قائمة الاستبعاد تقترب من الصدور.. أسماء سياسية بارزة مهددة بالإقصاء من سباق انتخابات تشرين

انفوبلس/..
تترقب الأوساط السياسية، أن تصدر خلال الأيام القريبة، قائمةً باستبعاد مرشحين عن الانتخابات التشريعية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، حيث ستُصدر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قائمةً بأعداد المرشحين المستبعدين نتيجة شمولهم بقانون المساءلة والعدالة، فضلاً عن أحكام قضائية.
ووفقاً لمصادر مطلعة وتقارير لوسائل إعلام محلية فإن قرابة 30 شخصية سياسية سوف تُشمل بقائمة الاستبعاد من الانتخابات المقبلة، حيث جرى تداول أسماء كل من، رئيس البرلمان الأسبق سليم الجبوري، والسياسي صلاح الجبوري، والقائد السابق في جهاز مكافحة الإرهاب عبدالغني الأسدي، ومزاحم التميمي وآخرين.
وكان مجلس القضاء الأعلى، قد شدد، الشهر الماضي، على ضرورة التدقيق في ملفات المشمولين بإجراءات هيئة المساءلة والعدالة التي عُرفت سابقاً بـ«الاجتثاث» لأعضاء حزب «البعث» المحظور للحيلولة دون وصولهم إلى قبة البرلمان في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومع كل دورة برلمانية انتخابية يتجدد الجدل حول عمل هيئة المساءلة وغالباً ما يتهم عمل الهيئة، خاصة من قبل القوى والأحزاب السنية "بالمحاباة والتمييز" بين الأشخاص الذين ينوون الترشح للانتخابات أو الذين يشغلون مناصب عليا في الدولة يمنع القانون حصولهم عليها.
ومع ذلك، سمحت الهيئة لشخصيات عديدة بشغل مناصب رفيعة، خصوصاً في المؤسسات الأمنية بوزارتي الداخلية والدفاع بعد حصولهم على "استثناءات" من رئاسة الوزراء.
*قانونية الاستبعاد
لكن مفوضية الانتخابات، ترى أن عملية الاستبعاد تتم وفق ضوابط وقوانين معمول بها في كل موسم انتخابي جديد، لاسيما أنها مطبقة منذ أول انتخابات جرت بعد العام 2003.
وتقول جمانة الغلاي المتحدثة باسم المفوضية، إن فترة تقديم قوائم المرشحين للانتخابات قد أُغلقت، والمفوضية الآن في مرحلة تدقيق بيانات المرشحين والتأكد من استيفاء كافة الشروط القانونية والفنية.
وأكدت الغلاي في تصريح صحفي، إن “المفوضية تتعامل حالياً مع نوعين من الإجراءات، هما الاستبدال والاستبعاد، وأن أغلب حالات الاستبدال تعود إلى عدم استيفاء القوائم لشروط التمثيل النسائي أو لمتطلبات الشهادات العلمية، حيث ينص القانون الانتخابي على ضرورة وجود نسبة معينة من المرشحين من حملة الشهادات العليا (البكالوريوس فما فوق)، وأيضاً ضمان التمثيل النسائي المناسب في كل قائمة انتخابية. في حال عدم توفر هذه الشروط، تطلب المفوضية من الأحزاب والتحالفات استبدال المرشحين”.
أما حالات الاستبعاد، فأشارت إلى أنها “تشمل المرشحين الذين لم يكملوا إجراءاتهم أو لم يقدموا الوثائق المطلوبة رسمياً للجهات المختصة، رغم تسجيلهم إلكترونياً”.
*تنقية القوائم الانتخابية
من جهته، قال المحلل السياسي صباح العكيلي، إن “لجنة المساءلة والعدالة تتحمل مسؤولية مباشرة وكاملة في دراسة ملفات المرشحين للانتخابات، بما يشمل السجلات الأمنية والشهادات والسير الذاتية، مؤكداً أن اللجنة تمتلك التخويل القانوني لإبعاد أي مرشح يثبت أنه مشمول بالقوانين والضوابط الخاصة التي تمنع ترشحه، سواء كان ذلك لأسباب مرتبطة بخلفيته العسكرية، أو لانتمائه السابق إلى حزب البعث المحظور أو أحد أركان النظام السابق”.
وأوضح، أن “هذا الإجراء جزء من عمل مؤسسي يهدف إلى تنقية القوائم الانتخابية من الأسماء غير المؤهلة قانونياً”، مضيفاً أن “أعداد المرشحين الذين قد يشملهم هذا القرار ليست قليلة، وقد تصل إلى العشرات في الدورة الحالية”.
وبيّن أن “القرارات الصادرة عن اللجنة ليست نهائية بالضرورة، إذ يحق لأي مرشح تم استبعاده أن يتقدم بطعن قانوني، وفي حال وجود مبررات أو نقص في الأدلة، يمكن إعادة النظر في القرار وإلغاؤه”.
وأشار إلى أن “صلاحيات اللجنة لا تقتصر على جانب المساءلة السياسية فقط، بل تشمل التأكد من استيفاء الشروط الدستورية والقانونية للترشح، مثل خلو المرشح من أي أحكام قضائية أو قيود أمنية، وعدم شغله لمنصب عسكري أو أمني رفيع دون استقالة مسبقة وفق المدد القانونية”. كما أوضح أن “اللجنة تعمل بالتنسيق مع جهات حكومية أخرى مثل وزارتي الداخلية والدفاع وهيئة النزاهة، للتأكد من سلامة الوضع القانوني للمرشح”.
واستبق رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، قوائم المرشحين المستبعدين، حيث قال في بيان الجمعة، إن "الدستور العراقي نصّ على حظر حزب (البعث) ومنع رموزه من العودة إلى الحياة السياسية تحت أي مسمى أو عنوان"، مضيفاً أن انتماءهم للحزب "يُعد جريمة لا تسقط بالتقادم".
وأشار المالكي إلى أن هذا الدستور، في هذا الخصوص، "استجاب لمرحلة مظلمة من تاريخ العراق، عاش فيها الشعب سنوات من القمع والتمييز والدماء على يد نظام استبدادي استند إلى فكر عنصري وإرهابي وطائفي".
وأوضح المالكي أن "الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة" أنشئت انطلاقاً من هذا المبدأ الدستوري، لتكون الجهة المختصة بـ"كشف البعثيين، وجمع الأدلة التي تُثبت انتماءهم، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، بما في ذلك منعهم من الترشح أو المشاركة في العملية السياسية".
*لا يرتبط بالانتقام السياسي
من جهته، رد رئيس هيئة المساءلة والعدالة، باسم محمد يونس، على مزاعم تسييس أحكامها، فيما أكد أن تدقيق قوائم مرشحي الانتخابات لا يرتبط بالانتقام السياسي.
وقال رئيس الهيئة في مقال جاء فيه: مع كل موسم انتخابي، تتجدّد أجواء السجال الدستوري والقانوني أحياناً، والسياسي أو الشخصي غالباً، حول من يحق له الترشّح من عدمه والظروف والاعتبارات التي يرتبط أهمها بالضمانات التي تحمي الإرادة الشعبية من اختراقات قد تمس جوهر الديمقراطية الناشئة في العراق. وأخيراً، تردد هذا النوع من النقاش بالتزامن مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وتحديداً حول ما نُسب إلى الهيئة التمييزية القضائية المشرفة على قرارات الهيئة العليا للمساءلة والعدالة، بشأن عدولها عن بعض قراراتها السابقة التي أقصت مرشحين ينتمون إلى حزب البعث المنحل".
وأضاف: "إزاء واجب تحصين مؤسسات الدولة وتأصيل القواعد الدستورية والقانونية التي تتحرك وفقها، فإننا نؤكد ابتداءً قانونية إجراءات هيئة المساءلة والعدالة، وسلامة مسار الهيئة التمييزية القضائية سواء في قرارات العدول عن قرارات سابقة في بعض الحالات، باعتبار ذلك من جوهر العمل القضائي القائم على المراجعة والاجتهاد المشروع، أو لجهة مراجعة واستكمال ملفات لم تكن مكتملة في ما سبق".
وعلى ذلك، من الجدير الإشارة إلى التالي:
أولاً: الأسس الدستورية والقانونية التي تُرتّب التزامات الإقصاء السياسي: إذ تنص المادة (135) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على استمرار العمل بأحكام “هيئة اجتثاث البعث” مع إعادة تسميتها إلى “الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة”. وبذلك، فإن الدستور منح الهيئة شرعية انتقالية – مؤسساتية، تُرتّب التزامات على الدولة في تصفية آثار النظام البائد، ضمن سقف القانون، وبما لا يتعارض مع الحقوق والحريات.
وقد تم تنظيم عمل الهيئة بموجب القانون رقم (10) لسنة 2008، الذي وضع ضوابط واضحة لتولي المناصب العليا والوظائف العامة. وجاء في المادة (6) منه ما يؤكد على إبعاد كل من احتل مواقع قيادية في الحزب المنحل، أو مارس دورًا في قمع الشعب العراقي، أو في الترويج لسياسات وفكر البعث الصدامي.
إن وجود هيئة قانونية وفق هذا الدور لا يتنافى مع أسس الديمقراطية، بل يحميها. فالديمقراطية الناجحة لا تعني إلغاء الذاكرة، بل في تجارب مشابهة شيدت على أساس مبدأ “العدالة الانتقالية” الذي يضمن عدم عودة أدوات الأنظمة الشمولية عبر نوافذ دستورية.
ومن هنا فإن دور الهيئة في تدقيق قوائم المرشحين إلى الانتخابات، هو دور قانوني وواجب وطني لا يرتبط بمعطيات سياسية مرحلية أو تدافع انتخابي.
ثانياً: قرارات هيئة المساءلة والعدالة خارج التوقيتات السياسية: فالهيئة تستند في قراراتها إلى ملفات رسمية وبيانات موثقة يتم جمعها وتدقيقها من أوليات الحزب المحظور وأوليات الأجهزة القمعية، وتراجع تلك الملفات مع مؤسسات الدولة ذات العلاقة، مثل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وزارة الداخلية، والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية، وديوان الرقابة المالية. ومن خلال إجراءات مُحكمة، تُرسل الهيئة قوائمها الخاضعة للتدقيق إلى الجهات المعنية سواء المؤسسات التنفيذية المعنية بتدقيق موظفيها، خصوصاً المرشحين إلى المناصب العليا، أو إلى مفوضية الانتخابات حيث تأخذ الهيئة في الاعتبار التوقيتات الدستورية المحددة، وتمنح حق الطعن أمام الهيئة التمييزية القضائية خلال مدة قانونية محددة، بما يعزز من ضمانات العدالة.
إن توقيت قرارات المساءلة لا يُعد تدخلاً في الشأن الانتخابي، بل هو جزء من الفرز القانوني الذي يسبق التصويت للتمثيل الشعبي، فالديمقراطية لا تبدأ من صناديق الاقتراع، بل من تنظيفها من المرشحين غير المؤهلين قانونًا، وهذا جوهر الاستحقاق الدستوري الذي تمارسه الهيئة.
ثالثاً: استقلال الهيئة التمييزية القضائية وصحة عدولها: تشكلت الهيئة التمييزية القضائية الخاصة بالنظر في طعون المساءلة والعدالة بموجب أحكام القانون، وتتكوّن من قضاة محترفين يُرشحهم مجلس القضاء الأعلى، وتعمل بإشراف مباشر من رئاسة محكمة التمييز الاتحادية.
وفي هذا الصدد فإن عدول الهيئة التمييزية عن بعض القرارات السابقة، لا يُعد طعنًا في السياق القضائي، بل هو دليل مرونة قضائية عالية واستجابة للمعطيات الجديدة. فالعدالة لا تقوم على الجمود، بل على التقييم الدقيق والمراجعة المستمرة في ضوء المستجدات والوقائع التي قد تكون غابت سابقًا.
ففي حالات عديدة، قد يظهر مستند جديد، أو شهادة تميّز بين من كان عضوًا شكليًا في الحزب المنحل، وبين من كان مسؤولًا قياديًا ذا صلة بالجرائم أو سياسات القمع. و”العدول” في هذه الحالة يكون بمثابة تصحيح لمسار وليس تراجعاً عن المبدأ.
رابعاً: التمييز بين العضوية الشكلية والفاعلية الحزبية: فقد حرصت هيئة المساءلة والعدالة على هذا التمييز، كما استقرت أحكام الهيئة التمييزية على هذا المبدأ، فهي تتعامل مع كل حالة على أنها قضية مستقلة لا تخضع للسابقة القضائية، ومن هنا جاء مبدأ التمييز بين العضوية الشكلية في حزب البعث، التي كانت في فترة من الزمن مفروضة على كثير من المهنيين والطلبة والموظفين، وبين الفاعلية الحزبية والقيادية التي كانت تنتج نفوذًا أو إثراءً غير مشروع أو أذى عامًا.
والعدالة لا تُفصل بالمطلقات، بل تُقاس بالمضمون، فمن انتمى للحزب المحظور من دون أن يمارس أدواراً تنظيمية أو أمنية أو قمعية، لا يُعامل كمن شارك في اتخاذ القرار أو نفّذ سياسات الترهيب والإقصاء أو التعذيب.
وعلى ذلك، فإن قرار العدول القضائي لصالح أو ضد بعض المرشحين يعدُّ تفسيرًا أكثر دقة لقانون هيئة المساءلة والعدالة، بما يحمي الأبرياء من دون أن يبرّئ المجرمين. وهي مقاربة تُعلي من شأن العدالة كقيمة دستورية، لا كأداة انتقام سياسي.
خامساً: الحصانة القانونية لمؤسسات العدالة الانتقالية من التسييس: مؤسف أن هناك من يلقي اتهامات غير مسؤولة باتجاه مؤسسات المساءلة والقضاء، في حين أن هذه المؤسسات تُمارس وظائفها ضمن القانون، وتخضع للرقابة القانونية، وتُفسح المجال للطعن والتظلم.
إن اعتماد الهجوم على المؤسسات بدلاً من الوسائل القانونية المتاحة من الطعن والتمييز، يفتح الباب للفوضى ويقوّض هيبة الدولة، فالعدالة لا تُدار من خلال المنابر والشعارات والاجتهادات الشخصية أو الحزبية أو الإعلامية، بل عبر القانون والنظام القضائي.
الدفاع عن استقلال الهيئة التمييزية ليس المقصود منه تحصينها من النقد، بل رفض تسييس أحكامها، كما أن تطوير القراءات والمراجعات القضائية هو جزء من تطوير النظام القانوني، وليس إشارة إلى خلل فيه.
سادساً: الأثر الإيجابي التراكمي على العملية الانتخابية: إن تدقيق المرشحين قبل خوضهم الانتخابات هو أول خط دفاع عن شرعية مجلس النواب المقبل، الذي ستنبثق منه حكومة وموازنة عامة وتشريعات ورقابة، ويجب أن يكون قائمًا على أسس قانونية سليمة.
كما أن تمكين المؤسسات الدستورية والقانونية من أداء واجبها، هو اختبار حقيقي لجدية الدولة في تنظيم انتخابات نزيهة لا يُستخدم فيها الماضي لإعادة إنتاج الفوضى.
إن دعم قرارات المساءلة والعدالة والهيئة التمييزية يرسل رسالة اطمئنان إلى الناخب، مفادها أن الدولة لا تتسامح مع الماضي القمعي، ولا تظلم من لم يتورط بهذا القمع.
وهذا التوازن هو روح العدالة الحقة، وجوهر الدولة الدستورية، واستحقاق للذاكرة العراقية التي لا تُمحى بشعار ولا تُستعاد بثأر.