثالًا على هذا الفشل بمشروع المجاري والتبليط في منطقة كاطون الرحمة، حيث استمرت الأعمال لأربع أو خمس سنوات، وتعرضت للحفر المتكرر دون نتائج فعلية، ما تسبب بمعاناة مستمرة للسكان.
شباب ديالى… بين بطالة خانقة وفقر متصاعد
تضع قدروي قضية الشباب في صدارة المشهد، واصفة وضعهم بأنه “مأساوي”، حيث تتزايد البطالة وترتفع معدلات الفقر بينهم بشكل غير مسبوق. وتشير إلى أن نسبة البطالة بين الشباب — بحسب متابعاتها الميدانية — قد تتجاوز 75%، في ظل غياب فرص العمل وعدم توفر التعيينات الحكومية.
وحول الفقر، تقول إن النسبة — بحسب مشاهداتها — تتجاوز 50%، وهي نسبة مرعبة بالنسبة لمحافظة تمتلك موارد بشرية وطبيعية كبيرة. وتعزو ذلك إلى غياب التخطيط وضعف الإدارة الحكومية، بالإضافة إلى سوء تنفيذ المشاريع وغياب الرقابة.
وترى قدروي أن إصلاح الوضع يتطلب “قرارات جذرية” وليس مجرد ترقيعات شكلية، مؤكدة أن ما يحدث اليوم في ديالى وبقية المحافظات قد يتحول إلى قنبلة اجتماعية إذا لم تتحرك الحكومة بشكل فعلي لمعالجة الملفات الأساسية المتعلقة بالخدمات والبطالة والفقر.
