"كرماء وكريمات النسب".. كيف تتعامل الدولة مع هؤلاء الأطفال بعد اكتشافهم؟

سقوط الموصل فاقم الظاهرة؟
"كرماء وكريمات النسب".. كيف تتعامل الدولة مع هؤلاء الأطفال بعد اكتشافهم؟
انفوبلس/..
في أعقاب سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي في عام 2014، شهد العراق موجة غير مسبوقة من النزوح والاضطرابات الاجتماعية التي أثرت على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك التركيبة السكانية والهوية الشخصية للكثير من الأفراد. من بين الظواهر التي برزت خلال هذه الفترة، كانت زيادة أعداد كرماء النسب، وهو المصطلح الذي يُطلق على الأشخاص الذين يُجهل نسبهم الحقيقي، سواء بسبب فقدان الوثائق الرسمية، أو الولادات خارج إطار الزواج، أو تبعات الحرب والنزوح.
*تصاعد الظاهرة بعد 2014
بحسب تقارير رسمية وشهادات ناشطين اجتماعيين، فإن عدد كرماء النسب في العراق شهد ارتفاعًا ملحوظًا بعد سقوط الموصل، نتيجة لعدة عوامل رئيسية، منها ان "سيطرة داعش على مناطق واسعة من العراق، رافقها اختفاء آلاف الأشخاص، إما بسبب القتل الجماعي، أو الاعتقال، أو النزوح القسري. كثير من الأطفال فقدوا آباءهم، وبعضهم وُلد في ظروف غير موثقة، مما جعل إثبات نسبهم صعبًا للغاية".
كما أن واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا كانت قضية النساء الإيزيديات اللاتي تعرضن للاستعباد الجنسي، وأسفر ذلك عن ولادات غير موثقة. بسبب العادات الاجتماعية والتقاليد، وجدت العديد من الأمهات صعوبة في تسجيل أطفالهن رسميًا، ما دفع السلطات إلى التعامل مع هؤلاء الأطفال تحت مسمى كرماء النسب، وفق هذه التقارير.
وأشارت إلى أنه "خلال سنوات الحرب ضد داعش، تم تدمير الكثير من دوائر النفوس والسجلات المدنية، ما أدى إلى فقدان وثائق العديد من العائلات، وجعل بعض الأطفال بلا أوراق ثبوتية، مما صعّب إثبات نسبهم لاحقًا".
وبينت، أن "ملايين العراقيين اضطروا إلى ترك منازلهم خلال الحرب، ومع غياب بيئة قانونية مستقرة، وُلد العديد من الأطفال في المخيمات أو خلال فترات النزوح دون تسجيل رسمي، مما أدى إلى زيادة أعداد كرماء النسب".
ويواجه كرماء النسب في العراق تحديات كبيرة، حيث يُحرمون من بعض الحقوق الأساسية مثل الحصول على الجنسية العراقية، والرعاية الصحية، والتعليم، والعمل في وظائف حكومية. كما أن بعضهم يعاني من التمييز الاجتماعي، خاصة في المجتمعات التقليدية التي تولي أهمية كبيرة للنسب والهوية العائلية.
*هل يمتلكون هوية عراقية؟
"حالات رمي الأطفال في الشوارع والمستشفيات "اللقطاء"، حالات فردية وقليلة جداً، وهذه الحالات هي ليست ظاهرة او منتشرة بكثرة في العراق، بل هي حالات جدا قليلة ونادرة "، هذا ما تحدث به رئيس البيت العراقي للإبداع لرعاية أطفال الشوارع والايتام هشام الذهبي.
وقال الذهبي إن "رعاية هؤلاء الأطفال من اختصاص وزارة العمل ومحافظة بغداد ودور الايتام، ويتم التعامل مع هكذا حالات من قبل الجهات الحكومية المختصة"، مشيراً الى أنه "في حال كان عمر الطفل اقل من سنة، فيتم إعطاء هذا الطفل تبني، وهذا الامر يتم عبر تقديم رسمي من قبل بعض العوائل وهناك عوائل تنتظر دورها لتبني بعض الأطفال، وبعدها يتم تسجيل هذا الطفل باسم العائلة التي تأخذه وفق إجراءات رسمية".
وأضاف أن "الطفل إذا كان كبير في العمر، فيتم اعطاءه هوية "كرماء النسب"، وهذه الهوية لا تختلف عن هوياتنا ولا أحد يعرفها ولا أحد يفرقها عن الهويات الأخرى الا بعض ضباط وزارة الداخلية المسؤولين عن هذا الملف".
*أرقام "مقلقلة" تنذر بالخطر في المجتمع
وخلال الآونة الأخيرة، شهدت مدن مختلفة تتصدرها الموصل، حالات رمي لأطفال في أماكن مختلفة بل حتى في مكبات النفيات.
وتنص المادة 383 من قانون العقوبات العراقي على عقوبة الحبس لأي شخص يترك طفلاً في مكان خال من الناس بحيث يعرضه للخطر والجوع.
من جهته، قال الباحث الاجتماعي والنفسي فالح القريشي، إن "ظاهرة رمي الأطفال في الشوارع والمستشفيات بدأت تنتشر في المجتمع العراقي نتيجة تفكك النسيج الاجتماعي وتاثير "المراهقين" بمواقع التواصل الاجتماعي مع وجود الأفلام الإباحية والانفتاح على عادات المجتمع الغربي، وقلة الالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية والعشائرية".
وأضاف أن "رمي الأطفال "اللقطاء" في الشوارع والمستشفيات، غالباً ما تتم للأطفال الذين يأتون بطرق غير شرعية وليس عن الطريق الزواج"، مؤكدا أنه "لهذا السبب يتم التخلص من هؤلاء الأطفال برميهم بالشوارع والمستشفيات، وقد يصل الامر في بعض الأحيان لرمي هؤلاء الأطفال في حاويات النفايات وهذه من أخطر الظواهر الدخيلة على العراق".
وأشار القريشي الى أن "الطفل "اللقيط" يشكل خطر حقيقي على المجتمع العراقي، خصوصاً ان هذا الطفل عندما يكبر سوف يشعر بنقص كبير جداً، وستتشكل لديه عقدة دونية بالمستقبل، الامر الذي يجعله جاهزاً ومهيئابالمستقبل بأن يكون إرهابيا او سارقا او مجرماً أو تاجر للمخدرات او متعاطي لها، او ربما يكون منتحراً بسبب نظرة المجتمع له".
وأكد الباحث الاجتماعي أنه "هناك تقصيرا حكوميا في مواجهة حالة رمي الأطفال "اللقطاء" في الشوارع والمستشفيات، ولهذا يجب الاهتمام بهذه القضية من قبل الجهات ذات الاختصاص، لما له الحالات من خطورة على المجتمع العراقي".
*قرارات
ويرى القاضي ناصر عمران الموسوي ان قانون الاحوال المدنية رقم 23 لسنة 1974 حدد الطريقة التي يسجل بها مجهول النسب في المادة (24) وهي من آليات تنظيم تسجيل مجهولي النسب، ومن في حكمهم وجاءت ببنود مهمة تضمنت كيفية تسجيلهم، مشيرا الى أن بنده الاول ينص على أن تدون شهادة ولادة مجهول النسب الصادرة وفقا للقانون تسجيل الولادات والوفيات عند تسليمها في سجل مجهولي النسب المعد في ديوان المديرية.
ونوه بأن البند الثاني يتضمن تنظيم من تم الحاقه باسرة او اي شخص، اذ يرحل مجهول النسب من السجل المذكور في الفقرة 1 من هذه المادة الى صحيفة طالبي الالحاق في السجل المدني بقرار من المدير العام، استنادا الى القرار الصادر من المحكمة المختصة بشأن الحاقه على الا يتضمن قرار المديرية او القيد في السجل المدني ما يشير الى ظروف الولادة.
واكد ان البند الثالث منه يشير الى ترحيل قيد مجهول النسب الى السجل المدني، بناء على طلب المؤسسة او دار الايتام المودع فيها في حال عدم صدور قرار من المحكمة المختصة بالحاق مجهول النسب بأحد، موضحا وفي البند الرابع تنظم حالة التسجيل التي لم تجد طلبا من المؤسسة او الحاقا بأحد طبقا لقرار محكمة الاحداث.
*السريَّة وسجل اللقطاء
واشار الموسوي الى انه في حالة عدم صدور قرار من المحكمة المختصة بالحاق مجهول النسب وعدم طلب المؤسسة ذلك ومرور سنة واحدة على تسجيله في سجل اللقطاء، يقرر المدير العام ترحيل القيد الى السجل المدني في صحيفة خاصة بالمؤسسة او دار الايتام المودع فيها، مضيفا ان البند الخامس تم تنظيمه للايضاحات الواردة في القيد للحالات المنظمة، اذ نص في حالة مجهول النسب وفق الفقرتين (3و4)، اذ ان هذه المادة وصدور قرار نهائي بالالحاق من محكمة مختصة بعد ذلك يرحل القيد بقرار من المدير العام الى صحيفة طالبي الالحاق طبقا للايضاحات الواردة في قرار المحكمة المذكور.
ونبه الى ان السجلات المنظمة لحالة مجهول النسب وظروف تسجيله تبقى محاطة بالسرية والكتمان ولا يشار الى ظروف حالته في السجل وهي من ضمانات المعالجة لحالة مجهول النسب، فضلا عن ان الاجراء الاول المتخذ من القاضي بشأن الاخبار عن حالة مجهول النسب هو ايداعه لدى المخبر لحين مفاتحة محكمة الاحداث بشأنه واتخاذ قرارها المناسب في تقرير مصيره، منوها بأن عند تعذر ايداعه لدى المخبر بناء على طلبه او لاي سبب كان فان للقاضي صلاحية ايداعه من اجل المحافظة عليه لدى مختار المنطقة او شخص معروف ويتعهد بالمحافظة عليه واعادته الى المحكمة لحين الطلب وتقرير مصيره من قبل محكمة الاحداث.
*الحق في التعليم
وبينت عضوة جمعية العلاج النفسي العراقية والتدريسية في إحدى الجامعات الأهلية الدكتورة اسراء كريم الزيدي المتخصصة بالارشاد النفسي أن المآسي البشرية والاجتماعية التي حلت بالمجتمع لها اثر بالغ في جوانب عديدة، ويعد الاطفال اصحاب النصيب الاكبر منها، اذ تعتبر ظاهرة مجهولي النسب وبقاء الطفل بلا اهل يقومون برعايته وتربيته أكثرها وضوحا، مؤكدة على أن قيام احدى الاسر أو المؤسسة بتبني طفل والتكفل بتربيته ورعايته له أهمية كبيرة، إذ يجب أّلا يتعاملوا مع الأمر وكأنه موضوع تسلية أو لعبة أو أن يسمحوا لمزاجيتهم بالتحكم بالطريقة التي سوف يتعاملون بها معه.
وأضافت ان لهذا الطفل حقوقا، منها أن يتم التعامل معه وكأنه طفلهم الحقيقي وعدم تفرقته عن باقي الاطفال واشعاره بأنه أقل منهم، فضلا عن عدم السخرية منه أو الانتقاص، لأن ذلك يكون أقرب الى الاسترقاق منه الى التبني، كما يجب رعايته صحيا وتربويا والسعي للحصول على حقه في التعليم والدخول الى المدارس والمؤسسات التربوية، كي يتمكن من النجاح وتحقيق مستوى أفضل في المجتمع.
واوضحت الزيدي أن الكثير من الدراسات أشارت إلى أن الهوية مطلب أساس بالنسبة للانسان، لذلك حين تكون مشوهة أو غامضة تجعل البناء النفسي له هشاً أو مشوهاً، والسؤال الذي يطرح دوماً ما هو التوقيت المناسب لاخبارالطفل عن نسبه؟، الاجابة تتوقف على عوامل عدة ولكل طفل سيناريو خاص مناسب له، لكن أفضل وقت هو ما بين الثانية والرابعة من عمره، إذ يتم اعطاء معلومات عن الموضوع بطريقة مبسطة تناسب مرحلته العمرية، اذ ان هذا الطفل قد جاء الى الحياة بغير ذنب جناه ويقول الباري عز وجل (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) لذا فمن أبسط حقوقه أن ينعم بالحياة كأي طفل وأن تبذل كل الجهود لرعايته كي ينشأ بشكل اقرب للطبيعي، وأن نحفظ له كرامته كإنسان وندعمه بتشكيل هويته النفسية.