رخصة قيادة السيارات "تزهق" حياة المئات سنوياً بسبب الرشوة.. إليك إحصائيات حوادث السير خلال السنوات الماضية
انفوبلس/ تقرير
انتشرت الرشوة في جميع مفاصل الدولة العراقية ومن بينها دوائر المرور العامة، حيث أصبحت رخصة قيادة السيارة والتي تعتبر جزءا مهما من أمن المجتمع، يمكن الحصول عليها مقابل مبلغ 50 ألف دينار فقط دون اختبارات، الأمر الذي يجعل أرواح المواطنين في خطر مستمر، ويسلط تقرير شبكة "أنفوبلس"، الضوء على هذه الظاهرة.
وتعتبر مشكلة الحوادث المرورية في العراق من أبرز مسببات الخسائر البشرية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، متقدمة في ضحاياها على ضحايا العمليات الإرهابية والعنف بعدة أضعاف.
*مواطنون يروون
يقول المواطن سامي محمد إنه في الطريق إلى دائرة المرور استعان بموقع الفيديوهات الشهير "يوتيوب" حيث يقدم رجل مرور عراقي شرحا مصورا للإشارات المرورية التي تعتبر عاملا أساسيا في اجتياز اختبار الحصول على إجازة القيادة.
ويضيف محمد، إن "الإجراءات لم تكن معقدة أو متشعبة والحصول على الإجازة لا يستغرق أكثر من ساعتين أو ثلاث، كما أن التنقلات داخل الدائرة وبين شبابيك المراجعات ليست بالكثيرة، لكن المشكلة الأساسية هي في الاختبارات".
ويبين، "اجتزت فحص النظر بنجاح لكنني فشلت في اختبار الإشارات المرورية وحصلت على 5 درجات من أصل 10، لذلك غادرت الدائرة وعدت في اليوم الثاني وحصلت على 7 درجات ونجحت، ثم دخلت اختبار السياقة ونجحت فيه هو الآخر".
ويتابع "انتظرت لوقت قصير ثم نادوا باسمي واستملت الإجازة، لكن المفاجأة كانت عند مغادرتي الدائرة فقد سمعت شابا يتحدث إلى أحد أصحاب أكشاك إعداد المعاملات في مدخل الدائرة عن كيفية الحصول على الإجازة من دون الخضوع للاختبارات، وعندما سألت عن الموضوع تبين أن هناك معقبين يستصدرون الإجازات بلا اختبار ولا انتظار مقابل مبلغ 50 ألف دينار فقط".
ويعرب محمد عن صدمته باكتشاف هذا "جميعنا نعرف أن هناك المئات وربما الآلاف في العراق يقودون سياراتهم ولم يحصلوا على إجازة قيادة والكثير منهم لم يدخلوا حتى في دورات تعلم القيادة، أنا كنت أحدهم، لكن عندما يكون التهاون من قبل الدائرة المعنية نفسها والأمر يتم بمبلغ مالي زهيد فهذا مؤشر خطير".
وحلَّ العراق، في وقت سابق، بمرتبة متقدمة عالميًا وعربيًا بمعدلات الموت جراء الحوادث المرورية، فيما تظهر الأرقام تصاعد معدلات الموت بالحوادث المرورية في العراق خلال السنوات العشرة الماضية.
من جانبها، تؤكد (ن. ك)، أنها حصلت على الإجازة خلال نصف ساعة ومن دون اختبار "بعد مرور فترة من التدريب على السياقة في إحدى شركات تعليم السياقة النسائية قررت الحصول على إجازة والتنقل في بغداد دون خوف من مفارز المرور المنتشرة في الطرقات التي تحاسب على الإجازة ويتم في أحيان كثيرة حجز السيارة".
وتتابع "لدي ضابط مرور من أقاربي وعند وصولي إلى الدائرة سهل لي الأمر كثيرا بحيث لم يستغرق الموضوع سوى نصف ساعة أو أقل حيث دفعت المبلغ المطلوب كرسوم ولم اخضع للاختبار وحصلت على الإجازة".
وتشير إلى أن "دائرة المرور لا تختلف كثيرا عن دوائر الدولة الأخرى حيث في حال لديك واسطة ستسير أمورك بسهولة دون بذل أي مجهود وبوقت قصير، وأحيانا تكون الرشوة بديلا عن الواسطة".
ولا يمر يوم من دون تسجيل العشرات من الحوادث المرورية في العاصمة بغداد وباقي المحافظات، الأمر الذي يثير تساؤلات الكثير عن سبب ارتفاع نسبة الحوادث دون توقف، وهو ما يعزوه مراقبون إلى سوء تخطيط الشوارع بالإضافة إلى عدم الالتزام بالإرشادات المرورية من قبل السائق بالإضافة إلى السرعة العالية مما يجعل أرواح المواطنين في خطر مستمر.
وبهذا الصدد، يشدد الباحث الاجتماعي أحمد الذهبي، على أن "ظاهرة الرشوة انتشرت في جميع مفاصل الحياة، ولكن عندما تؤخذ الرشوة من أجل الاستحصال على رخصة القيادة والتي تعتبر جزءا مهما من أمن المجتمع فهنا يجب أن يدرس الموضوع وتوضع له معالجات بصورة آنية".
ويردف "الشخص الذي يحصل على رخصة القيادة من خلال دفع مبلغ مالي أو عبر واسطة سيعرض حياة الناس في الشوارع إلى الخطر وقد يتسبب بحوادث تؤدي للوفاة أو الشلل وغيرها من الإصابات، وبرأيي أن من يمنح إجازات القيادة بالواسطة أو بالرشوة فهو كما يشارك الإرهابيين بقتل الأرواح".
ويتابع الذهبي، أن "اللوم أيضا يقع على المواطن الذي يكون هو شريك بالفساد ويستحصل على رخصة قيادة من غير مؤهلات وإنما عن طريق مبلغ مالي فقط يمكنه من الحصول على الرخصة دون خضوعه للاختبار وامتلاكه للمؤهلات التي تسمح له للقيادة بطريقة آمنة على حياته وحياة الآخرين".
*إحصائيات عن الرشوة
وكانت هيئة النزاهة قد كشفت في 13 تشرين الثاني نوفمبر 2021، عن نتائج تحليل استبيان أجرته لقياس مدركات الرشوة في دوائر مديرية المرور العامة، مبينة أن دائرة مرور التاجيات سجلت أعلى نسبة تعاطي للرشوة في دوائر مرور بغداد بلغت 14.21 بالمئة، تلتها الحسينية بنسبة 12.84 بالمئة، ثم الغزالية 12.55 بالمئة، أما أقل نسبة فقد سجلت في دائرة مرور الطوبچي وبلغت 9.33 بالمئة، وسجلت مديرية مرور نينوى أعلى نسبة بتعاطي الرشوة بين المحافظات بنسبة 39.75 بالمئة، تليها الأنبار بـ25.40 بالمئة، ثم البصرة بـ20.40 بالمئة، في حين كانت محافظة واسط الأقل بلغت 1.40 بالمئة، ثم كل من النجف وكربلاء بـ1.90 بالمئة، و3.20 بالمئة على التوالي.
وبشأن منح رخصة القيادة مقابل مبالغ مالية، ينفي المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني العميد مقداد ميري، وجود هكذا حالات في دوائر مديريات المرور العامة. ويعتبر أن "الأنباء المتداولة عن وجود أشخاص يقومون بمنح رخصة القيادة مقابل مبلغ 50 ألف دينار غير صحيحة وننفيها جملة وتفصيلا".
وتمنح إجازة السوق لمن أكمل 18 عاما، بشرط أن تؤيد لجنة طبية متخصصة تعينها وزارة الصحة لياقته الصحية، وأن يجتاز الاختبار الفني في قيادة المركبة وقوانين المرور وفق نوع الإجازة التي يروم الحصول عليها، ويجب أن لا يكون قد صدر حكم قضائي بمنعه من قيادة المركبة وفقا للقسم 3 من قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004، على أن يدفع طالب الإجازة عشرة آلاف دينار عراقي كرسوم، وفقا للمادة 19 من الملحق (أ) التابع للقانون نفسه.
وينص قانون المرور العراقي رقم 86 لسنة 2004 المعدل في القسم 21 منه على أن السائق غير الحائز على إجازة سوق "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ستة أشهر كل من قاد مركبة بدون إجازة سوق".
*إحصائيات حوادث السير خلال السنوات الأخيرة
بحسب تقرير مؤشر الحوادث المرورية العالمي "ROAD TRAFFIC ACCIDENTS" وتابعته "انفوبلس"، فإن العراق يحل بالمرتبة 37 من أصل 183 دولة بمعدلات الموت جراء الحوادث المرورية.
وبلغ معدل الوفيات جراء الحوادث المرورية في العراق 34.4 وفاة لكل 100 ألف نسمة، وعلى المستوى العربي، جاء العراق خامساً بعد كل من الصومال السودان السعودية واليمن.
في المقابل، يكشف رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي، عن تسجيل 7000 حادث مروري خلال العام الماضي 2023، فيما بيّن أن نحو 80% من هذه الحوادث كانت بسبب السائقين.
ويقول الغراوي في بيان، إن "الحوادث المرورية حصدت آلاف الضحايا خلال الخمس سنوات الماضية"، لافتا الى ان "عام 2021 سجل 8286 حادثا مرورياً، توفيّ على إثرها 2152 شخصا".
ويتابع، إن "عام 2022 شهد تسجيل 11 ألفاً و523 حادثاً مرورياً وأن من بين الحوادث، 3079 حادثاً مميتاً بنسبة 26.7%، و8444 حادثاً غير مميت بنسبة (73.3%) عدا إقليم كردستان، مقابل 10 آلاف و659 حادثاً في سنة 2021، بارتفاع بلغت نسبته 8.1%".
ويوضح الغراوي، إن "عدد ضحايا الحوادث المرورية ارتفع خلال 2022 بنسبة (6.8%)، وسُجّل ارتفاع في عدد الجرحى بنسبة (12.9%)، عن سنة 2021"، مشيرا الى أن عدد الوفيات الناتجة عن تلك الحوادث "بلغ (3021) متوفى، منهم (2474) متوفى من الذكور وبنسبة (81.9%) والإناث (547) متوفاة بنسبة (18.1%) من المجموع الكلي للوفيات مسجلاً نسبة ارتفاع مقدارها (6.8%) مقارنة بعام 2021".
ويلفت الغراوي إلى، أن حوادث الاصطدام سجلت أعلى نسبة حيث بلغت (6493) حادثا بنسبة (56.3%) من مجموع الحوادث تليها حوادث الدهس (3724) حادثا بنسبة (32.3%)، ثم حوادث الانقلاب (1098) حادثا بنسبة (9.5%)، أما الحوادث الأخرى فبلغت (208) حوادث بنسبة (1.8%)".
ويكمل أن "عام 2023 شهد تسجيل 7000 حادث مروري"، مبينا أن "السائق كان سبباً في تسجيل أعلى نسبة من الحوادث المرورية، وبنسبة مقدارها (79.2%)، أما الحوادث بسبب السيارة فكانت نسبتها (8.1%)، وبسبب الطريق بنسبة (6.2%)، أما بقية الأسباب فقد بلغت نسبتها (6.5%) من المجموع الكلي للحوادث".
ويردف الغراوي أن "أسباب ارتفاع الحوادث المرورية يعزى الى قدم الطرق وعدم تأهيلها وعدم وجود العلامات والدلالات فيها وعدم وجود متطلبات السلامة والسياج الامني والكاميرات اضافة الى عدم التزام السائق بالنظام المروري وقواعد السير، والسرعة المُفرطة والاجتياز الخاطئ من جهة اليمين، بالإضافة لاستخدام الهاتف النقال، عدم وضع حزام الأمان، وعدم الامتثال للإشارات المرورية، كما أن العديد من السيارات لا تتوفر فيها متطلبات السلامة والامان اضافة الى سياقة السيارات من قبل احداث وبسرعة مفرطة".
ويؤكد أن "العراق يحتاج إلى 2000 كيلومتر من الطرق السريعة، فضلاً عن توسعة الطرق الحالية وتحسين مستوى الأمن فيها، وتأهيل وتبليط أكثر من 1000 كيلومتر منها"، مطالبا الحكومة بـ"انشاء طرق سريعة تنفذها كبرى الشركات العالمية عن طريق الاستثمار" كما دعا مديرية المرور العامة الى "تطبيق معايير السلامة في الطرق السريعة والرابطة بين المدن الرئيسية".
كما يطالب الغراوي أمانة بغداد ووزارة الإسكان والإعمار والبلديات العامة والمحافظات كافة بـ"تأثيث الطرق الخارجية والداخلية وتأمين متطلبات السلامة فيها، بما يحافظ على حياة المواطنين ويقلل الحوادث المرورية".
وتحولت الحوادث المرورية إلى ماكينة جديدة تُضاف إلى مكائن الاغتيالات والنزاعات العشائرية والتعرضات الارهابية في قطف أرواح العراقيين بعد أن كانت الصدارة لماكينات العمليات الإرهابية التي طالت العراق خلال العقدين الأخيرين، إذ تجاوزت أعداد ضحاياها 3 أضعاف أعداد ضحايا أعمال العنف والإرهاب خلال العامين الماضيين بحسب الاحصائيات الرسمية.