عقدٌ على الجهاد الكفائي وملاحم الشرف.. شُبان تركوا الترف وشيبة التحقت بشغف
انفوبلس/ تقارير
لم تسبقها سوى فتوى ثورة العشرين قبل مئة عام حين أصدرها السيد محمد تقي الشيرازي لمواجهة الاحتلال البريطاني فحظيت باستجابة جماهيرية واسعة أخضعت البريطانيين لمطالب الاستقلال والتحرير. عشر سنوات منذ إعلان ممثل المرجعية في كربلاء المقدسة أن قتال قوى الظلام مسؤولية الجميع. فنهض بها الغيارى من أبناء العراق والمقاومة ليسطّروا أروع الملاحم التي تكلّلت بنصر مؤزّر أعاد للبلاد أمانها واستقرارها بدماء طاهرة حفظت الأرض والعرض، ولتبقى تلك الجحافل مشروع صمود بوجه أي قوة تحاول المساس بالبلد وأمنه.
لم تكن الفتوى ذات بُعد عسكري فقط على الرغم مما حققته من استجابة بالتحاق القادرين على حمل السلاح من المواطنين إلى جبهات القتال.. إلا أن بُعدها السياسي كان أكبر بوقفها لمشروع القضاء على النظام السياسي الجديد الذي تربطه بعض الجهات الداخلية والدول المحيطة بمشروع مذهبي تسعى إلى إيجاد نظام بديل عنه كانت صورته تلك العصابات الإرهابية التي قتلت ونهبت وارتكبت أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
منعطف مهم في تاريخ العراق
شكّلت فتوى الجهاد الكفائي والتي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف عام (2014)، ضد إرهاب داعش، شكّلت منعطفًا مهمّاً في تاريخ العراق، فقد أعادت إلى الأذهان الفتوى التي أطلقها علماء النجف في عام (1921) ضدّ الاحتلال البريطانيّ لتنطلق بها ثورة العشرين التي كان لها الفضل في تأسيس الدّولة العراقيّة الحديثة.
وإذا كانت الفتوى الأولى ضدّ قوّات نظاميّة هي الجيش البريطاني، فإنّ الفتوى الثّانية كانت ضدّ قوّات غير نظاميّة استخدمت الإرهاب وسيلة للوصول إلى أهدافها، ولكن الاستجابة لكلا الفتوتَين كانت واحدة، فقد اندفع آلاف الرّجال من مختلف الأعمار للقتال في ساحات المعارك معبّرين عن تأييدهم لنداء المرجعيّة الدّينيّة ومجسّدين في الوقت ذاته درجة تلاحمهم كجماهير مع مرجعيّتهم.
وكانت الفتوى سببًا رئيسياً للتعبئة الاجتماعيّة والجماهيريّة الواسعة التي تمثّلت ليس فقط بالمتطوّعين الّذين تطوّعوا للدّفاع عن المناطق الّتي احتلّها داعش وساهموا على مدى ثلاث سنوات في تحريرها، وإنّما مساهمات الشّعب العراقي والمؤسّسات والمنظّمات كانت متعدّدة.
أثر الفتوى على المعارك
ويرى العراقيون، أنه لولا تلك الفتوى العظيمة التي أطلقها السيد السيستاني، لما تغيرت معايير المعركة وما كان لمعطيات الحرب أن تتحول بدرجة أذهلت العالم، بعد أن رسم أبناء الوطن ملحمة بطولية قل نظيرها.
ووضعت هذه الفتوى أُسساً جديدة لقواعد القتال بعد أن توحدت القوات المسلحة مع الحشد الشعبي تحت راية واحدة، وساهمت بشكل مباشر في تعزيز الأمن وخلق بيئة اجتماعية داعمة للقوات الأمنية العراقية وتحقيق الاستقرار وتعزيز القوات الوطنية وتوفير الدعم والإسناد والمعدات الضرورية لها.
كما وضعت الفتوى، القيادات السياسية في العراق أمام مسؤولية وطنية وشرعية كبيرة ووحدت الموقف، وحظيت في حينها بتأييد رسمي وشعبي، وكان لها دور كبير في الحفاظ على سيادة واستقرار البلد وتحريره من الاحتلال الداعشي.
المنجزات العسكرية والأمنية
وعلى صعيد المنجزات العسكرية والأمنية، فقد جاءت نتيجة ملاحم بطولية محَت صورة الانتكاسة التي حصلت عندما احتلت الجماعات الإرهابية أجزاءً من البلد وكان من الضروري استنهاض الشعب العراقي. هذه الفتوى المباركة والملحمة الكبيرة بين العراقيين والمنجز، ما كان ليتحقق لولا تضافر الجهود لكل الأجهزة الأمنية ولكل أطياف الشعب العراقي التي استنهضها نداء المرجعية سواء من الشباب أو كبار السن وحتى النساء كان لهن الدور الكبير في تقديم الدعم اللوجستي وحتى الواجبات الإنسانية والنفسية الكثير من النساء دفعت أولادها للدفاع من البلد العزيز.
غير أن ما حصل في العراق بالعام 2014 وسقوط عدد من المحافظات العراقية بيد العصابات الإرهابية أحدث وضعاً صعباً للغاية وجاءت فتوى الجهاد الكفائي لتحيي وتستنهض الهمم بعد أن وصل العراق على شفير الهاوية، حيث رصت صفوف الشعب ولمّت شمله وأعادت هيكلة المجتمع بشكل عام ونجحت نجاحا باهرا في هذا الأمر.
أبعاد سياسية مهمة
وجاءت فتوى الدفاع جاءت في ظرف شهد صعود هيمنة الظاهرة الإرهابية وتحول مشروعها من إطار التهديد إلى إطار التنفيذ، حيث أسقطت هذا المشروع التكفيري وشحذت الهمم من خلال تطوع مئات الآلاف من الناس وفي مختلف المدن والمحافظات وشرائح المجتمع لاسيما الشباب وأبناء العشائر والقوى الاجتماعية والسياسية. كما وأوجدت كياناً عسكرياً قوياً هو الحشد الشعبي، استطاع ان يقهر العصابات الإجرامية وأعطت دافعا لأبناء القوات المسلحة بمختلف صنوفها في مطاردة هذه العصابات وطردها من مختلف المدن.
ومنحت الفتوى منحت الثقة والحماية لأبناء المناطق التي سيطرت عليها العصابات الإرهابية ودعتهم إلى مساندة القوات العراقية، كما ومثلت حالة من الوحدة الوطنية من خلال استجابة واحترام جميع مكونات المجتمع لفتوى المرجعية.
كما تضمنت الفتوى أبعاداً سياسية مهمة من خلال التأكيد على أن حالة عدم الاستقرار السياسي قادت في النهاية إلى صعود العصابات الإرهابية، إلى جانب أبعاد اجتماعية، وأهمية الفتوى في الدعوة للتماسك والاندماج الاجتماعي بين مختلف المكونات، ما أعطى قوة و هيبة للعراق في مواجهة التحديات والتهديدات.
واستطاعت الفتوى في نهاية المطاف، أن تقوي من عزيمة المؤسسة العسكرية بعد أن شابها الخلل، ولم تقتصر أهميتها في تحقيق النصر فحسب، بل امتدت إلى توحيد الصف العراقي وحفظ السلم المجتمعي.
فتوى سطرت ملاحم بطولية
أما عن الملاحم البطولية التي سطرتها الفتوى، فقال رئيس قسم مؤسسة الوافي للتوثيق والدراسات في العتبة العباسية المقدسة، أحمد صادق إن "ما حصل في العراق بالعام 2014 وسقوط عدد من المحافظات العراقية بيد العصابات الإرهابية أحدث وضعاً صعباً للغاية وجاءت فتوى الجهاد الكفائي لتحيي وتستنهض الهمم بعد أن وصل العراق على شفير الهاوية، حيث رصت صفوف الشعب ولمّت شمله وأعادت هيكلة المجتمع بشكل عام ونجحت نجاحا باهرا في هذا الأمر".
وأضاف، "اليوم عند النظر إلى التوصيات التي أطلقتها المرجعية لا سيما بعد عمليات التحرير نرى أنها نصت على احتضان الأسرى وأبناء المناطق المحررة وكيفية التعامل معهم ومع الأطفال الذين ولدوا بعد دخول داعش إلى تلك المناطق"، منبها، أن "الفتوى، حققت بهذا الجانب نجاحا كبيرا، وهذا دليل على وجود انقلاب فكري داخل المجتمع".
توثيق الأحداث
وأشار صادق، إلى أن "العتبة العباسية افتتحت مؤسسة الوافي للتوثيق والدراسات، بالإضافة إلى أنه بعد بداية المعارك وصدور الفتوى بسبعة أشهر كان هناك مهرجان فتوى الدفاع المقدسة في العتبة العباسية بالعام 2015، وصدرت توصيات المرجعية بكتابة التاريخ وعدم السماح بضياعه"، مبينا، أن "موسوعة الدفاع المقدس، وثقت محطات مهمة من تاريخ العراق لكي تطلع عليها الأجيال القادمة".
من جانبه، أكد أستاذ الحوزة العلمية في النجف الأشرف باسم الموسوي، أن "الأحداث التي نمر بها هي دليل واضح على أهمية وجود المرجعية الدينية العليا في أوساطنا وعموم الحوادث التي تقع بنا، فقد بينت بموقفها الواضح وفتواها الصريحة مدى أهمية هذا القرار، ومدى تأثيره في الواقع العراقي، بعد أن حددت وشخصت العدو الحقيقي".
وأضاف، أن "الفتوى شاهدة على تغير البوصلة تغيرا كبيرا وملحوظا، وأن "هذه المرحلة قد أظهرت للجميع أن المرجعية الدينية ومؤسسة الحوزة العلمية لها الدور الأول والبارز لإنقاذ ما يجري في العراق".
دماء الشهداء دحرت الإرهاب
في النهاية، يقول مدير هيئة الحشد الشعبي في النجف الأشرف قاسم الخاقاني، "نعيش الذكرى السنوية العاشرة لانطلاق فتوى الجهاد الكفائي التي انبثقت من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف بعد أن استشعرت الخطر الذي ألمَّ في هذا البلد و لبى المجاهدون الأبطال والغيورون من شباب الوطن بكل أطيافهم النداء الذي أطلقته المرجعية واستجابوا لهذه الفتوى المباركة التي انطلقت على إثرها جحافل المؤمنين إلى ساحات القتال لتحرير الأراضي التي اغتصبتها عصابات داعش الإرهابية".
وأضاف، أن "هؤلاء الغيارى لبَّوا النداء انطلاقا من إيمانهم وعقيدتهم ليقفوا صفاً واحدا بمختلف عناوينهم ويحققوا النصر ببطولات متلاحقة توجت جهودهم بتحرير كامل الأرض بعد أكثر من 3 سنوات من القتال، وما كان لهذه البطولات لتتحقق لولا الشهداء الأبطال الذين نعيش حالياً نعمة الأمان بفضل دمائهم الزكية التي دحرت الإرهاب وكذلك الجرحى الذين وسموا أجسادهم بوسام الشرف والعزة".
بدوره، ذكر أستاذ الفكر السياسي في جامعة الكوفة، أسعد شبيب، أن "فتوى الدفاع المقدس جاءت في ظرف شهد صعود هيمنة الظاهرة الإرهابية وتحول مشروعها من إطار التهديد إلى إطار التنفيذ من خلال مشروع ما يسمى بالخلافة".
وتابع، أن "الفتوى أسقطت مشروع عصابات داعش الإرهابية، وشحذت الهمم من خلال تطوع مئات الألاف من الناس وفي مختلف المدن والمحافظات وشرائح المجتمع لاسيما الشباب وأبناء العشائر والقوى الاجتماعية والسياسية، كما و أوجدت كياناً عسكرياً قوياً استطاع ان يقهر العصابات الإجرامية وأعطت دافعا لأبناء القوات المسلحة بمختلف صنوفها في مطاردة هذه العصابات وطردها من مختلف المدن"، مبينا، أن "الفتوى منحت الثقة والحماية لأبناء المناطق التي سيطرت عليها العصابات الإرهابية ودعتهم إلى مساندة القوات العراقية، كما ومثلت حالة من الوحدة الوطنية من خلال استجابة واحترام جميع مكونات المجتمع لفتوى المرجعية".