شارع المتنبي ومكتباته: نسخة مصغّرة في معرض الكتاب
انفوبلس/..
ظلَّ شارع المتنبّي - الذي يقع على ضفاف دجلة في جانب الرصافة، وسط العاصمة بغداد - وعلى مدارِ سنين طويلةٍ، المركز الثقافي الأبرز في العراق، والذي يضمُّ عشرات المكتبات وأهمّ دُور النشر، إلى جانب "بسطيّات" الكتب التي تنتشر على أرصفته، والمنتوجات الحِرفيّة والفنية، إضافةً إلى المخازن الكبيرة التي تتكدَّس فيها الآلاف من الكتب القديمة والجديدة، والتي تعدُّ المصدر الأول لتزويد المكتبات والقرّاء في بغداد والمحافظات الأُخرى بها.
وعلى الرَّغم من التأثيرات الكبيرة التي أحدثتها جائحة كورونا على الأسواق العالمية، وتأثّر سوق الكِتاب بذلك، إلّا أنَّ شارع المتنبّي تجاوز هذه الأزمة بسرعة، ليعود السوق الأكثر رواجًا أيّام الجُمع في بغداد. لكن ليس قبل أن تغيِّر الجائحة مفاهيم البيع والترويج لدى أصحاب العمل، الأمر الذي أدّى إلى تحوّل الكثير من أصحاب المشاريع الفنّية، وباعة الكُتب إلى العمل الإلكتروني، عن طريق الترويج لمنتوجاتهم وكتبهم عبر مواقع التواصل، وإيصالها بشكلٍ مباشرٍ إلى من يطلبُها، متجاوزين بذلك تكاليف استئجار المحلّات في شارع المتنبّي ومنافسات أصحاب المكتبات الكبيرة لهم. بالمقابل افتتحت بعض المكتبات الإلكترونيّة فروعًا لها في بعض المراكز التجاريّة، في محاولة للابتعاد عن مركز تكدّس الكتب وباعتها.
ونظرًا لأنَّ هذه المكتبات (وبعضها تنشر الكتب) ليس لها ما يؤهِّلها لأن تشترك في القاعات الرئيسيّة لـ"معرض العراق الدولي للكتاب"، الذي افتُتح في السابع من الشهر الجاري، وذلك لارتفاع تكلفة استئجار المتر المربّع الواحد إلى 100 دولار، مع اشتراط ألّا تقل المساحة المحجوزة عن 12 مترًا، أو للتخفُّف من الأعباء الماليّة التي قد تُواجهها في حالة إيرادات البيع القليلة، أو بسبب وصول مشاركتها متأخّرة إلى معرض الكتاب؛ اعتاضت عن ذلك بأن سجَّلت حضورها بواسطة النسخة المصغّرة من شارع المتنبّي التي تُقام بجانب القاعات الرئيسيّة وسط المعرض.
تأتي الفكرة المُصغّرة التي تحمل اسم الشارع البغدادي الشهير، بأكواخٍ متراصفةٍ تبلغ مساحةُ الواحد منها 3×3، تعرض على رفوفها الكتب والمنتوجات اليدويّة، إلى جانب البسطيّات التي تُستخدم للعرض أيضًا أمام كلِّ كُشك. وهو ما يعدّه القائمون على الفكرة تنوّعًا جديدًا في المعرض وخروجًا عن المعتاد في دورة هذا العام من "معرض العراق الدولي للكتاب"، والتي حملت اسم المفكر العراقي هادي العلوي، بمشاركة ما يقارب 400 دار نشر من 20 دولة عربيّة وأجنبيّة.
ويقول صاحب مكتبة الفلسفة أحمد أبو محسن عن مشاركته في هذا الشارع: "تمثّل الأجواء التي نعرض فيها الكتب في الهواء الطلق، بعيدًا عن تزاحم دور النشر في القاعات الداخليّة للمعرض، تنوّعًا جديدًا في المشاركة ولقاء القارئ، إضافةً إلى رغبتنا في عرض كتبنا بجعلها بعيدة عن الإصدارات الأجنبيّة والمترجمة، كون أن كتبنا تُعنى بالهويّة والتراث، وما يهمّنا أن نُوصل الكتاب إلى القارئ بالطريقة المناسبة، وهو ما أتاحته لنا هذه المشاركة من خلال عرض كتبنا في كشك من أكشاك شارع المتنبي فرع المعرض".
أما الشاعرة نور درويش، صاحبة مشروع "حقيبة نور"، الذي يقوم على تصنيع الحقائب من القماش الخام ورسم صُور الشعراء والكتّاب عليها، فتقول: "يمثّل هذا المكان فسحةً للمشاركة بالمنتوجات اليدويّة والإبداعيّة التي لها علاقة بالثقافة، عبر فكرة الشارع التي هيَّأت لنا هذه الفرصة، إضافةً إلى أنَّنا نستحضر إرث شارع المتنبي هُنا، كونه يمثّل الهوية والتاريخ الأبرز لعالم الثقافة والنشر والفن في العراق". هذا وتُعَدّ مشاركة درويش بمشروعها الفنّي الأُولى لها، بعد أن كانت تروّج لمنتجاتها عبر مواقع التواصل، إضافةً لعرضها أيام الجمع في "المركز الثقافي البغدادي".
أمّا ضياء الدين علاء صاحب "مكتبة ضاد"، التي تأسَّست عام 1997، فيقول: "مشاركتي في المعرض بواسطة النسخة الثانية من شارع المتنبي هي الأُولى من نوعها، كون أنَّ مكتبتي تقع في مدينة الأعظميّة، أي بعيدًا عن سوق الكتُب المعروف في بغداد، وهنا أسجّل حضور مكتبتي المتخصّصة بكتب الإدارة والقانون، عبر هذه الأكشاك الصغيرة التي مثَّلت الرديف لقاعات المعرض الرئيسي، وفرصة للمكتبات ذات الإمكانات الماديّة المتواضعة في المشاركة".
وتُشارك في هذا الشارع مكتبات أخرى معروفة في بغداد تبيع الكتب النادرة والمستعملة والجديدة، مثل "مكتبة الأمس"، و"مكتبة الحيدرخانة"، و"مكتبة بساتين المعرفة"، و"مكتبة بغداد التراثيّة"، إلى جانب المشاركة الأولى لمكتبة "إسماعيل الحجي" من سوريّة، والمعنيّة بالكتب النادرة والطبعات القديمة.