ظاهرة انتحار الطلاب في العراق تتزايد بشكل "ملحوظ".. لماذا يعتبر التدريس الخصوصي أحد الأسباب؟
انفوبلس/ تقرير
منذ الإعلان عن نتائج الامتحانات الوزارية لمرحلة الثالث متوسط وبداية امتحانات السادس الاعدادي للعام الدراسي الحالي 2023 - 2024، والعراق يسجل حالات انتحار بطرق مختلفة لطلاب لا تتجاوز أعمارهم الـ20 عاماً، في ظاهرة يؤكد مختصون أنها بحاجة الى دراسة حقيقية ولأسباب عديدة سنتطرق لها في هذا التقرير.
وزارة التربية أعلنت، أمس الاحد 30 حزيران/يونيو 2024، نتائج الامتحانات النهائية لطلبة الصف الثالث المتوسط، فيما لا يزال طلبة السادس الاعدادي يؤدون الامتحانات المقرر انتهاؤها بعد غد الأربعاء 3 تموز/ يوليو 2024.
*حالات الانتحار تتوالى
شهدت العاصمة بغداد ومحافظة كركوك، اليوم الاثنين 1 تموز/يوليو 2024، حالتي انتحار لطلاب لا يتجاوز عمرهم الـ 20 عاماً وذلك بسبب فشلهما في اجتياز امتحانات البكلوريا لصف الثالث متوسط.
مصادر أمنية تحدثت لشبكة "انفوبلس"، إن "طالبين اثنين أقدما على الانتحار داخل منزلهما في محافظتي بغداد وكركوك"، مشيرة الى ان سبب الانتحار يعود لفشلهما في اجتياز امتحانات البكلوريا لصف الثالث متوسط"، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
وسبق هذه الحالتين، حالات انتحار لطلاب خلال الأيام القليلة الماضية في محافظات مختلفة، حيث حذرت منظمات ومختصون، مما تسمى ظاهرة"انتحار الطلبة" بعد تنامي معدلاته خلال الفترة الماضية.
وتجري القوات الأمنية المختصة تحقيقات في تلك الحالات، للوقوف على أسبابها والتأكد من صحتها، وقال النقيب في الشرطة ضياء العوادي: إنّ "حوادث الانتحار في العراق تسجل بشكل شبه يومي في عموم المحافظات، وأنها تتصاعد"، مبينا أن "معظم التحقيقات تؤشر إلى وجود أزمات نفسية يعاني منها المنتحرون، أو مشاكل عائلية واقتصادية". وأكد أن "التحقيقات مستمرة بتلك الحوادث وتتم مطابقة ما يتوفر من الأدلة والشهود وإحالة الملفات إلى قاضي التحقيق".
*موسم الانتحار
تحذر مفوضية حقوق الانسان، من "موسم انتحار" يعيشه العراق حاليًا، بالتزامن مع اعلان نتائج الثالث متوسط وامتحانات السادس الاعدادي والضغوط المتولدة منه، فيما يرى مختصون أن ظاهرة التدريس والمعاهد الخصوصية التي تكلف الأهالي ملايين الدنانير سنويًا، زادت من حالة الضغط على الطلبة وغضب الأهالي من "الرهان الخاسر".
يقول مدير مفوضية حقوق الانسان في ديالى صلاح مهدي إن "المفوضية تتابع عن كثب ملف الانتحار في ديالى منذ سنوات وهي ترصد العشرات من الحالات وتعمل على فهم الأسباب الحقيقية خاصة مع تعدد الفئات والاعمار".
ويضيف مهدي، إنه "مع بدء امتحانات الصفوف المنتهية وخاصة السادس الاعدادي تزداد الضغوط النفسية على الطلبة من بعض العوائل مع الخوف من عدم تحقيق النتائج المرجوة ما يدفع الطلبة الى الانتحار"، لافتا الى أن "ملف الانتحار لم يعد حالات فردية بل تزداد سنة بعد أخرى والحصيلة تكون اعلى مع اعلان النتائج".
ويتابع، ان "ثلاثة أسباب مباشرة لدفع الطلبة للانتحار هي، الضغط النفسي بسبب الدراسة، والاخفاق في تحقيق النجاح المطلوب اضافة الى تعنيف الأهل وهو الأهم والأخطر الذي يدفع الى الانتحار".
ويؤكد مهدي "بان الأمر لا يقتصر على ديالى، بل هناك حالات سجلت في محافظات أخرى مايستدعي انتباه ذوي الطلبة الى عدم الضغط وتجنب دفع ابنائهم الى مرحلة اليأس والإكتئابوصولا الى الانتحار".
وقدم مدير مفوضية حقوق الانسان 3 وصايا لتفادي مأساة الانتحار، أبرزها، تقليل الضغط النفسي وعدم التنمر والاستهزاء من نتائج الطلبة، او التعامل بقسوة وعنف مما يسبب فقدان الأرواح".
ومن جانبه، يقول الحقوقي علاء هادي أن "مدينة بهرز جنوب ديالى سجلت حالة انتحار لطالب في السادس الاعدادي وسط تأكيد المقربين بان انتحاره بسبب ضغوط الدراسة"، مشيرا الى ان "ملف الانتحار في ديالى ظاهرة تحتاج إلى دراسة موضوعية من أجل وضع حلول خاصة وأن المحافظة فقدت قرابة 24 روحا خلال 2024 اغلبهم دون 30 عاما".
وقبل فترة، أقدم شاب في منطقة الشعب ببغداد على الانتحار بسبب الضغوط المتزايدة نتيجة عدم تأهله للمشاركة بالامتحان الوزاري، فيما يستمر اقرانه بأداء امتحاناتهم التي بدأت في الثامن من حزيران الماضي وتنتهي في الثالث من تموز الحالي.
وتسجل محافظات عراقية مختلفة سنويًا حالات انتحار لطلبة في حال عدم دخولهم للوزاري، او بعد ظهور النتائج، فيما تمثل مسألة "الدروس الخصوصية"، حالة ضغط إضافية رفعت من حالة الانتحار، حيث أن الامر لا يقتصر على الغضب واللوم بفعل فشل التقدم الدراسي، بل يرافقه لوم الاهل من ضياع وأنفاق ملايين الدنانير سنويًا على أبنائهم لأغراض الدروس الخصوصية، ما يجعل حالة الفشل ذات تأثير أكبر سواء بلوم الأهالي لأبنائهم، او شعور الأبناء بالذنب.
وتشير تقارير وزارة الصحة الى ان العراق كان يسجل بين 200 الى 300 حالة انتحار سنويًا، الا انها ارتفعت في 2022 الى 500 حالة انتحار، شكلت 20% منها الاعمار تحت 18 عامًا وهي اعمار المدارس، وكانت الأسباب العائلية والمشاكل النفسية وراء أكثر من 78% من حالات الانتحار.
من جهتها، أكدت الباحثة في الشأن المجتمعي، هدى عز الدين، أن "المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية والجهات الأمنية مقصرة بهذا الملف"، مبينة أن "تلك الجهات مطالبة بتبني برامج توعوية وتثقيفية للتحذير من تلك الظاهرة والابتعاد عن أسبابها".
ولا يقتصر الأمر على الانتحار فقط، بل أن ضغوط الدراسة والخوف من الرهان الفاشل، ومقارنات الأهالي لأبنائهم مع اقرانهم من أقاربهم وغيرهم، قادت الى ان تؤدي هذه التجربة لحالات وفيات مفاجئة في صفوف الطلاب خلال أداء الامتحانات بسكتات قلبية مفاجئة.
وبحسب مصدر أمني في وزارة الداخلية، طلب عدم الاشارة الى اسمه، فان "الأجهزة الامنية سجلت منذ بداية عام 2024 حتى 11 أيار 2024، 285 حالة انتحار بين الذكور والإناث في عموم العراق عدا إقليم كردستان، من بينهم منتسبين امنيين وموظفين حكوميين، وتنوعت طرق الانتحار بين الشنق بواسطة الحبال، واستخدام الأسلحة النارية بـ (مسدس أو بندقية)، وتناول مواد سامة، فضلاً عن تسجيل 3 حالات بأسلوب الحرق.
فيما يرجع مسؤولون أمنيون أسباب حالات الانتحار إلى الكثافة السكانية، والوضع الاقتصادي، والبطالة، فضلا عن العنف الأسري، والابتزاز الإلكتروني، وإدمان المخدرات والتفكك الأسري، بالإضافة إلى البطالة والفقر، في المقابل.
كما يرى متخصصون في الطب النفسي، أن "العامل النفسي أحد عوامل الإقدام على الانتحار، إن لم يكن السبب الرئيسي لهذه المشكلة، وكذلك إهمال معالجة حالات الاكتئاب التي يتجاهل الكثير من الناس تشخيصها بشكل مبكر أو المضي في علاجها في حال تم تشخيصها لدى المصابين بها".
كما أن من "دوافع الإقدام على الانتحار، بحسب أطباء نفسيين، تأتي "نتيجة الكآبة بالدرجة الأولى، بعدها الفصام واضطرابات السلوك والإدمان، وأسباب الاكتئاب عديدة أبرزها الإحباط لأسباب تتعلق بالظرف الاقتصادي أو الضغوط الاجتماعية التي تؤدي إلى اليأس من الحياة ومحاولة التخلص منها".
بالعودة الى منظمة الصحة العالمية، فان واحداً من بين كل أربعة عراقيين يعاني هشاشة نفسية، في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، مقارنة مع 209 أطباء لكل مليون شخص في بلد كفرنسا مثلا.
وبحسب المنظمة، فإن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، على الرغم من حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره 5دولارات في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.
تشير كتب مراجع الطب النفسي إلى أن 90% من المنتحرين يعانون من الأمراض النفسية، وفق الأخصائية النفسية الدكتورة بتول عيسى، وتُفصّل أن "70% من المنتحرين يعانون من أمراض الاكتئاب، و15% هم في حالة إدمان (تحت تأثير تعاطي المواد المخدرة)، و5% لديهم أمراض اضطرابات ذهانية أخرى".
فضلًا عن التحليل الرقمي، فإن المؤشرات العالمية عن معدل الانتحار تظهر مجيء العراق بمراتب متأخرة، أي مراتب جيدة بمعدل الانتحار وبعيدة عن منطقة الخطر.
وبحسب موقع "كنتري كاست"، عبر تقرير نشر في 16 كانون الثاني 2024، فإن العراق بالمرتبة 154 عالميا بمعدل الانتحار من أصل 183 دولة، وبمعدل انتحار يبلغ 3.6 لكل 100 ألف نسمة.
اما على المستوى العربي، فإن العراق في المرتبة التاسعة بمعدلات الانتحار، حيث جاء ترتيب الدول العربية بمعدلات الانتحار كالاتي: (1 - المغرب، 2 - الامارات، 3 - السعودية، 4 - اليمن، 5 - قطر، 6 - عمان، 7 -ليبيا، 8 - السودان، 9 - العراق، 10 - تونس).
وعلى خلفية انتشار ظاهرة الانتحار في العراق خلال السنوات القليلة الماضية، بنسبة تزيد عن 175%، اضطرت الحكومة العراقية إلى إقرار الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار خلال الأعوام 2023-2030، دون ذكر تفاصيل تلك الاستراتيجية أو توضح معالمها.