قروض كبيرة لمصارف خاصة استُغلت للمتاجرة بالدولار.. مسؤول رفيع يعطّل التحقيق
انفوبلس/..
فضيحة مدوية تفجرت مؤخراً، تمثلت بالكشف عن عملية فساد حدثت من قبل البنك المركزي العراقي الذي مدَّ مصارف خاصة بقروض كبيرة استُغلت للمتاجرة بالدولار، وفيما تطالب هيئة النزاهة بتشكيل لجنة للتحقيق يقف مسؤول كبير في البنك حائط صد أمام هذه المطالبات، ويكتفي بتشكيل لجنة من صغار الموظفين؛ لكونه متورطاً بهذه العملية.
*بداية الأزمة
في نهاية العام الماضي، كشفت وثيقة صادرة عن هيئة النزاهة، وموجهة إلى البنك المركزي، عن عملية فساد تتعلق بمنح الأخير قروضا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية، كانت مقررة كسبب لحصولهم على القروض، في ظل تجاهل البنك المركزي لقرار محكمة تحقيق الرصافة المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الاقتصادية، القاضي بإجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام.
وبحسب الوثيقة الصادرة عن هيئة النزاهة في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2023 وتحمل العدد (م ت ب/ت/ ٢٢٣٢ق/ ٢٠٢٢/ ٣٥٦٥٠)، فإن الهيئة طالبت البنك المركزي بإعلامها "ما تم بصدد تأليف لجنة تحقيقية تتولى إجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام إن وُجد عن موضوع القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع الذين هم أنفسهم مالكي المصارف الأهلية التي تأخذ القروض ليتم استغلالها لشراء الدولار والمتاجرة لها والاستفادة من أرباحها، ليتسنى لنا إجراء اللازم".
وتكشف الوثيقة عن صدور كتاب رسمي سابق يحمل العدد (م ت ب/ت/2232ق/ 2022/ 31889 ومؤرخ في 14 تشرين الثاني نوفمبر 2023) يطالبه فيها بفتح تحقيق في منح أصحاب المصارف الأهلية، قروضا ضمن مبادرة القروض الاستثمارية، مع ذهاب تلك الأموال لشراء الدولار من مزاد العملة والاستفادة من الأرباح.
*البنك المركزي لم يرد
في السابع من نيسان الماضي، كشف مصدر مسؤول، أن "البنك المركزي لم يرد على هيئة النزاهة حتى الآن، على الرغم من مرور قرابة خمسة أشهر على استلامها كتابا من هيئة النزاهة بهذا الخصوص، ودون معرفة ما إن كان قد فتح تحقيقا أم لا".
وبين، أن “المبادرة التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة أعوام، تخص المشاريع الكبيرة، ويصل مبلغها إلى ثلاثة تريليونات دينار (نحو ملياري دولار)، ذهب نصفها أو يزيد، إلى قروض لأصحاب المصارف الخاصة، بهدف إنشائهم مشاريع استثمارية، تبين فيما بعد أن معظم تلك المشاريع وهمية”.
ويلفت إلى أن “شبهات الفساد تحوم حول دور موظف رفيع في البنك المركزي، متورط في هذا الملف، كان يقف وراء منح قروض المشاريع الوهمية لأصحاب المصارف الأهلية، بغرض استثمارها في مزاد العملة”.
يذكر أن البنك المركزي، أطلق أكثر من مبادرة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وهذه الأخيرة خصصت لها مبالغ كبيرة، تصل لأكثر من 250 مليون دينار، على عكس القروض الأخرى التي تصل لـ50 مليون دينار في أعلى حد لها.
وكان نائب محافظ البنك المركزي العراقي عمار حمد خلف، قد أكد في 5 نيسان الماضي، أن حجم مبادرات البنك للمواطنين وصل إلى 13 ترليون دينار، مشيرا إلى أن قروض الإسكان مستمرة، وأنها تشمل أربع فئات هي الشباب ومنتسبي القوات الأمنية والموظفين والمتقاعدين.
*تسويف مستمر
وحتى يوم أمس السبت، كشف مصدر مطلع، أن “عمليات التسويف لملف الفساد المتعلق ببيع الدولار في البنك المركزي مستمرة، جراء عدم متابعة تشكيل اللجان التحقيقية المطلوب تشكيلها من قبل القضاء وهيئة النزاهة للتحقيق في هذا الملف”.
ويضيف المصدر، أن “مسؤولا كبيرا بالبنك المركزي يدعى (ع. ح. خ) هو من يقوم بتسويف تلك القضية وعدم المتابعة أو إجراء أي تحقيق حقيقي يخص هذا الملف”، لافتا إلى أنه “اكتفى بلجنة من صغار الموظفين لا تملك القدرة أو الصلاحيات للقيام بتحقيق شفاف وعادل”.
ويتابع “بعد التقصي، اتضح أن معظم عمليات نافذة بيع العملة الأجنبية، ومنها بيع الدولار للمسافرين الذي أشارت إليه الوثيقة تتم بتوقيع من هذا المسؤول، وبالتالي فهو المسؤول عن ضياع هذه الأموال”.
ويلفت المصدر، إلى أن “المعلومات الموثوقة تشير أيضا إلى أن دائرة العمليات المالية الملغاة في البنك (في زمن العلاق) هي المسؤولة عن معظم القروض الممنوحة للمصارف والتي تصل لمئات المليارات”، لافتا إلى أن “هذه الدائرة كان يشرف عليها (ع. ح. خ) بصفته مشرفا على عدد من الدوائر، وبالتالي فهو المسؤول عن ترويج ومنح القروض لتلك المصارف”.
*إغراء فرق العملة
في السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن هذه القروض كان من المفترض أن تموّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن ما حصل أن المقترض عندما يقدم معاملته إلى أحد المصارف التجارية يتم سحب أموال القرض من البنك المركزي، ثم تحصل عراقيل متعمدة من هذه المصارف في إنجاز معاملات المقترضين وأصحاب المشاريع قد تستمر أسابيع أو أشهر.
وأشار المشهداني، إلى أن “هذه الأموال التي استحصلت من البنك المركزي يتم استخدامها من قبل المصارف لشراء العملات الأجنبية وتحقيق هامش من الربح بسبب فرق العملة”.
وأشار إلى أن “هذا الأمر واضح ومؤشر إذ تأخر تنفيذ هذه المبادرات طويلا، وكان من المفترض أن تصرف أموال القروض خلال سنة واحدة لكنها تأخرت سنوات عدة”.