عراقيل أمام وزارة الإعمار لرفع قبور في الشيخ معروف الكرخي.. ماذا تعرف عن المقبرة التاريخية؟
انفوبلس/ تقرير
استياء شعبي وتهديدات باللجوء إلى الاحتجاجات من قبل أهالي العاصمة بغداد، وذلك بعد أن أمهلت وزارة الإعمار والإسكان 15 يوماً لنقل رفات المدفونين في مقبرة الشيخ معروف الكرخي وسط بغداد، والتي تعود إلى العهد العباسي الأول، وذلك قبل إزالة أجزاء منها كونها تتعارض مع أحد المشاريع الهادفة إلى الحد من الازدحام المروري، فما قصة هذه المقبرة وتاريخها وردود الفعل "الغاضبة" حول القرار؟.
عراقيل أمام وزارة الإعمار والإسكان لرفع قبور في الشيخ معروف الكرخي وسط بغداد
*مهلة 15 يوماً
في وقت سابق أظهرت لافتة اطلعت عليها "انفوبلس" موجودة في مقبرة الشيخ معروف وتُعرف قديماً باسم مقبرة الشونيزية، أو مقبرة باب الدير العتيقة، أظهرت منح وزارة الإعمار والإسكان موعداً أقصاه 15/12/2023، أي بعد 12 يوما من الآن، لذوي بعض المتوفين، الذين تقع قبورهم ضمن مساحة تبلغ 20 مترا كتوسعة، تحتاجها الشركة المنفذة لمشروع مجسر الطلائع وربطه بطريق البيجية، لنقل جثامين ورفات المتوفين.
*لدينا موافقات شرعية وقانونيةّ!
المتحدث باسم الوزارة نبيل الصفار يقول، إن "أرض المقبرة هي ملك للدولة، وهناك موافقات قانونية وحتى شرعية وفتوى من أجل نقل رفات بعض المدفونين في مقبرة الشيخ معروف إلى مناطق داخل المقبرة ذاتها"، مضيفا أن "مساحة ما يحتاجه مشروع فك الاختناقات المرورية هي 20 متراً، ويراد نقل بعض الرفات منها لأنها تؤثر على المشروع".
ويتابع، إنه "نحن لدينا في كل المشاريع لها خطة (أ) وخطة (ب)، فلدينا خطط بديلة للتعديل على بعض التصاميم، ولا نرضى بأي اذى للمواطنين، خصوصاً أن مشاريع فك الاختناقات المرورية هي جاءت لخدمة الناس وليس لأذاهم".
وعلى الرغم من الضجّة التي تسبب بها القرار، ولجوء الناشطين إلى التهديد بالخروج في احتجاجات تنديداً بالتجاوز على المقبرة، إلا أن المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان يكشف: "لغاية الآن، لا يوجد أي شكوى أو اعتراض من قبل المواطنين على نقل رفات بعض المدفونين في مقبرة الشيخ معروف. وفي حال صدرت هكذا ردود أفعال، فإن الوزارة سيكون لها إجراءات وخطوات، وهي لا تريد أي ضرر للمواطنين".
* من سينقل جثمان مفتي بغداد وبهلول الكوفي؟
مازالت تداعيات الإنذار الذي وجهته وزارة الإعمار والإسكان لذوي بعض المتوفين المدفونين في مقبرة الشيخ معروف، تتوالى في مختلف الأوساط، حيث لم يقتصر الأمر على إزالة قبور ونقل رفات متوفين الى مكان آخر لغرض استخدام الأرض في إنشاء مجسر الطلائع فحسب، بل تعدى الأمر الى الحديث عن أن بعض القبور تضم شخصيات تاريخية تعود لعام 200 هجرية أي قبل 1200 سنة من الآن.
وتواصلت "انفوبلس" مع عدد من أهالي بغداد، الذين يهدد القرار الجديد بإزالة قبور ذويهم. وقال البعض، إن "القرار الوزاري الجديد لم يوفر مساحات بديلة للقبور التي من المفترض أن يتم نقلها، بالتالي فإنها وضعتنا في مأزق ولا نعرف أين يمكن أن نضع هذه القبور".
وتضم المقبرة قبوراً تعود إلى عام 200 هجرية، وفيها قبر الفقيه مفتي بغداد أبو الثناء الآلوسي صاحب "روح المعاني"، وقبر الفقيه السلفي رشيد الكردي، وعلماء آل السنوي وآل الحريري وعائلات بغداد القديمة وأعيانها، وقبر بهلول الكوفي صاحب هارون الرشيد وقبر العلامة عبد الرحمن الآلوسي، وقبر مفتي بغداد نوري الشيراوني، وقبر والدة الناصر لدين الله العباسي، وقبر عائشة خاتون والدة والي بغداد أحمد باشا، بالإضافة إلى قبور عائلات حكمت العراق خلال القرون الثلاثة الأخيرة.
وأوقف الدفن بالمقبرة قبل سنوات بعد امتلائها، وكان أهالي الكرخ في بغداد يحرصون على الدفن فيها لاعتبارات دينية كونها تضم عدداً كبيراً من قبور الفقهاء والمحدثين وعلماء الدين المسلمين.
*الوزارة لم توفر البديل!
ورصدت "انفوبلس"، العديد من الاعتراضات الممزوجة بالصدمة سواء من ذوي المتوفين او غيرهم من الأوساط الشعبية، حيث يقول ذوو أحد المتوفين، إن الحكومة لم تخصص مكانا بديلا ليتم نقل الرفات إليها، كما أن الموضوع ربما يكون صعبا نفسيا على ذوي المتوفين.
ويقول عماد المساري، الذي يبحث حالياً عن مكانٍ آخر لنقل رفات والده، إن "أكثر من 350 قبراً مهدد بالإزالة من جراء قرار وزارة الإعمار، ومعظم الأهالي لن يتمكنوا من نقل رفات موتاهم بسبب عدم وجود متسع ومساحات فارغة في الجزء الآمن من المقبرة"، مبيناً أن "الوزارة مطالبة حالياً بتوفير البدائل، وألا تتعامل مع العراقيين بهذه الطريقة، ولابد من احترام الأموات".
كما يشير ذوو أحد المتوفين، أن قرابة الألف قبر سيتم نبشه لغرض نقل الجثامين، فيما لم يتسنَّ لـ"انفوبلس"، التأكد من صحة هذا الرقم، وما إذا كانت المساحة المراد إخلاؤها هي 20 مترا مربعا أم 20 مترا في العمق وعلى طول المقبرة.
ولكن ذوي أحد المتوفين، يقول إن الـ20 مترا هو عمق النزال داخل المقبرة، أما الامتداد فهو مئات الأمتار على طول المقبرة، ما يجعل قرابة ألف قبر مطالب بالإزالة والنبش.
واحتشد صباح أمس السبت، عشرات العراقيين أمام بوابة مقبرة الشيخ معروف، مطالبين بإلغاء قرار وزارة الإعمار والإسكان، فيما اعتبروا أن الوزارة تستطيع تغيير مسار الجسور الجديدة، من أجل الإبقاء على مقبرة تاريخية ومهمة بالنسبة لذاكرة أهالي بغداد.
من جهته، يبيّن الإعلامي زيد عبد الوهاب الأعظمي أنه "بعد هدم منارة السراجي، حان دور مقبرة الشيخ معروف الكرخي التاريخية وأحد أبرز آثار بغداد، العداء للتاريخ منهجية تنبع من حقد وجهل. على ديوان الوقف السُنّي التدخل لوقف تدمير هوية العاصمة فالسكوت عن محو التراث شراكة مفضوحة".
جميع الرفات سيتم نقلها على نفقة الوزارة وبإشراف العلماء
وبعدها، وضح وزير الإعمار والإسكان والبلديات العامة بنكين ريكاني، اليوم الأحد 3 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أن جميع الرفات سيتم نقلها على نفقة الوزارة وبإشراف العلماء.
ويذكر ريكاني في تغريدة تابعتها "انفوبلس"، أنه "كان المخطط أن يكون هنالك شارع داخل مقبرة الشيخ معروف، لكن الحكومة قررت أن يكون مجسر لتقليل عدد القبور التي يتم رفعها"، مشيرا الى أن "جميع الخطوات تتم بالتنسيق مع الوقف السُنّي وعرضها على الفقهاء وفق القواعد الشرعية".
ويبين، أنه "لا صحة لما يُشاع حول رفع المقبرة بالكامل وإنما فقط القبور التي تتقاطع مع أعمدة المجسر التي سيتم تقليصها للحد الادنى بإنشاء مجسر ذو فضاءات طويلة"، مبينا أن "جميع الرفات سيتم نقلها على نفقة الوزارة وبإشراف العلماء".
ويشير الى أن "العمل داخل المقابر ليس جديداً لأغراض المصلحة العامة وحتى مقبرة الشيخ معروف نفسها تم رفع عدد من قبورها في التسعينيات لأغراض بناء الجامع والشارع وغيرها الكثير من الأمثلة داخل وخارج العراق"، لافتا الى أن "الشركة المتعاقدة استعجلت في وضع اللافتة وسيتم اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة وفق القانون والأصول الشرعية".
بالمقابل، يقول مختصون ومهتمون بالشأن التراثي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، إن في هذه المقبرة هنالك قبور تعود لعام 200 هجرية.
وتزخر مدينة بغداد بعدد كبير من المعالم التاريخية، ومقبرة الشيخ معروف من هذه المعالم التي يزيد عمرها على 1200 سنة، التي تضم بين جنباتها رفات علماء وشخصيات عراقية ورفات عراقيين استُشهدوا على أرض فلسطين في حرب يونيو/ حزيران عام 1967 من القرن الماضي.