سيرة "التكريتي" كاملة.. كيف سقط "حجاج نكرة السلمان" بعد عقود من التخفي والتضليل؟.. "انفوبلس" تفك ألغاز الاعتقال

انفوبلس/ تقرير
في إنجاز أمني نوعي، أعلن جهاز الأمن الوطني العراقي، عن إلقاء القبض على أحد أبرز المطلوبين من أزلام النظام البائد، المتهم الهارب عجاج أحمد حردان التكريتي، المعروف بلقبه "حجاج نكرة السلمان". العملية جاءت بعد تحرٍّ استخباري دقيق استمر لأكثر من ستة أشهر، وتمت بتنسيق بين مفارز الجهاز في محافظة المثنى وأمن جنوب صلاح الدين، فما التفاصيل الدقيقة للاعتقال؟ ومَن هو؟
و"حجاج نكرة السلمان" ـ ضابط أمن سجن نكرة السلمان سيئ الصيت ـ متهم بارتكاب جرائم وحشية ضد الإنسانية.
تفاصيل العملية الأمنية
جهاز الأمن الوطني ذكر في بيان ورد لشبكة "انفوبلس" أنه، "تواصُلاً مع العمليات النوعية الرامية إلى ملاحقة مجرمي النظام البائد، وبعد تحرٍّ استخباري دقيق استمر لأكثر من ستة أشهر، تمكّنت مفارز جهاز الأمن الوطني في محافظة المثنى، وبالتنسيق مع أمن جنوب صلاح الدين، من إلقاء القبض على أحد أبرز المطلوبين من أزلام النظام البائد، المتهم الهارب عجاج أحمد حردان، الملقب بـ"حجاج نكرة السلمان"، الذي شغل منصب ضابط أمن سجن نكرة السلمان سيئ الصيت".
تدرّج المتهم في عدد من المواقع الأمنية إبان الحقبة الدكتاتورية، حيث شغل مناصب حساسة كـ(ضابط قاطع الرميثة، ضابط قاطع النجمي، ضابط قاطع الهلال، ضابط قاطع محافظة المثنى، ضابط قاطع البصية، وأخيراً ضابط قاطع نكرة السلمان). هذه المناصب مكّنته من المشاركة المباشرة في عمليات إعدام ودفن الضحايا في المقابر الجماعية ضمن هذه القطاعات.
الجانب الأكثر بشاعة في سجل "حجاج نكرة السلمان" هو سلسلة الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق المئات من المواطنين العراقيين، خاصة من أبناء القومية الكردية الذين نُفَوْا قسراً إلى محافظة المثنى. وتشمل هذه الجرائم التعذيب الوحشي، والقتل، والاغتصاب داخل معتقل نكرة السلمان الذي اشتهر بسمعته السيئة كمركز للاعتقال والانتهاكات الجسيمة.
لأكثر من عقدين – بحسب البيان الحكومي - ادعى ذوو المتهم وفاته بهدف تضليل الأجهزة الأمنية وإخفائه عن يد العدالة. إلا أن الجهد الاستخباري المكثف، وتحليل المعلومات، ومقاطعتها مع اعترافات سابقة، أسهم في كشف موقعه وتحديد مكان اختبائه داخل محافظة صلاح الدين.
كشف مكان الاعتقال والتوقيت
أفاد كاوة شيخاني، مستشار محافظ صلاح الدين وعضو في اللجنة الأمنية العليا التابعة لمجلس المحافظة، بأن عملية القبض على عجاج التكريتي (لقبه العشائري) تمت "حوالي الساعة 12:30 من ظهر يوم الأربعاء (30 تموز 2025)" في قضاء الضلوعية بمنطقة البو جواري التابعة لتكريت. وأوضح شيخاني أن عجاج "أجرى سابقاً عملية تجميل لوجهه؛ وكان الهدف من ذلك ألا يتم التعرف عليه".
وأضاف شيخاني، أن "عجاج كان يعمل في تربية المواشي، ويمتلك ثمانين رأساً من الغنم وأربع بقرات؛ كما يمتلك سيارتين من نوع كيا وتويوتا". وأشار إلى أن "اللجنة الأمنية لمحافظة صلاح الدين كان لها دور رئيسي في إلقاء القبض عليه، وبعد اعتقاله، أقرّت مديرية الأمن الوطني في تكريت بهوية عجاج الحقيقية".
وبعد استكمال الموافقات القضائية وتدوين أقوال الضحايا والمدّعين بالحق الشخصي، تم تنفيذ عملية إلقاء القبض على المتهم، وإحالته إلى الجهات التحقيقية المختصة لاستكمال الإجراءات القانونية بحقه، بحسب ما أعلنه البيان الأمني.
يؤكد جهاز الأمن الوطني العراقي – بحسب البيان - أن "يد العدالة ستظل تلاحق كل مَن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، وأن الزمن لن يكون ملاذًا للهاربين من القصاص العادل". هذه العملية تبعث برسالة قوية بأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم وأن العدالة ستطال مرتكبيها مهما طال الزمن.
معلومات عن التكريتي
عجاج أو حجاج أحمد حردان التكريتي، ينحدر من أهالي مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين. ينتمي إلى عشيرة الدكتاتور المخلوع صدام حسين، "ألبو ناصر"، قبيلة نزار. كان يحمل رتبة رائد في جهاز الأمن نهاية الثمانينيات، مما منحه سلطة واسعة في الإشراف على المعتقلات والتعذيب.
المعلومات المتوفرة تشير إلى أن حجاج كان أحد المشرفين الرئيسيين على سجن نقرة السلمان، حيث شهد هذا السجن فظائع مروعة بحق المعتقلين الأكراد الذين جُلِبوا من مناطقهم بعد حملة الأنفال. يُتهم حردان بارتكاب جرائم تعذيب وقتل واغتصاب داخل هذا المعتقل.
رحلة هروب وتضليل: من كركوك إلى دمشق ثم العودة
بعد سقوط نظام المقبور صدام حسين عام 2003، سكن حجاج مدينة كركوك لفترة، قبل أن يلوذ بالفرار إلى سوريا ويستقر في منطقة جرمانا بالعاصمة دمشق. وخلال فترة محاكمة رموز النظام البائد، ظل حجاج يتابع مجريات المحاكمة وكان مُلمًا بتفاصيلها، خاصةً أن اسمه ورد ضمن المتهمين والمتورطين في جريمة الأنفال.
للحجاج ثلاثة أولاد ذكور؛ اثنان منهم انضما لتنظيم القاعدة الإرهابي وقُتلا في معركة بناحية الضلوعية بمحافظة صلاح الدين. بينما ظل ابنه الثالث، الذي يدعى رائد، ملازمًا له في سوريا. وكان يرافق حجاجًا اثنان من الحراس الشخصيين يُدعيان صخر وشوقي. لا تتوفر معلومات عن صخر، بينما هرب شوقي إلى ألمانيا وطلب حق اللجوء هناك.
معلومات من رئاسة الجمهورية
في سياق متصل، دعا مكتب السيدة الأولى شاناز إبراهيم أحمد (زوجة رئيس الجمهورية) المعتقلين والمحتجزين السابقين في سجن نقرة السلمان، وذوي المغيبين، إلى الاتصال بالمكتب لتسجيل شكاوى ضد المتهم عجاج أحمد حردان. هذه الدعوة تؤكد عزم الجهات الرسمية على ضمان محاكمة عادلة وتقديم كل الأدلة المتوفرة ضد هذا الجلاد.
كما تقول مستشارة في رئاسة جمهورية إنه جرت متابعة "دقيقة وسرية" لمدة 8 أشهر لاعتقال عجاج التكريتي، مؤكدة أنه يتمتع بصحة جيدة جداً. وقالت بري نوري، المستشارة في رئاسة الجمهورية والمطلعة على القضية، "لقد عملنا لمدة 8 أشهر بالتعاون والتنسيق مع جهاز الأمن الوطني العراقي للوصول إلى نتيجة جيدة، وقد وصلنا بالفعل إلى هذه النتيجة الطيبة باعتقال عجاج".
وأُعلن عن اعتقال عجاج يوم الجمعة، لكن مستشارة رئاسة الجمهورية أوضحت أنه "تم اعتقاله قبل عدة أيام. نحن في مكتب السيدة الأولى للعراق أردنا عدم نشر الخبر حتى تصدر الاعترافات الكاملة وتُرسل الأدلة والصور، لكن شخصاً ما من السماوة سرّب الخبر كبشرى للمنظمات المدنية في المنطقة وانتشر، فقمنا نحن بنشره لاحقاً". وعن صحة عجاج، قالت بري نوري: "صحته جيدة جداً".
وتحدثت بري نوري عن جهود الكرد ورئاسة الجمهورية في اعتقال عجاج التكريتي، قائلة: "في رئاسة الجمهورية ومكتب السيدة الأولى للعراق، كنا على تواصل مستمر لمدة 8 أشهر لنعرف ما توصلوا إليه (جهاز الأمن الوطني العراقي) وكيف يمكننا مساعدتهم. كل المتابعات كانت تتم تحت إشراف السيدة الأولى للعراق".
بحسب المستشارة في رئاسة الجمهورية، فقد قاموا بإيصال المشتكين إلى السماوة تحت إجراءات أمنية مشددة، حيث سجلوا شكاواهم ضد المتهم. وأضافت أن "القضاة والادعاء العام في السماوة أصدروا أمر القبض بحقه بكل عدالة".
وأشارت بري نوري أيضاً إلى أن الجهة التي ألقت القبض على عجاج التكريتي هي مديرية الأمن الوطني في السماوة بالتعاون مع جهاز الأمن الوطني العراقي. وعزت المستشارة في رئاسة الجمهورية سبب تأخر عملية الاعتقال التي استغرقت 8 أشهر إلى أن "العمل تم بدقة وسرية بالغة حتى لا يتمكن التكريتي من الاختباء".
ولم تشر مستشارة رئاسة الجمهورية إلى مكان احتجاز عجاج التكريتي، قائلة إنهم لا يريدون الكشف عن المكان لأنه "لاتزال هناك تحقيقات كثيرة، والكشف عن المكان قد يؤثر سلباً على مسار التحقيقات القانونية".
يذكر أنه في عام 1988، بدأت عملية أنفال الكرد في حملة عسكرية واسعة ومخطط لها من قبل نظام البعث، ونُفذت على 8 مراحل. ووفقاً لروايات الناجين، تم فصل جميع من تم اعتقالهم في حملات الأنفال في مرحلة لاحقة؛ الشباب من جهة، والنساء والأطفال وكبار السن من جهة أخرى.
تم إرسال الشباب في حافلات نحو "حفر الموت"، بينما نُقل الآخرون إلى سجن نكرة السلمان الرهيب في جنوب العراق على الحدود العراقية السعودية. أولئك الذين كانوا محتجزين في سجن نكرة السلمان كانوا يتعرضون للتعذيب يومياً على يد جلاد هو عجاج التكريتي، والذي كان يُعرف بين كورد نقرة السلمان باسم "الحجّاج".
فهذا المكان الذي أُسس من قبل القوات الإنجليزية المحتلة في عشرينيات القرن الماضي، في منطقة منخفضة جنوب مدينة السلمان قرب الحدود العراقية السعودية، وعلى مقربة من هذا السجن قامت الحكومة العراقية في ستينيات القرن الماضي ببناء سجن آخر على أحد تلال السلمان، وهو أكبر من سابقه بكثير استغله النظام البعثي في الإيغال بمعارضيه من الشعب العراقي عبر وضعهم في هذا السجن الذي يفتقد لكل مقومات الحياة، والذي راح ضحيته كثير من العراقيين من كافة قومياته.
ولم يكن اختيار هذه المنطقة عبثاً، فهي عبارة عن منفى في صحراء متناهية الأطراف مشهورة بالكثبان الرملية المتحركة وبالصخور المسننة، وأقرب منطقة مأهولة إليها تبعد أكثر من 200 كم، ولذلك فإن أي عملية هروب من السجن تكاد تكون مستحيلة، خاصة أن الحيوانات المفترسة كالذئاب والضباع والكلاب المتوحشة تجوب هذه الأنحاء ليلاً ونهاراً.
وبلغت أعداد المرحلين والمفقودين من الكرد الفيليين بين (1980 ـ 1990) نحو 1,3 مليون شخص، كما جرى زجّ نحو 22 ألف من شباب الكرد الفيليين في معتقل نقرة السلمان.
ويقع قضاء السلمان في بادية السماوة وسط وادٍ كبير، ويبلغ عدد سكان القضاء حسب وزارة التخطيط 9348 ألف نسمة يعيش الغالبية منهم على تربية المواشي والإبل والزراعة التي تعتمد بدورها على الآبار الإرتوازية.