عمالة الاطفال في شوارع العراق تبعدهم عن مقاعد الدراسة.. الأسباب والتداعيات
انفوبلس/..
تشهد شوارع العاصمة بغداد، والعديد من مدن المحافظات، انتشاراً ملحوظاً لظاهرة عمالة الأطفال، وخصوصاً الباعة الجائلين الأطفال الذين يفترشون جوانب الطرق الرئيسية، ومناطق التقاطعات المرورية، فضلاً عن الساحات العامة المكتظة عادة بالمواطنين.
وبات مشهد الأطفال الذين يقومون بعرض البضاعة على المارة، وينتقلون من مكان إلى آخر، مألوفاً لسكان العاصمة والمدن المختلفة، حتى إن بعضهم لا تتجاوز أعمارهم 6 سنوات.
لا يتجاوز عمر الطفل مهدي المعموري 11 سنة، لكنه يمارس بيع الشاي للمارة وأصحاب المركبات في تقاطع ساحة عدن بوسط العاصمة بغداد، تحت شمس الصيف الحارقة، لتأمين لقمة العيش لإخوته، وهو يفعل ذلك منذ أن تعرّض والده للاختطاف على يد مجموعة مسلحة، ولا يعرف مصيره حتى اللحظة.
يقول المعموري، إنه ترك الدراسة مضطراً، لكنه لم يبتعد عن أجوائها، إذ يمارس البيع أحياناً للطلبة والمارة قرب المدارس والكليات، وحيث تتوفر فرص بيع في أي مكان ببغداد، مشيراً إلى أن “التقاطعات المرورية والساحات العامة تُعد مصدراً أساسياً للرزق، ورغم المشقة الكبيرة التي يعانيها خلال التجول في الطرقات حاملاً بيده إبريق الشاي، فإنه يعاني أكثر من مضايقات بعض الجهات الأمنية، وأفراد الإدارة المحلية في بعض المناطق، إذ يقومون بمنعه من ممارسة عمله لكسب الرزق.
على بعد أمتار من مكان الطفل المعموري، يقف الطفل علي مصطفى (13 سنة) حاملاً بعض علب المناديل ومجموعة من قناني المياه، وهو ينادي بصوت مرتفع: “مي بارد. كلينكس”، ليلفت أنظار المارة وأصحاب السيارات إلى بضاعته البسيطة. يقول الفتى البائع: “تركت المدرسة الابتدائية حين كنت في الصف الثاني كي أعمل في بيع المناديل وقناني المياه في الشارع، إذ أحتاج إلى أن أعيل نفسي وعائلتي. جئت مع أبي إلى العاصمة بغداد للعمل، ووالدي يعمل هو الآخر في بيع الشاي والمناديل بالشارع لتأمين احتياجات العائلة”.
وأوضح مصطفى أنه يخرج من البيت يومياً قبل الساعة السادسة صباحاً، “أعمل مبكراً في تفريغ حمولات الفواكه والخضراوات في السوق، وبعد الساعة الثانية عشر ظهراً، أعمل على بيع قناني المياه والمناديل في تقاطعات الشوارع، ويستمر ذلك تحت أشعة الشمس حتى الساعة السابعة أو الثامنة مساء، وأحياناً أتعرض خلال العمل في الشارع إلى مضايقات من أصحاب السيارات، ومن أشخاص مجهولين يعرضون عليّ ممارسة أعمال خطرة، والكثير من الأطفال الذين يعملون باعة جائلين يجري استغلالهم من قبل بعض العصابات ومروجي الممنوعات، لكنني أرفض ذلك تماماً”.
واستطرد قائلاً: “أتمنى العودة إلى المدرسة، ويحزنني مشاهدة أقراني من الأطفال أثناء توجههم صباحاً إلى المدارس، لكنني لا أستطيع التوفيق بين العمل والدراسة، فالبيع في الشارع عمل صعب، وتدهور أوضاعنا المعيشية جعلني أتحمل المسؤولية في سن صغيرة لمساعدة أبي المعاق، فلو لم أشارك في تأمين لقمة العيش لإخوتي الصغار، فقد يضيع مستقبلهم”.
وأعلنت وزارة التخطيط في مطلع العام الجاري، دخول نحو نصف مليون طفل عراقي إلى سوق العمالة، وارتفاع نسبة الفقر بين الأطفال إلى 38 في المائة، فيما تبلغ نسبة الفقر في العراق 25 في المائة.
وفي السياق، يقول الباحث الاجتماعي المختص في شؤون الأطفال، أحمد سعدون، إن “عمالة الأطفال أصبحت تتفاقم يوماً بعد يوم بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لأغلب العائلات العراقية، والتي لم تجد أمامها سوى الدفع بأبنائها إلى الشوارع بحثاً عن لقمة العيش”، مبيناً أنه “حسب إحصائيات غير رسمية، فإن 4 من بين كل 10 أطفال دفعتهم الظروف الاقتصادية إلى ترك مقاعد الدراسة ودخول سوق العمل، وأغلبهم يعملون باعة جائلين”.
وأضاف سعدون، أن “أغلب الأطفال الذين انخرطوا في سوق العمل تتراوح أعمارهم ما بين 7 إلى 13 سنة”، مبيناً أن “هذه الفئة العمرية الأكثر خطراً على البلاد، وإذا لم تعمل الحكومة العراقية والجهات المعنية على احتوائهم، ومحاولة إعادتهم إلى المدارس، أو تخصيص راتب شهري يسد احتياجاتهم ومتطلبات عوائلهم، فإنه سيجري استغلالهم في تنفيذ أعمال غير مشروعة”.
وتؤكد الناشطة المدنية زينب الخفاجي، أن “منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الأطفال رصدت خلال الآونة الأخيرة ارتياد أعداد كبيرة من الأطفال سوق العمل، بسبب زيادة نسب الفقر والبطالة في العراق، والتي ارتفعت إلى مستويات مخيفة تزيد عن 40 في المائة”.
وأضافت أن “الباعة الجائلين، وخصوصاً الأطفال منهم، لا حول لهم ولا قوة، وكل واحد منهم دفعته ظروفه الخاصة القاسية إلى الشوارع للعمل، إذ ماذا سيفعلون، أو كيف ستعيش عائلاتهم إذا لم يفعلوا ذلك؟”، ودعت الخفاجي الحكومة العراقية إلى “تحمّل مسؤولية توفير الحماية للأطفال، والعمل على إنهاء أسباب ارتيادهم سوق العمل، عبر إيجاد موارد ثابتة للأُسر الفقيرة، كي لا تضطر لإخراج أطفالها من المدارس، والدفع بهم إلى الشوارع، حيث يمكن أن يتعرّضوا للاستغلال من قبل عصابات الجريمة”.