صالونات بغداد “المنزلية”.. إبر قاتلة وتاتو عشوائي وسط تجاهل النقابة والصحة: قصص خيوط غير معقمة وزبونات لا يعلمن مصيرهن!

انفوبلس/..
في أحد أحياء بغداد المكتظة، وبين الأزقة الضيقة التي تفوح منها رائحة الرطوبة، يقبع “صالون أم أحمد” في غرفة معيشة متواضعة داخل منزلها. لا لافتة تشير إلى مكانه، ولا إعلان يجذب النساء إليه. ومع ذلك، باتت أغلب سيدات الحي يعرفن الطريق إلى هذا المكان، حيث تتراكم أدوات الحلاقة والتجميل على طاولة بلاستيكية بجوار كرسي خشبي، وتغمر المكان إنارة خافتة بالكاد تكشف تفاصيله.
دخلت زبونة مسرعة وهي تخفي قلقاً واضحاً من ملامسة الأنفاس، فقد كانت أم احمد تعمل على تنظيف حواجبها بخيط ومقص لم يخضعا للتعقيم، وسط سعال خفيف بدا واضحاً أنه أحد أعراض الإنفلونزا. حاولت الزبونة حبس أنفاسها تجنباً للعدوى، لكنها لم تكن تعلم أن الخطر الذي يحيط بها لا يقتصر على الإنفلونزا، بل يمتد إلى أدوات تجميل غير معقمة، وشفرات حلاقة ملوثة، وأجهزة تاتو وفيلر لا تخضع لأبسط معايير الصحة والسلامة.
*صالونات منزلية بلا رقابة: “من البيت.. ماكو ترخيص ولا تفتيش!”
في أحياء بغداد، تنتشر ظاهرة الصالونات النسائية المنزلية التي تخرج من بين الجدران لتقدّم خدمات تجميلية بأسعار زهيدة، لكنها تحمل مخاطر صحية جسيمة.
تقول زينة صاحب، صاحبة صالون منزلي في إحدى مناطق بغداد: “أني ما أحتاج ترخيص بالعمل، لأن صالوني من البيت، حتى للتفتيش ما يتعرض”. لا فرق بين زينة وأم أحمد، فكلاهما وغيرهما يمارسن مهنة التجميل دون أي تراخيص أو رقابة، ودون أدنى التزام بالمعايير الصحية.
عضو نقابة الحلاقين والمزيّنين في العراق، إخلاص فاضل، أكدت أن النقابة لا تملك صلاحية التفتيش أو فرض العقوبات، ويقتصر دورها على “التوجيه والنصح”. أما وزارة الصحة العراقية، فهي الجهة الوحيدة المخولة قانوناً باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين، لكن حتى تدخلها مشروط بوجود إخبارية أو شكوى رسمية، ما يعني أن عشرات وربما مئات الصالونات المنزلية تواصل عملها وسط غياب شبه كامل للرقابة.
*“كلشي بالرشاوي”.. الرخصة وهمية والمخالفات مستمرة!
“كلشي يمشي بالرشاوي”، بهذه العبارة الصادمة وصف نقيب الحلاقين والمزيّنين في العراق، سليم عبد الحسن، واقع صالونات التجميل في بغداد. وأوضح أن العديد من الصالونات، سواء داخل المنازل أو في المحلات، تحصل على إجازات وهمية مقابل رشاوى، مما يفتح الباب أمام انتشار أدوات تاتو وإبر الفيلر والبوتوكس، التي يُفترض استخدامها حصراً في العيادات الطبية.
وأضاف عبد الحسن: “أغلب الصالونات مخالفة بسبب ضعف الرقابة، ودور النقابة مو فعال بما يكفي”.
*بين أدوات ملوثة وأجهزة بدائية: “أنتِ وحدك تتحملين النتيجة!”
تختلف أساليب التعقيم بين الصالونات المنزلية والمحلات الرسمية، لكنها في الغالب لا تصل إلى المعايير المطلوبة. زينة، مثلاً، تستخدم الكحول و”القاصر” لتعقيم أدواتها كل ثلاثة أيام، بينما تعتمد أم احمد على إعادة استخدام الفرشاة الممتلئة بشعر زبونات أخريات. وفي المقابل، تحرص هبة عادل، صاحبة صالون محترف، على تعقيم أدواتها بأجهزة حديثة تعمل بالأشعة فوق البنفسجية والحرارة العالية، لكنها تبقى استثناءً وسط فوضى التعقيم.
المناشف التي يُفترض أن تكون معقمة تستخدم لعدة زبونات دون غسل أو تغيير، بينما تُعرض أجساد النساء لأدوات ملوثة بشعر وسوائل الآخرين، مع غياب شبه كامل لممارسات التعقيم الأساسية مثل ارتداء القفازات أو الكمامات.
*تهديدات صحية وعقوبات شكلية: القانون لا يحمي الضحايا
رغم وضوح المخاطر، إلا أن القانون العراقي يعجز عن التصدي لهذه الفوضى. وفقاً للمادة 416 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969، يُعاقب من يتسبب بأذى أو مرض لشخص آخر نتيجة إهمال أو عدم مراعاة القوانين، بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر وغرامة لا تتجاوز خمسين ألف دينار. وفي حال حدوث عاهة مستديمة، قد تصل العقوبة إلى السجن لمدة سنتين. لكن هذه العقوبات نادراً ما تطبق، لأن الشكاوى ضد الصالونات المنزلية تكاد تكون معدومة، فالزبونات يخشين الفضيحة أو لا يعرفن كيف يتقدمن بالشكوى.
*صالونات تتحول إلى “مراكز تجميل قاتلة”: خدمات فيلر وتاتو بأسعار مغرية!
لم يعد دور الصالونات المنزلية يقتصر على قص الشعر أو تنظيف البشرة. في صالون أم احمد، يمكن الحصول على إبرة نضارة مقابل 35 ألف دينار، أو جلسة تاتو لتوريد الشفاه بـ25 ألف دينار، وحتى فيلر بأسعار تتراوح بين 25 و40 ألف دينار. هذه الأسعار المغرية تجذب الكثيرات، لكنهن لا يعرفن أن المواد المستخدمة قد تكون مغشوشة، والأدوات غير معقمة، وأن الخطأ البسيط قد يؤدي إلى تشوه دائم أو مرض خطير.
الدكتورة شيماء الكمالي، عضو سابق في نقابة الأطباء، حذّرت من مخاطر استخدام الإبر والمواد التجميلية في الصالونات المنزلية، مؤكدة أن الكثير من هذه المواد مغشوشة وغير صالحة للاستخدام البشري، وأن نتائجها قد تكون كارثية على صحة الزبونات.
*فوضى مستمرة.. من يحمي النساء؟
في ظل ضعف الرقابة، وتلاعب أصحاب الصالونات، وتراخي وزارة الصحة، تبقى المرأة العراقية وحدها في مواجهة مخاطر صحية قد تكون مميتة. في صالون بسيط بلافتة أو في صالون فاخر بواجهة زجاجية، الخطر ذاته يتربص بهن: أدوات ملوثة، مواد تجميل مغشوشة، وإبر قاتلة!
بينما النقابة تكتفي بالنصح، والوزارة تنتظر شكوى رسمية، تظل حياة الزبونات معلّقة بين خيوط غير معقمة ومقصات ملوثة وأجهزة تاتو لا تخضع لأي إشراف طبي. أما إذا حدثت الكارثة، فاللوم كله يقع على الزبونة نفسها، التي اختارت “صالوناً منزلياً” لتوفير المال، دون أن تعرف أن حياتها قد تكون الثمن.