كهرباء العراق بين الغاز الإيراني والتعطيل الأمريكي لاتفاق تركمانستان.. ما الحل؟
انفوبلس/ تقارير
في ظل توقف إمدادات الغاز الإيراني عن العراق لأغراض الصيانة، لجأت وزارة الكهرباء إلى تركمانستان كبديل لتوريده، لكن ثمّة معوّق أساسي يبرز في كل محاولة للعراق للتقدم، وهو واشنطن، التي عطّلت هذه الخطوة بالتزامن مع تراكم مستحقات طهران في المصرف العراقي للتجارة وبالتالي استمرار الأزمة، فما مصير هذا الاتفاق؟ وما أبرز الحلول المقترحة للحصول على كهرباء؟
توقف إمدادات الغاز الإيراني
قبل أيام، أعلنت وزارة الكهرباء، عن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوما، مما تسبب في فقدان 5.5 غيغا واط من الطاقة الكهربائية من شبكتها الوطنية.
وذكرت الوزارة في بيان ورد لشبكة انفوبلس، إن الإمدادات انقطعت "عن بغداد والمنطقة الوسطى ومحافظات الفرات الأوسط"، مؤكدة أنها سترفع تنسيقها مع وزارة النفط لتعويض ما خسرته المنظومة من الغاز، ولم يتضح متى بدأ التوقف الذي يستمر 15 يوما.
وبيّنت، إنها "تنفذ حاليا خططها الاستراتيجية والطارئة لرفع قدرات المنظومة الكهربائية الوطنية بجميع قطاعاتها إنتاجا ونقلا وتوزيعا، وتعيد العمل بالمشاريع المتوقفة منذ سنوات عديدة للحصول على طاقات توليدية كانت ضائعة وغير مستغلة لتحسين الإنتاج ورفع معدلاته".
وأضافت، إنها تعتمد على "جزء من تشغيل محطاتها الإنتاجية بالغاز الوطني، وجزء آخر منها بالوقود الوطني، وآخر على الغاز المستورد ريثما تكتمل مشاريع الحكومة العاملة على تأهيل حقول الغاز الوطنية".
وذكر البيان، إن الوزارة ستنسق مع وزارة النفط لتعويض ما خسرته المنظومة من غاز، ودعت الوزارة الجميع إلى "مراعاة الظرف الخارج عن السيطرة والمحافظة على الأحمال إلى حين إكمال أعمال الصيانة ومعاودة ضخ الغاز بالكميات المطلوبة".
وزارة الكهرباء: لا غنى عن الغاز الإيرانية وتوقفه ليس مقصودا
بعد ذلك، كشف المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، أمس السبت، آخر تفاصيل توقف إمدادات الغاز الإيراني.
وقال موسى في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، إنه "لا يوجد غنى عن الغاز الإيراني في الوقت الحالي والأزمة لا تعدو كونها أعمال صيانة". مبينا، إن "هناك برقية رسمية من قبل الجمهورية الإسلامية تنص على أن توقف إمدادات الغاز للمناطق الوسطى وبغداد جاء لغرض الصيانة".
وأضاف، إن "العراق ينتظر من الجمهورية الإسلامية إعادة ضخ الغاز حال اكتمال المهلة التي طلبها الجانب الإيراني".
وأشار موسى إلى، أن "الغاز الإيراني ضروري باعتبار أن الغاز الوطني لا يكفي لسد الحاجة رغم أن هناك جهود كبيرة لاستثماره".
وتابع: "لدينا عقد مع الجمهورية الاسلامية في إيران ينص على أن تزود العراق لمدة 5 سنوات بالغاز لغاية اكتمال الغاز الوطني".
اتفاق العراق وتركمانستان لتوريد الغاز.. تفاصيله ومصيره ومستحقات طهران في الـ"تي بي آي"
يكتنف الغموض ملف استيراد الغاز من تركمانستان عبر الأنابيب الإيرانية، لاسيما وأن العراق يعاني حاليا من توقف إمدادات الغاز الإيراني ما تسبب بأزمة تجهيز الطاقة الكهربائية، ورغم هذا لم يدخل العقد مع تركمانستان حيز التنفيذ رغم مرور شهرين على توقيعه.
العقد المبرم مع تركمانستان، والذي من المفترض أن يحل جزءا من أزمة توريد الغاز للعراق، وبحسب وزارة الكهرباء فإنه لا يزال معلقاً وبانتظار إكمال الإجراءات المالية، التي تقع على عاتق المصرف العراقي للتجارة، دون توضيح سبب تأخيرها، خاصة وأنها بعيدة عن العقوبات على إيران، فالأخيرة ستأخذ نسبتها من استخدام الأنانبيب كغاز وليس أموال.
ويقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، إن “تركمانستان لم تباشر بتصدير الغاز للعراق حتى الآن رغم توقيع الاتفاق بين البلدين".
ويضف موسى، إن “الجانب التركمانستاني من المفترض أن يباشر بالتصدير في يوم استلام الدفعة الأولى من الأموال”، موضحا أن “سبب التأخير، مرتبط بإجراءات المصرف العراقي للتجارة، فهو من المفترض أن يفتح اعتماد وحساب للجانب التركمانستاني، حتى تضع فيه الحكومة العراقية المبالغ المطلوبة، ويتم إشعاره بذلك، لكن حتى الآن لم يتم حل هذا الأمر، ولم يصلنا إشعار بالانتهاء من فتح الاعتماد، دون معرفة تفاصيل التأخير".
ويوضح المتحدث باسم الوزارة، إن “هذه هي التفاصيل التي تعرقل ملف الغاز التركمانستاني، ولا صحة لما يُشاع حول بدء التصدير واستحواذ الجانب الايراني على كميات الغاز المرسلة من تركمانستان للعراق عبر الأنابيب الممتدة في الأراضي الايرانية".
ومؤخرا، تداول العديد من الناشطين ووسائل الإعلام، أنباء مفادها دخول العقد مع تركمانستان لاستيراد الغاز، حيز التنفيذ، وتم ضخ الغاز عبر الأنابيب الإيرانية بهدف إيصالها للعراق، لكن الجانب الإيراني استحوذ عليها، وسيكون العراق ملزماً بدفع أموال هذا الغاز، الذي لم يصله.
ووقعت وزارة الكهرباء، في 6 تشرين الأول أكتوبر الماضي، اتفاقية مع تركمانستان لتوريد الغاز إلى العراق بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، لافتة إلى أن شركة لوكستون إنرجي السويسرية ستورد الغاز من تركمانستان للعراق عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل.
وجاء التوقيع، بعد أن قام رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تشرين الأول أكتوبر من العام الماضي، بتوقيع مذكرة تفاهم لاستيراد الغاز من تركمانستان.
وبحسب وزير الكهرباء، زياد علي فاضل، فإن هذه الخطوة ستسهم بشكل ملموس في ضمان تزويد المحطات الغازية بالوقود اللازم، وتساهم حالياً بنحو 60 بالمئة من إجمالي إنتاج الكهرباء في العراق.
من جانبه، يبين عضو لجنة الكهرباء والطاقة النيابية، كامل عنيد، أن “العراق لم يرسل لغاية الآن أي مبلغ مالي إلى تركمانستان للمباشرة بتطبيق الاتفاق".
ويتابع، إن “الغاز التركمانستاني في حال بدء تصديره سيكون للعراق اطلاع على كمياته وأوقات وصوله وتفاصيل الشحنات، لكن لم يدخل الاتفاق للآن حيز التنفيذ بسبب معرقلات في إرسال المبالغ المتفق عليها من الجانب العراقي".
يشار إلى أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ذكرت أن العراق أشعل 629 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بسبب عدم كفاية خطوط الأنابيب والبنية التحتية لغاية الآن، مبينة أن هذه الكمية المحترقة من الغاز تكفي لإمداد 3 ملايين منزل بالطاقة.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويا الى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط، وبحسب تقديرات دولية، فإن هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويا، أو ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من إيران.
بالمقابل، يؤكد بعض خبراء الطاقة، أن الولايات المتحدة هي من تعرقل توريد الغاز من تركمانستان إلى العراق لكونه يتم عبر الأنابيب الإيرانية.
ويؤكد هؤلاء، أن إيران لم تتحصل على كامل مبالغها من العراق وما زالت متكدسة في المصرف العراقي للتجارة بسبب العقوبات الأميركية، بالمقابل تعمل واشنطن على تعطيل اتفاق العراق وتركمانستان بغية حرمان إيران من الغاز الذي ستتحصل عليه كون أنابيبها ستكون ناقلة له.
ما الحل لنحصل على كهرباء؟
إحدى الحلول المقترحة هي دخول القطاع الخاص العراقي أو الشركات العالمية للاستثمار في مجال الغاز الطبيعي والغاز المصاحب لحقول النفط، حيث يمتلك العراق كميات كبيرة من الغاز يمكن استغلالها لتشغيل محطات توليد الكهرباء، ومع ذلك، تواجه هذه الحلول تحديات عديدة مثل نقص الاستثمارات والمال، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية لحل المشكلة، وفق ما قاله الخبير في شؤون الطاقة والكهرباء، عباس الشطري.
وأشار الشطري إلى أن العراق لجأ مؤخرا إلى عقد اتفاق مع تركمانستان للحصول على كمية إضافية من الغاز، ولكن هذا الاتفاق يواجه تحديات كبيرة، حيث يتم نقل الغاز عبر إيران، والتي تعاني من مشاكل في إمدادات الغاز خلال فصل الشتاء بسبب انخفاض درجات الحرارة.
وخلص الشطري إلى القول، إن قطاع الطاقة الكهربائية في العراق سيعاني لفترة طويلة قبل أن تجد الحكومة حلا جذريا لهذه المشكلة، وذلك بسبب التحديات العديدة التي تواجه القطاع، والتي تتطلب حلولا شاملة وطويلة الأجل.
لم يكن حل الشطري هو الوحيد، بل أعلنت وزارة الكهرباء امس الأول الجمعة، استمرار الأعمال المدنية لمشروع محطة (كربلاء للطاقة الشمسية)، الذي يُعد الأول من نوعه في العراق في إطار تنويع مصادر الطاقة وعدم الاقتصار على مصدر واحد.
وأوضح بيان صادر عن المكتب الإعلامي لوزير الكهرباء ورد لشبكة انفوبلس، إن "الطاقة التوليدية للمشروع 300 ميغاواط، وهو جزء من مشاريع أوسع بإجمالي سعة 525 ميغاواط تشمل عدة محافظات من الفرات الأوسط".
وأشار إلى، أن "مدة التنفيذ للمشروع (المرحلة الأولى) 365 يوماً"، مبيناً أن "مساحة المشروع 4000 دونم في قضاء الحر محافظة كربلاء".
وعن مراحل الإنجاز، أكد البيان بأنه "سيتم نصب 40 ألف لوح شمسي بحلول الشهر الثاني من العام القادم، من أصل 500 ألف لوحة مطلوبة للمشروع".
واعتبر البيان، أن "هذا المشروع يمثل نقلة نوعية في استخدام مصادر الطاقة النظيفة في العراق، ويأتي ضمن توجيهات وزير الكهرباء زياد علي فاضل، لتطوير منظومة الطاقة واعتماد المشاريع الاستراتيجية، بما يسهم في تعزيز استدامة الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد".