علاج "كولد آوت" ما زال محل جدل رغم نفي الصحة.. قناة البزاز تزعم موافقة الوزارة
انفوبلس/ تقرير
اثار علاج "كولد آوت" الهندي المخصص لعلاج نزلات البرد لدى الأطفال، والمنتشر في الصيدليات، جدلا في العراق بعد تقارير تحدثت عن تأثيراته السلبية واحتوائه على "ملوثات ومواد كيميائية سامة"، وفيما توعدت وزارة الصحة بإجراءات عقابية بحق كل من يتداوله.
وكشفت اختبارات أجراها مركز أمريكي على زجاجة من دواء "كولد آوت" Cold Out حصل عليها من صيدلية في العاصمة بغداد خلال مارس/ آذار 2023، أن الدواء المصنوع في الهند، ويُستعمل لعلاج نزلات البرد والسعال، ويُباع في العراق، يحتوي على "مواد كيميائية سامة".
من المثير للقلق أن هذا الدواء يندرج ضمن مجموعة كبيرة من أدوية الشراب التي يستعملها الأطفال في جميع أنحاء العالم، وقد تبيَّن أنها تحتوي على مواد سامة من هذا النوع، بحسب ما نقلت وكالة Bloomberg الأمريكية التي قالت إنها أشرفت على الاختبار.
*مواد تسبّب التسمم والوفاة
الاختبارات أجراها مختبر "فاليشور" Valisure LLC الأمريكي المستقل، على زجاجة من دواء الشراب "كولد أوت" Cold Out، اشتُريت من صيدلية في بغداد، كانت تحتوي في مكوناتها على مادة الإيثيلين غلايكول بنسبة 2.1%، وهو ما يصل إلى 21 ضعف الكمية المسموح بها عالمياً من هذا المركَّب الذي تتسبب الكميات القليلة منه في التسمم والوفاة.
وكانت هذه المادة سبباً في وفيات جماعية لأطفال في غامبيا وأوزبكستان العام الماضي، بعد أن تناولوا أدوية مضادة للسعال تحتوي على المادة نفسها، وصُنعت في الهند أيضاً.
في وقت سابق من هذا العام، اشترت وكالة "بلومبرغ" 33 عينة من أدوية شرب هندية الصنع من صيدليات في كمبوديا وجورجيا وغانا والهند والعراق وكينيا.
وأضافت الوكالة، أن العينات اختُبرت في شركة "فاليشور" في نيو هيفن بولاية كونيتيكت الأمريكية باستخدام مطياف الكتلة اللوني للغاز، وعثر المختبر على (مادة الإيثيلين غلايكول، أو ثنائي إيثيلين غلايكول، أو كليهما) في 4 عينات من 4 أدوية مختلفة الأنواع التجارية.
بدورها، أرسلت الوكالة الأمريكية ذاتها نتائج الاختبار الخاص بدواء الشراب "كولد آوت" إلى "منظمة الصحة العالمية" ومسؤولين عراقيين وهنود في 8 يوليو/ تموز الحالي.
*منظمة الصحة العالمية "تقبل" النتائج
من جانبها، قالت منظمة الصحة العالمية لـ"بلومبرغ" إنها وجدت أن نتائج اختبار فاليشور "مقبولة"، وإنها ستُصدر تحذيراً من المنتج إذا أكدت الحكومة العراقية أنه يُباع في الموقع المشار إليه.
ومع ذلك، لم يصدر حتى الآن إشعاراً عاماً ولا إعلاناً بسحب المنتج من الأسواق، وفق بلومبيرغ.
من جانب آخر، قال سيف البدر، المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، في مقابلة معه، إن الوزارة تعتمد على "أنظمة صارمة لاستيراد الأدوية وبيعها وتوزيعها"، لكنه رفض الإجابة عن أسئلة محددة بشأن دواء "كولد آوت" ونتائج الاختبارات التي أُجريت عليه.
لكن رجع وقال في تصريح للوكالة الرسمية، إن "علاج (كولد آوت) غير مسجل بشكل رسمي في وزارة الصحة وأن تداوله يعتبر مخالفة للقانون"، لافتا الى أن "الوزارة سبق وأن نوهت عن هذا العلاج في وقت سابق".
وأكد البدر، أنه "لا يمكن تداول أو تصنيع أي علاج أو مستلزم طبي من دون أن يكون مسجلا وفق السياقات والضوابط القانونية والعلمية المعتمدة من قبل وزارة الصحة"، مشيرا إلى أن "فرق الرقابة الصحية مستمرة بمتابعة المخالفين سواء حول هذا العلاج أو غيره من العلاجات المخالفة، وفي حال ضبط مخالفة ستكون هناك إجراءات عقابية حسب حجم ونوع المخالفة وفقا للقانون المعمول به من قبل الجهات المعنية بمراقبة تداول الأدوية والمستلزمات الطبية".
كما أن وزارة الصحة العراقية لم تعلن موقفاً واضحاً تجاه كيفية دخول العلاج والجهات المسؤولة عن ذلك.
في المقابل، زعمت قناة الشرقية، موافقة وزارة الصحة العراقية على تداول هذا الدواء في صيدليات البلاد.
وهذه المرة الخامسة خلال عام تكشف فيها الاختبارات أن أدوية هندية الصنع تحتوي على كميات زائدة من مركَّب الإيثيلين غلايكول. خاصة أن أدوية تحتوي على هذه المادة تسببت في حالات تسمم في غامبيا وأوزبكستان. في حين عثرت مختبرات حكومية في جزر مارشال وليبيريا على المادة نفسها في أدوية أخرى، وإن لم يُكشف عن حالات تسمم مرتبطة بهذه الأدوية هناك.
الشركة الهندية "تنفي"
يشير ملصق بيانات "كولد آوت" إلى أن الدواء من إنتاج شركة "فورتس" الهندية Fourrts (India)، التي يقع مقرها في تشيناي، وتصدِّر الأدوية إلى أكثر من 50 دولة، منها بريطانيا وألمانيا وكندا.
لكن بالا سوريندران، نائب رئيس الشركة، قال إن شركته أوكلت تصنيع دواء "كولد آوت" من الباطن إلى شركة هندية أخرى: هي شركة "شارون فارماسيوتيكالز" Sharun Pharmaceuticals Pvt التي يقع مقرها في إقليم بودوتشيري الهندي.
وزعم سوريندران أن شركة "فورتس" أجرت اختبارات على عينة من "كولد آوت" بعد استفسارات "بلومبيرغ"، وتبين لهم أنها لا تحتوي على المادة بكميات تسبب التسمم.
وزعم أن المنظمين الهنود صادروا عينات أخرى من مصنع شركة "شارون"، لكن شركة "فورتس" لم تُرسل إليها نتائج هذه الاختبارات.
في المقابل، لم يرد المسؤولون في الهيئة المركزية لمراقبة الأدوية في الهند، واثنان من المسؤولين المحليين على طلبات التعليق لوكالة بلومبيرغ، وقال بعضهم إنه ليس لديه معلومات بشأن الأمر، وكذلك لم يرد المسؤولون التنفيذيون في شركة "شارون" على طلبات التعليق.
*أدوية مصنوعة في الهند تسبّب التسمّم
يشار إلى أن حالات التسمم التي وقعت في غامبيا تسببت في مقتل أكثر من 60 طفلاً، ونحو 20 طفلاً في أوزبكستان، وأثارت هذه الحوادث مزيداً من الشكوك حول جودة الأدوية التي تصدرها الهند، لاسيما وأنها أكبر دولة لتصنيع الأدوية المكافئة وتطلق على نفسها لقب "صيدلية العالم".
وقالت منظمة الصحة العالمية في يوليو/ تموز الماضي، إن شراب السعال المسؤول عن وفاة 12 طفلاً في الكاميرون هذا العام يحتوي على كميات غير آمنة من ثنائي إيثيلين غلايكول، وهو مركب سام مماثل.
وعلى الرغم من أن عبوة الدواء في هذه الحالة لم تحمل اسم الشركة المصنعة، فإنها حملت رقم ترخيص التصنيع لشركة هندية أخرى.
من جانبها، بيَّنت عضو لجنة الصحة في البرلمان سهام الموسوي، أن "التقارير الأخيرة التي تتحدث عن الأدوية الخاصة بالأطفال، تستدعي التوقف بشكلٍ جاد من قبل نقابات الأطباء والصيدليات والمختبرات الصحية، ووزارة الصحة والحكومة العراقية، إلى جانب لجنة الأمن والدفاع البرلمانية"، موضحة، أن "هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تقارير تشير إلى أدوية خطيرة على العراقيين".
وأضافت الموسوي، أن "لجنة الصحة ناقشت موضوع دواء (كولد آوت)، وخلال الفترة المقبلة قد يتطور النقاش والدخول على خط الحصول على نتائج التحاليل الخاصة بالأدوية"، مبينة أن "ملف الأدوية والعلاجات من أكثر الملفات التي لا يمكن التهاون أو تجاوز الأخطاء فيها".
من جهته، قال نقيب الصيادلة العراقيين مصطفى الهيتي، إن "مادة غلايكول الإثيلين ممنوعة من العراق منذ نحو 25 عاما، ولا تقبل كمادة حافظة تُضاف إلى بعض الأشربة"، مؤكداً، أن "هذه المادة تؤثر على الكبد وتتسبب في حموضة الدم، وتؤدي إلى تلف وتوقف الكلى ثم الوفاة، وليس غريباً على أي إنسان عديم الضمير أن يُدخل هذه المادة إلى العراق بصورة غير مشروعة من أي مكان".
واستكمل الهيتي حديثه، إنه "ربما تكون هنالك وفيات، لكن الطب الشرعي لم يثبت لنا هذا الموضوع أو حدوث وفيات بشكل كبير"، معتبرا أن "وجود هذه المادة في أي مستحضر صيدلاني جريمة".
وتُعد مشكلة الأدوية الفاسدة والتالفة ومنتهية الصلاحية والمغشوشة، من ضمن مشاكل كثيرة يعاني منها قطاع الصحة في العراق، إلى جانب تردي المستشفيات أو حتى سوء الإدارة وقلة العناية وضعف الرقابة، بشكل يكبّد العراقيين خسائر بشرية، تضاهي خسائره جراء رداءة الخدمات.
وتعلن السلطات الأمنية، بين فترة وأخرى، عن إحباط عمليات تهريب أدوية غير مرخصة إلى داخل البلاد عبر المنافذ الحدودية، وسط متابعة مستمرة من أجهزة الأمن لما تُعرف بمافيات الأدوية. ورغم هذه المتابعات التي تعلن عنها الأجهزة المختصة لكنها لم تُفلح في القضاء على عمليات التهريب تماماً.