صراع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية يستمر بين الآباء والأمهات.. انفوبلس تكشف "خفايا" النفقة الزوجية
انفوبلس/ تقرير
3 سنوات ولا يزال صراع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي يتجول داخل المجتمع العراقي دون الوصول الى حلول "جذرية" ترضي الطرفين، سواء كان من قبل الآباء أو الأمهات، وسط سجال واسع وغضب عارم في العراق، فما قصة هذه المادة وكيف تؤثر بالخصوص على الأطفال وحالات الطلاق؟
*لنفهم اولاً المادة 57 من قانون الأحوال
تنص المادة 57 من القانون الساري على أن "الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك".
ويشترط القانون أن "تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم أو الأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون".
كما تنص فقرات المادة المذكورة على أنه "إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الاختيار في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار".
نص المادة 57:
سنّ الحضانة
الأصل بموجب قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، أن تكون الحضانة للأم المطلّقة، ومدتها عشر سنوات، سواء كان المحضون ذكراً أو أنثى، وللمحكمة تمديد الحضانة سنةً أو اثنتين أو إلى حين إكمال المحضون الخامسة عشرة من عمره حسب مصلحة الطفل، ويحق للطفل بعدها اختيار الشخص الحاضن.
وضع القانون هذا عدداً من الاستثناءات بخصوص الحضانة، منها منح الطفل المراهق (15 سنةً)، حق اختيار مع مَن سيُقيم، والدته أم والده، كذلك الاستعانة باللجان الطبية لتُثبت مصلحة الصغير ويمكن للمحكمة أن تضع المحضون بيد حاضنة تراها أمينةً، إذا لم يكن الوالدان مؤهلَين للحضانة، كما يجوز للمحكمة أيضاً أن تضع الطفل في دور حضانة مُعَدَّة من قبل الدولة.
*التعديلات المقترحة
في مطلع يوليو/ تموز من عام 2021، أجرى البرلمان العراقي قراءة أولى (مناقشة أولية) لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959.
وأثارت التعديلات المقترحة في مجلس النواب العراقي بشأن قانون الأحوال الشخصية سجالا واسعا وغضبا عارما اجتاح العراق رغم أن البرلمان طرحه للقراءة الأولى فقط.
وشكلت المادة 57 من القانون الجديد المقترح نقطة الخلاف في الشارع العراقي كون أنها تمنح الأب حق حضانة الطفل بعد بلوغه سن السابعة، في حين يمنح القانون النافذ الحالي الأم حق حضانة الطفل لحين بلوغه سن العاشرة، في وقت تخصص فيه للأب ساعات لمشاهدة الطفل في المحاكم أو أماكن أخرى.
كما ينص القانون النافذ على أن "للمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير حتى إكماله الـ15 إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية أن مصلحة الصغير تقتضي بذلك، على ألا يبيت إلا عند حاضنته، وكذلك إذا أتمَّ المحضون الـ15 من العمر يكون له حق الاختيار في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الـ18 من العمر إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار".
في المقابل، ينص التعديل البرلماني المقترح على أنه "إذا أتمَّ المحضون السابعة من عمره وكان أبوه متوفيا أو مفقودا أو فقد أحد شروط الحضانة تنتقل الحضانة للجد الصحيح، ثم إلى أمه ما دامت محتفظة بشروط الحضانة دون أن يكون لأقاربه من النساء أو الرجال حق منازعتها فيه لحين بلوغه سن الرشد".
وفي كل مرة، تثير التعديلات المقترحة غضباً عارماً لدى الأمهات المطلقات، ووقفت منظمات المجتمع المدني إلى جانب الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة، بالضدّ منها، وشرعنَ في حملات إعلامية أكدن فيها أن تعديل سنّ الحضانة سيكون قراراً مجحفاً بحق الأطفال الذين يعانون من عدم الاستقرار النفسي بعد طلاق الوالدين، بالإضافة إلى حاجتهم الماسّة إلى الأم في مرحلة الطفولة.
وردّ الرجال بحملات إعلامية معاكسة ووقفات احتجاجية محاولين التأكيد على مقدرتهم على تحمّل مسؤولية رعاية صغارهم، ومقدرتهم على توفير حياة كريمة لهم أكثر من أمهاتهم، وبعضهم يرى أن القوانين العراقية تغلب مصلحة النساء على الرجال، لاسيما في ما يخص مسألة الحضانة للأطفال، وطالبوا بقراءة ثانية لتعديلات القانون وإقراره في أقرب وقت، لرفع الظلم عن الرجال، وفقاً لما يقولون.
*لماذا الذهاب إلى التعديل
يحرم قانون الأحوال الشخصية الساري الرجال من التمتع برؤية وصحبة أبنائهم في ظروف طبيعية وتكوين علاقة صحية معهم، وعندما يكون الطفل في حضانة الأم بعد الطلاق؛ لا يسمح للأب برؤية أبنائه إلا في المحكمة لساعات محدودة كل فترة.
وتأتي مساعي تعديل القانون لتغيير هذا البند ومنح الأب مزيداً من الحقوق في إقامة علاقات طبيعية مع أبنائه بعد الطلاق، إلا أن التعديلات المقترحة وصفتها الناشطات تقلب الكفَّة لصالح الأب على حساب الأم.
في المقابل، يقول رئيس منظمة ديالى لحقوق الانسان طالب الخزرجي، أن "المجتمع العراقي في حالة انهيار للبنية المجتمعية وأحد أركانها الاساسية هي ارتفاع غير مسبوق لحالات الطلاق من خلال فرض عقوبات على الزوج لصالح الزوجة وجعل الاطفال والنفقة سلاح لمحاربته".
*قانون ظالم ومجحف
"سلب حضانة الطفل من الأم ظلم كبير بحق النساء العراقيات ويتعارض مع الجوانب النفسية والأسرية"، كما يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي.
وأشار البياتي، إلى أن "إلزام الأم بعدم الزواج خلال فترة حضانة الطفل -والتي حددها القانون الجديد بـ7 سنوات- مخالفة شرعية ودينية وتدخل بمنعطفات أخرى".
وأضاف، أن "تفضيل الجد في الحضانة بشكل عام على الأم تجاوز على حق الطفل والأم معا، وأبعاده على الطفل تكون نفسية مع فرض احتمالية فقدان الطفل الرعاية والحماية اللتين تقدمهما الأم".
ويميل القانون الدولي في موضوع حضانة الطفل إلى مصلحة الطفل قبل الأبوين من خلال توفير الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهيته، لذا فالأساس في قرار الحضانة هو مصلحة الطفل بالدرجة الأساس، والذي قد يختلف من حالة إلى أخرى، والذي يجب أن تحدده الدولة من خلال توفير الأصلح للطفل، وفقا لحديث البياتي.
وكان مجلس النواب العراقي أنهى في الأول من يوليو/ تموز الجاري القراءة الأولى لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، ولم تمض ساعات قليلة على طرح مشروع القانون في مجلس النواب حتى أطلق ناشطون حقوقيون عراقيون حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض الفقرات الخاصة بالقانون وتمريره بهذه الصيغة.
*غير منصف للآباء
بالمقابل، يرى النائب حسين العقابي أن القانون الحالي يحتوي على مخالفات كبرى للشريعة الإسلامية وغير منصف بحق الإنسانية. وقال العقابي إن "المادة 57 من القانون الحالي غير موجودة في جميع بلدان العالم، وهي تحرم الأب من حق الحصول على الطفل أو رؤيته بشكل مستمر خلال الشهر، وهي تصب في مصلحة الأم فقط".
وأوضح، أن "القانون الحالي غير متكافئ وغير منصف بالنسبة للآباء، والبرلمان يعمل على حل هذا الخلاف القانوني من خلال تشريع قانون جديد للإنصاف بين الرجل والمرأة بشأن حضانة الطفل".
وأشار العقابي إلى، أن "التعديل الجديد يوصي بأن تكون حضانة الطفل للأم حتى سن السبع سنوات، ومن ثم تكون السنوات السبع الثانية للأب، وإن كان هناك اعتراض من قبل الأم يمكن أن تتوجه إلى القضاء ليكون الحكم بهذا الموضوع وفقا للمادة 41 من القانون".
ويتوقع النائب العراقي، حدوث بعض التغييرات على القانون المقترح في مجلس النواب، مستغربا في الوقت نفسه وجود اعتراضات شعبية من قبل المنظمات النسوية بهذا الشأن.
* النفقة الزوجية تصل إلى 750 ألف دينار شهرياً وأكثر
بدوره، يوضح باسل الشرقي، ممثل الحملة الوطنية لتعديل المادة 57، دوافع المطالبة بتعديل النص، قائلا "المادة تعود إلى حكم النظام العراقي السابق، وتم وضعها أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، ولذلك أتت بهذه الصيغة التي تولي الحضانة للأم بشكل منفرد ودائم"، مشيرا الى أن "قرارات النظام البائـد عن النفقة الزوجية كانت بعيدة عن المنطق القانوني وغير إنسانية والتي تصل الى 750 ألف دينار شهرياً وأكثر".
ويعرف الشرقي عن الحملة التي يمثلها، بأنها هي من عملت على وضع وصياغة مقترح التعديل المقدم، والذي يعتبر أنه حان الوقت لإقراره بعدما "عانى الأطفال من أمراض نفسية عدة، وتدنى مستوى دراستهم، فضلاً على أن غالبية نزلاء السجون من أطفال الشقاق، مؤكدة أن أكثر من مليوني ونصف طفل يتعرضون للعنف والتحريض بسبب القانون الذي وضعه أحمد حسن البكر وعدّله صدام حسين باستشارة منال الآلوسي!.
وبهذا يرى المحامي عادل مجيد، أن هنالك مساحة حق كبيرةً، ممنوحةً للزوجة المطلّقة على حساب الرجل المطلّق، وأن الأوان قد حان لمنح الرجل المطلق حقوقاً إضافيةً، وأنه لا بأس لو تم تخفيض سن الحضانة، "لأنه ليس من العدل، أن يظل الطفل في كنف المرأة 15 سنةً، وبعدها نأتي بكل بساطة لنسأله أين يريد أن يعيش الآن بعد كل تلك السنين؟ بالتأكيد سيختار الأم، وفي حالات نادرة جداً سيختار الأب، لأنه لا يعرف والده كما يجب، وساعات المشاهدة المحددة قانوناً غير كافية".
*آراء قانونية
من جانبه، يرى الخبير في الشؤون القانونية علي التميمي أن "التعديل الجديد لقانون الأحوال الشخصية أمسك العصا من الوسط، وحاول إرضاء الأم والأب من حيث مدة الحضانة، حيث أعطى للأم السبع سنوات الأولى ثم نقلها إلى الأب في السبع الثانية".
وطالب التميمي الجهات المختصة بـ"مراعاة المحضون سواء كان ذكرا أم أنثى، حيث إن أغلب المذاهب الدينية فرقت في مدة حضانة الأنثى لدى الأم بـ9 أعوام والذكر بـ7 أعوام"، مشيرا إلى أن "سنوات العمر الأولى للإنسان ولغاية الـ15 عاما هي الارتكاز، ولابد من استعانة البرلمان بمختصين بعلم النفس لأخذ آرائهم ببعض الجزئيات التي قد تكون مع هذا التعديل بوابة للحد من حالات الطلاق المرتفعة في العراق".
وبحسب جردة قام بها فريق "أنفوبلس"، تبين أن في الشهر الأول (كانون الثاني) من العام الماضي 2023، سجل العراق 6335 حالة طلاق، وفي شهر شباط 6147 حالة، وفي آذار 6491 حالة وفي نيسان 4643 حالة وفي أيار 6723 حالة وبشهر حزيران 5880 حالة، أما في شهر تموز 5808 حالة وفي آب 6973 حالة، بينما في أيلول 5462 حالة، بالإضافة الى أن شهر تشرين الأول تم تسجيل 6934 حالة، وفي تشرين الثاني 6620 حالة، كما أن شهر كانون الأول 4423 حالة.
ووفقاً للأرقام المذكور والتي رصدتها "انفوبلس"، فإن العراق سجل خلال الـ 12 شهراً من العام الماضي، 72439 حالة طلاق، وهو ما يعني تسجيل أكثر من 200 حالة يومياً (201) وأكثر من 8 حالات (8.3) في الساعة الواحدة.
*إحصائيات السنوات السابقة
فيما سجل العراق قرابة "65802" حالة طلاق خلال 11 شهراً من العام 2022 وفق إحصائية خاصة قام بها فريق "انفوبلس"، على النحو الآتي:
كانون الثاني: 6486، شباط: 5815، آذار: 6606، نيسان: لم ترد إحصائية رسمية، أيار: 5270، حزيران: 6330، تموز: 4827، آب: 6491، أيلول: 5569، تشرين الأول: 6987، تشرين الثاني: 6895، كانون الأول: 4526
وبحسب تقرير نُشر على موقع مجلس القضاء الأعلى، سجّلت أكثر من 73 ألف قضية طلاق خلال العام 2021 في العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة، وهي حصيلة مماثلة لحصيلة العام 2018.
وأشار الموقع إلى أنه خلال العقد الممتد بين 2004 و2014، انتهى زواج واحد من بين كل خمس زيجات بالطلاق، وسجل خلال الفترة نفسها 516 ألفاً و784 طلاقاً من بين 2,6 مليون زواج.
"تشكل الحالة الاقتصادية ما نسبته 50 في المئة من أسباب الطلاق"، وفقاً لبحث نشره مجلس القضاء الأعلى على موقعه الإلكتروني، لكن تردي الوضع الاقتصادي هو جزء من أسباب كثيرة أخرى أهمها "التدخلات الاجتماعية، وتفاوت المستوى العلمي والثقافي بين الشريكين.