قراءة رقمية لـ7 سنوات: انفوبلس تتتبع ملف رفع العيداني دعاوى بحق منتقدي سياساته في البصرة

انفوبلس/ تقرير
لا يزال المشهد الذي وثقته كاميرات الهواتف المحمولة على كورنيش البصرة يثير تفاعلاً واسعاً وجدلاً محتدماً: شاب بصري يحتج على أزمة المياه متسائلاً عن إنجازات المحافظ أسعد العيداني خلال سبع سنوات، ليُقابَل برد غاضب من المحافظ الذي اعتبر "السماح بالسؤال" إنجازاً بحد ذاته. ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على ملف استمرار العيداني برفع دعاوى بحق منتقدي سياساته بالتواريخ والأسماء.
تُعد أزمة المياه في البصرة تحدياً متواصلاً منذ سنوات، حيث تعاني المحافظة من شح المياه العذبة وتلوثها، مما يؤثر على الصحة العامة والزراعة والاقتصاد. وقد شهدت البصرة احتجاجات متكررة على خلفية هذه الأزمة، مما يزيد الضغط على الحكومة المحلية والمركزية لإيجاد حلول جذرية ومستدامة.
القضية الأخيرة
لا يزال التفاعل مستمراً وبشكل واسع على موقف محافظ البصرة، أسعد العيداني، من شاب بصري استوقفه أثناء جولة له على كورنيش البصرة. الشاب احتج على أزمة المياه في المحافظة، متسائلاً عما أنجزه المحافظ خلال 7 سنوات من توليه المنصب.
وجاء رد العيداني بنبرة "غاضبة"، حيث اعتبر السماح بهذا السؤال بحد ذاته "إنجازاً"، بوصفه مؤشراً على مدى حرية التعبير في البصرة. هذا الموقف أثار جدلاً واسعاً بين من يرى فيه دليلاً على انفتاح المحافظة على النقد، وبين من يعتبره تهرباً من الإجابة المباشرة على قضية خدمية حيوية.
وبخلاف أنّ حرية التعبير "حق دستوري" مفروض على السلطات وليست هبة من المحافظ، فإنّ فترة سلطة العيداني في البصرة شهدت قائمة طويلة من الانتهاكات وممارسات التضييق على الحريات العامة.
حرية التعبير
وردت حرية التعبير في الدساتير العراقية منذ عام 1925، وهو تاريخ أول دستور عراقي، والذي سُمّي بالقانون الأساسي العراقي لعام 1925، فقد أشار هذا الدستور في الباب الأول المسمى حقوق الشعب في مادته 12: أن للعراقيين حرية إبداء الرأي، والنشر، والاجتماع، وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ضمن حدود القانون.
أما الدستور المؤقت لعام 1958 الذي أعلن سقوط دستور 1925 فقد جاء في ثلاثين مادة، وكانت المادة العاشرة منه تشير إلى أنّ حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون.
وكرر الدستور العراقي المؤقت في 21 أيلول 1968 الفقرة نفسها من الدستور السابق، إلا أنها حملت التسلسل (31): إنّ حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في حدود القانون.
لحق بالدستور المؤقت لعام 1968 دستور مؤقت آخر في عام 1970، والذي سمي دستور الجمهورية العراقية المؤقت، الذي حدد في فقرته رقم (26): أن الدستور يكفل حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون. وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي.
أما آخر تشريع يتعلق بحرية التعبير فقد ورد في الوثيقة النهائية، الدستور العراقي الدائم والمصادق عليه في الاستفتاء الشعبي العام في 2005، والذي نص على ضمان حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وكذلك حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ملف العيداني
تولى رجل الأعمال والقيادي بحزب المؤتمر الوطني العراقي، أسعد العيداني منصب محافظ البصرة في ديسمبر 2017، خلفًا للمحافظ الهارب والقيادي في تيار الحكمة ماجد النصراوي، حيث انتخب مجلس محافظة البصرة العيداني بغالبية الأصوات.
وشهدت فترة توليه المنصب أحداثا مهمة، أبرزها تظاهرات تموز 2018، والتي توسعت لتصل إلى إحراق مبنى المحافظة والمجلس، إضافة إلى مقرات الأحزاب والقنصلية الإيرانية، ثم تظاهرات تشرين الأول 2019، وموجة الاغتيالات بحق الناشطين 2020، وتخللتها أزمات خدمات خانقة، أبرزها أزمة الماء المالح.
تظاهرات 2018
كانت تظاهرات البصرة في تموز 2018 أول اختبار حقيقي للمحافظ الجديد، حيث بدأت الشرارة من شمال البصرة خلال تظاهرة تطالب بالعمل والخدمات، ثم اتسعت إثر مواجهتها بالعنف المفرط وحملة تحريض من قبل سلطة العيداني والحكومة الاتحادية على حد سواء.
وتعامل العيداني مع تلك الاحتجاجات بوصفها أعمال شغب "تُدار من الخارج"، واستخدمت قوات الأمن الرصاص الحي على هذا الأساس، كما سمح بتدخل "قوات" لقمعها، ما خلف أكثر من 15 قتيلاً و190 جريحًا، وفقًا للأرقام الرسمية، في حين تشير إحصائيات غير رسمية إلى عدد أكبر من الضحايا.
تظاهرات 2019 - 2020
بعد نحو عام كانت البصرة تعيش احتجاجات تشرين التي عمت معظم محافظات العراق، وقد عمدت سلطة المحافظ أسعد العيداني إلى العنف المفرط في مواجهتها أيضًا، بالتزامن مع اغتيالات طالت أبرز الناشطين والصحفيين.
وفي اليوم الأول للاحتجاجات، اقتحم مسلحون مجهولون شقة الناشط حسين عادل وأطلقوا عليه النار مع زوجته سارة، بعد نحو ساعة من عودتهما من الاحتجاجات، ما أسفر عن مقتلهما فورًا.
ومع عودة الاحتجاجات وتصاعدها، أصدر المحافظ وقائد الشرطة الأوامر لتفريق المتظاهرين، وحينها دهست سيارات عسكرية مسرعة انطلقت من داخل المحافظة مجموعات من المحتجين، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم، كما أقدم قائد قوات الصدمة علي مشاري، وهو أحد أعضاء اللجنة الأمنية في المحافظة، التي يرأسها المحافظ على اقتحام الاعتصام واعتقال عدد كبير من المعتصمين، ثم قتل آخرين خلال حملات الحكومة لإزالة ساحة الاعتصام.
في الأثناء، كانت البصرة تشهد عمليات اغتيال ممنهجة استهدفت أبرز المطالبين بالحقوق والحريات العامة، ومنهم تحسين أسامة، و"لوديا وفهد وعباس"، ريهام يعقوب، الصحفي أحمد عبد الصمد، المصور صفاء غالي، تلتها محاولات لإسكات آخرين مقابل وظائف، ما أدى إلى إفراغ المدينة من الأصوات الاحتجاجية بشكل شبه كامل.
مطاردة الناشطين
وعلى الرغم من تراجع الاحتجاجات إثر الاغتيالات وأعمال العنف في البصرة، لم تتوقف الملاحقات بحق الناشطين المعارضين، استمر العيداني برفع دعاوى بحق منتقدي سياساته في البصرة.
في عام 2024، أقدم العيداني على مقاضاة الناشط أحمد مهلهل بعد تنظيم احتجاج للمطالبة بكشف شبهات فساد تحوم حول زوجة المحافظ، وصدر إثر ذلك حكم بالسجن 3 سنوات بحق الناشط، قبل أن يتنازل العيداني عن القضية بوساطة من أحد النواب.
وفي عام 2020، اعتقلت الشرطة الناشط جبار علي، بدعوى قضائية من المحافظ أسعد العيداني، حيث اتهم بالتحريض على التظاهر واستلام أموال من الخارج، رغم أن الشاب كان يعمل في "ستوتة". حينها نشر العيداني فيديو وهو يستجوب المتظاهر ويوجه له اتهامات بتلقي أموال من الخارج، ثم أطلق سراحه بعد مناشدات أطلقتها عائلته عقب فترة قضاها في السجن، ليعتزل الحراك الاحتجاجي.
وفي 2023، رفع العيداني دعوى ضد الإعلامي حيدر الحمداني بعد حديث عن "هدر للأموال" خلال بطولة الخليج، وانتهت القضية بكفالة دون التنازل عن الدعوى من قبل المحافظ.
وفي 2025، صعّد المحافظ العيداني من الدعاوى ضد الناشطين وقادة الحراك الاحتجاجي، من بينهم مسؤول تنسيقية تظاهرات قضاء المدَيْنَة عبد الغفار جبار العوضي، الذي اضطر إلى توقيع تعهد بـ "عدم المساس بالحق العام وغلق مؤسسات الدولة".
ومطلع هذا الشهر، أقدم العيداني على مقاضاة الناشط المدني عمار الحلفي على خلفية انتقادات حول الخدمات وملوحة المياه، قبل أن يتنازل عن الدعوى بعد وقفة احتجاجية ووساطة من قبل شيوخ عشائر.
وجاءت آخر الدعاوى، يوم الثلاثاء 22 تموز/يوليو 2025، وطالت عبد الستار التميمي، الذي نظّم وقفة احتجاجية عقب إزالة محلاته التجارية مؤخرًا ضمن إجراءات تنظيم الأسواق والتجاوزات في المحافظة.