فضيحة الجيوش الإلكترونية تتعرى: تحديث “إكس” يفضح آلاف الهويات المزيفة.. تلاعب بالرأي العام واستهداف لـ"الشيعة" من خارج الحدود

انفوبلس/..

شهدت الساحة الرقمية العراقية خلال الأيام الماضية زلزالاً حقيقياً، لا يشبه موجات الجدل المعتادة، ولا يمكن اختزاله في خلاف افتراضي بين مدونين. فقد أطلقت منصة “إكس” خاصية جديدة تُظهر الدولة التي يُدار منها كل حساب، في خطوة صدمت المستخدمين، وكشفت حجم التضليل الذي كان يتخفى لسنوات خلف أسماء عراقية وصور رمزية وشعارات وطنية.

التحديث الجديد لم يكن تقنياً بحتاً كما ظنه البعض، بل كان حدثاً سياسياً واجتماعياً بامتياز، مسّ جوهر البيئة الرقمية العراقية، وكشف عن واحدة من أكبر عمليات التلاعب في الرأي العام، خصوصاً بعدما تبين أن عدداً كبيراً من الحسابات التي تثير الفتن الطائفية داخل العراق، وتحديداً ضد المكون الشيعي، لا تدار من بغداد أو البصرة أو النجف، بل من عواصم خليجية وأوروبية.

هذه الحقيقة التي كانت تناقش همساً طوال السنوات الماضية، ظهرت فجأة إلى العلن، لتفتح الباب أمام أسئلة خطيرة عن مستقبل النقاش العام، والسيادة الرقمية، وحماية المجتمع من حملات التضليل التي تُدار من خارج الحدود لاستهداف وحدته ونسيجه.

صدمة “الموقع الجغرافي” وانكشاف الفوضى

بمجرد ظهور الخاصية الجديدة، دخل العراقيون في موجة صمت قصيرة مملوءة بالذهول. فخلال ساعات، بدأت الحسابات التي طالما قدمت نفسها على أنها “مدافعة عن العراق” أو “معبرة عن صوت الشعب” أو “مراقبة للوضع الأمني” تظهر أعلاماً لدول لا علاقة لها بالعراق السعودية، الإمارات، قطر، الأردن، تركيا، ألمانيا، السويد، هولندا، بريطانيا وغيرها.

حتى الحسابات التي كانت ترفع شعارات طائفية وتحرض ضد المكون الشيعي ظهرت فجأة وكأنها غرف عمليات خارجية، بعضها يدار من مدن أوروبية، وبعضها الآخر من الخليج.

هذه الصدمة، كما يقول الخبير الرقمي رسول علي، لم تكن مستغربة لدى المختصين، بل كانت “كشفاً متأخراً لحقيقة راسخة”، موضحاً أن الفوضى الإعلامية على منصات التواصل العراقية “أكبر بكثير مما يعتقده الجمهور”.

يقول علي إن العديد من هذه الحسابات كانت مرصودة منذ سنوات، خاصة خلال فترة الحرب على داعش، حين استخدمت جهات خارجية منصة “إكس” للتحريض، والتلاعب بالروايات، ودعم التنظيم إعلامياً، في وقت كانت الحكومة العراقية تفتقر للأدوات الضرورية لمواجهة هذا النوع من الحروب السيبرانية.

حسابات أجنبية… تتحدث بلهجة عراقية وتزرع الفتن

من بين أبرز ما كشفه التحديث الجديد هو سقوط الأقنعة عن آلاف الحسابات التي كانت تُقدّم نفسها بوصفها “عراقية غيورة”، وتدّعي الدفاع عن “الهوية الوطنية” بينما هي في الواقع أدوات مأجورة تعمل وفق أجندات محددة.

تبين أن جزءاً كبيراً من الحسابات التي تستهدف المكوّن الشيعي بالتحريض أو التشويه أو نشر الشائعات لا يُدار من داخل العراق إطلاقاً، بل من دول خليجية، ومن شبكات في أوروبا يُشتبه بارتباطها بمراكز ضغط ومؤسسات إعلامية ذات توجهات سياسية.

هذه الحسابات كانت تنخر النقاش العراقي من الداخل، وتدفعه نحو الاشتباك الطائفي، مستخدمة لهجات عراقية مصطنعة، وصور رمزية محلية، وعبارات توحي بأنها “أبناء البلد”.

قانون الأحوال الشخصية نموذج حي للتلاعب الخارجي

الخبير رسول علي كشف جانباً أكثر خطورة، حين أشار إلى أن التحديث الجديد أظهر أن بعض الحملات الرقمية التي شاركت في معارضة قانون الأحوال الشخصية الجديد لم تكن عراقية، بل كانت جزءاً من عمليات ضغط من حسابات تُدار من تركيا وألمانيا ودول أخرى.

هذه الحملات لم تكن “وجهات نظر فردية”، بل هجمات منظمة، استهدفت توجيه الرأي العام العراقي في قضية حساسة للغاية، مستندة إلى آلاف الحسابات الوهمية أو المموّلة.

هذا النموذج ليس استثناءً، بل يعكس نمطاً واسعاً من التدخلات التي تستغل هشاشة البيئة الرقمية في العراق، وضعف الرقابة الحكومية، لتحريك الشارع أو توجيه المزاج العام وفق ما تريده جهات خارجية تمارس تأثيراً هادئاً ومدروساً.

رأي مقابل… لكنه لا ينفي حقيقة التدخل الخارجي

على الجانب الآخر، يرى الخبير التقني علي مصطفى أن قرار “إكس” لا يحمل أي دوافع سياسية، بل يأتي في سياق مكافحة التضليل، وتقليل نفوذ الحسابات الوهمية المدارة من خلال برامج مؤتمتة أو مزارع إلكترونية.

ويقول إن الهدف الرئيسي هو تعطيل عمل الجيوش الإلكترونية، ورفع مستوى الشفافية.

لكن حتى هذا الرأي التقني لا ينفي حقيقة أن الفضاء العراقي مكتظ بالحسابات غير المحلية، ولا يمنع الاستنتاج بأن البلاد تعيش منذ سنوات ضمن ساحة صراع رقمي مفتوح تشارك فيه جهات داخلية وخارجية، تسعى كل منها لتوجيه الرأي العام نحو مسارات معينة.

مصطفى يعترف بأن الخاصية ورغم إيجابياتها قد تهدد خصوصية بعض المدونين، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في دول غير مستقرة أو يخشون الملاحقة، لكنه يؤكد أن تجاوز الخاصية ممكن عبر أدوات مثل الـVPN، وهو ما يعني أن “الأذكى رقمياً” سيظل قادرًا على التخفي.

الساحة العراقية… الحلقة الأضعف في حرب المعلومات

انكشاف الحسابات الأجنبية التي تتلاعب بالشارع العراقي لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان مؤلماً. فطوال السنوات الماضية، كانت النقاشات السياسية والمجتمعية في العراق تُدار وتُوجَّه من قبل جيوش إلكترونية ودوائر خارجية، تستثمر في انقسامات المجتمع، وتعزف على وتر الطائفية، وتستهدف المكوّن الشيعي على وجه الخصوص، باعتباره الأكثر حضوراً في مواقع القرار وأكثر تأثيراً في المعادلة السياسية.

لقد تحولت “الساحة العراقية” إلى منطقة رخوة، ليس فقط بسبب تعدد الأزمات، بل لأن الدولة ذاتها لم تواكب التطور التكنولوجي الذي سمح لقوى خارجية بإدارة نقاشات الداخل. هكذا وُلدت آلاف الحسابات المضادة التي تتحدث بلسان عراقي بينما تخدم وجهات نظر دول أخرى، بعضها يمتلك أجندات سياسية، وبعضها مدفوع بغايات استخباراتية، وبعضها الآخر مجرّد أداة للاستفزاز وإشعال النعرات.

التحريض ضد الشيعة… من أين يُدار؟

أخطر ما كشفه التحديث أن قسماً كبيراً من الحسابات التي تروج للكراهية الطائفية ضد المكوّن الشيعي تدار من خارج البلاد.

هذه الحسابات نشطت في كل الملفات: الانتخابات، قضايا الحشد الشعبي، الاحتجاجات، التشكيك بالأمن، ضرب الرموز الدينية، وحتى الترويج لأخبار مفبركة تستهدف زعزعة الثقة بالمؤسسات.