شتاء الإضرابات يجمّد مدارس الإقليم.. شبح الرواتب يُطلّ مجددا باحتجاجات تتجاوز رقعة السليمانية.. هل يلتف "المُضرِبون" على حكم الأسرة البارزانية؟
انفوبلس/ تقارير
عادت مظاهرات المعلمين لتتصدر مشهد الحياة اليومية في إقليم كردستان العراق بشمالي البلاد، حيث خرج الآلاف من المدرسين والعاملين في القطاعات التعليمية التربوية الرسمية بمحافظة السليمانية في مظاهرة حاشدة للمطالبة بالحصول على رواتبهم المعلّقة منذ أشهر وتحسين ظروفهم المهنية.
*تصعيد شعبي كبير
منذ أكثر من ثلاثة أشهر واحتجاجات المعلمين والمحاضرين في عموم مناطق إقليم كردستان مستمرة، وأمس الاثنين بدأت احتجاجات عامة بمشاركة المعلمين الملاك للمرة الأولى وأعلنوا بأنهم مستمرون بالاحتجاجات ومقاطعة الدوام إلى أن يُستجاب لمطالبهم كافة.
وقد اجتمع معلمون في كل من محافظة السليمانية وحلبجة وإدارات رابرين وكرميان، أمام مباني مديريات التربية، وأشار المحتجون أثناء سير الاحتجاجات إلى أنه "هذه السلطة غير مبالية ولا مهتمة بأي شيء فهي سلطة فاشلة وبذرائع كاذبة ومتنوعة، ومستمرة في محاولات زيادة الضرائب وغلاء احتياجات المعيشة كما استولت على أبسط حقوق المعلمين".
وطالبوا حكومة تسيير أعمال إقليم كردستان بألّا تضحي أكثر بمستقبل الدراسة لهذا العام من أجل مصالحها و"أن تستجيب على الفور لمطالباتنا الأساسية والبسيطة والتي تتضمن تعيين المعلمين المحاضرين وصرف رواتب المعلمين الدائمين في وقته".
*استحواذ أحزاب السلطة على الأموال
ووسط تجدد التظاهرات والدعوات إلى الأضراب، عادت الاتهامات لتطال أحزاب السلطة في كردستان، حيث اتهمت أطراف سياسية تلك الأحزاب بالاستحواذ على الأموال لتحقيق أهداف ورغبات خاصة بعيدا عن التفكير في مستحقات الموظفين ورواتبهم.
وقال النائب السابق جاسم محمد جعفر، إن "الحزبين الحاكمين في الإقليم (الديمقراطي والاتحاد الوطني) يحصلان على الأموال من بغداد ويقومان بتقسيمها وإرسالها الى أوروبا وأماكن أخرى، وهذا الأمر يتطلب قيام الحكومة بإيقاف منح الأموال الى كردستان".
ولفت الى أن "رواتب الموظفين في الإقليم يجب أن تتحول على بغداد بشكل مباشر بدلاً من إرسالها الى حكومة كردستان ليتم التحكم بها وإخراجها من البلاد لخدمة أغراض الحزبين الحاكمين سواء في أوروبا او أي مكان آخر".
*سيطرة "البارتي" على المفاصل الرئيسية في الحكومة
من جانب آخر، بين عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، أن "ملف الوردات الداخلية والكمارك والمنافذ الحدودية بيد الحزب الديمقراطي، إضافة الى أنه يسيطر على المفاصل الرئيسية في الحكومة، وبالتالي فإن الأحزاب المشاركة في السلطة داخل الإقليم لا تعلم بحجم الواردات والعائدات التي تدخل كردستان".
وأشار السورجي الى، أن "ملف تأخر إرسال الرواتب تحول الى مسألة سياسية وتبادل الاتهامات بين بغداد التي تتهم حكومة الإقليم بعدم الشفافية في قوائم الرواتب، وأربيل تتهم بغداد بمحاولة تجويع الشعب الكردي، وبالمحصلة فإن الموظف في الإقليم وقع ضحية لهذا التأخير في صرف المستحقات".
من جهة أخرى، أكد النائب السابق غالب محمد، أن "القروض المالية المرسلة من الحكومة الاتحادية الى كردستان، لن تحل مشكلة موظفي الإقليم، كما أن هذه الأموال دائما ما كانت لا تذهب الى الموظفين".
وأوضح، أن "المشاكل بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والظروف المعيشية بالنسبة للموظفين الأكراد، في وقت لاتوجد فيه رغبة لكردستان بحل أزمة رواتب الموظفين".
*إضرابات كبيرة ردا على "القرار المشروط"
شهدت مناطق السليمانية وإدارتا كرميان ورابرين احتجاجات غاضبة في رد على صدور قرار من وزارة التربية، أول أمس الأحد، "على استئناف العمل بنظام الترقية، وتعيين المحاضرين المجانيين بموجب نظام العقود"، لكن القرار رهن تطبيق القرار "لما بعد التعديلات المنتظر إجراؤها على الموازنة الاتحادية وإطلاق حصة الإقليم منها". وبدورها دعت مديرية التربية في السليمانية إلى "إنهاء الإضراب اعتباراً من غد الثلاثاء".
وسارع مجلس "المعلمين المعترضين" للرد على بيان وزارة التربية بتأكيد رفضه إنهاء الإضرابات "لحين تلبية جميع المطالب من دون شروط". وقال ممثل المجلس سامان برزان خلال مؤتمر صحافي إن "ربط مطالبنا بالموازنة الاتحادية أمر مرفوض، لأن إيرادات الإقليم تفوق كثيراً عما يطالب به المعلمون، وقد سئمنا من إطلاق الوعود"، هذا وقد انضم العشرات من العاملين في القطاع الصحي بقضاء كويسنجق إلى الإضراب، على وفق نائب رئيس مديرية الصحة شيروان جلال الذي أكد أن "نحو 130 من عمال النظافة في المديرية مضربون منذ يومين لعدم تلقيهم مرتباتهم منذ أربعة أشهر، بسبب إشكالية بين الشركة المشغلة والحكومة".
*مساومة على حقوق الموظفين
ويعاني موظفو الإقليم من تأخر تلقي مرتباتهم، إذ استلموا في 2023 راتب شهر يوليو (تموز) ، وفق اتفاق مؤقت مدته ثلاثة أشهر دفعت بموجبه بغداد قرضاً يقدر بنحو 2.1 تريليون دينار (1.6 مليار دولار)، لحين توصل الحكومتين إلى اتفاق نهائي.
وقال سامان صادق أحد المشاركين في الاحتجاجات "لقد يئسنا من وعود الحكومة منذ عام 2014، فما زلنا لم نتسلم راتب أغسطس (آب) للعام الماضي، ثم يأتي وزير التربية ليتعامل معنا بأسلوب الأمر لإنهاء الإضراب".
وأضاف صادق، إن "الحكومة زادت الضرائب ورسوم الخدمات بنسب غير مسبوقة، ونحن نعاني أساساً من ارتفاع ملحوظ في الأسعار بشكل عام"، مؤكداً أنهم سيواصلون احتجاجاتهم وإضرابهم لحين تحقيق مطالبهم.
*الأسرة البارزانية في خطر
لقد شكّلت موجة الاحتجاجات والإضرابات تحديا للسلطة في الإقليم، وكسرت التظاهرات المطالبة بالحقوق، التابو بين المواطنين وصُنّاع القرار في كردستان، حيث يؤكد مراقبون أن دخول الاضرابات والاحتجاجات الشعبية شهرها الرابع وعدم جزع القائمين عليها جعل عائلة بارزاني تشعر بخطر محدق لاسيما بعد الواقع المأساوي التي وصلت إليه مناطق الإقليم وانعدام فرص العمل وعدم توفر أبسط مقومات الحياة.
ويرى ناشطون من داخل الإقليم، أن موجات المعلمين التي تطلّ كل مدة للمطالبة بالحقوق بدأت تزعزع حكم الأسرة البارزاني وهذا ما بدا واضحا من استجابة هذه الأسرة لمطلبين من مطالب المتظاهرين في خطوة تهدف إلى امتصاص غضبهم رغم أنهم نكثوا بالاتفاق ولم يطبقوه.
وفي نهاية شهر آب من العام الماضي، هدد معلمو إقليم كردستان باستئناف الاعتصام وإغلاق أبواب المدارس احتجاجا على تأخر صرف الرواتب.
وقال عضو هيئة المعلمين المعترضين في إقليم كردستان دلشاد ميراني في تصريح للإعلام الكردي، إننا "سننظم قريبا مظاهرة أمام مبنى مجلس الوزراء في مدينة أربيل ومن ثم سنرفع دعوى عند الحكومة العراقية ضد حكومة الإقليم التي تتعمّد التأخير في صرف الرواتب بحجج واهية ودم بارد".
وأضاف، أننا "متفقون مع الكوادر التدريسية على تعطيل الدوام في حال الاستمرار في تأخير صرف الرواتب".