غضب السائقين يشتعل في بغداد: الكاميرات الذكية تتسبب بفوضى المخالفات وسط غياب اللوحات الإرشادية

انفوبلس/ تقرير
بدأت مديرية المرور العامة في الأول من تموز الحالي تفعيل نظام الكاميرات الذكية في عدد من التقاطعات الرئيسة في العاصمة بغداد، إضافة إلى سريع محمد القاسم ومنطقة اليوسفية، وذلك بعد انتهاء فترة تجريبية. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الانضباط المروري والحد من المخالفات، في مسعى لتنظيم حركة السير وتقليل الحوادث.
ورغم إشادة العديد من أصحاب المركبات بهذه الخطوة التي تُعد نقلة نوعية في تطبيق قوانين المرور، إلا أنهم أشاروا إلى وجود ثغرات وتحديات رئيسية قد تُقلل من فعاليتها وتُثير استياء السائقين. ويأتي في مقدمة هذه الملاحظات الغياب الواضح للوحات الإرشادية والتحذيرية اللازمة.
ويُشدد سائقون على عدم وجود لافتات تُحدد السرعات المطلوبة على الطرق المراقبة بالكاميرات، أو لافتات تحذيرية تُنبه إلى وجود هذه الكاميرات المراقبة، وهو أمر معمول به في إقليم كردستان والعراق وحتى في الدول المجاورة التي سبقت بغداد في تطبيق أنظمة مماثلة. هذا النقص في الإرشاد قد يؤدي إلى تسجيل مخالفات بحق سائقين غير مدركين للسرعات المحددة أو لوجود المراقبة الآلية.
تطبيق "ويز"
ويقول محمد العامري، "لا أعرف لغاية الآن السرع المطلوبة مثلًا على سريع محمد القاسم، فلا توجد لافتات توضح ذلك، ولا توجد خطوط واضحة تبين المسارات". وتابع: "دائمًا استخدم تطبيق (ويز) الخاص بالخرائط والملاحة، ولولاه لما عرفت السرع المطلوبة في الشوارع العامة، أو وجود الكاميرات أو الرادارات المرورية".
يعتمد تطبيق "ويز" على مبدأ التعهيد الجماعي (Crowdsourcing)، حيث يقوم المستخدمون أنفسهم بالإبلاغ عن حركة المرور، الحوادث، تواجد الشرطة، وحتى مواقع الكاميرات والرادارات. هذا التفاعل المستمر بين المستخدمين يخلق قاعدة بيانات حية ومحدثة باستمرار، تخدم السائقين في الوقت الفعلي. ورغم أن هذا يمثل حلاً عملياً للمستخدمين، إلا أنه يسلط الضوء على تحدٍ كبير تواجهه السلطات العراقية: ضرورة توفير معلومات مرورية أساسية وضرورية عبر قنواتها الرسمية الواضحة والمنتشرة.
من جهتها، ذكرت رضاب حسين، أنها تعاني من معرفة السرع المطلوبة في الشوارع، ودائمًا ما تخشى من تجاوزها. وأضافت أن خطوة اعتماد نظام الكاميرات الذكيَّة "مهمة"، وأسهمت في تقليل الحوادث، بيد أنها تحتاج إلى شمول الدراجات النارية بها وتخطيط الشوارع ووضع لوحات تحذيرية، لأن الهدف المفروض هو التوعية وحماية أرواح المواطنين، وليس الغرامة.
وبهذا الصدد، يقول سائق التكسي عمار كاظم إن "على الدولة إكمال تخطيط الشوارع وتأثيثها من ناحية الإنارة والتبليط قبل أن تقوم بتغريم المواطنين من خلال نظام الكاميرات الذكية". ويضيف بغضب "هل من المعقول أن تكون شوارع غير مبلطة ولا تحتوي على أبسط الخدمات التي على الدولة توفيرها وتقوم بتغريم السائق عشرات الآلاف من الدنانير بسبب عدم ارتداء حزام الأمان؟".
ويتابع، "البنى التحتية غائبة عن شوارع العاصمة وحتى المحافظات أيضا، ويبدو أن هذه الكاميرات وسيلة جديدة لنهب أموال المواطن الفقير بحجة المخالفات المرورية، على الحكومة أن تقوم بتوفير الخدمات ومن ثم محاسبة السائقين المخالفين ليكون هناك عدل في جباية الأموال".
وبحسب مديرية المرور، فأنَّ النظام قادرٌ على تسجيل أكثر من مخالفةٍ في اللحظة نفسها، منها السرعة المفرطة، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، والسير عكس الاتجاه، وعدم لبس حزام الأمان، ومخالفات أخرى تتعلّق بسلامة الركّاب.
وأكدت مديرية المرور العامة أن نظام الكاميرات الذكية المطبّق في عدد من تقاطعات بغداد، أسهم بشكل ملحوظ في خفض نسب المخالفات المرورية، كما أسهم في رفع مستوى الالتزام لدى أصحاب المركبات.
وبيّنت، أن المرحلة القادمة من المشروع ستشمل تركيب النظام في 138 تقاطعاً ذكياً، بالإضافة إلى 60 راداراً ثابتاً و40 راداراً متحركاً، ضمن خطة تنفيذية خلال العام الحالي تُنفذ على ثلاث مراحل رئيسية، إذ سيتم تركيب 40 كاميرا و20 راداراً في الأشهر الأربعة الأولى، تليها المرحلة الثانية التي تشمل 48 كاميرا و20 راداراً، أما المرحلة الثالثة فستضم 50 كاميرا و20 راداراً.
بدوره، قال محمد نعمان: "لا فائدة من وضع كاميرات مراقبة مرورية في تقاطعات وشوارع معينة، إذ يجب أن تنتشر في جميع الطرق وحتى الأزقة". وأضاف أن الكثير من أصحاب المركبات يقللون السرعة مع قربهم من الكاميرا وبعد ذلك يعودون للسرعة المفرطة، كما أن هذه الكاميرات موضوعة من دون دلالة لها أو تحديد السرعة، ما يحدث إرباكا لسالكي الطريق أول مرة، فتصبح من دون فائدة، لذلك يجب على المسؤولين في المرور، الاطلاع على تجربة الإقليم أو دول الجوار كتركيا أو إيران.
أما مهند علي فأشاد بخطوة مديرية المرور، وقال: إنها جاءت متأخرة جداً، إلا أن ذلك أفضل من عدم تطبيقها. بيد أن علي أبدى استغرابه من غياب العديد من الأمور التي تسهم في إنجاح هذه التجربة، ومنها غياب تخطيط الشوارع، خاصة السريعة كمحمد القاسم وشارع القناة، فضلًا عن قلة أو انعدام اللافتات الإرشادية، إضافة إلى أن العديد من الإشارات المرورية لا تعمل بالشكل المطلوب، قائلًا: قبل أيام كنت في منطقة المنصور، وكانت السيارات متوقفة بسبب الإشارة الحمراء، لكن الغريب أن رجل المرور أوعز لأصحاب المركبات بالسير، رغم الإشارة حمراء، وهنا استغرب الجميع، هل يطبقون إشارة رجل المرور أم الإشارة الحمراء؟!.
علاوة على ذلك، أشار أصحاب المركبات إلى مشكلة أكبر تتعلق بالبنية التحتية للطرق، وهي عدم تخطيط الشوارع بشكل كافٍ وواضح، وغياب الأسهم الدالة على المسارات الصحيحة، وعلامات الأرض التي تُنظم حركة المركبات. هذه النواقص تُفاقم من صعوبة الالتزام بالقوانين المرورية، خاصة في التقاطعات الحيوية، وتُعرض السائقين للمخالفات حتى لو كانوا يجهلون بوضوح المسار أو السرعة المطلوبة.
فكيف لسائق أن يلتزم بمسار معين أو يتجنب مخالفة السرعة إذا كانت الخطوط الفاصلة غير مرئية، أو الأسهم التوجيهية مفقودة أو باهتة بفعل الزمن وعوامل التعرية؟ هذا الغياب في البنية الأساسية يجعل الكثير من المخالفات غير مقصودة، ويدفع السائقين لتغيير مساراتهم بشكل مفاجئ، مما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث ويُثير تساؤلات حول عدالة تطبيق الغرامات الآلية في مثل هذه الظروف.
الكثير من المواطنين يتساءلون: هل ستُراعي الكاميرات الظروف القاهرة التي تواجه السائقين في شوارع بغداد؟ أم أن المخالفات ستُسجل تلقائيًا دون أي مرونة أو تدخل بشري؟ وهل ستوفر الجهات المختصة آليات للطعن والاعتراض على الغرامات إلكترونيًا بشكل سلس وعادل؟
كما يثير النظام مخاوف من احتمال وجود أخطاء تقنية قد تؤدي إلى تسجيل مخالفات غير صحيحة، خصوصًا مع الاستخدام الكثيف والتداخلات المحتملة في التقاطعات المزدحمة. إلى جانب المخاوف المرورية، يطرح البعض تساؤلات حول تأثير هذا النظام على خصوصية السائقين، وهل يتم تخزين بيانات الفيديوهات وكيف ستُستخدم، وهل هناك ضمانات لعدم استغلالها بطرق غير قانونية؟.
بدوره، يلفت الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إلى أن "قانون المرور رقم 8 للعام 2000 نص على مضاعفة مبالغ الغرامات في حال عدم تسديدها، فإذا كانت الغرامة 20 ألف دينار ولم يتم تسديدها تصبح 40 ألف دينار، وبالتالي الغرامات الجديدة التي سيتم فرضها عبر منظومة الكاميرات الذكية قاسية نوعا ما".
ويكمل، "المواطن مضطر لدفع غرامات كبيرة نتيجة تفعيل هذه الكاميرات الذكية، ويبدو أن الغرض من هذا النظام هو جمع الغرامات لإضافتها إلى ميزانية الدولة على حساب جيوب المواطنين ولا يوجد بديل غيرها حيث الدولة لم توفر بديلا عن السيارات كإنشاء محطات مترو أو توفير وسائل نقل نهرية أو باصات بديلة".
ويختم حنتوش أن "عملية جباية الإيرادات من المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر غير صحيحة وهذه العملية يطلق عليها في جميع دول العالم باقتصاديات تقليل النمو".
والخلاصة، فإن تجربة الكاميرات الذكية تُعد خطوة مهمة نحو تحديث إدارة المرور في بغداد، وتطويرها بما يتماشى مع الأنظمة الحديثة المطبقة عالمياً. إلا أن نجاح هذا النظام بشكل كامل وفعال يتطلب جهداً تكاملياً من مديرية المرور والجهات الخدمية الأخرى.
ويجب أن تُصاحب عملية تفعيل الكاميرات حملة توعية مكثفة، وتركيب شامل للوحات الإرشادية والتحذيرية التي توضح للسائقين متطلبات الطرق والسرعات المحددة. كما يتوجب على الجهات المعنية الإسراع في إعادة تخطيط الشوارع وتجهيزها بالعلامات المرورية الأرضية والأسهم الدالة، لضمان بيئة مرورية آمنة ومنظمة وواضحة للجميع، ولتحقيق الهدف المنشود من تفعيل هذه الأنظمة الذكية.